السامري الصالح – إنجيل لوقا 10 ج8 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
السامري الصالح – إنجيل لوقا 10 ج8 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
السامري الصالح – إنجيل لوقا 10 ج8 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
(لو10: 25ـ37): ” وَإِذَا نَامُوسِيٌّ قَامَ يُجَرِّبُهُ قَائِلاً: يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟ فَقَالَ لَهُ: مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ؟ فَأَجَابَ وَقَالَ: تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ. فَقَالَ لَهُ: بِالصَّوَابِ أَجَبْتَ. اِفْعَلْ هذَا فَتَحْيَا. وَأَمَّا هُوَ فَإِذْ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّرَ نَفْسَهُ، قَاَلَ لِيَسُوعَ: وَمَنْ هُوَ قَرِيبِي؟ فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: إِنْسَانٌ كَانَ نَازِلاً مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَرِيحَا، فَوَقَعَ بَيْنَ لُصُوصٍ، فَعَرَّوْهُ وَجَرَّحُوهُ، وَمَضَوْا وَتَرَكُوهُ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيْتٍ. فَعَرَضَ أَنَّ كَاهِنًا نَزَلَ فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ، فَرَآهُ وَجَازَ مُقَابِلَهُ. وَكَذلِكَ لاَوِيٌّ أَيْضًا، إِذْ صَارَ عِنْدَ الْمَكَانِ جَاءَ وَنَظَرَ وَجَازَ مُقَابِلَهُ. وَلكِنَّ سَامِرِيًّا مُسَافِرًا جَاءَ إِلَيْهِ، وَلَمَّا رَآهُ تَحَنَّنَ، فَتَقَدَّمَ وَضَمَدَ جِرَاحَاتِهِ، وَصَبَّ عَلَيْهَا زَيْتًا وَخَمْرًا، وَأَرْكَبَهُ عَلَى دَابَّتِهِ، وَأَتَى بِهِ إِلَى فُنْدُق وَاعْتَنَى بِهِ. وَفِي الْغَدِ لَمَّا مَضَى أَخْرَجَ دِينَارَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا لِصَاحِبِ الْفُنْدُقِ، وَقَالَ لَهُ: اعْتَنِ بِهِ، وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ أَكْثَرَ فَعِنْدَ رُجُوعِي أُوفِيكَ. فَأَيَّ هؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ تَرَى صَارَ قَرِيبًا لِلَّذِي وَقَعَ بَيْنَ اللُّصُوصِ؟ فَقَالَ: الَّذِي صَنَعَ مَعَهُ الرَّحْمَةَ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: اذْهَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَاصْنَعْ هكَذَا “.
يا أحبائي، إن النفاق والرياء في أعمالنا وسلوكنا هو وباء دنيء جدًّا، فيتظاهر الإنسان بحلاوة الكلام، وبلسان دهن، وبمعسول الخداع، بينما القلب مملوء بمرارة شنيعة. عن مثل هذا نقول بكلمات أحد الأنبياء القديسين: “ لسانهم كسهم قاتل يتفوَّه بالكذب، وبفمه يخاطب جاره بسلام، وفى قلبه عداوة له” (إر9: 8 س)، وأيضًا: ” كلماته ألين من الزيت وهى سهام” (مز54: 21 س)، ومعنى هذا أنَّ لها قوة السهام التي تُطلق بعنف وتُصوَّب من الأقواس.
وبرهان كلامي هذا، في متناول اليد. فدعونا نفحص كلمات الناموسي وننزع عنه شكله المُستعار ونعرِّى خططه، ونرى كلماته التي تبدو حلوة ولكنها تنبع من خداع، وما تخفيه من مكر. وإذ يقول: ” وإذا ناموسي قام يجرِّبه قائلاً: يا معلِّم ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟” إن الإنجيلي المبارك يقصد بهذا الناموسي ـ حسب عادة اليهود ـ أنه عارف بالناموس، أو على الأقل له شهرة أنه يعرفه، مع أنه في الحقيقة هو لا يعرفه. إنَّه تصور أنه قادر على اصطياد المسيح، وسأخبركم كيف أنَّ بعض الذين اعتادوا أن يتكلموا بطريقة عشوائية، كانوا يتجوَّلون في كل مكان، في اليهودية وأورشليم نفسها وهم يتَّهمون المسيح قائلين إنه يعلِّم بأن وصية موسى هي غير نافعة، وأنه رفض أن يراعي الناموس الذي أُعطى منذ القديم للآباء، كما أنه يُدخِل تعاليم جديدة، ويُكلِّم كل الذين يتَّقون الله بأمور من فكره الخاص، ولا تتفق مع الناموس الذي أعطى منذ القديم. ولكن حتى في ذلك الوقت كان هناك مؤمنون يقاومون كلام أولئك الناس ويتقبَّلون أخبار الإنجيل الخلاصية. أما الناموسي إذ كان يرغب ويتوقع أنه يستطيع أن يصطاد المسيح بكلمة، بأن يجعله يقول شيئًا مخالفًا لموسى، أو أن تعليمه أفضل كثيرًا من وصايا موسى، لذلك اقترب من المسيح ليجرِّبه قائلاً: ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟.
إن من يعي جيدًا سر التجسد سيقول لهذا الناموسي: حسنًا، إذا كنت حاذقًا في الناموس وفى معرفة معنى تعليمه الخفي، لما جهلتَ مَنْ هو هذا الذي تجرؤ أن تُجرِّبه، إنك تظن أنه مجرد إنسان فقط وليس إلهًا ظهر في شكل إنسان، وهو الذي يعرف الخفايا، ويمكنه أن يرى ما في قلوب الذين يقتربون منه. إن عمانوئيل قد رُسم لك بطرق مختلفة من خلال الظلال الموسويَّة. لقد رأيته هناك كحمل يُذبح ولكنه يقهر المُهلِك يبيد الموت بدمه. إنك رأيته أثناء إعداد التابوت الذي أُودِعَت فيه الشريعة المقدسَّة، لأن التابوت يشير إلى جسده المقدَّس، إذ هو كلمة الآب الابن المولود منه بالطبيعة. لقد رأيته ككرسي الرحمة في الخيمة المقدَّسة والذي حوله وقف الشاروبيم، لأنه هو كرسي رحمة لغفران خطايانا، بل وحتى كإنسان فإن السيرافيم الذين هم القوات العقلية والمقدسة تمجده، لأنهم قائمون حول عرشه الإلهي. إنك رأيته كالمنارة ذات السرج السبعة في قدس الأقداس، لأنه المخلِّص يفيض نوره بوفرة لمن يسرعون إلى المسكن الداخلي. إنك رأيته كالخبز الموضوع على المائدة، لأنه هو الخبز الحي الذي نزل من السماء المعطى حياة للعالم (يو6: 52). إنك رأيته كالحية النحاسية التي رُفِعَت عالية كعلامة، ومن ينظر إليها كان يُشفى من لدغات الحيات. إنه كان مثلنا في الهيئة التي تبدو كما لو كانت خاطئة إذ أخذ شبهنا، إلاَّ أنه بالطبيعة صالح وسيبقى على ما كان عليه. فالحيَّة هي مثال الشر، ولكنه برفعه واحتماله الصليب لأجلنا، فإنه أبطل لدغات الحيات العقلية، التي هي ليست إلاّ الشيطان والقوات الشريرة التي تحت إمرته.
ورغم أنَّ الناموسي كان متَّشحا بسمعة كونه عالِم في الناموس ولكنه جاهل تمامًا بذلك الذي تشير إليه ظلال الناموس رغم أنه قد أُعلن منذ القديم بكلمات الأنبياء القديسين. فلو أنه لم يغرق في أعماق الجهل التام، فكيف يقترب إلى المسيح كمجرَّد إنسان؟ وكيف تجرَّأ على أن يُجرِّب الله الذي يفحص القلوب والكُلى والذي ليس شيء مما فينا خفي عليه؟ إذ قال للمخلِّص ” يا معلِّم” ماذا أعمل لأرث الحياة الأبديَّة. هل تدعوه “مُعلِّم” وأنت لم تخضع للتعليم؟ أتتظاهر بتكريم مَن تريد أن تصطاده، وتضع حلاوة الكلام كطُعم في شصِّك.
ماذا تريد أن تتعلَّم ؟ إنَّه يسأل: ” ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟” لاحظوا ثانية ـ أتوسل إليكم ـ الخبث الذي في كلمات الناموسي. فقد كان يمكنه أن يقول: ” ماذا أعمل كي أخلُص، أو كيف أُرضِي الله وأنال ثوابه؟” لكنه ترك هذه العبارات ويستخدم نفس تعبيرات المخلِّص ليرمى بالسخرية على رأس (المسيح)، الذي اعتاد أن يتكلم باستمرار عن الحياة الأبدية لكل الذين كانوا يقتربون منه. أمَّا الناموسي المتكبِّر، فانه استخدم نفس التعبيرات ليسخر منه، كما قلت لكم.
لو كنتَ حقًّا ترغب في التعليم، لكنتَ سمعتَ منه الكلمات التي تؤدى إلى الحياة الأبدية، ولكن لأنك تُجرِّبه بخبث، فلن تسمع منه غير الوصايا التي أُعطِيَت منذ القديم بموسى، [ والتي هي بالتأكيد ليست أجرًا للحياة الأبدية بل للحياة الحاضرة ] ” إن شئتم وسمعتم تأكلون خير الأرض، وإن أبيتم وتمرَّدتم تؤكلون بالسيف” (إش1: 19ـ20) لأنه يقول له: ” ما هو مكتوب في الناموس؟ كيف تقرأ؟”. وبعدما كرَّر الناموسي ما هو مُشرَّع في الناموس، فإن المسيح العالم بكل شيء ـ ليعاقبه على شرِّه وليوبِّخه على قصده الخبيث ـ قال له: ” بالصواب أجبتَ، افعل هذا فتحيا“. لقد فقد الناموسي فريسته، وأخطأ الهدف، وخبثه لم يحالفه التوفيق، ولدغة حسده توقَّفَت وتمزَّقَت شبكة خداعه، وبذاره لم تأت بثمر، وتعبه لم يأت بفائدة، وكمثل سفينة غرقت لسوء طالعها فإنه قاسى من خراب مُر. لنصرخ في وجهه بكلمات إرميا: ” قد وُجِدتَ وأُمسِكتَ لأنك قد خاصمتَ الرب” (إر50: 24).
ولكن ـ كما قلت ـ إذ فقد فريسته، فإنه سقط بسرعة في الغرور، مسرعًا من حفرة إلى أخرى، ومن فخ إلى فخ، ومن خديعة إلى كبرياء، وكل رذيلة تُسلِّمه إلى أخرى، وتقذف به في كل جانب، وما أن تُمسِك به رذيلة حتى تدفع به إلى أخرى، وتحمله إلى حيثما تصادف، وتطوف به بسهولة، من دمار إلى دمار. فالناموسي لم يسأل الرب ليتعلَّم، ولكن كما يقول البشير: ” إذ أراد أن يُبرِّر نفسه“، لاحظ كيف بسبب إعجابه بنفسه وكبريائه سأل بدون أي خجل: ” ومن هو قريبي؟” [ من هو هذا القريب حتى أحبه مثل نفسي؟ أنا أعلا من الكل، أنا ناموسي، أنا أَدين الكل ولا أُدان من أحد، أَحكم على الكل ولا يُحكم عليَّ من أحد، أنا غير الكل وأفضل من الكل، آمُر الكل ولا يأمرني أحد، الكل يحتاجون إلَّي وأما أنا فلا أحتاج إلى أحد]. ألا يوجد أحد أيها الناموسي مثلك؟ هل ترفع نفسك فوق كل إنسان؟ اخفض تشامخك، واذكر ما يقوله صاحب سفر الأمثال: ” أولئك الذين يعرفون أنفسهم هم حكماء” (أم13: 10 س).
[ حقيقة إن قوة الحياة هي أن نحب الله والقريب، دون أن نُغيِّر شيئًا في هاتين الوصيتين، بل نكملهما فوق المقاييس اليهودية وفوق حرف الناموس، لأنه بمحبة الله من كل القلب والنفس والعقل نتخطَّى محبة المال ولذَّة المجد الباطل ونخرج من دائرة الاهتمامات العالميَّة ونتحرَّر ونتَّحد بالمسيح. هذه المحبة من شأنها أن تقود كل من هو يهودي إلى المسيحية، كذلك المحبة نحو القريب هي مرتبطة بمحبة الله، عندما لا تمارَس فقط بين أبناء الجنس الواحد لكن بين كل الناس. هذه المحبة نحو القريب عندئذ تتبع المحبة نحو الله، عندما نُفتَدَى بالمسيح الذي لم يحب مثل نفسه فقط لكن وأكثر من نفسه، حتى وَضَع نفسه لأجل أحبائه. إن موقف الناموسي هذا يتشابه مع موقف ذلك الفريسي الذي في صلاته قال ” أنا لست مثل باقي الناس” (لو18: 11) دون أن يعرف أنَّ الغرور من شأنه أن يفسد بِرَّ الإنسان. هكذا يتضح لنا أنَّ هذا الناموسي كان فقيرًا في محبته الداخلية والخارجية أي في كل ما يتعلَّق بمحبته نحو الله وفى كل ما يتعلق بمحبته نحو القريب ” لأن من لا يحب أخاه الذي يبصره كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره” (1يو4: 20)].
إن الناموسي يرفع نفسه ويتنفَّس الكبرياء وينفخ نفسه بتصوُّرات باطلة. ولكنه تعلَّم عن المسيح أنه ما دام فقيرًا في محبة القريب، فإن مجرد كون وظيفته ناموسي فهذا لا ينفعه شيئًا لأن الله ينظر فوق الكل بالحري إلى الكلمة، ولا يُعطِي المدح على مُجرد مِهَن صوريَّة.
[من ثمَّ نلاحظ كيف أنَّ المخلِّص في تعريفه لمعنى القريب لا يحصره في جنس معين ولا يربطه بمستوى الفضائل ولكنه يطلقه على الطبيعة الإنسانية]، وبمهارة شديدة نسج مخلِّص الكل المَثَل، عن الذي سقط بين لصوص موضِّحًا أنَّ عمل الخير يجب أن يكون لكل إنسان فيما تحتاجه الطبيعة الإنسانية. في هذا المثل يُظهِر السيد كيف أنَّ القريب ليس هو المحب لذاته ولكن هو ذاك الذي يتجاوز محبة ذاته، فبينما هذان (الكاهن واللاوي) عبرا بالمصاب دون أن يشعرا نحوه بأي عاطفة إنسانية، وبدون أن ينقطا زيت المحبة، لأن نفوسهم كانت خالية من الشفقة والعطف، نرى السامري الغريب الجنس يُتمِّم ناموس المحبة. [من ناحية أخرى فإنه حسب المكتوب ” إنسان في كرامة ولا يفهم يشبه البهائم التي تباد” (مز49: 20)، والمسيح إلهنا صار بداية لجنسنا، فهذا الذي لم يعرف الخطية هو أوَّل من أظهر لنا كيف يمكننا أن نتخطَّى شهواتنا الحيوانية إذ اخذ ضعفاتنا وتحمَّل أمراضنا، وبإصعاده على دابَّته ذاك الذي كان في حاجة إلى الشفاء جعلنا أعضاء لنفسه ولجسده، وقاده إلى الفندق أي الكنيسة. فالكنيسة تُدعَى الفندق الذي يَقبَل الكل ويتَّسع للكل بعكس المفهوم الضيق للناموس اليهودي والعبادة الشكلية، فبدلا من أن نسمع القول ” ولا يدخل عموني ولا موآبي في جماعة الرب” (تث23: 3)، نسمع ” اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم” (مت28: 19) وأيضًا في ” في كل أُمَّة الذي يتَّقيه ويصنع البِرَّ مقبول عنده” (أع10: 35)].
[ وجَّه المسيح اهتمامه نحو الأمم الذين كانوا أمواتًا في عبادة الأوثان واهبًا عطاياه الروحية لصاحب الفندق إذ أنه عند صعوده إلى السموات أعطى لصاحب الفندق ـ الذي يشير إلى الرسل ولمن بعدهم من رعاة ومعلِّمين ـ دينارين لكي يرعى المريض باهتمام وأخبره كيف أنه إذا أنفق أكثر من ذلك فهو بنفسه سوف يوفيه عند رجوعه. الديناران هما العهدان: العهد الذي أعطى بناموس موسى وبالأنبياء، والعهد الذي أُعطى بالأناجيل وبتعاليم الرسل. والعهدان هما لإله واحد ويحملان صورة واحدة للملك السماوي الواحد مثل الدينارين، حيث أنَّ الروح الذي تكلَّم في العهدين واحد. لذا فإن الكلمات المقدسة التي للعهدين تَختم على قلوبنا نفس صورة الملك وتطبعها. وهذا عكس ما نادى به ماني وماركيون اللذان قالا إن إله العهد القديم غير إله العهد الجديد، فواحدٌ هو الملك المطبوعة صورته على الدينارين. ومثلما أعطى صاحب الفندق الدينارين، هكذا أعطى المسيح العهدين لرعاة الكنائس المقدسة، وهم أضافوا عليهما الكثير بأتعابهم وجهدهم لنشر التعليم. هذه هي النقود التي تُنفق دون أن تنقُص بل على العكس تزيد، مما يُبيِّن أنها في الحقيقة كلمة التعليم الإلهي ].
[ أعود من حديثي إلى السيِّد الذي سوف يُكرِّم في اليوم الأخير العبد الذي سوف يقول له يا سيد وزنتين سلَّمتني هوذا وزنتان أُخريان ربحتهما فوقهما بقوله له “نعمًا أيها العبد الصالح والأمين، كنتَ أمينًا في القليل أقيمك على الكثير، ادخل إلى فرح سيدك” (مت25: 22ـ24)]. لذلك سأل المسيح الناموسي بحق قائلا: ” فأي هؤلاء الثلاثة ترى صار قريبًا للذي وقع بين اللصوص؟” فأجاب الناموسي ” الذي صنع معه الرحمة“، فلا الكاهن ولا اللاوى صارا قريبَيْن للمصاب، لكن هذا الذي رحمه. عند هذا قال له المسيح اذهب أنت أيضًا واصنع هكذا. ها قد رأيتَ أيها الناموسي وتَبَرهَن بهذا المثل أنه لا فائدة لاتخاذ الأسماء الفارغة والألقاب السخيفة التي بلا معنى ما دامت لا تصاحبها أعمال سامية، لأن درجة الكهنوت لا تفيد أصحابها، وكذلك تعب معلِّم الناموس لا يفيد أولئك الذين يشتهرون به إن لم يتفوَّقوا بالأعمال أيضًا وليس بالألقاب فقط.
ها قد ضفر إكليل المحبة لذلك الذي يحب قريبه، وقد تبرهن أنَّ السامري هو الذي كسب الإكليل، ولم يُرفَض لكونه سامريًّا. وكما يكتب المتقدم بين التلاميذ بطرس المبارك قائلا ” بالحق أنا أجد أنَّ الله لا يقبل الوجوه، بل في كل أُمَّة الذي يتقيه ويصنع البِرَّ مقبول عنده” (أع10: 34ـ36) لأن المسيح الذي يحب الفضيلة يَقبَل كل الذين يجتهدون في المساعي الصالحة، الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور آمين.