شفاء المرأة التي بها روح ضعف – إنجيل لوقا 13 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
شفاء المرأة التي بها روح ضعف – إنجيل لوقا 13 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
شفاء المرأة التي بها روح ضعف – إنجيل لوقا 13 ج2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
(لو10:13ـ13): ” وَكَانَ يُعَلِّمُ فِي أَحَدِ الْمَجَامِعِ فِي السَّبْتِ. وَإِذَا امْرَأَةٌ كَانَ بِهَا رُوحُ ضُعْفٍ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَتْ مُنْحَنِيَةً وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ تَنْتَصِبَ الْبَتَّةَ. فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ دَعَاهَا وَقَالَ لَهَا: يَا امْرَأَةُ إِنَّكِ مَحْلُولَةٌ مِنْ ضُعْفِكِ. وَوَضَعَ عَلَيْهَا يَدَيْهِ فَفِي الْحَالِ اسْتَقَامَتْ وَمَجَّدَتِ اللهَ“.
كان هناك في المجمع امرأة منحنية لم تَقدْر أن تنتصب لمدة ثماني عشرة سنة بسبب روح ضعف، وربما تبرهن حالتها على منفعة ليست بقليلة لمن لهم فهْم، لأنه ينبغي لنا أن نجمع ما هو مفيد لنا من كل جانب، إذ مما حدث نرى أنَّ الشيطان غالبًا ما ينال السلطان على بعض الأشخاص، منهم مثلاً الذين يسقطون في الخطية فيصيرون متراخين في بذل الجهد لأجل التقوى. لذلك فكل من يمسك به الشيطان في نطاق سلطانه يصيبه بأمراض جسدية، إذ إنه يفرح بالعقوبة وهو عديم الرحمة. الله الحكيم جدًّا الذي يري كل شيء يمنحه هذه الفرصة حتى إذا ما تضايق الناس جدًّا من ثقل بؤسهم يصممون في أنفسهم أن يتغيّروا إلى الطريق الأفضل. لأجل ذلك سلّم القديس بولس للشيطان أحد الأشخاص في كنيسة كورنثوس كان قد اتُهم بالزنا ” لهلاك الجسد، لكي تخلص الروح” (1كو 5:5). لذلك قيل عن المرأة التي كانت منحنية إنها عانت هذا من قسوة الشيطان بحسب كلمات ربنا إذ قال: ” ربطها الشيطان لمدة ثمانية عشرة سنة“. وكما قلت فإن الله سمح بهذا، إما بسبب خطاياها، أو بسبب قانون عام وشامل، لأن الشيطان الملعون هو سبب مرض أجساد البشر، كما نؤكد أنَّ تعدي آدم، كان بتأثير الشيطان، وبواسطة هذا التعدي صارت هياكلنا البشريّة معرَّضة للمرض والانحلال. ومع أنَّ هذا كان حال البشر فإن الله الصالح بطبعه لم يتخلَ عنا ونحن نعاني من عقوبة مرض مستعصٍ طويل الأمد، بل حرّرنا من قيودنا، مظهرًا ـ كعلاج مجيد لأتعاب البشرية ـ حضوره الذاتي وظهوره في العالم، لأنه جاء ليعيد صياغة طبيعتنا إلى ما كانت عليه في الأصل، لأنه كما هو مكتوب: ” إن الله لم يصنع الموت وهو لا يُسر بهلاك الأحياء. لأنه إنما خلق البرايا لتكون موجودة، وصنع أجيال العالم معافاة وليس فيها سم التهلكة” (حكمة 13:1، 14 س)، لكن ” بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم” (حك 24:2 س).
إن تَجسُّد الكلمة وأخذه لطبيعة بشريّة تم لأجل دحر الموت وملاشاة ذلك الحسد الذي ألهبته الحيّة الشريرة التي كانت العلّة الأولى للشر. وهذا يتبرهن لنا من الحقائق نفسها. ولذلك حرّر ابنة إبراهيم من مرضها المزمن، فدعاها قائلاً: “ يا امرأة إنك محلولة من ضعفك“. وهذا كلام يليق جدًّا بالله، وهو مملوء قوة فائقة للطبيعة، لأنه بالسلطان الإلهي لمشيئته طَرَد المرض. وهو أيضًا وضع يديه عليها، وفي الحال استقامت. ومن ثَمَّ يمكننا أيضًا أن نرى أنَّ جسده المقدس يحمل داخله قوة الله وفاعليتها، لأنه هو جسده الذاتي وليس جسد ابن آخر بجانبه، مُمَيّزًا ومنفصلاً عنه كما يتخيل بعض عديمي التقوى.
(لو 14:13) ” فَأَجابَ رَئِيسُ الْمَجْمَعِ، وَهُوَ مُغْتَاظٌ لأَنَّ يَسُوعَ أَبْرَأَ فِي السَّبْتِ، وَقَالَ لِلْجَمْعِ: هِيَ سِتَّةُ أَيَّامٍ يَنْبَغِي فِيهَا الْعَمَلُ، فَفِي هذِهِ ائْتُوا وَاسْتَشْفُوا، وَلَيْسَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ!“.
ولكن ألم يكن من الواجب عليه بالحري أن يندهش لكون المسيح حرّر ابنة إبراهيم هذه من قيودها؟ إنك رأيتها تتحرّر من بليتها على غير ما كان متوقعًا، وكنت شاهد عيان بأن الطبيب لم يتوسل، ولا نال ـ كمنحة من آخر ـ شفاء المرأة المريضة، بل إنه فعل هذا بفعل قدرته. وبحكم كونك رئيسًا للمجمع أفترض أنك تعرف كتب موسى. لقد رأيت موسى يصلى في كل مناسبة، ولم يعمل شيئًا بقوته الذاتية، فعندما أصيبت مريم بالبرص لمجرد أنها تكلّمت ضده بشيء من اللوم ـ وذلك عن حق لأنه أخذ لنفسه امرأة كوشية ـ لم يستطع موسى أنَّ يقهر المرض بل على العكس سقط أمام الله قائلاً: “ اللّهم اشفها” (عدد 13:12). ولكن رغم تضرعه هذا، لم تُرفَع عنها عقوبة خطيتها. كما أن الأنبياء القديسين عندما كانوا يصنعون أية معجزة، فإننا نرى أنهم صنعوها بقوة الله. أتوسل إليك أن تلاحظ هنا أن المسيح مخلّص الكل لم يقدم أية صلاة بل تمّم الأمر بقوته الذاتية وشفاها بكلمة وبلمسة يده. لأنه بسبب كونه ربًا وإلهًا أظهر أن جسده الخاص له فاعلية مساوية مع نفسه؛ لتحرير البشر من أمراضهم، ومن ثَمَّ كان يقصد أن يدرك البشر فحوى السر المختص به. لذلك لو كان رئيس المجمع رجلاً ذا فهم لكان أدرك من هو المخلّص وكم كان عظيمًا بسبب هذه المعجزة العجيبة جدًّا، ولما كان قد تكلّم بنفس الطريقة الجاهلة كالجموع، ولا كان قد اتهم من يقومون بشفاء المرضى، بكسر الشريعة، من جهة الامتناع التقليدي عن العمل يوم السبت.
لكن من الواضح: ” أنَّ تُشفى هو أنَّ تعمل”. فهل تنكسر الشريعة عندما يُظهر الله رحمةً حتى في يوم السبت؟ مَنْ هو الذي أمر الله أن يكف عن العمل؟ هل أمر ذاته؟ أم لم يكن بالأحرى أنتم؟ لو كان قد أمر ذاته، لجعل عنايته الإلهية بنا تتوقف يوم السبت .. إذن لتسترح الشمس من مسارها اليومي، ليتوقف المطر عن الهطول، لتتوقف ينابيع المياه وكذلك الأنهار الدائمة الجريان، وكذلك تتوقف الريح. لكن لو أَمَرَكم أنتم بالراحة فلا تلوموا الله لأنه بسلطان أظهر رحمة حتى في يوم السبت. ولماذا هو أوصى البشر أن يستريحوا في يوم السبت؟ إنه كان ـ كما قيل لكم ـ لكي يستريح عبدك وثورك وحصانك وماشيتك. لذلك فعندما يريح هو البشر بتحريرهم من أمراضهم وأنتم تمنعون ذلك، يتضّح أنكم تكسرون السبت في عدم سماحكم لِمَن يعانون تحت ثقل الألم والمرض والذين ربطهم الشيطان، أن يستريحوا.
لكن عندما رأي رئيس المجمع غير الشكور المرأة المنحنية والتي كانت أطرافها كسيحة، وقد نالت رحمة من المسيح فانتصبت في استقامتها، بمجرد لمسة من يده وأنها تسير بخطوات منتصبة تليق بإنسان، وتُعظِّم الله لأجل شفائها، اغتاظ جدًّا واشتعل بغضب ضد مجد الرب، وتورّط في الحسد، وافترى على المعجزة، ولكنه تحاشى الحديث مع الرب ـ لأنه كان سيفضح رياءه ـ ووبّخ الجمع لكي يبدو أن اغتياظه كان لأجل حفظ يوم السبت. لكن هدفه كان في الحقيقة هو أن يسيطر على من كانوا متفرّقين على مدى الأسبوع ومنشغلين بأعمالهم، لكي لا يكونوا مشاهدين ومعجبين بمعجزات الرب يوم السبت لئلا يؤمنوا هم أيضًا به.
ولكن أخبرني ـ يا من أنت عبد للحسد ـ أي نوع من الأعمال يمنعه الناموس عندما يوصيك بأن تكف عن كل عمل يدوي في يوم السبت؟ هل يمنع عن عمل الفم والتكلم؟ إذن فامتنع عن الأكل والشرب والتحادث وترتيل المزامير في يوم السبت. لكن لو امتنعت عن هذه الأعمال بل وامتنعت أيضًا عن قراءة الناموس، فما هى منفعة السبت لك؟ لكن لو قَصَرت المنع عن العمل اليدوي فكيف يكون شفاء امرأة بكلمة نوعًا من العمل اليدوي؟ لكن لو دعوته عملاً لأن المرأة قد شُفيت بالفعل فأنت أيضًا قد أديت عملاً في لومك لشفائها، لكن رئيس المجمع يقول إن المسيح قال: ” أنتِ محلولة من ضعفك فانحلت منه” حسنًا! ألا تحل أنت منطقتك في يوم السبت ألا تخلع حذاءك وترتب فراشك وتغسل يديك عندما تتسخ بالأكل؟ فلماذا أنت غاضب هكذا من مجرد كلمة ” أنك محلولة“؟ وما العمل الذي عَمَلَته المرأة بعد قول هذه الكلمة؟ هل شرعت في عمل النحاس أو النجار أو البناء؟ هل ابتدأت في هذا اليوم ذاته في النسج أو العمل على النول؟ سيجيب لا، إنها صارت منتصبة، كأن مجرد الشفاء هو نوع من العمل.
لكن لا، فأنت لست غاضبًا بالحق لأجل السبت، بل إنه يوجد شيء مخفي في قلبك وأنت تنطق وتتعلّل بشيء غيره، ولهذا السبب فإنك إذ رأيت المسيح يُكرَّم ويُعبَد كإله اغتظت واهتجت وأكلك الحسد. فأنت مُدان تمامًا من قِبَل الرب الذي يعرف حججك الباطلة، وتنال اللقب الذي يليق بك إذ دعاك: “مرائي” ومتصنِّع وغير مخلص.
(لو15:13): ” يَا مُرَائِي أَلاَ يَحُلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ ثَوْرَهُ أَوْ حِمَارَهُ مِنَ الْمِذْوَدِ وَيَمْضِي بِهِ وَيَسْقِيهِ؟“.
يقول الرب: أنت تندهش لأني حلّلت ابنة إبراهيم من مرضها، بينما تريح ثورك وحمارك وتحلّه من أتعابه وتقوده ليشرب، لكن عندما يعاني كائن بشري من مرض، ويُشفى بطريقة عجيبة ويُظهر له الله رحمته، فإنك تلوم كليهما كمتعديين: أي ذلك الذي أجري الشفاء والأخرى التي تحرّرت من مرضها.
أتوسل إليكم أن تنظروا كيف أنَّ رئيس المجمع يعتبر أن كائنًا بشريًا له في نظره اعتبار أقل من الحيوان، إذ أنه على الأقل يعتبر أن حماره وثوره جديران بالرعاية في يوم السبت، لكنه ـ في حسده ـ ما كان يريد أن المسيح يحرّر المرأة المنحلّة، ولا أن يراها وقد استعادت شكلها الطبيعي، ولكن الرئيس الحسود كان يُفضِّل أن تظّل المرأة التي استقامت، منحنية دائمًا مثل الحيوانات ذات الأربع، عن أن تستعيد الشكل الذي يليق بالبشر، ليس لهدف آخر سوى أن لا يتعظّم المسيح ولا يُنادى به كإله بسبب أعماله، لذا فقد أُدين هذا الإنسان كمرائي، لأنه ـ على الأقل ـ يقود ماشيته الخرساء لتشرب في يوم السبت، ولكنه يغتاظ بسبب أن هذه المرأة ـ التي كانت ابنة إبراهيم بالجسد، وبالأكثر أيضًا بواسطة إيمانها، تتحرّر من قيود مرضها. لأنه يعتبر أن خلاصها من مرضها هو تعدٍّ على شريعة السبت.
(لو17:13): ” وَإِذْ قَالَ هَذَا أُخْجِلَ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا يُعَانِدُونَهُ وَفَرِحَ كُلُّ الْجَمْعِ بِجَمِيعِ الأَعْمَالِ الْمَجِيدَةِ الْكَائِنَةِ مِنْهُ “.
خزي إذن جميع الذين نطقوا بهذه الآراء الفاسدة، الذين تعثروا أمام حجر الزاوية الأساسي، وانكسر الذين قاوموا الطبيب، الذين تصادموا مع الفخاري الحكيم أثناء انشغاله في تقويم الأوعية المعوجة، لم يكن هناك جواب يمكن أن يجيبوا به. لقد أدانوا ذواتهم بطريقة ليس فيها جدال، ودفعوا إلى الصمت، وتشكّكوا فيما ينبغي أن يقولوا. وهكذا أغلق الرب أفواههم المتجاسرة، لكن الجموع الذين ربحوا فائدة المعجزات كانوا فرحين. لأن مجد وعظمة أعماله لاشت كل تساؤل وشك عند أولئك الذين سعوا إليه بدون نية سيئة.