إخراج الشياطين بروح الله – إنجيل لوقا 11 ج12 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
إخراج الشياطين بروح الله – إنجيل لوقا 11 ج12 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
إخراج الشياطين بروح الله – إنجيل لوقا 11 ج12 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
(لو11: 19ـ26) ” فَإِنْ كُنْتُ أَنَا بِبَعْلَزَبُولَ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ فَأَبْنَاؤُكُمْ بِمَنْ يُخْرِجُونَ؟ لِذَلِكَ هُمْ يَكُونُونَ قُضَاتَكُمْ. وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُ بِإِصْبِعِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ. حِينَمَا يَحْفَظُ الْقَوِيُّ دَارَهُ مُتَسَلِّحًا تَكُونُ أَمْوَالُهُ فِي أَمَانٍ. وَلَكِنْ مَتَى جَاءَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فَإِنَّهُ يَغْلِبُه وَيَنْزِعُ سِلاَحَهُ الْكَامِلَ الَّذِي اتَّكَلَ عَلَيْهِ وَيُوَزِّعُ غَنَائِمَهُ. مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ وَمَنْ لاَ يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُفَرِّقُ. مَتَى خَرَجَ الرُّوحُ النَّجِسُ مِنَ الإِنْسَانِ يَجْتَازُ فِي أَمَاكِنَ لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ يَطْلُبُ رَاحَةً، وَإِذْ لاَ يَجِدُ يَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي الَّذِي خَرَجْتُ مِنْهُ. فَيَأْتِي وَيَجِدُهُ مَكْنُوسًا مُزَيَّناً. ثُمَّ يَذْهَبُ وَيَأْخُذُ سَبْعَةَ أَرْوَاحٍ أُخَرَ أَشَرَّ مِنْهُ فَتَدْخُلُ وَتَسْكُنُ هُنَاكَ فَتَصِيرُ أَوَاخِرُ ذَلِكَ الإِنْسَانِ أَشَرَّ مِنْ أَوَائِلِهِ!“.
إن إله الكل في توبيخه لكبرياء اليهود، وأيضًا لجنوحهم المستمر واندفاعهم إلى العصيان، يتكلم بصوت إشعياء: ” اسمعي أيتها السماوات، وأصغي أيتها الأرض، لأن الرب تكلم، ولدتُ بنين ونشَّأتهم، أما هم فرفضوني” (إش1: 2س). لأنهم رفضوا الله الآب باستخفافهم بالابن بطرق متعددة، الذي رغم أنه وُلِدَ منه بالطبيعة، إلاّ أنه فيما بعد صار مثلنا لأجلنا، ودعاهم إلى النعمة التي بالإيمان، لعلهم يُكمِّلون الوعد الذي أُعطيَ لآبائهم، حتى تُمجِّد الأمم الله من أجل الرحمة (انظر رو8:15). إن كلمة الله الوحيد الجنس صار إنسانًا حتى يكمل وعد البركة المعطى لهم، ولكي يعرفوا أنه هو الذي سبق الناموس فصوَّره، وهو الذي تنبأ عنه جماعة الأنبياء القديسين مسبقاً، وقد أجرى هذه الأعمال الإلهيَّة وانتهر الأرواح الشريرة.
ومع أنه كان من الواجب عليهم أن يُمجِّدوه كصانع معجزات، كواحد له القوة والسلطان الفائقين للطبيعة، وبدرجة لا تقارَن، إلاّ أنهم على العكس احتقروا مجده قائلين: ” هذا لا يُخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين“. وبماذا أجاب المسيح عن هذا؟ ” إن كنتُ أنا ببعلزبول أُخرج الشياطين، فأبناؤكم بمَنْ يخرجونهم“.
وهذا الموضوع قد شرحته لكم باستفاضة في اجتماعنا الماضي[1].
أما بخصوص شر اليهود الذين يثرثرون عبثًا ” ضده ” والذين يلزم توبيخهم أكثر ببراهين عديدة ومقنِعة، فانه يضيف إلى ما سبق أن قاله، اعتبارًا آخر لا يمكن الرد عليه وما هو؟ فهذا ما سأذكره لكم الآن كما لأولادي: كان التلاميذ يهودًا، وأولادًا لليهود بحسب الجسد، ولكنهم حصلوا من المسيح على السلطان لإخراج الأرواح النجسة، فكانوا يحرِّرون أولئك الذين تسلَّطت عليهم الأرواح، وذلك بدعائهم عليهم بهذه الكلمات: ” باسم يسوع المسيح“، وبولس أيضًا بسلطان رسولي، أمر ذات مرة روحًا “نجسًا” قائلاً: ” أنا آمرك باسم يسوع المسيح أن تخرج منه” (أع16: 18). لهذا فهو عندما يقول إن أولادكم يدوسون بعلزبول باسمي، وذلك بأن ينتهروا أتباعه ويطردونهم من هؤلاء الذين (يسكنون) فيهم، فماذا يكون القول إنني أستمد هذه القوة من بعلزبول إلاَّ تجديف واضح مقترن بجهل عظيم؟ لذلك فهو يقول إنكم ستُدانون وتُوبَّخون بواسطة إيمان أبنائكم، لأنهم قد أخذوا مني سلطانًا وقوة على الشيطان، وإنهم ضد إرادته يخرجونه من الذين كان يسكنهم، بينما أنتم تقولون إنني أستخدم قوَّته في صنع المعجزات الإلهية. أمَّا وقد ثبت أن ما تقولونه ليس صحيحًا، ولكن بالعكس هو فارغ وهراء ومجرد إفتراء، فقد أصبح من الواضح أنني أخرج الشياطين بأصبع الله (مت12: 18)، وهو يقصد بأصبع الله، الروح القدس. لأن الابن يُسمَّى يد الله الآب وذراعه، فالآب يعمل كل الأشياء بالابن، وبالمثل فإن الابن يعمل بالروح. فكما أن الأصبع يمتد إلى اليد، كشيء ليس غريبًا عنها ولكن يختص بها بالطبيعة، هكذا أيضًا “الروح القدس”، لكونه مساوٍ في الجوهر فهو مرتبط في وحدانية مع الابن رغم أنه ينبثق من الله الآب لأن الابن يعمل كل شيء بالروح المساوي. وهنا المسيح يقول عن قصد إنه يُخرِج الشياطين بأصبع الله متكلمًا كإنسان، لأن اليهود بسبب ضعف وغباء ذهنهم لن يحتملوه إذا قال: ” إني بروحي الخاص أُخرِج الشياطين”.
فلكي يُهدئ من استعدادهم الشديد للغضب، وميل ذهنهم للعجرفة والجنون، فإنه يتكلم كإنسان، مع أنه هو الله بالطبيعة، وهو نفسه الذي يعطيِ الروح من الله الآب لأولئك الذين يستحقُّونه، ويستخدم كمِلك خاص له، تلك القوة الخارجة منه، لأن الروح مساو له في الجوهر، ومهما قيل إن الله الآب يعمله، فبالضرورة يعمله الابن في الروح. لذلك فإذا قال إنني وقد صرتُ إنسانًا، وأصبحتُ مثلكم، أُخرج الشياطين بروح الله، فإن الطبيعة البشرية قد بلغت فيَّ أنا أولاً إلى ملكوت الله. وقد صارت مجيدة بتحطيمها قوة الشيطان، وبانتهارها الأرواح النجسة والفاسدة. فهذا هو معنى الكلمات: ” قد أقبل عليكم ملكوت الله“. أما اليهود فلم يفهموا سرَّ تدبير الابن الوحيد في الجسد، رغم أنهم كان ينبغي أن يتأمَّلوا أنه بواسطة كلمة الله الوحيد الجنس الذي تجسد دون أن يتوقف عن أن يكون كما كان دائمًا ـ فقد مجَّد طبيعة الإنسان، بأنه لم يستنكف من أن يأخذ وضاعتها على نفسه لكي يسكب عليها غناه الخاص.
وكما كان ضروريًّا، كما بينتُ لكم، أن الجدال في هذا الموضوع سوف يقودنا إلى اعتبارات أخرى متعدِّدة، فإن المسيح يستخدم مقارنة بسيطة وواضحة، وبواسطتها سيرى من يريد أن يرى، أنه قد قهر رئيس هذا العالم، وكما يُقال ـ قطع أوتار رجليه ـ ونزع عنه القوة التي يمتلكها، وقدَّمه فريسة لتابعيه (أي التلاميذ). لهذا يقول: “حينما يحفظ القوي داره متسلِّحًا، تكون أمواله في أمان، ولكن متى جاء من هو أقوى منه وغلبه، فانه ينزع منه سلاحه الكامل الذي اتَّكل عليه ويوزِّع غنائمه“. وهذا كما قلت توضيح بسيط، ومثال للأمر مشروحًا بحسب ما يحدث في الأمور البشرية. فإنه طالما يحصل الإنسان القوي على التفوُّق، ويحرُس ممتلكاته الخاصة، فلن يكون في خطر من النهب، ولكن متى جاء من هو أقوى وأشد منه وهزمه، فإنه يسلبه. وهذا هو ما صار إليه مصير عدونا المشترك، الشيطان الأثيم، الحيَّة المتعددة الرؤوس، مخترع الخطية. لأنه كان قبل مجيء المخلِّص، في قوة عظيمة، وكان يوقع ويقود إلى حظيرته قطعانًا ليست له، ولكنها تخص الله الذي فوق الكل، (ويأخذها) كلص مغتصب ووقح جدًّا. ولكن حيث إن كلمة الله الذي فوق الكل، والمانح لكل قوة، ورب القوات، اقتحمه، بأن صار إنسانًا، فإن كل ممتلكاته اندحرت، وغنيمته وُزِّعَت، لأن القدماء[2] الذين كانوا قد وقعوا بواسطة شراكه في عدم التقوى وفي الضلال، قد دعاهم الرسل القديسين إلى معرفة الحق، وأتوا بهم إلى الله الآب وذلك بالإيمان بابنه.
هل تريد أن تسمع وتتعلم أنت أيضًا أمرًا مقنعًا آخر بجانب هذه الأمور؟ فهو يقول: ” من ليس معي فهو عليَّ، ومن لا يجمع معي فهو يُفرِّق“. إنه يقول: أنا قد أتيتُ لأنقذ كل إنسان من أيدي الشرِّير، لأخلِّص من مَُكرِه أولئك الذين اقتنصهم، لأُطلِق المسجونين أحرارًا، لأضئ للذين في الظلمة، لأقيم الساقطين، لأشفي منكسري القلوب، ولأجمع معًا أبناء الله الذين تشتَّتوا خارجًا. هذا هو مجيئي. أما الشيطان فهو ليس معي بل بالعكس هو ضدِّي، والذي يُنظِّم شروره ضد أهدافي، كيف يمكنه أن يمنحني قوة ضد نفسه؟ كيف لا يكون غباء مجرد تصور احتمالاً كهذا؟
أما السبب الذي جعل جمهور اليهود يسقطون في مثل هذه الأفكار عن المسيح، فإنه هو نفسه أوضحها بقوله: ” متى خرج الروح النجس من الإنسان، فيذهب ويُحضِر سبعة أرواح أخر أشرَّ منه، فتصير حالة ذلك الإنسان الأخيرة أشر من أوائله“. فطالما كانوا تحت العبودية في مصر، وكانوا يعيشون بحسب عادات وقوانين المصريين التي كانت ممتلئة نجاسة، فإنهم عاشوا حياة دنسة، وكان يسكن فيهم روح شرير، لأنه يقيم في قلوب الأشرار. ولكن حينما خلصوا برحمة الله بواسطة موسى وأخذوا الناموس كمعلِّم، ودعاهم إلى نور معرفة الله الحقيقية، فإن الروح النجس والفاسد طُرد منهم عندما ذبحوا الحمل الذي كان رمزًا للمسيح ودهنوا دمه على الأبواب فهرب المُهلك. ولكن لأنهم لم يؤمنوا بالمسيح بل رفضوا المخلِّص، فإن الروح النجس هاجمهم ثانية، لأنه وجد قلوبهم خاوية وخالية من أي مخافة لله، ومكنوسة كما كانت، فأخذ مسكنه فيهم. لأنه كما أن الروح القدس عندما يبصر قلب أي إنسان خاليًا من أي نجاسة ونقيًّا، فانه يسكن فيه ويستريح، هكذا أيضًا الروح النجس اعتاد أن يسكن في نفوس الأشرار، لأنهم كما قلت يكونون خالين من كل فضيلة ولا توجد فيهم مخافة الله، ولذلك صارت أواخر الإسرائيليين أشر من أوائلهم، كما قال تلميذ المخلِّص: ” لأنه كان خيرًا لهم لو لم يعرفوا طريق الحق من أنهم بعدما عرفوا يرتدُّون عن الوصيَّة المقدَّسة المسلَّمة لهم، قد أصابهم ما في المَثَل الصادق، كلب قد عاد إلى قيئه وخنزيرة مغتسلة إلى مراغة الحمأة” (2بط21:2ـ22).
فلنهرب إذًا من أن نكون مثل اليهود، وليتمجد المسيح الذي يعمل المعجزات، مِنَّا نحن، ذاك الذي به ومعه لله الآب التسبيح والمُلك، مع الروح القدس إلى دهر الدهور آمين.