الثبات في الإيمان – إنجيل لوقا 17 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
الثبات في الإيمان – إنجيل لوقا 17 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
الثبات في الإيمان – إنجيل لوقا 17 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
أما الثبات في الإيمان فهو نعمة عظيمة ومتميزة وهذا ما يظهره الرب بقوله:
(لو6:17): ” لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهَذِهِ الْجُمَّيْزَةِ انْقَلِعِي وَانْغَرِسِي فِي الْبَحْرِ فَتُطِيعُكُمْ “.
لأن الذي يثق في المسيح، لا يتكّل على قوته الذاتية، بل بالأحرى يؤمن أن المسيح يعمل كل الأشياء بقوته. إذ نحن نعترف أن إتمام كل الأشياء الحسنة في نفوس البشر يأتي منه، ومع ذلك ينبغي على النفوس أن تُعد ذواتها لنوال هذه النعمة العظيمة. لأنه إن كانت قوة الإيمان تنتزع ما هو ثابت ومتأصل في الأرض، فيمكن للمرء أن يقول بطريقة مطلقة إنه لا يوجد شيء مهما كان راسخًا لا يستطيع الإيمان أن يزعزعه لو كان اقتلاعه مطلوبًا. ولذلك فإن الأرض تزلزلت عندما كان الرسل يصلون، كما يخبرنا سفر أعمال الرسل (أع 31:4). وكذلك، فمن ناحية أخرى، فإن الإيمان يوقف الأشياء المتحركة مثل النهر المتدفق بسرعة (يش 16:3) ويوقف الأنوار التي تتحرك بلا توقف في السماء (يش 10:13)، ومع ذلك يجب علينا أن نلاحظ بعناية، أن الله لا يثير إعجابًا فارغًا أو دهشة باطلة. لأن مثل هذه الأمور هي أبعد ما تكون عن الجوهر الإلهي الذي هو حُرّ تمامًا من الكبرياء والافتخار، وهو حق كله، وهو يعمل كل هذه الأعمال فقط لأجل خير البشر وسلامتهم، وهذا أقوله لكي لا ينتظر أحد من الإيمان المقدس والقوة الإلهية تغيّرات غير نافعة للعناصر مثلاً، أو ينتظر إزالة الجبال والأشجار، فلو أن هذه التغيّرات لم تحدث، لا يكون ذلك بسبب أن الكلمة غير صادقة بل بسبب أن الرّب لا يريد أن يفسح مجالاً لعدم التقوى. وأيضًا لا يُحسب الإيمان ضعيفًا لو أنه لم يستطع أن يتمّم مثل هذه الأعمال. فليكن للشيء بعض الفائدة الحقيقية وعندئذ فلن يُحرَم من القوة اللازمة لإتمامه.
(لو7:17ـ10 ): ” وَمَنْ مِنْكُمْ لَهُ عَبْدٌ يَحْرُثُ أَوْ يَرْعَى يَقُولُ لَهُ إِذَا دَخَلَ مِنَ الْحَقْلِ: تَقَدَّمْ سَرِيعًا وَاتَّكِئْ. بَلْ أَلاَ يَقُولُ لَهُ: أَعْدِدْ مَا أَتَعَشَّى بِهِ وَتَمَنْطَقْ وَاخْدِمْنِي حَتَّى آكُلَ وَأَشْرَبَ وَبَعْدَ ذَلِكَ تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ أَنْتَ. فَهَلْ لِذَلِكَ الْعَبْدِ فَضْلٌ لأنهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ؟ لاَ أَظُنُّ. كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا: أننَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ. لأننَا أنمَا عَمِلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا”.
وجَّه الرب لنا في هذه الأعداد حديثًا طويلاً وهامًا لكي يرينا الطرق التي تؤدي إلى المجد والكرامة، وليظهر أمجاد الحياة التي بلا لوم، لكي بتقدّمنا فيها وبسيرنا قدمًا وبحماس إلى كل ما هو مثير للإعجاب، فإننا ندرك جعالة دعوتنا العليا (في 14:3). ولكن حيث إن طبيعة ذهن الإنسان تتجّه دائمًا إلى المجد الباطل وتصاب بسهولة بالميل نحو ذلك الافتخار الباطل، وحيث إن المتميزين أمام الله يقدّمون دائمًا بعض الفضائل النبيلة جدًّا كحجة لهذه الخطية، وحيث إنها خطية خطيرة جدًّا وكريهة أمام الله، فالحّية مصدر كل شر تقود الناس أحيانًا إلى هذه الحالة الذهنية حتى أنهم ربما يتخيّلون أن الله يكون مدينًا لهم بأعلى الكرامات، عندما تكون حياتهم مجيدة وممتازة. فلكي يجتّذبنا الرب بعيدًا عن هذه الأفكار، فإنه يضع أمامنا مغزى الدروس التي قُرئت علينا حالاً ويعلّمنا بواسطتها بمثال، أن قوة سلطان الملك تتطلّب في كل مكان من عبيدها الخضوع، كدين عليهم. ويقول الرب إن السيد لا يعترف بأي فضل للعبد حتى لو فعل كل ما يجب عليه أن يفعل بحسب ما هو لائق بوضع العبد.
أتوسّل إليكم، لاحظوا هنا أن الرب يشجّع التلاميذ بل وكل الخاضعين لقضيب ملك المسيح مخلّصنا جميعًا، على الاجتهاد، ولكن ليس كأنهم يقدّمون خدمتهم له على أنها فضل منهم، بل كمن يدفعون دين الطاعة الواجب على العبيد، وبهذا يبطل داء المجد الباطل، الملعون. لأنك إن فعلت ما يجب عليك، فلماذا تتكبّر في نفسك ألست ترى أنك ستكون في خطر إن لم تسدّد دينك، وأنك حتى لو أوفيته فلا يحق لك الشكر؟ تلك الحقيقة قد تَعلَّمَها وفهِمَها جيدًا ذلك الخادم العجيب بولس الرسول الذي يقول: ” لأنه إن كنت أُبشِّر فليس لي فخر إذ الضرورة موضوعة عليَّ فويل لي إن كنت لا أُبشِّر” (1كو 16:9)، وأيضًا يقول: ” إني مديون لليونانيين والبرابرة، للحكماء والجهلاء ” (رو14:1). لذلك فإن كنت قد فعلت حسنًا وقد حَفظْتَ الوصايا الإلهية، وقد أطعّت ربك، فلا تطلب كرامة من الله كأنها حق لك، بل بالحرى اقِترب منه واطلب الهبات من سخائه بتوسل. تذكّر أنه فيما بيننا أيضًا، فإن السادة لا يقرون بأي شكر عندما يؤدي أي واحد من عبيدهم الخدمة المعينّة لهم، رغم أنهم بجودهم يكسبون ارتياح عبيدهم الأمناء، وهكذا يُولِّدون فيهم نشاطًا أكثر بفرح. وبالمثل يطلب الله منا خدمة العبيد، مستخدمًا حق سلطانه الملوكي، ولكن لكونه صالحًا وجوَّادًا، فإنه يَعِد أيضًا بالمكافآت لأولئك الذين يتعّبون. وعظمة إحسانه تفوق أتعاب عبيده جدًّا كما يؤكد لكم بولس الرسول إذ يكتب قائلاً: ” إن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا” (رو 18:8). نعم فرغم أننا عبيد فالرب يدعونا أبناء ويكللّنا بالمجد اللائق بالبنين. ولاحظوا أيضًا أن كل واحد إذ قد أعتنى أولاً بجسده، هكذا ينبغي عليه أن يهتم بعد ذلك بخير الآخرين، ” لأنه إن كان أحد لا يعرف أن يدبِّر بيته حسنًا فكيف يعتني بكنيسة الله” (1تي 5:3).
(لو12:17و13): ” وَفِيمَا هُوَ دَاخِلٌ إِلَى قَرْيَةٍ اسْتَقْبَلَهُ عَشَرَةُ رِجَالٍ بُرْصٍ فَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ. وَصَرَخُوا: يَا يَسُوعُ يَا مُعَلِّمُ ارْحَمْنَا “.
يُظهِر لنا المخلّص مرة ثانية مجده بعمله معجزات إلهية لكي يربح إلى الإيمان، إسرائيل الأحمق، رغم عناده وعدم إيمانه. أيَّة حجة سوف يعتذرون بها في يوم الدينونة لرفضهم قبول الخلاص بالمسيح، لا سيما إذا كانوا هم أنفسهم قد سمعوا كلامه وكانوا معاينّين لعجائبه التي لا ينطق بها؟ ولهذا السبب قال هو نفسه عنهم: ” لو لم أكن قد جئت وكلمتهم لم تكن لهم خطية”، وأيضًا لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالاً لم يعملها أحد غيري لم تكن لهم خطية، وأما الآن فقد رأوا وأبغضوني أنا وأبى (يو 22:15 و24). وكما قلت لكم سابقًا، فإن تطهير الرجال البرص كان برهانًا واضحًا على قوته العجائبية، فبمقتضى ناموس موسى كان البُرص يُطرَدون خارج المدن والقرى لكونهم نجسين.
أظن أن هذا يكفي كملاحظات تمهيدية. لذلك فما أن قابل البُرص المخلِّص حتى طلبوا منه باجتهاد أن يحرّرهم من بؤسهم داعين إياه سيدًا أي معلّمًا.
لم يشفق أحد عليهم عندما كانوا يعانون من هذا المرض، سوى هذا الذي ظَهَرَ على الأرض خصيصًا لأجل هذا السبب بعينه، وقد صار إنسانًا لكي ما يُظهِر شفقته على الكّل، فتحرَّك بالشفقة عليهم ورحمهم.
(لو14:17) ” وَقَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا وَأَرُوا أَنْفُسَكُمْ لِلْكَهَنَةِ. وَفِيمَا هُمْ مُنْطَلِقُونَ طَهَرُوا”
ولماذا لم يقل بالحري أريد فاطهروا كما فعل في حالة أبرص آخر (لو 13:5)، بل أمرهم أن يمضوا ليروا أنفسهم للكهنة؟ كان هذا لأن الناموس أعطى توجيهات بهذا الخصوص لأولئك الذين قد تطهَّروا من البَرَص، إذ أمرهم أن يروا أنفسهم للكهنة وأن يقدِّموا ذبيحة لأجل تطهيرهم (لاويين 2:14). لذلك هو أمرهم بالذهاب لأنهم شُفوا فعلاً ولكي يمكنهم أن يقدّموا شهادة للكهنة (قادة اليهود) الذين هم دائمًا حاسدون لمجده، إنه بطريقة عجيبة تفوق توقعهم قد تخلَّصوا من بليّتهم بمشيئة المسيح الذي أعطاهم الشفاء. وهو لم يشفهم أولاً، بل أرسلهم للكهنة، لأنهم (الكهنة) كانوا يعرفون علامات البَرَص وعلامات شفائه. هو أرسلهم إلى الكهنة وأرسل معهم الشفاء أيضًا. لكن ماذا كانت شريعة البَرَص، وما هي أحكام تطهيره، وما هو معنى كل أوامر الناموس بخصوصه؟ كل هذا قد استوفيناه تمامًا في بداءة معجزات مخلِّصنا بحسب ما كتبه لوقا (انظر لو 12:5)، وكل من هو متعطّش للتعلّم فليرجع إلى ما سبق أن قلناه، أما الآن فلننتقل إلى ما يلي ذلك: إن تسعة منهم إذ كانوا يهودًا سقطوا في نسيان جاحد، ولم يرجعوا ليعطوا المجد لله، وبهذا الأمر يُظهر الرب أن إسرائيل كان قاسي القلب وعديم الشكر تمامًا، أما العاشر الغريب ـ فلأنه سامري فقد كان من جنس أجنبي إذ قد جاء من أشور؛ (لأن عبارة في وسط السامرة والجليل) ليست بلا معنى ـ هذا الغريب رجع ليمجِّد الله بصوت عال، لذلك يظهر من النص أن السامريين كانوا شاكرين، أما اليهود فكانوا غير شاكرين رغم انتفاعهم منه.