أبحاث

متى يأتي ملكوت الله – إنجيل لوقا 17 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

متى يأتي ملكوت الله – إنجيل لوقا 17 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

متى يأتي ملكوت الله – إنجيل لوقا 17 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

متى يأتي ملكوت الله – إنجيل لوقا 16 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
متى يأتي ملكوت الله – إنجيل لوقا 17 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو20:17ـ30): ” وَلَمَّا سَأَلَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ: مَتَى يَأْتِي مَلَكُوتُ اللهِ؟ أَجَابَهُمْ: لاَ يَأْتِي مَلَكُوتُ اللهِ بِمُرَاقَبَةٍ. وَلاَ يَقُولُونَ: هُوَذَا هَهُنَا أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ لأَنْ هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ. وَقَالَ لِلتَّلاَمِيذِ: سَتَأْتِي أَيَّامٌ فِيهَا تَشْتَهُونَ أَنْ تَرَوْا يَوْمًا وَاحِدًا مِنْ أَيَّامِ ابْنِ الإِنْسَانِ وَلاَ تَرَوْنَ. وَيَقُولُونَ لَكُمْ:هُوَذَا هَهُنَا أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ. لاَ تَذْهَبُوا وَلاَ تَتْبَعُوا. لأنهُ كَمَا أن الْبَرْقَ الَّذِي يَبْرُقُ مِنْ نَاحِيَةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ يُضِيءُ إِلَى نَاحِيَةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَكُونُ أَيْضًا ابْنُ الإِنْسَانِ فِي يَوْمِهِ. وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَوَّلاً أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا وَيُرْفَضَ مِنْ هَذَا الْجِيلِ. وَكَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ نُوحٍ كَذَلِكَ يَكُونُ أَيْضًا فِي أَيَّامِ ابْنِ الإِنْسَانِ. كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيُزوِّجُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ نُوحٌ الْفُلْكَ وَجَاءَ الطُّوفَانُ وَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ. كَذَلِكَ أَيْضًا كَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ لُوطٍ كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَشْتَرُونَ وَيَبِيعُونَ وَيَغْرِسُونَ وَيَبْنُونَ. وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي فِيهِ خَرَجَ لُوطٌ مِنْ سَدُومَ أَمْطَرَ نَارًا وَكِبْرِيتًا مِنَ السَّمَاءِ فَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ. هَكَذَا يَكُونُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يُظْهَرُ ابْنُ الإِنْسَانِ “.

مّرة ثانية يقاوم الفريسي الله، وهو لا يشعر أنه يرفس المناخس، لأنه بينما هو يتخّذ مظهر مَنْ هو شغوف بالتعلّم، فإنه يسخر من الأسرار الإلهيّة المقدَّسة جدًّا، تلك التي ” تشتهي الملائكة أن تطّلع عليها” حسب كلام الطوباوي بطرس (1بط 12:1). لهذا السبب فإن العمى (القساوة) حَدَثَ جزئيًا لإسرائيل والظلمة أعمّت عيونهم (رو 25:11). أما عن كونهم مظلمين وعمياناً، لدرجة أنهم كثيرًا ما جعلوا سر المسيح مناسبة للسخرية، فهذا ما يمكن لأي واحد أن يعرفه مما قد قُرئ علينا الآن. فقد اقتربوا منه وسألوه قائلين: ” متى يأتي ملكوت الله؟” أيها الفريسي الأحمق خفِّف من كبريائك، وتنحَّ عن السخرية التي تُعرِّضك لذنب ثقيل لا خلاص منه. فالكتاب يقول: ” والذي لا يؤمن بابن الله قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد” (يو 18:3). لأن موسى الإلهي سبق فأظهر بالمثال والظل أن الكلمة هو طريق العالم وباب الخلاص، ومع أنه هو الله، فقد ظهر في هيئة بشرّية واحتمل موت الجسد لأجل الأرض كلها. وتتفق أقوال الأنبياء القديسين أيضًا مع ما قاله موسى، لأنهم سبقوا فأنبأوا إنه سيأتي في الوقت المعيَّن في صورة مماثلة لنا. وهذا أيضًا قد حدث؛ لأنه أُظهِرَ للذين على الأرض، متخذًا هيئة عبد؛ ولكنه رغم هذا احتفظ بربوبيته الطبيعية وسلطانه، ومجده الإلهي، كما تبرّهن بروعة الأعمال التي أجراها.

لكن أنت أيها الفريسي لم تؤمن به ولم تقبل التبرير بواسطته لأنك معاند ومتكّبر، وبعد هذا أنت تسأل متى يأتي ملكوت الله؟

لذلك، فكما قلت، (فالفريسي) يسخر من سرّ هكذا مقدَّس حقًا وجدير بالإعجاب. ولأن مخلِّص الجميع كان يتكلّم في أحاديثه العلنيّة من حين لآخر عن ملكوت الله، لذلك فهؤلاء البؤساء، يزدرون به ـ أو ربما حتى قد وضعوا في ذهنهم أن يصطادوه بخبثهم، فإن عليه أن يحتمل الموت على الصليب ـ لذلك فهم يسألون في سخرية، متى يأتي ملكوت الله؟ وكأنهم يقولون إنه قبل أن يأتي هذا الملكوت الذي تتحّدث عنه، فإن الصليب والموت سوف يمسكان بك. لذلك، بماذا أجاب المسيح؟
مرّة أخرى يُظهر طول أناته وحبه الذي لا يبارى للإنسان، لأنه ” إذ شُتم لم يكن يشتم عوضًا، وإذ تألم لم يكن يُهدِّد” (1بط 23:2). لذلك فلم يُوبخهم بشدة، ولكن بسبب خبثهم لم يتلّطف لكي يجيب على سؤالهم، بل يقول إن ما ينفع كل الناس، هو أن لا يأتي ملكوت الله بمراقبة، لأن ها ملكوت الله داخلكم (لو 20:17 و21). ويقول لا تسألوا عن الأزمنة التي سيظهر فيها أيضًا ملكوت السموات ويأتي، بل بالحري اجتهدوا لكي تُحسَبوا أهلاً له، لأنه موجود داخلكم، أي أنه يعتمد على مشيئاتكم الخاصة، وهو في متناول أيدّيكم سواء قبلتموه أو رفضتموه. لأن كل إنسان قد حصل على التبرير بواسطة الإيمان بالمسيح، وهو متزّين بكل فضيلة، فإنه يُحسب أهلاً لملكوت السموات.
لذلك فبعد أن أوضح هذا الأمر للجميع، فإنه الآن يوجه كلامه إلى تلاميذه القديسين، لمن هم رفقاؤه القديسون ويقول: ستأتي أيام تشتهون فيها أن تروا يومًا واحدًا من أيام ابن الإنسان ولا ترون. هل الرب بحديثه هكذا يغرس الجبن في تلاميذه؟ هل هو يضعفهم مقدمًا ويوهن عزيمتهم حتى لا يستطيعوا أن يحتملوا تلك الاضطهادات والتجارب التي يجب عليهم أن يحتملوها؟ ليس هذا هو قصده بل بالأحرى العكس؛ لأنه يريدهم أن يكونوا مستعدين لكل ما يمكن أن يحزن الناس ويتهيئوا لاحتماله بصبر، وهكذا إذ ينالون استحسانه يمكنهم أن يدخلوا ملكوت الله. لذلك فهو ينذرهم مسبقًا بأنه قبل مجيئه من السماء عند انقضاء العالم، فسوف تسبقه تجارب واضطهادات، حتى إنهم يشتهون أن يروا يومًا من أيام ابن الإنسان؛ أي يومًا مثل تلك الأيام التي كانوا فيها لا يزالون يتجوّلون مع المسيح ويتحادثون معه. ومع هذا فإن اليهود كانوا حتى في ذلك الحين يخطئون ضده بعنف غير قليل، فقد رجموه بالحجارة واضطهدوه، ليس فقط مرة واحدة بل مرّات كثيرة؛ واقتادوه إلى حافة الجبل، لكي يطرحوه على الجرف؛ وأغاظوه بالتعييرات والافتراءات، وكل صور الخبث مارسها اليهود ضده. فكيف قال إذًا إن التلاميذ سوف يشتهون أن يروا يومًا من أيامه؟ قال هذا بسبب أن الشرور الأقل تُشتَهى عند مقارنتها بالشرور الأعظم.

أما عن نزوله من السماء في أزمنة العالم الأخيرة، ليس في الخفاء ولا في السّر، بل بمجد إلهي، وساكنًا في نور لا يدنى منه (1تي 16:6)، فهذا أعلنه بقوله إن مجيئه سيكون كالبرق. قد وُلد حقيقة بالجسد من امرأة لكي يتّمم التدبير لأجلنا، ولهذا السبب أخلى نفسه (في 7:2)، وافتقر، ولم يُظهر ذاته في مجد الألوهية؛ لأن الوقت نفسه، وضرورة التدبير، قاده إلى هذا الاتضاع. أما بعد قيامته من بين الأموات ـ وبعد أن صعد إلى السماء وجلس مع الله الآب ـ فسوف ينزل ثانية، بدون إخفاء لمجده، وليس في وضاعة الطبيعة البشرّية، بل في عظمة الآب ومجده، وبرفقة الملائكة المحيطين والواقفين أمامه، كإله ورب الكّل، لذلك فسوف يأتي، كالبرق، وليس في السّر.

وأيضًا لا يجب أن نصدق أي إنسان يقول: ” هوذا المسيح هنا أو هوذا هناك”. بل كما قال الرب فإنه ” ينبغي أولاً أن يتألم كثيرًا ويرفض من هذا الجيل” (لو 25:17)، والمسيح بقوله هذا، فإنه يقطع من قلب التلاميذ توقعًا آخر لأنهم افترضوا أنه بعد أن كان قد تجوّل في اليهودية وبعد ذلك في أورشليم، فإنه في الحال سوف يظهر ملكوت الله. فتقدّموا إليه وقالوا: يا رب هل في هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل؟ (أع 6:1). وأُم ابني زبدي أيضًا كانت تتوقّع أن هذا سوف يحدث، ولذلك تقدَّمت إليه وقالت: ” قل أن يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك” (مت 21:20)، فلكي يعرفوا، أنه كان مزمعًا أولاً أن يجوز آلامه الخلاصية، وأن يبطل الموت بموت جسده، ويطرح خطية العالم خارجًا ويقضي على رئيس هذا العالم، وأن يصعد إلى الآب، وفى الوقت المعيّن يظهر ” ليدين المسكونة بالعدل” (مز 13:95 س)؛ لذلك يقول، إنه ” ينبغي أولاً أن يتألم كثيرًا”.

ولكي يوضّح أنه سوف يظهر على غير توقّع، وبدون أن يعرف أحد متى يكون هذا ومتى تكون نهاية العالم، فإنه يقول إن النهاية ستكون كما كان في أيام نوح ولوط. لأنه يقول إنهم كانوا يأكلون ويشربون ويزوجّون ويتزوّجون، ويشترون ويبيعون، ويبنون؛ لكن مجيء الطوفان قتل الأولين ، بينما كان الآخرون فريسة وطعامًا “للكبريت والنار” إذًا، فما معنى هذا؟ هو يطلب منّا أن نكون دائمًا ساهرين ومستعدين لأن نعطي جوابًا أمام منبر الله كما يقول بولس: ” لأنه لابد أننا جميعًا نُظهَر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرًا كلن أم شرًا” (2كو10:5).

” فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار ويقول للخراف تعالوا يا مباركي أبى رثوا الملكوت المُعد لكم منذ تأسيس العالم”، لكنه سينطق حكمًا مرعبًا على الجداء لأنه سيرسلهم ” إلى النار التي لا تُطفأ” (انظر مت 33:25ـ41).

لذلك، أيها الفريسي، إن أردت أن تُحسب مستحقًا لملكوت الله، فصرّ واحدًا من الخراف، قدِّم للمسيح ثمرة إيمانك به، وامدح السلوك المقدّس، الذي بحسب الإنجيل، أما إن ظللّت جديًا، أي غير مثمر، وخالٍ من الإيمان والأعمال الصالحة معًا، فلماذا تسأل متى يأتي ملكوت الله؟ لأنه لا يهمك، بل بالأحرى خَفْ من العذاب المقرّر لغير المؤمنين، ومن النار التي لا تُطفأ المعدّة لأولئك الذين يخطئون ضد المسيح؛ الذي به ومعه لله الآب يحق التسبيح والسلطان، مع الروح القدس، إلى دهر الدهور. آمين.

متى يأتي ملكوت الله – إنجيل لوقا 17 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد