شفاء مستسق يوم السبت – إنجيل لوقا 14 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
شفاء مستسق يوم السبت – إنجيل لوقا 14 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
شفاء مستسق يوم السبت – إنجيل لوقا 14 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
(لو1:14ـ6) ” وَإِذْ جَاءَ إِلَى بَيْتِ أَحَدِ رُؤَسَاءِ الْفَرِّيسِيِّينَ فِي السَّبْتِ لِيَأْكُلَ خُبْزًا كَانُوا يُرَاقِبُونَهُ. وَإِذَا إِنْسَانٌ مُسْتَسْقٍ كَانَ قُدَّامَهُ. فَسَأَلَ يَسُوعُ النَّامُوسِيِّينَ وَالْفَرِّيسِيِّينَ: هَلْ يَحِلُّ الإِبْرَاءُ فِي السَّبْتِ؟. فَسَكَتُوا. فَأَمْسَكَهُ وَأَبْرَأَهُ وَأَطْلَقَهُ. ثُمَّ سَأَلَ: مَنْ مِنْكُمْ يَسْقُطُ حِمَارُهُ أَوْ ثَوْرُهُ فِي بِئْرٍ وَلاَ يَنْشِلُهُ حَالاً فِي يَوْمِ السَّبْتِ؟. فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُجِيبُوهُ عَنْ ذَلِكَ “.
يُجري
الرب من جديد معجزات ويمارس قوة إلهية فائقة، ويعمل أعماله العادية ويُظهر مجده، فهو بطرق كثيرة يقدِّم منفعة للفريسيين الجموحين والمعاندين. لأنه كما أن الأمراض المستعصية أكثر من غيرها لا تستسلم لمهارة الأطباء، بل تستلزم أقصى قوة من الأشخاص ذوى الذكاء الحاد، كذلك أيضًا الذهن البشرى الذي قد حاد إلى الشر يرفض كل ما يمكن أن ينفعه، حتى أنه يصير ضحية لميل غير مقهور نحو العصيان، وهو قد وصل إلى هذه الحالة بانحرافات عن الطريق الصحيح لم يتم توبيخها.
ويمكن لمن سيعطي انتباهه للدروس الموضوعة أمامنا هنا أن يرى أن هذا الأمر حقيقي لا يُنكر، لأن فريسيًا من طبقة عالية فوق العادة دعا يسوع إلى وليمة، ومع أن الرب عرف خبثهم مضى معه واشترك معهم في الطعام، وهو أذعن لهذا الأمر تنازلاً منه، وليس لكي يكرّم من دعاه، بل بالحرى لكي ينفع أولئك الذين كانوا في صحبة الفريسي، وذلك بواسطة تلك الكلمات والأعمال المعجزية التي يمكن أن تقودهم إلى الاعتراف بالعبادة الحقيقية، وهى تلك التي يُعلِّمها لنا الإنجيل، لأنه عرف أنه سيجعلهم شهود عيان لقوته ومجده الذي هو أكثر من أية مجد بشري. لعلهم بهذا يمكنهم أن يؤمنوا أنه هو إله وابن الله الذي اتخذ شكلنا، ولكنه استمر بغير تغيير، ولم يكف عن أن يكون ما قد كان عليه دائمًا.
إذًا فهو قد صار ضيفًا لمن يدعوه، كي يتمّم ـ كما قلت ـ واجبًا ضروريًا. ولكن يقول الإنجيل إنهم كانوا يراقبونه، ولأي سبب كانوا يراقبونه، وعلى أي أساس؟ لكي يروا إن كان يتجاهل الإكرام الواجب للناموس، وهكذا يفعل شيئًا أو آخر من الأشياء الممنوعة في السبت. لكن أيها اليهودي عديم الشعور، افهم أن الناموس كان ظلاً ومثالاً ينتظر مجيء الحق، والحق هو المسيح ووصاياه، فلماذا إذن تتمسك بالمثال وتشهره كسلاح ضد الحق؟ لماذا تجعل الظل مقاومًا ومضادًا للتفسير الروحاني؟ احفظ سبتك بتعقّل، ولكن إن لم ترتضِ أن تفعل هكذا، ستقطع نفسك من حفظ السبت الذي هو مُرضٍ لله، ولن تعرف الراحة الحقيقية التي يطلبها منا من أعطى الناموس لموسى في القديم، فلنكف عن خطايانا، ولنسترح من آثامنا ولنغسل ذنوبنا، ولنتحاشَ الحب الجسداني النجس، ولنهرب بعيدًا عن الطمع والنهب والمكاسب غير الشريفة ومن محبة الربح القبيح ولنجمع أولاً مؤنًا لنفوسنا لأجل الطريق، القوت الذي يكفينا في الدهر الآتي، ولنعكف على الأعمال المقدَّسة، وبهذا نحفظ السبت عقليًا وروحيًا. أولئك الذين كانت وظيفتهم أن يخدموا بينكم بحسب الناموس، واعتادوا أن يقدّموا لله الذبائح المعينة حتى ولو في يوم السبت، وذبحوا الذبائح في الهيكل، وأدوا أعمال الخدمة تلك التي كانت موضوعة عليهم ولم يلمهم أحد، وحتى الناموس ذاته صمت من جهتهم. لذلك فإن الناموس لم يمنع الناس من أن يقدِّموا الخدمة في السبت. لذلك كان هذا مثالاً لنا، لأنه ـ كما قلت ـ فإنه من واجبنا أن نحفظ السبت بطريقة عقلية روحية لنرضي الله برائحة روحية طيبة، وكما قلت من قبل نحن نتمّم هذا حينما نكف عن الخطايا ونقدِّم لله رائحة مقدَّسة وجديرة بالإعجاب كتقدمة مقدَّسة، ونتقدم بثبات نحو كل فضيلة، لأن هذه هي الذبيحة الروحانية المرضية عند الله. لكن إن لم يكن لك شيء من هذا في ذهنك وتتمسك فقط بحرف كتاب الناموس، وتخلّيت عن الحق كشيء لا يمكنك أن تصل إليه، فاسمع الله الذي يخبرك بصوت إشعياء النبي فيقول: “غلِِِّظ قلب هذا الشعب وأطمس عينيه وثقل أذنيه لئلا يبصروا بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلبهم ويرجعوا فأشفيهم” (إش 10:6 س). فكيف لم يكونوا ثقيلي (الأذن) وبدون فهم ولهم ذهن أهمل المعونة (المقدَّمة) له، وهم الذين عندما كان يمكنهم أن يدركوا أنه المسيح بواسطة تعليمه الذي كان يفوق الناموس وبالعجائب التي أجراها، (إلاّ أنهم) كانوا معاندين ووضعوا في اعتبارهم فقط فكرتهم التي سبق فتخيّلوها عن الصواب، أو بالحري كانوا مهتمين فقط بما أحدرهم إلى هوة الهلاك
لكن ماذا كانت المعجزة التي كانوا معاينين لها؟ كان يوجد أمام الرب إنسان مُسْتَسْقٍ، لذلك يسأل الرب الناموسيين والفريسيين إن كان يَحلّ الإبراء في السبت أم لا ؟ والكتاب يقول: إنهم، “سكتوا”.
لكن لماذا صَمتَ أيها الناموسي؟ أُذكر شيئًا من الأسفار يبيّن أنَّ ناموس موسى يلوم فعل الخير في السبت؟ برهن لنا أن الناموس يريدنا من أجل راحة أجسادنا أن نكون قساة القلب وغير رحومين أي أنه يمنع الشفقة وذلك من أجل إكرام السبت؟ أن هذا الأمر لا يمكنك أن تبرهن عليه من أي جزء في الناموس. ولأنهم كانوا صامتين بدافع من الخبث، فالمسيح يدحض وقاحتهم التي لا تهدأ بواسطة الحجج المقنعة التي يستعملها. فيقول: ” مَنْ منكم يسقط حماره أو ثوره في بئر ولا ينشله حالاً في السبت؟” (لو 5:14). لو أن الناموس يمنع إظهار الرحمة في السبوت، فلماذا تشفقون أنتم على ذلك الحيوان الذي سقط في بئر؟ إذن لا تزعج ذاتك بخصوص ما يتعرّض له ابنك من خطر في يوم السبت وانتهر حركة العاطفة الطبيعية التي تحرضك على الإحساس بالحب الأبوي وسلم ابنك بفرح إلى القبر لكي ما تكرم مُعطي الناموس إذ تعلم أنه قاسٍ وغير رحوم. ليكن صديقك في خطر، ولكن لا تعطه أدنى انتباه من الآن، ولا حتى أيضًا لو بكى طفلك طالبًا المعونة، بل قل له: ” مُت فهذه إرادة الناموس”. إنك لن تقبل هذه الأفكار، بل سوف تمد يد المعونة لمن هو في الضيق، وتعطيه إكرامًا أكثر من الواجب للناموس، أو بالأحرى أكثر من راحة لا معنى لها، حتى لو لم تكن تعترف بعد أن السبت ينبغي أن يُحفظ بطريقة روحية. إن إله الكل لم يتوقف من أن يكون عطوفًا، فهو صالح ومحب للبشر، ولم يؤسس ناموس موسى كوسيط للقسوة، ولا أيضًا جعله معلّمًا للخشونة والوحشية بل بالأحرى كي يقودك إلى محبة القريب. فكيف كان يليق أن وصية مكرّمة هكذا وجديرة بالإعجاب، تفقد قوتها يوم السبت حسب إرادة الله؟ لماذا إذن تصمت أيها الناموسي؟ هذا اعتراف منك أنه ليس لك شيء تقوله، لأن قوة الحق هي شيء عظيم لا يُقهر، وهي قادرة أن تربك الذهن الحسود وتبكم اللسان الكثير العيب.
فالمسيح لم يعط انتباهًا لحسد اليهود وغيرتهم، بل هو أنقذ المريض المُصاب بالاستسقاء وشفاه من مرضه المستعصي.
لقد رأيت أيها اليهودي، المعجزة، إذن فمجد صانعها، أدرك قوته وعظمة سلطانه، اعترف أنه هو الله، قدِّم له إيمانك ولا تكن معاندًا، بل كما يقول يوئيل النبي: ” مزقوا قلوبكم لا ثيابكم” (يؤ 13:2). وسِّع ذهنك وافتح عين قلبك، وافهم أن الأعمال التي يعملها هي أعمال الألوهية حتى لو كان هو إنسانًا مشابهًا لنا في المظهر. لذلك اعتَرِف بمن لأجلنا لبس شبهنا، مع أنه بالرغم من هذا هو أعلى منا جدًّا، أو بالأحرى هو فوق كل الخليقة بميلاده الذي لا يُنطق به من الله الآب، لأنه هو ابن لمن هو فائق على الكل. لكن ومع أنه كان هو الرب، فإنه أخذ شكل العبد، لكي ما يجعل العبد مشابهًا له، لكنه لم يتوقف عن أن يكون هو الله، بل ظل كما هو والذي له تسجد الملائكة والرياسات والعروش والربوبيات، والسيرافيم يسبحونه، فلنعبده نحن أيضًا بالإيمان، ونرتفع بمعونته إلى نصيب القديسين، الذي به وله مع الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور. آمين.