أبحاث

مثل الأمناء (المسيح الملك) – إنجيل لوقا 19 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

مثل الأمناء (المسيح الملك) – إنجيل لوقا 19 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

مثل الأمناء (المسيح الملك) – إنجيل لوقا 19 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

مثل الأمناء (المسيح الملك) – إنجيل لوقا 19 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
مثل الأمناء (المسيح الملك) – إنجيل لوقا 19 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

 (لو11:19ـ27 ): ” وَإِذْ كَانُوا يَسْمَعُونَ هَذَا عَادَ فَقَالَ مَثَلاً لأَنَّهُ كَانَ قَرِيبًا مِنْ أُورُشَلِيمَ وَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ مَلَكُوتَ اللهِ عَتِيدٌ أَنْ يَظْهَرَ فِي الْحَالِ. فَقَالَ: إِنْسَانٌ شَرِيفُ الْجِنْسِ ذَهَبَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ لِيَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مُلْكًا وَيَرْجِعَ. فَدَعَا عَشَرَةَ عَبـِيدٍ لَهُ وَأَعْطَاهُمْ عَشَرَةَ أَمْنَاءٍ وَقَالَ لَهُمْ: تَاجِرُوا حَتَّى آتِيَ. وَأَمَّا أَهْلُ مَدِينَتِهِ فَكَانُوا يُبْغِضُونَهُ فَأَرْسَلُوا وَرَاءَهُ سَفَارَةً قَائِلِينَ: لاَ نُرِيدُ أَنَّ هَذَا يَمْلِكُ عَلَيْنَا. وَلَمَّا رَجَعَ بَعْدَمَا أَخَذَ الْمُلْكَ أَمَرَ أَنْ يُدْعَى إِلَيْهِ أُولَئِكَ الْعَبِيدُ الَّذِينَ أَعْطَاهُمُ الْفِضَّةَ لِيَعْرِفَ بـِمَا تَاجَرَ كُلُّ وَاحِدٍ. فَجَاءَ الأَوَّلُ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ مَنَاكَ رَبِحَ عَشَرَةَ أَمْنَاءٍ. فَقَالَ لَهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ لأَنَّكَ كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَلْيَكُنْ لَكَ سُلْطَانٌ عَلَى عَشْرِ مُدُنٍ. ثُمَّ جَاءَ الثَّانِي قَائِلاً: يَا سَيِّدُ مَنَاكَ عَمِلَ خَمْسَةَ أَمْنَاءٍ. فَقَالَ لِهَذَا أَيْضًا: وَكُنْ أَنْتَ عَلَى خَمْسِ مُدُنٍ. ثُمَّ جَاءَ آخَرُ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ هُوَذَا مَنَاكَ الَّذِي كَانَ عِنْدِي مَوْضُوعًا فِي مِنْدِيلٍ. لأَنِّي كُنْتُ أَخَافُ مِنْكَ إِذْ أَنْتَ إِنْسَانٌ صَارِمٌ تَأْخُذُ مَا لَمْ تَضَعْ وَتَحْصُدُ مَا لَمْ تَزْرَعْ. فَقَالَ لَهُ: مِنْ فَمِكَ أَدِينُكَ أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ. عَرَفْتَ أَنِّي إِنْسَانٌ صَارِمٌ آخُذُ مَا لَمْ أَضَعْ وَأَحْصُدُ مَا لَمْ أَزْرَعْ. فَلِمَاذَا لَمْ تَضَعْ فِضَّتِي عَلَى مَائِدَةِ الصَّيَارِفَةِ فَكُنْتُ مَتَى جِئْتُ أَسْتَوْفِيهَا مَعَ رِباً؟. ثُمَّ قَالَ لِلْحَاضِرِينَ: خُذُوا مِنْهُ الْمَنَا وَأَعْطُوهُ لِلَّذِي عِنْدَهُ الْعَشَرَةُ الأَمْنَاءُ. فَقَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدُ عِنْدَهُ عَشَرَةُ أَمْنَاءٍ. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ. أَمَّا أَعْدَائِي أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي “.

 

لنتقدم مرة أخرى، ولنفتح عين الذهن باتساع لكي ما ننال نور التعاليم المقدَّسة الذي يسكبه المسيح بغنى على أولئك الذين يحبونه، لأنه هو أيضًا النور الحقيقي ينير الملائكة والرئاسات والعروش والسيادات، بل وأيضًا السيرافيم المقدَّسين، ويشرق أيضًا في قلوب أولئك الذين يخافونه. لذلك فلنسأل الاستنارة التي يمنحها، لكي إذ نفهم بالضبط قوة المثل الموضوع أمامنا يمكننا أن نختزن في أذهاننا ككنز روحي، المنفعة التي يقدمها لنا.

 

          لذلك فإن مجال المثال يبيِّن باختصار المغزى الكامل للتدبير الذي كان من نحونا، ويمثل سر المسيح من البداية إلى النهاية. لأن الكلمة الذي هو الله صار إنسانًا، ومع أنه صار في شبه جسد الخطية، ولأجل هذا أيضًا دُعي عبدًا، إلاّ أنه كان ولا يزال حر المولد[1]، لكونه مولود من الآب بطريقة تفوق الوصف، نعم! هو أيضًا إله يفوق الكل في الطبيعة وفي المجد، ويفوق كل أمور وضعنا (البشري)، بل أيضًا يفوق كل الخليقة بملئه الذي لا يُقارَن. لذلك وإن كان قد صار إنسانًا إلاّ أنه حر المولد بسبب كونه ابن الله، ولكنه ليس مثلما دُعينا نحن إلى هذه التسمية بسبب صلاحه ومحبته للبشر. إن شرف جنسه (حرية مولده) تخصّه بالطبيعة لأنه من الآب بالولادة، وأيضًا بسبب أنه يسمو على كل ما هو مخلوق. لذلك، فعندما صار الكلمة، الذي هو صورة الآب والمساوي له، مثلنا، فإنه أطاع حتى الموت موت الصليب، لذلك رفَّعه الله أيضًا وأعطاه اسمًا فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أنَّ يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب. أمين (في8:2 ـ11). فهل أعطى الآب الاسم الذي فوق كل اسم للابن كمن هو ليس بالطبيعة إلهًا؟ لو صح هذا، ألا يكون قد أستُعلن لنا إله جديد؟ ولكن الكتاب المقدس ينطق بصوت عالٍ قائلاً: ” لا يكن فيك إله جديد ولا تسجد لإله أجنبي” (مز9:80س). لكنه، إنما سيكون (إله) مختلف وغريب عن الله لو لم يكن منه بالطبيعة.

 

          فالابن بالتأكيد هو إله بالطبيعة، ولكن كيف أعطاه الآب اسمًا فوق كل اسم؟! عن هذا نقول إنه عندما صار جسدًا، أي صار إنسانًا مثلنا، فإنه أخذ اسم عبد واتَّخذ فقرنا وحالتنا الوضيعة، أما عندما أكمل سر التدبير في الجسد، فإنه عاد إلى المجد الذي كان له بالطبيعة، لا كشيء غريب عنه غير مألوف لديه، أو كشيء يصبح حقًّا له من الخارج، أي أُعطي له من آخر، بل بالأحرى كشيء خاص به وقد كان له أصلاً، لأنه قال لله الآب الذي في السماء: ” مجِّدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم ” (يو5:17)، ولأنه موجود قبل الدهور وقبل العالمين وهو واحد مع الله وهو الله، فقد كان متسربلاً بالمجد الذي يخص الألوهة، وكما قلت فإنه لما صار إنسانًا لم يتعرض لأي تبديل أو تغيير، بل استمر في الحالة التي كان موجودًا عليها دائمًا مثل الحالة التي كانت للآب الذي ولده، أي مثله في كل شيء، لأنه هو أيضًا “صورة أقنومه” (عب3:1) الذي بمقتضى طبيعته يملك كل شئ يخص ذاك الذي ولده، أقصد أنه من نفس الجوهر وله مساواة لا تسمح بأي اختلاف، وهو مثله في كل شئ. لذلك لكونه إلهًا بالطبيعة قد قيل إنه نال من الآب الاسم الذي هو فوق كل اسم (وذلك) عندما صار إنسانًا لكي ما يتم الإيمان به كإله وملك على الكل حتى وهو في الجسد الذي كان متحدًا به.

 

          لكن عندما احتمل الآلام على الصليب لأجلنا، ولاشى الموت بقيامة جسده من بين الأموات، فإنه صعد إلى الآب، وصار كإنسان مسافر إلى كورة بعيدة (عدد12)، لأن السماء كورة مختلفة عن الأرض، وهو صعد لكي ما ينال لنفسه ملكًا. هنا أتوسل إليكم إنَّ تتذكروا أيضًا كلمات الطوباوي بولس الذي يقول: ” هادمين ظنونًا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح” (2كو5:10)، لأنه كيف يمكن أنَّ الذي يملك على الكل مع الآب، يصعد إليه لينال ملكًا؟ فأجيب إنَّ الآب يعطى الابن أيضًا هذا المُلك من جهة كونه صار إنسانًا، لأنه عندما صعد إلى السموات جلس عن يمين العظمة في الأعالي، منتظرًا أن يوضع أعدائه تحت قدميه، لأنه قيل له من الآب: ” اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك” (مز1:109س).

 

          والنص هنا يقول: ” وأما أهل مدينته فكانوا يبغضونه“. وبالمثل يوبِّخ المسيح جموع اليهود قائلاً: ” لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالاً لم يعملها غيري لم تكن لهم خطية، وأما الآن فقد رأوا وأبغضوني أنا وأبي” (يو24:15). إنهم لم يريدوا أن يملك المسيح عليهم، بينما كان الأنبياء القديسين دائمًا ينطقون بنبوات عن المسيح على أنه ملك. لأن واحدًا منهم يقول ” ابتهجي جدًّا يا ابنة صهيون، لأنه هوذا ملكك يأتي إليك، هو عادل ومخلِّص ووديع وراكب حمار وعلى جحش صغير” (زك9:9س). والطوباوي إشعياء يقول عنه وعن الرسل القديسين: ” هوذا ملك عادل سوف يملك، ورؤساء بالحق يترأَّسون” (إش1:32س)، والمسيح نفسه أيضًا يقول بصوت المرنم في موضع ما: “ أما أنا فقد أُقمت منه ملكًا على صهيون جبل قدسه لأكرز بأمر الرب ” (مز6:2).

 

          أما هم فأنكروا عليه ملكه، لأنهم عندما تقدموا إلى بيلاطس قائلين ” خذه خذه اصلبه، سألهم أو قال لهم بالأحرى باستهزاء: أأصلب ملككم؟ ” فأجابوا بكلمات شريرة: ” ليس لنا ملك إلاَّ قيصر ” (يو15:19). لذلك فإذ أنكروا مُلك المسيح، فإنهم سقطوا تحت سيادة إبليس وجلبوا على أنفسهم نير الخطية الذي لا يمكن طرحه، كما أن رقابهم لن تتحرر، مع أنَّ المسيح دعاهم (إلى الحرية) بقوله: ” كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية، والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد، أما الابن فيبقي إلى الأبد، فإن حرَّركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا” (يو34:8ـ39). وأيضًا قوله: ” إن ثبتم في كلامي فبالحقيقية تكونون تلاميذي وتعرفون الحق والحق يحرِّركم ” (يو31:8ـ32). لكن إسرائيل في جنونه لم يفتح قلبه للتعلُّم، ولذلك استمر في العبودية، لأنه رفض أن يعرف المسيح، الذي يُحرِّر.

          وفي هذه الفرصة لن استمر أكثر من هذا، مرجئًا إلى وقت آخر التأمل في بقية المثل لئلا يتسبب الحديث الطويل في إرهاق المتكلم ويكون مملاًّ لمن يسمعون. وليت المانح والمعطي لكل الخيرات يبارككم جميعًا الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى أبد الآبدين. آمين.

 

شرح المثل

(لو11:19ـ27 )

يهرب المديونون من مداينيهم لأنهم يعرفون أنهم مزعجون. لكن ليس الأمر هكذا بالنسبة لي، لأنني جئت لأفي بدَيني وأحقق ما وعدتُ به، بل وإني أتعقَّب المداينين بدلاً من أن يتعقَّبوني هم. فما هو إذن الشيء الذي وعدتُ به وما هو الدين؟ في اجتماعنا الأخير قُرئ علينا مَثل طويل، ولم نكمل شرح سوى جزء صغير منه واحتفظنا بالباقي لاستكماله في اجتماعنا المقدَّس هذا. وكان المثل كما يلي: ” إنسان شريف الجنس ذهب إلى كورة بعيدة ليأخذ لنفسه مُلكًا ويرجع، فدعا عشرة عبيد له وأعطاهم عشرة أمناء وقال لهم تاجروا حتى آتي. وأما أهل مدينته فكانوا يبغضونه فأرسلوا وراءه سفارة قائلين لا نريد أنَّ هذا يملك علينا“، ثم أضاف على هذا الكلام أيضًا إنه لما عاد الإنسان الشريف الجنس بعدما أخذ المُلك، طلب من أولئك العبيد الذين وزَّع عليهم الأمناء أن يقدموا حسابًا عن تجارتهم.

 

          في شرحنا السابق أوقفنا كلمتنا التي كانت بأقصى سرعة عند عبارة أنَّ أهل مدينته أبغضوه ولم يريدوا أن يملك عليهم. والآن سأحدِّثكم عن أولئك العبيد الذين ائتمنهم سيِّدهم على الأمناء، وأستقصِي عن من هم الذين تاجروا ولذلك تمَّ تكريمهم، ومن الجهة الأخرى من هو المُشار إليه بأنه عبد كسول وبليد الذي أخفى الوزنة ولم يربح عليها شيئًا، ولهذا السبب جلب على نفسه دينونة صارمة.

          لذلك فإن المخلِّص يوزِّع على من يؤمنون به أنواعًا من المواهب الإلهية، ونحن نؤكد أنَّ هذا هو المعنى المقصود من الوزنة. وفي الواقع أن هناك فرقًا عظيمًا بين أولئك الذين أخذوا الوزنات وأولئك الذين أنكروا مُلكه تمامًا، لأن الذين طرحوا نير مُلكه فهؤلاء هم متمرِّدون، بينما الآخرون قد اكتسوا بمجد خدمته. لذلك فكعبيد أُمناء فقد استأمنهم سيِّدهم على ثروته حتى إذا ما ربحوا شيئًا بالمتاجرة بها، يمكنهم أن ينالوا المدح اللائق بالخدمة الأمينة، وأيضًا أن يُحسبوا جديرين بتلك الكرامات التي تدوم إلى الأبد. أما بخصوص طريقة التوزيع ومن هم الأشخاص، وماذا تعني الوزنات التي وزَّعها (الله) ـ وإن كان لا يزال يوزِّعها إلى هذا اليوم، فهذه يبيّنها الكتاب المقدس بوضوح. فإن بولس الطوباوي يقول: ” أنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد، وأنواع خِدَم موجودة ولكن الرب واحد، وأنواع أعمال موجودة ولكن الله واحد الذي يعمل الكل في كل إنسان ” (1كو4:12ـ6). وإذ يشرح بعد ذلك ما قاله، فإنه يقرِّر أيضًا أنواع المواهب على النحو التالي: ” فإنه لواحد يُعطى كلام حكمة، ولآخر كلام علم، ولآخر إيمان، ولآخر مواهب شفاء ” وهكذا (1كو8:12و9)، ولذلك فإننا نجد أنَّ تنوع المواهب واضح في هذه الكلمات.

 

          أظن أنه بعد هذا يجب علىَّ أن أذكُر من هُم الذين ائتمنهم المسيح على هذه المواهب، بحسب قياس استعداد كل واحد وميله. لأنه يعرف كل ما هو في داخلنا، إذ أنه هو الله ذاته الذي يفحص الكُلي والقلوب. لكن لنلاحظ أنَّ إنجيليًّا آخر هو على وعي باختلاف في كمية الوزنات التي تم توزيعها فيقول:       ” أعطى واحد خمس وزنات وآخر وزنتين وآخر وزنة” (مت15:25). أنت ترى أنَّ التوزيع قد صار بحيث يناسب قياس الملَكَات التي لكل واحد. فبالنسبة لأولئك الذين ائتمنوا على الوزنات فهلمُّوا ولنعلن على قدر طاقتنا من يكون هؤلاء. إنهم أولئك الكاملون في الذهن الذين يناسبهم الطعام القوي، والذين لهم الحواس مدرَّبة على التمييز بين الخير والشر (عب14:5)، هم أولئك الماهرون في التعليم باستقامة وعلى معرفة بالتعاليم المقدَّسة، الذين يعرفون كيف يوجهون أنفسهم والآخرين إلى كل عمل أفضل، وباختصار فهكذا كان التلاميذ الحكماء فوق كل الآخرين. ثم يأتي بعد ذلك هؤلاء الذين خلفوهم في خدمتهم، أو الذين يقومون بهذه الخدمة اليوم أي المعلمون القديسون القائمون على رئاسة الكنائس المقدَّسة، الذين يسوسون الشعوب ويعرفون كيف يرتِّبون كل شيء لمنفعة أولئك الخاضعين لهم. ويمنح المخلص مواهب إلهيَّة متنوِّعة لهؤلاء حتى يكونوا أنوارًا في العالم ومتمسكين بكلمة الحياة (في15:2و16)، وهم بوعظهم للشعب الذي تحت رعايتهم وبإعطائهم المشورة التي هي نافعة للحياة، وإذ يجعلونهم ثابتين ولهم إيمان مستقيم وبلا لوم، فإنهم إنما يربحون بالمتاجرة وزنتهم ويسعون إلى النمو الروحي. إنهم مطوَّبون جدًّا ويربحون النصيب الذي يليق بالقدِّيسين، لأنه عندما يعود الإنسان الشريف الجنس – أي المسيح – بعد أخذه المُلك، فسوف يُحسبون جديرين بالمدح، ويبتهجون بإكرامات فائقة، لأنهم إذ يُضاعفون الوزنة عشر مرات أو خمس مرات، وذلك بربحهم أناسًا كثيرين، فإنهم سوف يُقامون على عشر أو خمس مدن، أي أنهم سوف يصيرون رؤساء أيضًا ليس فقط على من ترآسوا عليهم سابقًا بل أيضًا على آخرين كثيرين. لأجل هذا السبب نجد القديسين يمجِّدون ويقدِّمون تسابيح عرفانهم الصاعد إلى المسيح الذي يكلِّلهم ويقولون بفم المرنم: ” أخضع الشعوب لنا والأمم تحت أقدامنا ” (مز3:46س). أما أن تكون الممارسة والقصد المجتهد للقدِّيسين أن يجعلوا أولئك الذين يُعلِّموهم شركاء للنعمة التي أعطاها المسيح لهم، فهذا يمكن لأي شخص أن يتعلَّمه من الرسالة التي أرسلها الطوباوي بولس للبعض ويقول: ” لأني مشتاق أن أراكم لكي أمنحكم هبة روحيَّة لثباتكم ” (رو11:1). كما يشهد أيضًا لتلميذه تيموثاوس: ” لا تهمل الموهبة التي فيك المُعطاة لك بوضع يدي” (1تى14:4). لأنه يريده أن يسمو في تعليمه لرعيَّته، والمخلِّص نفسه يقول أيضًا في موضع ما في مثل آخر: ” من هو العبد الأمين الحكيم الذي يقيمه سيده على خدمه ليعطيهم الطعام في حينه؟ طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا، بالحق أقول لكم إنه يقيمه على جميع ما له ” (لو42:12ـ44). وما معنى إنه يعطي العبيد رفاقه الطعام سوى أنه يوزِّع على الذي أوكل إليه رعايته منفعة الإرشاد الروحي، ويُشبع بالزاد الروحي أولئك الجياع إلى البر؟

 

          لذلك توجد كرامات وانتصارات وأكاليل لمن تعبوا وأحبوا الخدمة، لكن يوجد خزي لأولئك الذين تسلَّط عليهم الكسل. لأن الذي أخفى مناه في منديل صار عُرضة لدينونة مرعبة، لأنه تقدَّم إلى سيِّده قائلاً ” هوذا ما لك“. لكن السيِّد قال له: إن القصد الذي أخذتَ لأجله المنا ليس لكي تحفظه في خفية، وإن كنت قد عرفت أنِّي إنسان صارم أحصد ما لم أزرع وأجمع ما لم أضع، فهذا الأمر نفسه يجعل ذنبك أثقل، وهو لا يعطى عذرًا مقبولاً لتكاسلك، وإن كنتُ إنسانًا صارمًا أحصد ما لم أزرع، فلماذا لم تعطى الهبة التي أُغدقت عليك ـ أي المنا ـ للصيارفة؛ أي لماذا لم تستثمرها لسعادة أو لمنفعة أولئك الذين يعرفون جيدًا كيف يتاجرون بما قد أخذوه منك؟ فكنتُ متى جئت أستوفيه، أي أن أستعيده مرة أخرى مع ربح، لأنه من واجب المعلمين أن يزرعوا ويغرسوا المشورة النافعة والخلاصيَّة في أذهان سامعيهم، أما أن يدعوا للطاعة أولئك الذين يُعلِّمونهم، وأن يجعلوا ذهنهم مثمرًا جدًّا فهذا إنما هو من فعل تلك القوة التي يمنحها الله. هذا هو الربح، لأن أولئك الذين يسمعون الكلمات المقدَّسة، وقتما يقبلون في ذهنهم منفعتها أي قوة الكلام، ويجتهدون بفرح في العمل الصالح، حينئذ فهم يقدمون ما أعطى لهم مع زيادة.

 

          لذلك يقول السيِّد خذوا منه المنا وأعطوه للذي عنده العشرة أمناء، لأني أقول لكم إن كل من له يُعطى، ومن ليس له فحتى الذي يظنه له يؤخذ منه، لأن ذلك العبد الكسول تجرد حتى من الهبة التي أُغدقت عليه، أما أولئك الذين تقدموا في الطريق الأفضل وبرهنوا على أنهم مرتفعون فوق التكاسل والتراخي، فسوف ينالون بركات جديدة من فوق، وإذ قد امتلأوا بالمواهب الإلهية فسوف يرتفعون إلى نصيب مجيد ومثير للإعجاب.

 

          أما وقد رأينا أمجاد القديسين فهلمُّوا لنفحص عذابات الأشرار الذين لا يريدون أن يملك عليهم ذلك الإنسان الشريف الجنس. يقول: ” أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي“. كان هذا مصير الجنس الإسرائيلي لأنهم إذ أنكروا مُلك المسيح، فإنهم سقطوا في بلايا شديدة، ولأنهم أشرار، فقد هلكوا هلاكًا رديًّا. كذلك زمرة الهراطقة الأشرار أيضًا ينكرون مُلك المسيح، كما يفعل جميع أولئك الذين – إذ يهملون واجب الحياة باستقامة – يمضون حياتهم في النجاسة والخطية، وهؤلاء أيضًا يكابدون عقوبة مِثل التي لأولئك المذكورين أعلاه، وسوف يمضون إلى الهلاك.

 

          أما نحن، فالمسيح يسود علينا كملك، ولنا رجاء صالح أننا أيضًا سوف نُحسب مستحقين لنصيب القديسين. ويوضع حول رؤوسنا الإكليل اللائق بالثابتين، لأن هذا أيضًا هو هبة من المسيح مخلِّصنا جميعًا الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى أبد الآبدين آمين.

 

[1] الكلمة اليونانية eÙgen¾j تُرجمت في الترجمة الإنجليزية المعتمدة nobleman A.V التي تعني شريف الجنس ـ أما في السريانية فتعنى حُر المولد freeborn، التي ترادف شريف الجنس .

مثل الأمناء (المسيح الملك) – إنجيل لوقا 19 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد