أبحاث

طرد باعة من الهيكل – إنجيل لوقا 20 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

طرد باعة من الهيكل – إنجيل لوقا 20 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

طرد باعة من الهيكل – إنجيل لوقا 20 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

طرد باعة من الهيكل – إنجيل لوقا 20 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
طرد باعة من الهيكل – إنجيل لوقا 20 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو45:19ـ48،1:20ـ2): ” وَلَمَّا دَخَلَ الْهَيْكَلَ ابْتَدَأَ يُخْرِجُ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِيهِ قَائِلاً لَهُمْ: مَكْتُوبٌ أَنَّ بَيْتِي بَيْتُ الصَّلاَةِ. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ. وَكَانَ يُعَلِّمُ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْهَيْكَلِ وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ مَعَ وُجُوهِ الشَّعْبِ يَطْلُبُونَ أَنْ يُهْلِكُوهُ، وَلَمْ يَجِدُوا مَا يَفْعَلُونَ لأَنَّ الشَّعْبَ كُلَّهُ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ يَسْمَعُ مِنْهُ. وَفِي أَحَدِ تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ كَانَ يُعَلِّمُ الشَّعْبَ فِي الْهَيْكَلِ وَيُبَشِّرُ، وَقَفَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ مَعَ الشُّيُوخِ وَقَالُوا لَهُ: قُلْ لَنَا بِأَيِّ سُلْطَانٍ تَفْعَلُ هَذَا أَوْ مَنْ هُوَ الَّذِي أَعْطَاكَ هَذَا السُّلْطَانَ؟“.

 

          مكتوب أنه ” يوجد دائمًا نور للبار، أما نور الأشرار فينطفئ” (أم9:13 س)، لأن الله الآب يمنح نور المعرفة الحقيقية غير المنطفئ الخاص بالرؤيا الحقيقية لله لأولئك الذين يقبلون بر المسيح، فهو يكشف لهم الابن، كما قال أيضًا المخلِّص نفسه في موضع ما لليهود: ” لا تتذمَّروا فيما بينكم، لا يقدر أحد أن يُقبـِل إلىَّ إن لم يجتذبه الآب الذى أرسلنى” (يو43:6و44) لكنه ـ طبعًا ـ يجذب بالنور والمعرفة، وبرُبط المحبة (انظر هو4:11). أما بالنسبة لأولئك الذين لا تميل إرادتهم إليه، وعن شر يرفضون وصايا المسيح، فحتى ذلك النور الذى لهم في أذهانهم من وصية موسى، يتلاشى وينطفئ، وتحل ظلمة الجهل مكانه.

          أما كون هذا الأمر حقيقي، وأنه هو الوضع الحقيقي للحالة، فهذا ما يثبته لنا عَمَى اليهود، لأنهم كانوا في ظلمة وغير قادرين على رؤية مجد الكلمة ـ الذي صار إنسانًا لأجلنا ـ رغم أنه كشف نفسه لهم بعمل معجزات كثيرة وبسلطان إلهي. وأحد الأمثلة على ذلك هو ما حدث في الهيكل، فقد كان في الهيكل جمع كثير من التجار وآخرون أيضًا من المذنبين بمحبة الربح القبيح وأعنى الصيارفة والعاملين على موائدهم، وبائعي الثيران وتُجَّار الخراف وبائعي الحمام واليمام، وهذه كلها كانت تُستخدم في الذبائح بحسب المراسيم الشرعية. لكن قد آن الأوان لانتهاء الظل ولكى يلمع الحق، ويَظهر الجمال البديع للطريق المسيحي، وأمجاد الحياة النقيَّة، والرائحة العقليَّة الحلوة التي للعبادة بالروح والحق.

 

          ولهذا السبب فإن الحق ـ أي المسيح تصرَّف بمنتهى الصواب ـ إذ هو مُكرَّم أيضًا مع أبيه في هيكلهم ـ فأمر أن تُحمل تلك الأشياء ـ المرتبطة بالناموس، خارجًا، حتى ولو كانت تختص بالذبائح ومحرقة البخور، وأنه يجب أن يظهر الهيكل بوضوح أنه بيت للصلاة، لأن هذا هو ما يعنيه بالتأكيد انتهار (المسيح) للباعة وطردهم من الأروقة المقدَّسة حينما كانوا يبيعون ما كان لازمًا للذبائح. كما يلزمنا أن نلاحظ أنَّ واحدًا آخر من الإنجيليين الأطهار يذكر أن الرب لم ينتهر الباعة بالكلام فقط بل وصنع أيضًا سوطًا من حبال وهدَّدهم بالضربات (يو15:2)، لأنه يليق بالذين أكرموا العبادة الشرعية أن يعرفوا بعد ظهور الحق، أنهم باحتفاظهم بروح العبودية وبرفضهم أن يصيروا أحرارًا، فإنهم يصيرون عُرضة لضربات ومعرَّضون للعذاب المرتبط بالعبودية. لذلك فإن مخلِّص ورب الكل أظهر مجده لمنفعتهم حتى يؤمنوا به، فبسبب أنه يملك سلطانًا على الهيكل فهو يعتنى به، وأيضًا يدعو الله أباه. وكما كتب ذلك الإنجيلي الآخر، فإنه قال للباعة: ” لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة” (يو16:2)، ومكتوب أيضًا ” بيتي بيت صلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص” (مر17:11)، لذلك كان من واجبهم، وأقول أيضًا: كان من واجبهم، بالأحرى أن يعبدوه على أنه هو مع الله الآب، رب الهيكل. ولكنهم في حماقتهم العظيمة لم يفعلوا هذا بل إذ كانوا بالأحرى متلهفين للبغضة بطريقة وحشيَّة، فإنهم أقاموا ضده شوكة الحسد الحادة وأسرعوا إلى القتل الذى هو قريب الحسد وشقيقه، لأنه (يقول) ” إنهم طلبوا أن يهلكوه ولم يجدوا ما يفعلون لأن الشعب كله كان متعلقًا به يسمع منه “. ألا يجعل هذا الكتبة والفريسيين وكل رؤساء اليهود يستحقُّون عقوبة ثقيلة جدًّا؟ إن كل الشعب وهم غير متعلِّمين كانوا يتعلَّقون بالتعاليم المقدَّسة ويشربون كلمة الخلاص كالمطر، كما كانوا أيضًا مستعدين أن يثمروا ثمار الإيمان وأن يحنوا أعناقهم لوصاياه، أما الذين كانت وظيفتهم أن يستحثُّوا شعبهم على هذا الشيء عينه، فقد تمردوا بطريقة وحشيَّة وبخبث يطلبون فرصة ليقتلوه، ويركضون على الصخور بعنف غير مكبوح، رافضين الإيمان بل وبِشَرٍّ يمنعون الآخرين أيضًا.

 

          وكيف لا يكون ما قلته صحيحًا؟ فإن المخلِّص نفسه وبَّخهم قائلاً: ” ويل لكم أيها الناموسيون لأنكم أخذتم مفتاح المعرفة، ما دخلتم أنتم والداخلون منعتموهم” (لو52:11). لذلك فإنهم قاموا ضدَّ المسيح بينما كان يعلِّم ويستدعوه بحسد وببغضة وقالوا له: ” قُل لنا بأي سلطان تفعل هذا أو من هو الذى أعطاك هذا السلطان؟” ويقولون، إن الناموس الذى أعطاه موسى والوصايا التى تُنظِّم فرائضنا هذه، اشترطت أنَّ الذين من نسل لاوي فقط هم الذين يقتربون لتتميم هذه الواجبات المقدَّسة، فهم يقدِّمون الذبائح وينظِّمون كل ما يُعمل في الهيكل الإلهي، ولهم أُعطِيَت وظيفة التعليم وإدارة الأعمال المقدَّسة. أما أنت ومع أنك من سبط آخر، لأنك طلعت من سبط يهوذا، فقد استوليتَ على الكرامات المخصَّصة لنا، ” فمن أعطاك هذا السلطان؟” أيها الفريسي الأحمق تعال ودعني أخبرك بشيء لا تستطيع أن تناقضه إذا ما دافعت أمامك عن قضيَّة المسيح مخلِّصنا كلنا. لو كنت على دراية بالأسفار المقدسة الموحى بها من الله وعلى علم بكلام ونبوات الأنبياء القديسين، فربما كنتَ ستتذكَّر الطوباوي داود الذي يقول بالروح عن المسيح مخلِّص الكل: ” أقسم الرب ولن يندم أنك أنت كاهن إلى الأبد على طقس ملكيصادق” (مز4:109س)، لذلك اشرح لى هل هناك أى فريسي أو أى كاتب خدم الله على رتبة ملكيصادق، هذا الذى بارَك إبراهيم وقَبِل منه العشور؟ وكما كتب بولس الحكيم جدًّا قائلاً: “وبدون كل مشاجرة (مناقضة) الأصغر يُبارَك من الأكبر” (عب7:7) لذلك فإن أصل وبداءة وجود إسرائيل ذاته الذى هو إبراهيم أبو الآباء ـ قد تبارَك بواسطة كهنوت ملكيصادق، أما ملكيصادق وكهنوته فكان مثالاً للمسيح مخلِّصنا جميعًا الذي صار رئيس كهنتنا ورسول اعترافنا، الذي يُقرِّب إلى الله الآب الذين يؤمنون به لا عن طريق ذبائح دموية وتقدمات بخور، بل يكمِّلهم للقداسة بواسطة خدمة أعلى من الناموس، لأن ” لنا رئيس كهنة مثل هذا قد جلس في يمين عرش العظمة في السموات” (عب1:8).

 

          الفرق بين الخدمتين عظيم جدًّا: لأن مخلِّص الكل ككاهن لله الآب يقدِّم اعتراف إيماننا، وينبوع الرائحة الروحية الطيِّبة، ” لأن الله روح والذين يسجدون فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا” (يو24:4).

          أما الذبائح الدموية التى يُقدِّمونها فهي لا تُسرَّ الله، إذ قال لهم أيضًا ” بغضتُ، وكرهتُ أعيادكم، ولستُ ألتذ باعتكافاتكم، وإذا قدَّمتم لي محرَقاتكم وذبائحكم، فإني لا أقبلها، ولا ألتفت إلى خلاص وجوهكم، أبعد عنى ضجة أغانيك، ونغمة آلاتك (الموسيقية) لا أسمع” (عا21:5ـ23س).

          افهموا إذن أنه يقول إنه أبغض أعيادهم وكذلك أيضًا تسابيحهم وذبائحهم رفضها. ومع ذلك فإن الله يُسرُّ بالتسبيح، ولكن ليس بأفواه نجسة أو بلسان دنس، لأنه مكتوب في سفر المزامير: ” وللشرير قال الله ما لك تتحدث بوصاياي وتحمل عهدي على فمك وأنت قد أبغضتَ التعليم وألقيتَ كلامي خلفك؟“(مز16:49و17س). وأيضًا قال ” لا تعودوا تدوسوا دوري، فإن قدَّمتم لي تقدمة (دقيق) فهى باطلة، وبخوركم مكرهة لى” (إش12:1و13س). فلماذا تتذمَّر إذن أيها الفريسي، بسبب طرح تلك الأشياء بعيدًا عن الأروقة المقدَّسة التي كانت مستخدمة للذبائح الشرعيَّة، في الوقت الذي آن الأوان لدعوة الناس إلى حياة أفضل من الظلال، وإلى التبرير الحقيقي بالإيمان بالمسيح، الذي هو الحق.

          لكن سلسلة المواضيع المطروحة أمامنا الآن تقودنا إلى مناقشات طويلة جدًّا، وكل ما يتعدى الحد اللائق فهو غير مناسب لمن يسمع في كل مكان وأيضًا هو غير مناسب لمن يعلّمون. لذلك، لنكتفِ في الوقت الحاضر بما قيل، وما تبقَّى فهذا سوف نستكمله عندما يجمعنا المسيح هنا مرة ثانية معًا، الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى أبد الآبدين. آمين.

طرد باعة من الهيكل – إنجيل لوقا 20 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد