Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

محبة الفقراء – إنجيل لوقا 14 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

محبة الفقراء – إنجيل لوقا 14 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

محبة الفقراء – إنجيل لوقا 14 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو12:14ـ14) ” وَقَالَ أَيْضًا لِلَّذِي دَعَاهُ: إِذَا صَنَعْتَ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً فَلاَ تَدْعُ أَصْدِقَاءَكَ وَلاَ إِخْوَتَكَ وَلاَ أَقْرِبَاءَكَ وَلاَ الْجِيرَانَ الأَغْنِيَاءَ لِئَلاَّ يَدْعُوكَ هُمْ أَيْضًا فَتَكُونَ لَكَ مُكَافَأةٌ. بَلْ إِذَا صَنَعْتَ ضِيَافَةً فَادْعُ الْمَسَاكِينَ الْجُدْعَ الْعُرْجَ الْعُمْيَ. فَيَكُونَ لَكَ الطُّوبَى إِذْ لَيْسَ لَهُمْ حَتَّى يُكَافُئوكَ لأَنَّكَ تُكَافَئ فِي قِيَامَةِ الأَبْرَارِ “.

إن
جمال عقل الإنسان هو رائع حقًا، وهو يظهر ذاته بطرق متعدّدة، يتضّح في أنماط متنوعة. وكما أنَّ أولئك المهرة في رسم الأشكال في الصور لا يمكنهم بواسطة لون واحد أن يبلغوا إلى الجمال الكامل في رسمهم، بل بالأولى يستخدمون أنواعًا مختلفة ومتعدّدة من تدرج الألوان، هكذا أيضًا إله الكل الذي هو مُعطي ومُعلم الجمال الروحاني، يزيّن نفوسنا بتلك الفضائل المتنوعة التي تكون في سمو حياة القداسة، لكي يكمل فينا شبهه، لأن أفضل وأعظم جمال في خلائقه العقلية هو على شبه الله، والذي يتحقق فينا برؤية الله الصحيحة وبالفضيلة التي تَكمُل بالجُهد النشط. لذلك لاحظوا كيف أن سيدنا يسوع المسيح يجعل نفوسنا جميلة بواسطة كل زينة روحية، فهو هنا قد أمر الفريسيين والناموسيين أو بالحري الكتبة أن يفكروا باتضاع في أنفسهم وأن يقتنوا ذهنًا خاليًا من محبة المجد الباطل داعيًا إياهم ألا يختاروا المتكآت الأولى. فهو كان يأكل معهم لكي في مصاحبته لهم يمكنه أن يفيدهم حتى ولو ضد رغبتهم، ثم بعد ذلك يحدِّث الذي دعاهم وجمعهم للوليمة قائلاً: ” إذا صنعت غذاءً أو عشاءً فلا تدع أصدقاءك ولا إخوتك ولا أقرباءك ولا الجيران الأغنياء، بل بالأحرى العرج والعمي والجدع”.

هل هو بهذا يجعلنا في حالة فكر مكتئب؟ أو هل إرادته أن نكون غير اجتماعيين ولا نصادق أحدًا، حتى إننا لا نحسب أصدقاءنا، وأقرباءنا مستحقين لتلك المشاعر التي تناسبهم بنوعٍ خاص وهي واجبة لهم؟ وهل لا نعطي أي اعتبار لأولئك القريبين منا بالعاطفة والحب؟ وهل هو يمنع واجبات حُسن الضيافة؟ بل كيف لا يكون من السخف والجهل أن نتخيّل أنه يناقض وصاياه الخاصة؟ ماذا إذًا يريد الرب أن يعلّمنا؟ ربما يكون شيئًا ما كما يأتي: هؤلاء الذين يمتلكون ثروة كبيرة يعطون اهتمامًا كثيرًا لإظهار غناهم والتفاخر أمام الناس، لأنهم كثيرًا ما يَدعون أشخاصًا للغذاء معهم، ويعدون موائد ذات تكاليف باهظة، (مهيأة) بأطعمة مجهزة بطريقة تثير الفضول، وهكذا لابد أن يوجه إليهم اللوم بالتبذير. وهذا دأبهم أن يعملوها (الموائد) ليربحوا مديح وإطراء ضيوفهم، وبحصولهم على مديح الذين يتملقونهم كمقابل لإسرافهم (في إعداد الموائد)، فإنهم يبتهجون كثيرًا كما لو كانوا قد حصلوا على شيء ذي قيمة، لأنه من عادة المتملقين أن يمدحوا حتى لو كانت الأمور التي يمدحونها تستحق اللوم.

لأنه أي نفع يوجد في مثل هذا التبذير الكثير، أكثر مما تستلزمه الضرورة؟ وكما قال المسيح نفسه في موضع ما: ” الحاجة إلى أشياء قليلة، أو إلى واحد فقط” (انظر لو 42:10)، أي لما هو ضروري لسد احتياجات الجسد. لذلك فلكي نهرب من خطورة فقدان المكافأة عن الأموال التي ننفقها، فينبغي أن ننفق ثروتنا في الأمور التي سوف تحمل ثمارًا طيبة، لذلك فهو يأمرنا أن ندعو المساكين والجدع والعمي، وأولئك الذين يعانون من أمراض جسدية أخرى وبسخائنا في تتميم هذا، فإننا نبلغ إلى الرجاء الآتي من فوق، من الله، لذلك فإن الدرس الذي يعلّمنا إياه هو محبة الفقراء، الأمر الذي هو ثمين في نظر الله. هل تشعر باللذة عندما تُمدح حينما يكون لديك أصدقاء أو أقارب يشاركونك الوليمة؟ إنني سأخبرك عن شيء أفضل جدًّا حيث بواسطته، فإن الملائكة والقوات العقلية من فوق، وكذلك القديسين أيضًا، سوف يثنون على سخائك. بل إن الله الذي يفوق الكل، والذي يحب الرحمة والشفقة هو أيضًا سوف يقبل سخاءك. أقرضه دون أن تخاف شيئًا، وأي شيء أعطيته ستأخذه مع أرباحه، لأنه يقول: ” مَنْ يتعطَّف على المسكين يُقرض الرب” (أم 17:19). إنه يقدِّر ما تقرضه ويعد بالوفاء، لأنه يقول: “متى جاء ابن الإنسان في مجد أبيه مع الملائكة القديسين، فإنه يجلس على كرسي مجده ثم يقيم الخراف عن يمينه والجداء عن يساره، ويقول للذين عن يمينه: ” تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم، لأني كنت جوعانًا فأطعمتموني، كنت عطشانًا فسقيتموني، كنت عريانًا فكسوتموني، كنت مريضًا فزرتموني، محبوسًا فأتيتم إلىَّ”، وأضاف إلى هذا، ” الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم ” (مت 31:25ـ40). فالإنفاق إذن لم يكن هنا بلا ثمر، ولكن العطف على الفقراء سيجعل ثروتك ذات رائحة حلوة. اشترِ النعمة التي تأتي من الله، وأقتنِ رب السماء والأرض صديقًا لك، فإننا بالحقيقة كثيرًا ما نشتري لأنفسنا صداقة الناس بمبالغ باهظة من الذهب، أما إن كان من يصطلحون معنا هم من مراتب عالية، فإننا نشعر بسرور عظيم عندما نقدِّم لهم هدايا حتى لو كانت فوق مقدرتنا بسبب الكرامة التي تنشأ لنا منهم، رغم أن هذه الأشياء إنما هي عابرة وسريعًا ما تخبو، وهي أضغاث أحلام.

ولكن أن نصير أعضاء في بيت الله، ألا يجب أن نحسب ذلك شيئًا يستحق أن نربحه، ونحسب ذلك كما لو كان ذا أهمية قصوى؟ فنحن بالتأكيد بعد القيامة من الأموات سوف نقف في حضرة المسيح وسوف توجد بالضرورة مكافأة للرحومين والشفوقين، ولكن دينونة مساوية لأعمال أولئك الذين كانوا قساة وليس لهم محبة متبادلة، لأنه مكتوب: ” الحكم بلا رحمة لمن لم يعمل رحمة” (يع 13:2)، وإن كان الأمر هكذا، فكيف لا يكون هذا برهانًا وكمالاً للعقل الفطن، بأنه يجب قبل أن نهبط إلى هوة العذاب أن نتفكر مسبقًا لحياتنا؟ تعال ودعنا نناقش هذا الأمر فيما بيننا، افترض أنه لسبب أو لآخر من الأمور التي يدينها الناموس قد ساقونا أمام القضاة، ثم بعد الإدانة وُضع علينا حكم مناسب لِما تستحقه تعدياتنا، أما كنا، وبكل سرور نضحي بثروتنا لننجو من كل عذاب وعقوبة؟ أيمكن أن يُوجد أي شك في هذا؟ لأن النفس أفضل من الممتلكات، والحياة أفضل من الثروة. نحن الآن مدانون في خطايا كثيرة، ويلزم أن نقدِّم حسابًا للديان عن كل ما فعلناه، فلماذا لا نخلِّص أنفسنا إذن من الدينونة والنار الأبدية مادام الوقت يسمح لنا؟ والطريقة التي بها ننقذ أنفسنا هي أن نحيا في قداسة، ونعزي الأخوة الحزانى بسبب فقرهم، وأن نبسط أيدينا بسعة لجميع من هم في احتياج، وأن نتعاطف مع المرضى.
أخبرني ماذا يوجد أصعب من الفقر، هذا الوحش الذي يفترس بلا هدوء، هذا السم الذي ليس لنصيحة أن تُشفى منه، الذي هو أردأ الأمراض، بل بالحري هو أكثر قسوة من أي مرض؟ لذلك يجب علينا أن نمد يد المعونة لأولئك الذين يعانون منه، ويلزم أن نفتح قلوبنا لهم بسعة، ولا نعبر بدون مبالاة على عويلهم. افترض أن وحشًا فظًا وثب على عابر سبيل، أما كان يجب على أي مَنْ يَشهد الواقعة أن يمسك بأي شيء يكون في متناول يده، مثل حجر أو عصا، ثم يطرد الوحش الذي يمزّق ويقطع الرجل الواقع تحت ضرباته بدون رحمة؟ من ذا القاسي القلب والمملوء بالبغضة للجنس البشرى الذي يعبر (بدون اكتراث) على شخص مثل هذا يتحطّم في بؤس عظيم؟ ألا ينبغي أن تعرف أنت أن الفقر ـ كما قلت ـ هو أكثر قسوة من أي وحش مفترس؟ ساعد إذن أولئك الذين يسقطون تحت سطوته، أمل أذنيك إلى الفقير واستمع له كما هو مكتوب: ” مَنْ يسد أذنيه عن صراخ المسكين فهو أيضًا يصرخ ولا يستجيب إليه أحد” (أم 13:21). أعط لكي تأخذ، استمع لكي يُسمع لك، أبذر القليل الذي لك حتى تحصد كثيرًا، وبالإضافة إلى ذلك، فإن لذة الجسد هي قصيرة ووقتية وتنتهي بالتعفن، لكن العطاء والمحبة للفقير يتوجان أولئك الذين يمارسونهما، بالمجد من الله، ويقودانهم إلى تلك السعادة التي لا تضمحل، التي يهبها المسيح لأولئك الذين يحبونه، هذا الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور. آمين.

محبة الفقراء – إنجيل لوقا 14 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

Exit mobile version