Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

ليأت ملكوتك – إنجيل لوقا 11 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

ليأت ملكوتك – إنجيل لوقا 11 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

ليأت ملكوتك – إنجيل لوقا 11 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو11: 2)

          أولئك الذين يحبون المال الكثير، ويشغلون ذهنهم بالثروة والربح لا يألون جهدًا في اتخاذ كل ما أمكنهم من وسيلة لتحقيق ما يرغبونه ويشتهونه. ولكن مسعاهم ينتهي إلى عاقبة غير سعيدة. لأنه ـ كما يقول المخلِّص ـ ” ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟” (مت16: 26). أمَّا من يحبون كلمة الخلاص، وينقبون الأسفار الإلهية كمن يبحث عن كنز، ويفتِّشون باهتمام عن الأمور المخفيَّة فيها، فإنهم حتمًا سيجدون المعرفة المحييَّة التي تقودهم إلى كل المساعي الفاضلة، وتجعلهم كاملين في معرفة تعاليم الحق. لذلك فلنبحث نحن عن معنى الفقرة التي أمامنا، وغايتنا هي أن نفهم بذكاء ما أوصى به المخلِّص. فقد قال إنه ينبغي علينا عندما نصلِّي أن نفهم هذه الطلبة ” ليأت ملكوتك“. فهو يملك على الكل مع الله الآب، ولا يمكن أن يضاف شيء إلى مجده الملوكي، كأن يزاد له من الخارج أو كأنه يُعطَى له بواسطة آخر، ولا أن ينمو معه مع مرور الزمن، لأن مجده الملوكي أشرق معه بلا بداية، فهو كائن منذ الأزل وما يزال كما كان، لذلك فلأنه هو إله بالطبيعة وبالحق؛ فبالتالي ينبغي أن يكون كلِّي القدرة، وتكون هذه الخاصية هي له بلا بداية وبلا نهاية، إذ يقول أيضًا واحد من الأنبياء القديسين: ” الرب سيملك إلى الدهر والأبد” (خر15: 18)، والمرنم الإلهي يتغنَّى قائلاً: ” ملكوتك ملكوت أبدي” (مز144: 13س). وأيضًا: ” الله ملكنا قبل الدهور” (مز72: 12س). فإذا كان الله دائم الملوكية وكلِّي القدرة، فبأي معنى يُقدِّم أولئك الذين يدعون الله أبًا ويقولون في توسلاتهم: ” ليأت ملكوتك“. يبدو أنهم يريدون أن يروا المسيح مخلِّص الجميع ناهضًا مرَّة أخرى فوق العالم. لأنه سيأتي، نعم سيأتي وينزل كديَّان، ولكن ليس بعد في هيئة متواضعة مثلنا، ولا في وضاعة الطبيعة البشرية؛ ولكن في مجد كما يليق بالله، الذي يسكن في نور لا يُدنَى منه (1تى6: 12)، ويأتي مع الملائكة. فهكذا قال هو نفسه في موضع ما: ” ابن الإنسان سيأتي في مجد أبيه مع ملائكته القديسين” (مت16: 27). لذلك، أظن أنني ينبغي أن أضيف هذا أيضًا: ” إنه في نهاية هذا العالم، سينزل من السماء، ولكن لا لكي يُعلِّم فيما بعد الذين على الأرض، كما قيل في القديم، ولا لكي يُريهم طريق الخلاص، إذ أن أوان هذا قد مضى وفات؛ ولكنه سينزل ليدين العالم. والحكيم بولس أيضًا يشهد لِما أقول معلنًا هذا: ” لأنه لابد أننا جميعًا نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًا” (2كو5: 10).

          لذلك. فمنبر الدينونة مرعب، والقاضي لا يأخذ بالوجوه. إنه وقت المساءلة؟ لا بل هو وقت المحاكمة والمجازاة. والنار مُعدَّة للأشرار وعقاب دائم وعذاب أبدي ـ كيف يمكن إذن للناس أن يطلبوا أن يعاينوا ذلك الوقت؟ أتوسل إليكم ثانية، لاحظوا، أرجوكم، مهارة المخلِّص وحكمته العجيبة في كل التفاصيل، لأنه يأمرهم أن يطلبوا في الصلاة أن يأتي هذا الوقت المرعب، لكي يجعلهم يعرفون أنه يجب عليهم أن يحيوا ليس بإهمال، ولا بانحلال، ولا أن يُخدعوا بالتسيُّب وحب اللذة، بل على العكس أن يعيشوا كما يليق بالقديسين وبحسب مشيئة الله، لكي تكون تلك الساعة بالنسبة لهم، هي واهبة الأكاليل، وليس النار والدينونة. أما بالنسبة للأشرار والنجسين، الذين يسلكون حياة شهوانية ومنحلَّة ومرتكبين لكل رذيلة، فلا يناسبهم بالمرَّة أن يقولوا في صلواتهم:  ” ليأت ملكوتك“، بل دعهم بالحري يعرفون أنهم بقولهم هذا إنما يدفعون الله لقصاصهم، بينما زمن عقابهم لم يحِن بعد أو يظهر، وعن هؤلاء يقول واحد من الأنبياء القديسين: “ويلٌ للذين يشتهون يوم الرب، ماذا يكون لكم يوم الرب؟ يوم ظلام لا نور، وقتامًا ولا نور له” (عا5: 18).

          فالقديسون إذن يطلبون سرعة مجيء المُلك الكامل للمخلِّص لأنهم جاهدوا كما ينبغي، وصاروا أنقياء السَّرِيرَة، وهم يتوقَّعون المجازاة عما سبق أن فعلوه. لأنه كما أن الذين ينتظرون عيدًا و” فرحًا ” على وشك المجيء وسيظهر بعد قليل، يتلهَّفون لوصوله، هكذا يفعل هؤلاء أيضًا، لأنهم سيقفون ممجَّدين في حضرة الديان، وسيسمعونه يقول: ” تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المُعَد لكم منذ تأسيس العالم” (مت25: 34). لقد كانوا وكلاء حكماء غيورين أقامهم الرب على أهل بيته ليقدِّموا لهم الطعام في حينه، وقد وزَّعوا حسنًا وبحكمة على العبيد رفقائهم ممَّا قد نالوه هم أنفسهم واغتنوا به من قبل، لأنهم وضعوا في قلوبهم قول الرب: ” مجانًا أخذتم، مجانًا أعطوا” (مت10: 8). وعندما أخذوا منه الوزنة لم يطمروها في الأرض، فلم يكونوا مثل العبد الكسلان المتراخي المهمِل الذي اقترب من السيد وقال:  ” يا سيد عرفتُ أنك إنسان قاسٍ، تحصد حيث لم تزرع وتجمع من حيث لم تبذر، فخفتُ ومضيتُ وأخفيتُ وزنتك في الأرض، هوذا الذي لك” (مت25: 42)، بل على العكس تاجَروا بها وربحوا كثيرًا، وقدَّموها مع ربحها قائلين: “يا سيِّد وزنتك قد ربحت عشرة وزنات” (لو19: 16)، فوُهب لهم الدخول إلى كرامات أعظم. لقد كانوا ذوي غيرة قلبية حارة، ونِيَّة مستقيمة شُجاعة فلبسوا سلاح الله الكامل درع البر، وخوذة الخلاص، وأخذوا سيف الروح. لأنه لم يغب عنه أنهم لا يحارِبون ضد لحم ودم، بل ضد رؤساء وقوات، ضد ولاة العالم على هذه الظلمة، ضد أجناد الشر الروحية في السماويات (أف6: 12)، فكثيرون هم الذين يجدلون لأنفسهم أكاليل الشهادة، وباحتمالهم الصراعات حتى بذل الحياة وسفك الدم، قد صاروا ” منظرًا للعالم للملائكة والناس” (1كو4: 9)، وحُسبوا مستحقين لكل إعجاب ومديح. وآخرون صبروا على الأتعاب والاضطهادات مجاهِدين بغيرة حارة لأجل مجد المسيح. وكما يعلن بولس الإلهي: ” فقد دخلت ذئاب خاطفة بين قطعان المسيح، وهى لا تشفق على الرعية” (أع20: 29). فعلة ماكرون، رُسُل كذبة (2كو11: 13)، يتقيَّأون خبث الشيطان وحقده ” ويتكلمون بأمور ملتوية” (أع20: 30)، ليقودوا نفوس الجهلاء إلى الهلاك، ” ويجرحون ضميرهم الضعيف” (1كو8: 12). هؤلاء بتملُّقِهِم سلطات هذا العالم، أثاروا اضطهادات وضيقات على أبطال الحق، ولكن الأبطال لم يَحسِبوا كثيرًا ما عانوه من آلام لأنهم كانوا ينظرون إلى الرجاء الذي لهم في المسيح، فلم يكونوا يجهلون أنهم إن كانوا ” يتألمون من أجله فإنهم سيملكون معه” (2تى2: 12). فهم تيقَّنوا أنه في زمن القيامة ” سيُغيِّر شكل تواضعهم ليكون على صورة جسده الممجَّد” (فى3: 21). إنهم آمنوا تمامًا بما قاله الرب عن نهاية العالم، إنه عندما يظهر لهم ثانية من السماء: ” سيضيئون كالشمس في ملكوت أبيهم” (مت12: 43).

          إذن فيسوغ لهم بحق أن يقولوا في صلواتهم: ” ليأت ملكوتك“، لأنهم يشعرون بالثقة أنهم سينالون مجازاة شجاعة إيمانهم، وسيبلغون غاية الرجاء الموضوع أمامهم.

  ليته يكون لنا نحن أيضًا نصيب معهم، أن نُحسب أهلاً لهذا الميراث العظيم في المسيح، الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس، إلى دهر الدهور آمين. 

ليأت ملكوتك – إنجيل لوقا 11 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

Exit mobile version