الباب الضيق – إنجيل لوقا 13 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
الباب الضيق – إنجيل لوقا 13 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
الباب الضيق – إنجيل لوقا 13 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
(لوقا22:13ـ30):” وَاجْتَازَ فِي مُدُنٍ وَقُرًى يُعَلِّمُ وَيُسَافِرُ نَحْوَ أُورُشَلِيمَ. فَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ: يَا سَيِّدُ أَقَلِيلٌ هُمُ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ؟ فَقَالَ لَهُمُ: اجْتَهِدُوا أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا وَلاَ يَقْدِرُونَ. مِنْ بَعْدِ مَا يَكُونُ رَبُّ الْبَيْتِ قَدْ قَامَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَابْتَدَأْتُمْ تَقِفُونَ خَارِجًا وَتَقْرَعُونَ الْبَابَ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ افْتَحْ لَنَا يُجِيبُ ويقول لكم: لاَ أَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ!. حِينَئِذٍ تَبْتَدِئُونَ تَقُولُونَ: أَكَلْنَا قُدَّامَكَ وَشَرِبْنَا وَعَلَّمْتَ فِي شَوَارِعِنَا. فَيَقُولُ: أَقُولُ لَكُمْ لاَ أَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ! تَبَاعَدُوا عَنِّي يَا جَمِيعَ فَاعِلِي الظُّلْمِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ مَتَى رَأَيْتُمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ فِي مَلَكُوتِ اللهِ وَأَنْتُمْ مَطْرُوحُونَ خَارِجًا. وَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَمِنَ الْمَغَارِبِ وَمِنَ الشِّمَالِ وَالْجَنُوبِ وَيَتَّكِئُونَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ. وَهُوَذَا آخِرُونَ يَكُونُونَ أَوَّلِينَ وَأَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ“.
تنقاد السفينة إلى الميناء المطلوب التوجه إليه بواسطة الدفة، أما كلمة الله فتُرشد نفس الإنسان بدون خطأ إلى كل ما هو ضروري للخلاص لأنه هكذا تحدَّث أحد الأنبياء القديسين فقال: ” خذوا معكم كلامًا” (هو 2:14). أي ذلك الكلام الموحى به من الروح القدس، لأن لا أحد له فهم سيقول إن المقصود هو كلام حكماء هذا العالم، لأن كلماتهم تقود الناس إلى هوَّة الهلاك بإدخال تعدّد الآلهة إلى العالم، وبتحريضهم على اللّذة الجسدانية، وإلى اشتهاء ملاهي العالم الباطلة. أما كلام الله فيشير إلى الطريق المؤدي إلى حياة أفضل ويُولِّد فينا جديّة تجعلنا نتقدَّم ببهجة إلى تأدية كل الأشياء التي بواسطتها نصير شركاء في الحياة الأبدية.
لذلك فلننصت لكلمات المخلّص التي وجَّهها لمن أرادوا أن يعرفوا إن كان الذين يخلصون هم قليلون، والذين أجابهم الرب قائلاً: ” اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق“.
والآن ربما تبدو هذه الإجابة أنها خرجت عن مجال السؤال، لأن السائل أراد أن يعرف إن كانوا قليلين هم الذين يخلصون، لكنه وصف له الطريق الذي بواسطته يمكن أن يَخلص بقوله: ” اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيَّق “.
فبماذا نجيب على هذا الاعتراض؟
نحن نجيب كما يلي: إنها كانت عادة المسيح مخلّصنا كلنا أن يجاوب سائليه، ليس بما يمكن أن يبدو حسنًا بالنسبة لهم، بل كمَنْ وضع في اعتباره ما هو نافع وضروري لسامعيه. وهذا فعله على الأخص عندما كان أي شخص يسأله عن ما هو عديم الأهمية وما هو غير بنّاء، لأنه أي خير يوجد في رغبة التعرف عمّا إذا كان الذين سيخلصون كثيرين أو قليلين؟ فما المنفعة الناتجة من هذا للسامعين؟ على العكس كان من اللازم والمفيد أن يعرفوا بأية طريقة يمكن للإنسان أن يبلغ الخلاص. لذلك نجده قد صمت عن عمد من جهة السؤال العقيم الذي سُئل عنه. لكنه يتكلّم عن ما كان أساسيًا، أي عن المعرفة الضرورية لممارسة تلك الواجبات التي بها يمكن للناس أن يدخلوا من الباب الضيق لأن هذا قد علَّمه لنا أيضًا في موضع آخر إذ قال: ” ادخلوا من الباب الضيق لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك، وكثيرون هم الذين يدخلون منه. ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه” (مت 13:7 ،14).
إنني اعتبر أنَّ من واجبي أن أذكر لماذا أن الباب الذي يمضي منه إنسان إلى الحياة هو ضيق، فمن يود الدخول يلزمه بالضرورة أولاً قبل كل شيء آخر أن يقتني إيمانًا مستقيمًا وغير فاسد. وثانيًا أن تكون له أخلاق بلا عيب فلا تكون معرّضة لأي احتمال للوم بحسب معيار البر البشري، لأنه هكذا يتكلّم أيضًا داود النبي في موضع ما، فصاغ بطريقة ممتازة توسلاته إلى الله قائلاً “ أقض لي يا رب حسب بري وبحسب براءتي جازني” (مز 8:7 س). لأن براءة وبرّ الملائكة القديسين الذي يتناسب مع طبيعتهم ومجدهم هو متميّز تمامًا عن برّ سكان الأرض، لأن طبيعة الأرضيين هي من نوع أدنى وأقل من كل جهة كما أنهم أقل منهم في الطبيعة أيضًا. لكن الذين يريدون أن يحيوا في قداسة، لا يمكنهم أن يفعلوا بدون مشقة: لأن الطريق المؤدي إلى الفضيلة هو دائمًا صعب وعسير جدًّا لغالبية الناس أن يسيروا فيه، لأن الأتعاب تنشأ أمامنا، ونحن نحتاج إلى ثبات وصبر وسلوك نبيل، بل وما هو أكثر من هذا نحن نحتاج إلى ذهن لا يمكن أن يسود عليه الانحلال ليشترك في الملذات الدنيئة، أو أن تقوده دوافع غير عاقلة إلى الشهوة الجسدانية. فذلك الذي قد وصل إلى هذا المستوى في ذهنه وثباته الروحي سيدخل بسهولة من الباب الضيق، ويركض في الطريق الكرب. لأنه مكتوب اسمه “ بالمشقات يتعب الإنسان لأجل ذاته، وبتغصب ينتصر على هلاكه ” (أم26:16س).
أنت تسمع كيف يقول النبي بوضوح أنه ينتصر على هلاكه بالتغصب، لأنه هكذا يقول الرب نفسه: “ ملكوت السموات يُغصب، والغاصبون يختطفونه” (مت 12:11).
لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي بكثيرين إلى الهلاك.
وما الذي ينبغي أن نفهمه من رحابة الطريق؟ إنه يعني ميلاً مفرطًا للشهوة الجسدية، يعني حياة دنيئة ومحبة للذة، وتلذذًا بالولائم الفخمة المترفة، والمرح الصاخب والعربدة، وانعطافًا غير مكبوح إلى كل ما يدينه الناموس وإلى ما هو غير مُرضٍ لله. إنه يعني ذهنًا صَلِبْ الرقبة لا ينحني لنير الناموس، حياة ملعونة ومتراخية في كل فجور، وطاردة للناموس الإلهي من ذاتها وغير مكترثة تمامًا للوصايا المقدَّسة: إنه يعني الغنى والرذائل التي تنبع منه، الازدراء والكبرياء والتخيّل الباطل للشهوات الزائلة، وعلى الذين يريدون الدخول من الباب الضيق لكي يكونوا مع المسيح وأن يفرحوا معيّدين معه أن يبتعدوا من كل هذه الأمور.
وقد أظهر في الحال بمَثلٍ واضحٍ أن الذين ليس لهم هذا الاهتمام لا يمكنهم السير في هذا الطريق. لأن الذين جاءوا متأخرين جدًّا ـ ولم يصلوا إلى الوليمة ـ كان نصيبهم أن يُرفضوا في الحال، إذ يقول: ” من بعد ما يكون رب البيت قد قام وأغلق الباب وابتدأوا يقفون خارجًا ويقرعون الباب قائلين يا رب يا رب افتح لنا، يجيب ويقول لهم: لا أعرفكم من أين أنتم” لأن في هذا التصوير كما لو كان رب بيت قد جمع كثيرين من جيرانه في بيته وعلى مائدته، وفيما بعد دخل مع ضيوفه وأغلق الباب، يقول إن أولئك الذين يقرعون بعد ذلك سيكون الرّد عليهم هكذا: ” لا أعرفكم من أين أنتم..“، ويقول: ولو أنكم تلحون قائلين: ” أكلنا قدامك وشربنا وعلََََّمتَ في شوارعنا“، فإنكم سوف تسمعون القول: ” لا أعرفكم من أين أنتم، تباعدوا عني يا جميع فاعلي الظلم “. لأنه ليس هناك شركة للنور مع الظلمة، ولا يمكن لأي واحد أن يكون قريبًا من الإله الكامل النقاوة وهو ملوَّث بأدناس الخطيّة ولم يغتسل من نجاسته بعد. لكن يلزمنا بعد ذلك أن نسأل عن مَنْ هم الذين قالوا للمسيح: ” أكلنا قدامك وشربنا وعلَّمت في شوارعنا“؟ فمثل هذا التأكيد يناسب الإسرائيليين الذين قال لهم المسيح أيضًا: “سترون إبراهيم واسحق ويعقوب وجميع الأنبياء في ملكوت الله وأنتم مطروحون خارجًا “.
لكن كيف كانوا يأكلون ويشربون أمام الله؟
أجيب: بأدائهم الخدمة التي شرّعها الناموس، لأن عند تقديمهم ذبائح لله بسفك دمها، أكلوا وطاب قلبهم، وهم سمعوا أيضًا في مجامعهم كتابات موسى تُفَسِر لهم رسائل الله، لأنه كان دائمًا يستهل كلامه دائمًا: ” هكذا يقول الرب“. إذن هؤلاء هم الذين يقولون: ” أكلنا قدامك وشربنا وعلَّمت في شوارعنا“. لكن العبادة بسفك الدم ليست كافية للتبرير، ولا أيضًا يغتسل الإنسان من خطاياه حقًا إن كان فقط مستمعًا للشرائع الإلهية دون إن يفعل شيئًا مما أُوصي به.
وبطريقة أخرى، فطالما أنهم رفضوا قبول الإيمان الذي يبرّر الأثيم، ولم يتبعوا الوصايا الإنجيلية التي يمكن بواسطتها ممارسة الحياة الممتازة والمختارة، فكيف يمكنهم الدخول إلى ملكوت الله؟ لذلك فالرمز لا يفيد لأنه لا ينفع أي إنسان، ويستحيل على دم الثيران والعجول أن ينزع خطايا.
يمكنك أن تعدِّد مع الذين سبق ذكرهم بعض أناس آخرين يمكنهم أن يقولوا أيضًا لديّان الكلّ: ” أكلنا قدامك وشربنا وعلَّمت في شوارعنا“. فمن هم هؤلاء أيضًا؟
كثيرون آمنوا بالمسيح ويحتفلون بالأعياد المقدَّسة إكرامًا له ويتردّدون على الكنائس ويسمعون أيضًا تعاليم الإنجيل، لكنهم لا يختزنون في ذهنهم أي شيء من حقائق الكتاب بالمرّة، وبمشقة يأتون إلى ممارسة الفضيلة، بينما قلبهم يكون عاريًا تمامًا من الثمر الروحي. هؤلاء أيضًا سيبكون بمرارة ويصرّون بأسنانهم لأن الرب سينكرهم أيضًا لأنه قد قال: “ ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات ” (مت 21:7).
لكن كون اليهود على وشك السقوط تمامًا من رتبتهم كأهل بيته بالمعنى الروحي، وأن جموع الأمميين سيدخلون عوضًا عنهم فهذا أظهره بقوله سوف يأتون من المشارق ومن المغارب ومن الشمال والجنوب أي يأتي كثيرون ممن قبلوا الدعوة ويتكلَّمون مع القديسين، أما اليهود سيُطرحون خارجًا لأنه بينما كانت لهم قبلاً المرتبة الأولى، فإنهم سوف يأخذون الآن الموضع الثاني بسبب أن الآخرين صاروا مُفضَّلين عليهم. وهذا حدث فعلاً، لأنه تم إكرام الأمميين أكثر جدًّا من القطيع اليهودي، لأنهم كانوا مدانين بالعصيان وبقتلهم للرب، بينما أن الأمميين أكرموا الإيمان الذي في المسيح الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور. آمين.