Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

يسوع يخرج شيطانًا أخرس – إنجيل لوقا 11 ج11 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

يسوع يخرج شيطانًا أخرس – إنجيل لوقا 11 ج11 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

يسوع يخرج شيطانًا أخرس – إنجيل لوقا 11 ج11 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو11: 14ـ18) ” وَكَانَ يُخْرِجُ شَيْطَانًا وَكَانَ ذَلِكَ أَخْرَس، َفلما أخرج الشَّيْطَانُ تَكَلَّمَ الأَخْرَسُ فَتَعَجَّبَ الْجُمُوعُ. وَأَمَّا قَوْمٌ مِنْهُمْ فَقَالُوا: بِبَعْلَزَبُولَ رَئِيسِ الشَّيَاطِينِ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ. وَآخَرُونَ طَلَبُوا مِنْهُ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ يُجَرِّبُونَهُ. فَعَلِمَ أَفْكَارَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: كُلُّ مَمْلَكَةٍ مُنْقَسِمَةٍ عَلَى ذَاتِهَا تَخْرَبُ وَبَيْتٌ مُنْقَسِمٌ عَلَى بَيْتٍ يَسْقُطُ. فَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَنْقَسِمُ عَلَى ذَاتِهِ فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَمْلَكَتُهُ؟ لأَنَّكُمْ تَقُولُونَ: إِنِّي بِبَعْلَزَبُولَ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ“.

 

          يقول الكتاب المقدس ” غرتُ غَيرة للرب” (1مل19: 10)، وأنا أيضًا أقول هكذا، مركِّزًا انتباهي بدقَّة على دروس الإنجيل المطروحة أمامنا، ليتَّضح أن لسان إسرائيل المجنون هو وقِح ومُسيَّب بالشتائم، مطغي بغضب شديد غير منضبِط، ومقهور بحسدٍ لا يمكن إخماده. انظر كيف كانوا يُصرُّون بأسنانهم على المسيح مخلِّص الكل لأنه جعل الجموع يتعجبون من معجزاته الإلهية الخارقة العديدة، ولأن الشياطين كانت تصرخ من قوَّته وسلطانه الفائقين الإلهيين، وأظن أن هذا هو ما رنَّم به داود مخاطبًا له: ” مِن عِظَم قوَّتك سيوجد أعداؤك كاذبون” (مز65: 3 سبعينية).

          أما عن السبب الذي جعل هؤلاء الناس يقاومون المجد الذي يظهر به، فإن هذا الفصل سيعلِّمنا إياه بوضوح، فيقول: ” أحضَروا إليه إنسانًا به شيطان أخرس“. والشياطين الخرساء يصعب على القديسين أن ينتهروها، كما أنها أكثر عنادًا من الأنواع الأخرى، وهى وقحة جدًّا، ولكن لا يصعب شيء على إرادة المسيح الكلية القدرة، والذي هو مخلِّصنا كلنا. فللحال أطلق الرجل الذي أحضروه إليه حُرًّا من الروح النجس الشرير، ومَن كان لسانه من قبل مغلقًا بواسطة باب ومزلاج، اندفع مرة أخرى إلى الكلام المعتاد. لأن الإنجيل قال عنه إنه أخرس، كما لو كان بدون لسان، أي بلا نطق، ولم يكن سبب الخرس نقص طبيعي ولكن بسبب عمل الشيطان. ولما لم يكن المجنون يستطيع الكلام طبعًا فإن المسيح لم يطلب منه أن يُقِر بالإيمان كعادته. ولما أجرى المسيح هذا العمل المعجزي فإن الجموع مجَّدته بتسابيح، وأسرعت لتُتوِّج صانع المعجزة بكرامة إلهية.

          يقول الكتاب إن بعضًا من الكتبة والفريسين الذين امتلأت قلوبهم بسم الكبرياء والحسد، وجدوا في المعجزة وقودًا لمرضهم، فلم يُمجِّدوا الرب، بل عكفوا على العكس تمامًا. لأنهم جرَّدوه من الأعمال الإلهية التي عملها، وعزَوْا هذه القوة الفائقة إلى الشيطان، وجعلوا بعلزبول هو مصدر قوة المسيح، فقالوا: ” ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين“، وآخرون إذ أصيبوا بشرٍ مقارب لهذا، اندفعوا بدون تمييز إلى جرأة الكلام الوقح، وإذ كانوا ملدوغين بمنخاس الحسد، طلبوا منه أن يريهم آية من السماء، كما لو كانوا يريدون أن يقولوا له: ” إن كنتَ قد طردتَ روحًا خبيثًا ووقحًا فهذا أمر غير جدير بالإعجاب، إن ما فعلته لا يدل على قدرة إلهية، إننا لم نرَ بعد شيئًا يشبه المعجزات القديمة، أرنا بعض الأفعال التي تدل ـ بدون أي شك ـ إنها معمولة بقوة من فوق. إن موسى جعل الناس يَعبُرون البحر بعد أن انفلقت المياه وصارت كسد، وضرب الصخرة بعصاه فصارت منبعًا للأنهار حتى تدفَّقت الينابيع من حجر صوان. وبالمثل فإن خليفته يشوع جعل الشمس تقف في جبعون، والقمر في وادي أرنون، ووضع قيودًا على مجارى الأردن، ولكن أنت لم ترنا أفعالاً مثل تلك. إنك أخرجت شيطانًا للناس. ولكن هذا السلطان يمنحه بعلزبول رئيس الشياطين للناس، إنكَ قد استعرتَ منه قوة صُنع هذه الأشياء التي تتسبَّب في إعجاب الناس الجهلاء الأُميِّين. بهذا الشكل تظهر جرأة القوم الذين يتصيَّدون الأخطاء، واتَّضح الآن من رغبتهم في أن يعمل آية من السماء أنهم يضمرون مثل هذه الأفكار عنه.

          بماذا أجاب المسيح على هذه الأمور؟ أولاً، هو في الواقع يبرهِن على أنه إله بمعرفته بما تهامسوا به خفية في داخلهم، لأنه مكتوب أنه ” عَلِم أفكارهم“، وهذا العمل يخص الله تمامًا، أي معرفة ما في الفكر وما في القلب وما يتكلم به الناس في الخفاء. ولكي يبعدهم الرب عن هذه الجريمة الفظَّة، فإنه يقول لهم: ” كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب، وكل بيت منقسم على ذاته يسقط، فإن كان الشيطان ينقسم على نفسه فكيف تثبت مملكته؟”. ولعله كان يقول لهؤلاء المثرثرين الأغبياء: ” إنكم قد جانبتم الصواب، ابتعدتم عنه جدًّا، وأنتم بلا شك تجهلون طبيعتي. إنكم لا تلتفتون إلى عظمة قوَّتي وجلال قدرتي، موسى كان خادم الناموس ولكن أنا المُشرِّع له، لأنني الله بالطبيعة، كان هو خادم الآيات، ولكن أنا الصانع والمُجري لها، أنا الذي فلقتُ المياه فعبر الشعب. أنا الذي أظهرتُ الحجر الصوان كينبوع للأنهار. أنا الذي جعلتُ الشمس تقف في جعبون، وقوَّة أوامري هي التي أوقفت القمر في وادي أرنون. أنا الذي وضعتُ قيودًا على مجاري الأردن.

والآن أنا أسألكم، فلو أن المسيح قال لهم مثل هذه الكلمات، لكان من غير المُستبعَد أن نتصوَّر أنهم كانوا سيَتَّقِدُون بالأكثر بنيران الحسد، وكانوا سيقولون: ” إنه يعطي نفسه العظمة فوق مجد القديسين، إنه يفتخر بنفسه أعلى من الآباء البطاركة المشهورين، الذين يقول عنهم إنهم ليسوا شيئًا. وينتحل لنفسه مجدهم”. وكانوا سيضيفون كلمات أخرى تعطي الفرصة للجهال للاندفاع الشرير ضده.

          لذلك وبحكمة فائقة، فإنه لا يتكلم عن تلك الأحداث، ولكن يتقدَّم لمحاجاتهم آخذًا مادة للكلام من الأمور المعتادة، ولكنها تحمل قوة الحق فيها، فيقول: ” كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب، وكل بيت ينقسم على ذاته يسقط، وإذا انقسم الشيطان على ذاته كيف تثبت مملكته؟”، إن ما يثبِّت الممالك هو ولاء الأشخاص وطاعة أولئك الذين تحت الصولجان الملكي، والبيوت تثبت إن لم يناقض سكانها الواحد الآخر، بل بالعكس يتوافقون في الإرادة والفعل. وهكذا أظن أنا، إن الذي يُثبِّت مملكة بعلزبول أيضًا هو أن يمتنع عن عمل ما يضاد نفسه، فكيف يمكن إذن لشيطان أن يخرج شيطانًا؟ إذن نستنتج من ذلك أن الأرواح الشريرة لا تخرج من الناس باتفاقها مع بعض، ولكن ضد رغبتها، فالرب يقول: إن الشيطان لا يحارب نفسه ولا يهين أتباعه ولا يسمح لنفسه أن يؤذى حامل سلاحه الأخصَّاء، بل على العكس هو يساعد مملكته. بقى عليكم أيها اليهود أن تفهموا أنني أسحق الشيطان بقوة إلهية.

          هذا ما يجب علينا أن نقتنع به نحن الذين نؤمن بالمسيح وقد ابتعدنا عن شر اليهود، لأنه ماذا يستحيل على اليد اليمنى القادرة على كل شيء؟ وأي شيء يكون عظيمًا أو صعبًا عليه هو الذي يستطيع أن يفعل كل شيء بإرادته وحده؟ هو الذي يُثبِّت السموات وأساسات الأرض، خالق الكل، كلّي القدرة، كيف يمكنه أن يحتاج إلى بعلزبول؟ إنها أفكار لا يسوغ النطق بها! هذا شر لا يطاق! شعب أحمق لا يفهم! ومن العدل أن يقال عن الإسرائيليين: ” لهم عيون ولا يبصرون ولهم آذان ولا يسمعون“. (مر8: 18)، لأنهم مع أنهم يبصرون الأعمال المعجزية التي يقوم بها المسيح، والتي تمَّت على يد الأنبياء القديسين، الذين سمعوا عنهم، وعرفوهم من قبل، إلاّ أنهم استمروا في عنادهم وجموحهم، لذلك كما يقول الكتاب: “هم يأكلون من ثمر طُرُقهم ” (أم1: 31). يجب علينا أن نجتهد في تعظيم المسيح بتمجيدات لا تنتهي، وهكذا نرث مملكة السماء، بنعمة المسيح نفسه، الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور آمين.

 

يسوع يخرج شيطانًا أخرس – إنجيل لوقا 11 ج11 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

Exit mobile version