أبحاث

مفتاح المعرفة – إنجيل لوقا 12 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

مفتاح المعرفة – إنجيل لوقا 12 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

مفتاح المعرفة – إنجيل لوقا 12 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

مفتاح المعرفة – إنجيل لوقا 12 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
مفتاح المعرفة – إنجيل لوقا 12 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو11: 52 ، 12: 1ـ2) ” وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا النَّامُوسِيُّونَ لأَنَّكُمْ أَخَذْتُمْ مِفْتَاحَ الْمَعْرِفَةِ. مَا دَخَلْتُمْ أَنْتُمْ وَالدَّاخِلُونَ مَنَعْتُمُوهُمْ. ولمَا خَرَج مِن هُنَاك ابْتَدَأَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ يَحْنَقُونَ جِدًّا وَيُصَادِرُونَهُ عَلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ. وَهُمْ يُرَاقِبُونَهُ طَالِبِينَ أَنْ يَصْطَادُوا شَيْئًا مِنْ فَمِهِ لِكَيْ يَشْتَكُوا عَلَيْهِ  وَفِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ إِذِ اجْتَمَعَ رَبَوَاتُ الشَّعْبِ حَتَّى كَانَ بَعْضُهُمْ يَدُوسُ بَعْضًا ابْتَدَأَ يَقُولُ لِتَلاَمِيذِهِ: أَوَّلاً تَحَرَّزُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ الَّذِي هُوَ الرِّيَاءُ. فَلَيْسَ مَكْتُومٌ لَنْ يُسْتَعْلَنَ وَلاَ خَفِيٌّ لَنْ يُعْرَفَ، لِذَلِكَ كُلُّ مَا قُلْتُمُوهُ فِي الظُّلْمَةِ يُسْمَعُ فِي النُّورِ وَمَا كَلَّمْتُمْ بِهِ الأُذُنَ فِي الْمَخَادِعِ يُنَادَى بِهِ عَلَى السُّطُوحِ “.

 

          الذين يفتِّشون الكتب المقدسة ويعرفون إرادة الله، عندما يكونون رجالاً فاضلين، ومهتمين بما هو نافع للناس، وماهرين فى قيادتهم باستقامة إلى كل الأمور الممتازة، سوف يُكافأون بكل بركة، إذا أدُّوا مهامهم بكل اجتهاد. وهذا ما يؤكده لنا المخلِّص حيث يقول: “ فمن هو إذن العبد الأمين الحكيم الذي يقيمه سيده على خدمِهِ ليعطيهم الطعام فى حينه، طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا، الحق أقول لكم إنه يقيمه على جميع أمواله” (مت45:24ـ47)، ولكن إن كان كسولاً ومهملاً وتسبب فى ضرر من أؤتُمن عليهم، فإنه بإنحرافه عن الطريق المستقيم، يكون في بؤس عظيم وفى خطر عقاب محقَّق، لأن المسيح نفسه أيضًا قد قال: “ ومن أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي، فخيرٌ له أن يُعلَّق في عنقه حجر حمار[1] ويُغرق في لُجَّة  البحر” (مت18: 6).

          وقد أثبت المسيح أنهم مذنبون بأخطاء فظيعة أولئك الذين يدعون أنهم حاذقون فى الناموس، أقصد الكتبة والناموسيون، ولهذا يقول لهم: ” ويل لكم أيها الناموسيون لأنكم أخذتم مفتاح المعرفة“، ونحن نعتقد أن مفتاح المعرفة يَقصد به الناموس نفسه، والتبرير بالمسيح وأنا أعني بالإيمان به. لأنه رغم أن الناموس كان ظلاً ومثالاً، إلاَّ أن هذه الرموز ترسم لنا الحقيقة، وتلك الظلال تصوِّر لنا بِر المسيح بطرق متنوعة. كان يقدَّم حَمَل ذبيحة بحسب ناموس موسى، وكانوا يأكلون لحمه ويدهنون القائمتين بدمه، وهكذا كانوا يَغلبون المهلِك. ولكن مجرد دم خروف لا يمكن أن يبعد الموت. لقد كان المسيح هو المشار إليه بمِثال في شكل حمل، هو الذي احتمل أن يكون ذبيحة عن حياة العالم، وأن يخلِّص بدمه أولئك الذين يشتركون فيه. ويمكن للإنسان أن يذكر أمثلة أخرى كثيرة، يمكن بواسطتها أن نميِّز سر المسيح المرسوم فى ظلال الناموس. والمسيح نفسه لمَّا تكلم ذات مرة لليهود قال: “يوجد الذي يشكُوكم وهو موسى الذي عليه رجاؤكم، لأنكم لو كنتم تُصدّقون موسى لكنتم تصدّقونني لأنه هو كتب عني” (يو5: 45ـ46)، وأيضًا ” فتِّشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهى التى تشهد لي، ولا تريدون أن تأتوا إليَّ لتكون لكم حياة” (يو5: 39)، لأن كل كلمة فى الكتب الإلهية الموحَى بها تتطلَّع نحوه وتشير إليه. وإن كان موسى الذي يتكلم، فهو على أى حال كان كما رأينا مثالاً للمسيح، وإن كان الأنبياء القديسون الذين تُذكر أسماؤهم، فإنهم أيضًا أعلنوا لنا سر المسيح مسبقًا عن الخلاص الذي بواسطته.

          لذلك كان يجب على أولئك الذين يُدعَون ناموسيون، بسبب دراستهم لناموس موسى وكانوا على دراية كبيرة بأقوال الأنبياء القديسين، كان ينبغي أن يفتحوا أبواب المعرفة لجماهير اليهود، لأن الناموس يُوجِّه الناس إلى المسيح، والإعلانات المقدسة التى للأنبياء القديسين تقود ـ كما قلت لكم ـ للتعرُّف عليه. لكن المدعُوِّين ناموسيون لا يفعلون هكذا، بل على العكس أبعدوا مفتاح المعرفة، والذي ينبغي أن نعرف أنه إرشاد الناموس. أو هو بالحقيقة الإيمان بالمسيح، لأن معرفة الحق هى بالإيمان، كما يقول إشعياء النبي في موضع ما: ” إن لم تؤمنوا فلا تفهموا” (إش7: 39 س). وطريقة الخلاص هذه نفسها بالإيمان بالمسيح أعلنها لنا سابقًا بواسطة الأنبياء القديسين قائلاً: “ قليلاً، بعد قليل سيأتي الآتي ولا يبطئ…” (حبقوق2: 3 س) ” وإن ارتدَّ لا تُسر به نفسي” (عب10: 37)، والمقصود بارتداد الشخص هو أن يستسلم للتواني، لذلك يقول إنه لا يجب أن يرتد واحد، فالمقصود أنه إذا كان يزداد توانيًا فى سَيرِه نحو النعمة التى بالإيمان فإن نفسي لن تُسر به.

          أما كون الآباء قد تزّكوا بالإيمان، ففحص أعمالهم يوضِّح ذلك. خُذ على سبيل المثال أب الآباء إبراهيم الذي دُعيَ خليل الله، ماذا كُتِب عنه؟ “ آمن إبراهيم بالله فحُسب إيمانه له برًّا ودُعيَ خليل الله” (يع2: 23). كما كُتب أيضًا ” بالإيمان نوح لما أُوحيَ إليه عن أمور لم تُرَ بعد خاف فبنى فُلكًا لخلاص بيته، الذي فيه خلص قليلون أي ثماني أنفس بالماء” (عب11: 7، 1بط3: 20). كما أن المبارك بولس قدَّم لنا تعريفًا، أو بالأحرى قانونًا عامًّا بقوله: ” بدون إيمان لا يمكن ارضاء الله” (عب11: 6)، لأنه قال إن به نال القدماء، شهادة حسنة (عب11: 2).

          أما هؤلاء المدعوون ناموسيون فقد أخذوا مفتاح المعرفة، ولم يسمحوا للناس أن يؤمنوا بالمسيح مخلِّص الجميع. إنه أجرى عجائب بطرق متنوعة، فأقام الموتى من القبور، وأعاد البصر للعميان الذين فقدوا الرجاء، وجعل العرج يمشون وطهَّر البرص، وانتهر الأرواح النجسة، أما هم رغم أنه كان من واجبهم أن ينظروا إليه بإعجاب بسبب هذه الأمور، إلا أنهم احتقروا آياته الإلهية، وجعلوا الشعب الذي أودع أمانة عندهم أن يعثر فيه، إذ قالوا: ” هذا الإنسان لا يُخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين” (مت12: 24). ها أنت ترى أنهم قد أخذوا مفتاح المعرفة. فهو علَّم في مجامعهم، وكشف لسامعيه مشيئة الله الآب الصالحة والمرضية الكاملة (رو12: 2)، لكنهم لم يتركوا حتى تعاليمه هذه بدون لوم، لأنهم صرخوا للجموع: به شيطان، وهو يهذي ” لماذا تسمعون له؟” (يو10: 20). حقًّا إنهم أخذوا مفتاح المعرفة فما دخلوا هم أنفسهم ومنعوا الآخرين.

          وهكذا وقد صاروا ساخطين على هذا التوبيخ، فإنهم كما يقول الكتاب: ” بدءوا يحنقون عليه” والذي يعني أنهم بدءوا يهاجمونه بمكرٍ ويقاومونه، ويُظهرون بغضهم له، بل وتجاسروا أيضًا كما يقول: ” أن يُفحموه على أمور كثيرة[2]،ومرَّة ثانية ما هو المقصود بأن يُفحموه (يسكتوه)؟

          المقصود هو أنهم طلبوا منه فورًا، أي بدون إعطائه فرصة للتفكير فى الإجابة على أسئلتهم الشريرة، ومتوقِّعين بكل تأكيد أن يقع في شباكهم وأن يقول شيئًا ما أو شيئًا آخر يمكن الاعتراض عليه. ولكنهم لم يعلموا أنه هو الله، بل بالحري هم الذين كانوا حقيرين، مغرورين، منتفخين. ولذلك قال المسيح لأصدقائه، أعنى لتلاميذه: ” تحرَّزوا لأنفسكم من خمير الفريسيين والكتبة“، وهو يقصد بالخمير تظاهرهم الكاذب، لأن الرياء أمر ممقوت لدى الله ومكروه من الناس ولا يجلب مكافأة وهو عديم الفائدة تمامًا لخلاص النفس بل بالأحرى هو سبب هلاكها. وإن اختبأ ولم ينكشف لفترة قصيرة، فلابد أن يُفضح بعد زمن ليس بطويل، ويجلب عليهم الاحتقار، مثل النسوة قبيحات المنظر، عندما تُنزع عنهن زينتهن الخارجية التى عملوها بوسائل مصطنعة.

          لذلك فالرياء شيء غريب عن أخلاق القديسين، لأنه من المستحيل أن تلك الأمور التى نفعلها ونقولها، أن تخفى على عين الله، وهذا ما أوضحه بقوله:    ” فليس مكتومٌ لن يُستعلن، ولا خفيٌّ لن يُعرف“، لأن جميع أقوالنا وأعمالنا سوف تنكشف فى يوم الدينونة. إن الرياء إذن هو عناء لا لزوم له، ومن واجبنا أن نثبت أننا عابدون حقيقيون، نخدم الله بوجه طلق مكشوف، ولا نخضع فكرنا لمن أخذوا مفتاح المعرفة، بل يجب أن نرى حتى في الناموس سر المسيح، ونمسك بكلمات الأنبياء القديسين لتثبت معرفتنا به. وهذا أيضًا ما علَّمنا به تلميذه بقوله: ” وعندنا الكلمة النبوية وهى أثبت، التى تفعلون حسنًا إن انتبهتم إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح فى قلوبكم ” (2بط1: 19).

          فنحن الذين في المسيح قد أشرق إذن علينا النهار، وقد طلع كوكب الصبح العقلي، حاصلين على معرفة صحيحة وبلا لوم لأنه هو نفسه قد وضع في ذهننا وقلبنا المعرفة الإلهية، إذ هو المخلِّص ورب الكل، الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور. آمين.

 

[1] يقصد القديس فى نصه هنا حجر الرحى الكبير الذى يُدار بحمار، لتمييزه عن حجر الرحى الصغير الذى يُدار باليد.

[2] هذا بحسب النص الذى فى يد القديس كيرلس To put him to Silence وكذلك نفس المعنى بحسب النص اليونانى. وفى ترجمة دار “الكتاب المقدس: ” يصادرونه على أمور كثيرة “.

 

مفتاح المعرفة – إنجيل لوقا 12 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد