شفاء أعمى قرب أريحا – إنجيل لوقا 18 ج7 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
شفاء أعمى قرب أريحا – إنجيل لوقا 18 ج7 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
شفاء أعمى قرب أريحا – إنجيل لوقا 18 ج7 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
(لو35:18ـ43): ” وَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْ أَرِيحَا كَانَ أَعْمَى جَالِسًا علَى الطَّرِيقِ يَسْتَعْطِي. فَلَمَّا سَمِعَ الْجَمْعَ مُجْتَازًا سَأَلَ: مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هَذَا؟. فَأَخْبَرُوهُ أن يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ مُجْتَازٌ. فَصَرَخَ: يَا يَسُوعُ ابْنَ دَاوُدَ ارْحَمْنِي!. فَانْتَهَرَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ لِيَسْكُتَ أَمَّا هُوَ فَصَرَخَ أَكْثَرَ كَثِيراً: يَا ابْنَ دَاوُدَ ارْحَمْنِي. فَوَقَفَ يَسُوعُ وَأَمَرَ أَنْ يُقَدَّمَ إِلَيْهِ. وَلَمَّا اقْتَرَبَ سَأَلَهُ: مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟ فَقَالَ: يَا سَيِّدُ أَنْ أُبْصِرَ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَبْصِرْ. إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ. وَفِي الْحَالِ أَبْصَرَ وَتَبِعَهُ وَهُوَ يُمَجِّدُ اللهَ. وَجَمِيعُ الشَّعْبِ إِذْ رَأَوْا سَبَّحُوا اللهَ “.
كل من ليس له فهم بعد ولم يقبل الإيمان بالمسيح، يحق أن تُقال له الكلمات التي نطق بها داود: ” هلموا وانظروا أعمال الله، الآيات التي جعلها على الأرض” (مز 8:45 س). لأنه صنع آيات ليس بحسب نمط بشري، مع أنه كان في الهيئة إنسانًا مثلنا، لكنه صنعها بالأحرى بسلطان إلهي لأنه كان إلهًا وهو في الهيئة مثلنا، إذ أنه لم يتغيّر عما كان عليه، كما يبرّهن لنا مغزى النص الذي قُرئ الآن من الإنجيل. لأنه يقول إن المخلص ” كان مجتازًا فصرخ إنسان أعمى وقال: يا ابن داود ارحمني”. فلنفحص تعبير ذلك الإنسان الذي فقد بَصَرَه، إذ هو أمر لا يمكن أن نتجاوزه دون فحص، فربما بفحص ما قيل سنحصل على شيء له منفعة عظيمة جدًّا بالنسبة لنا.
فبأي صفة يوجِّه الأعمى صلاته للمسيح؟ هل كما إلى مجرد إنسان، بحسب ثرثرة اليهود الذين رجموه بحجارة قائلين في حماقتهم: ” لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهًا؟” (يو 33:10). لكن ألم يكن واجبًا أن يفهم الأعمى أن استعادة البصر لا يمكن أن تتم بوسائط بشرية، بل تحتاج على العكس إلى قوة إلهية وسلطان لا يمتلكه إلاّ الله وحده؟ لأن ليس شيء مهما كان، غير ممكن لدى الله. لذلك فإنه تقدّم إليه كما إلى الله الكلّي القدرة؛ لكن كيف يدعوه ابن داود؟ وبماذا يمكننا أن نجيب على هذا؟ على ما أظن ربما يمكن أن نشرح الأمر هكذا: حيث إن الأعمى تربى في الديانة اليهودّية وكان من ذلك الجنس بالمولد، فلم تَغْب عن معرفته بالطبع النبوات الموجودة في الناموس والأنبياء القديسين بخصوص المسيح. فقد سمعهم ينشدون من كتاب المزامير تلك العبارة: ” أقسم الرب لداود حقًا ولا يخلف، لأجعلن من ثمرة بطنك على كرسيك” (مز 11:131 س)، وعرف أيضًا أن النبي الطوباوي إشعياء قال: ” ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله” (إش 1:11)، وأيضًا: ” هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعون اسمه عمانوئيل” (إش 14:7). لذلك فالأعمى كإنسان آمن في الحال أن الكلمة وهو الله، هو الذي قَبِلَ بإرادته أن يُولَد بالجسد من العذراء القديسة، فاقترب منه على إنه الله وقال: ” يا ابن داود ارحمني”. لأن المسيح شهد بأن هذا هو تفكير الأعمى عندما قدّم توسله، بقوله له: ” إيمانك قد شفاك”.
إذن فليخزَ الذين يظنّون أنفسهم أنهم ليسوا عميانًا مع أنهم كما يقول الحكيم بطرس عميان وقصيرو البصر (انظر 2بط 9:1)، لأنهم يُقسِّمون الرب الواحد يسوع المسيح إلى اثنين، الذي هو نفسه كلمة الآب (لكنه هو الذي صار إنسانًا وتَجسَّد، لأنهم ينكرون أن الذي وُلد من نسل داود هو حقًا ابن الله الآب؛ لأنهم يقولون إن الولادة هي أمر يَخُص الإنسان فقط ويرّفضون في جهلهم العظيم أنه صار جسدًا)، ويحتقرون ذلك التدبير الثمين والذي لا يُنطق به والذي به تمّ فداؤنا، بل وربما يتكلّمون بحماقة ضد الابن الوحيد الجنس، لأنه أخلى ذاته ونزل إلى قامة الطبيعة البشرّية، وكان مُطيعًا للآب حتى الموت، لكي بموته بالجسد يمكنه أن يُبْطل الموت، ولكي يمحو الفساد وأن يطرح خطية العالم بعيدًا. ليت أمثال هؤلاء يقتدون بهذا الأعمى لأنه تقدّم إلى المسيح مخلّص الكّل مؤمنًا أنه الله؛ ودعاه الرب وابن الطوباوي داود، وشهد أيضًا لمجده بسؤاله إياه أن يعمل عملاً لا يستطيع أن يتمّمه إلاّ الله وحده، ويا ليتهم يعجبون أيضًا بالثبات الذي به اعترف بالمخلّص، لأن هناك بعض الذين انتهروه عندما اعترف بإيمانه، ولكنه لم يستسلم ولم يتوّقف عن صراخه بل أَبكَمَ جهل أولئك الذين كانوا ينتهرونه ليسكت. لذلك فعن صواب أكرمه المسيح، إذ دعاه وأمره أن يقترب منه. افهموا من هذا، أيها الأحباء، أن الإيمان يضعنا نحن أيضًا في حضرة المسيح، وهكذا يُدخلنا إلى الله لكي نُحسب نحن أيضًا أهلاً لكلامه، لأنه حينما اُحضر الأعمى إليه سأله قائلاً: ” ماذا تريد أن أفعل بك؟” فهل كان المخلص يجهل ماذا يريد الرجل؟ لأنه كان واضحًا أنه يطلب الخلاص من المرض الذي أصابه؟ كيف يمكن أن يكون هناك أي شك في هذا؟ لذلك فقد سأله المسيح عن قصد، لكي ما يتعلّم أولئك الذين كانوا واقفين حوله والمصاحبين له أنه لم يكن يطلب مالاً، بل بالحري لأنه يعتبره إلهًا، فإنه سأله عملاً إلهيًا، عملاً مناسبًا للطبيعة التي تفوق الكّل.
إذن، فحينما أعلن عن طبيعة طلبه بقوله: يا سيد أن أبصر، آنذاك، نعم! آنذاك، كانت الكلمات التي قالها المسيح بمثابة توبيخ لليهود لعدم إيمانهم، لأنه بسلطان فائق قال: ” أبصر “. مدهش هو هذا التعبير! وهو بالحق جدير بالله ويفوق كل حدود طبيعة البشر! أي من الأنبياء القديسين تكلّم بمثل هذا؟ أو استخدم كلمات بمثل هذا السلطان العظيم؟ إذن لاحظوا أن المسيح لم يطلب من آخر القوة على استعادة البصر لذاك الذي كان محرومًا من النظر، ولا هو أجرى المعجزة الإلهية بفعل الصلاة إلى الله، بل نسبها بالأحرى إلى قوته الذاتية، وبإرادته القادرة على كل شيء صنع ما أراده، إنه قال له: ” أبصر”، وكان الأمر بالإبصار نورًا لمن كان أعمى لأنه كان أمرًا من ذاك الذي هو النور الحقيقي.
والآن وقد تخلَّص من عماه، فهل أهمل واجب حبه للمسيح؟ بالتأكيد لا، إذ يقول (النص) إنه ” تبعه” وقدَّم له المجد اللائق بالله، لذلك فإنه تخلَّص من عَمى مزدوج، إذ أفلت ليس فقط من عَمى الجسد، بل أيضًا من عَمى الذهن والقلب، لأنه ما كان ليمجدّه كإله لو لم يكن قد اقتنى البصر الروحي. علاوة على ذلك فقد صار واسطة لأولئك الآخرين أن يعطوا للمسيح المجد أيضًا، إذ يقول (النص)، وجميع الشعب سبحوا الله. [ لذلك من الواضح من هذا عِظَم إثم الكتبة والفريسيين، لأنه انتهرهم بسبب رفضهم أن يقبلوه، رغم المعجزات التي صنعها، بينما الجموع مجَّدته كإله بسبب الأفعال التي صنعها، وهم من جانبهم (أي الفريسيون) لم يقدموا له هذا التمجيد ]، بل جعلوا المعجزة فرصة للإهانة والاتهام، لأنهم قالوا إن الرب عمل المعجزات ببعلزبول، وبتصرّفهم هكذا صاروا سبب هلاك الشعب الذي كان تحت قيادتهم، لذلك احتج الرب على خبثهم بصوت النبي القائل: ” ويل للرعاة الذين يهلكون ويبددون غنم ميراثى” (إر 1:23 س)، وأيضًا: ” لأن الرعاة صاروا أغبياء ولم يطلبوا الرب من أجل ذلك لم يفهم أحد من الرعية فتبددت” (إر 21:10 س).
وهكذا كان حالهم، أما نحن فإننا تحت قيادة رئيس رعاة الكّل، المسيح، الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى أبد الآبدين. آمين.