أبحاث

كرامة الرسل وألوهية المسيح – إنجيل لوقا 10 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

كرامة الرسل وألوهية المسيح – إنجيل لوقا 10 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

كرامة الرسل وألوهية المسيح – إنجيل لوقا 10 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

كرامة الرسل وألوهية المسيح – إنجيل لوقا 10 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
كرامة الرسل وألوهية المسيح – إنجيل لوقا 10 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو10: 16) “ اَلَّذِي يَسْمَعُ مِنْكُمْ يَسْمَعُ مِنِّي، وَالَّذِي يُرْذِلُكُمْ يُرْذِلُنِي، وَالَّذِي يُرْذِلُنِي يُرْذِلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي [1].

 

          عندما يريد الذين يتسلطون على الممالك الأرضية والذين لهم السلطة العالمية أن يُبجِّلوا الناس المشهورين بكرامات هذا العالم فإنهم يرسلون إليهم الرسائل المحتوية على المراسيم التي تأمر بتعيينهم، وتحوى هذه الرسائل تزكيات لهم وإشادة بأفضالهم. هذا ما نرى المسيح يفعله الآن. ما أعظم السلطان الذي خوَّله المسيح للرسل القديسين وجعلهم جديرين بالمديح وزيَّنهم بأعظم الكرامات. دعونا نبحث في الكتاب المقدس أي كنز كلمات الإنجيل المكتوبة، فنرى هناك عَظَمَة السلطان المعطَى لهم، فنجد: “ الذي يسمع منكم يسمع مني، والذي يرذلكم يرذلني، والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني” يا له من شرف عظيم! إنها كرامة لا تقارن بأي شيء! ما أعظم هذه العطية التي تليق بالله! فمع أنهم بشر، وأولاد التراب، فالرب يُسربلهم بمجد إلهي، ويأتمنهم على كلامه، حتى يدينوا المقاومين والذين يجرؤون على رفضهم، وهو يؤكد أنه بشخصه هو الذي يتألم من رفض المقاومين لهم، وأن ما يُصنع ضده يمتد إلى الله الآب، فانظروا إذن وافهموا بعيون ذهنكم لتروا إلى أي ارتفاع يرفع خطية القوم الذين يرفضون القديسين، يا له من سور يحيطهم به، وأي طمأنينة عظيمة يوجدها لهم، ويجعلهم مهوبين بكل الطرق ويحفظهم من الأذى.

          وتوجد وسيلة أخرى يمكنكم بها فهم معاني حديث المسيح وهو يقول:      ” الذي يسمع منكم يسمع مني“. إنه يُعطي هؤلاء الذين يبغون التعلُّم الضمان بأن كل ما يقوله الرسل الأطهار أو الإنجيليين عنه يجب أن يُقبَل بدون شك، وأن يُكرم بكلمات الحق، لأن من يسمع منهم يسمع من المسيح، كما يقول المغبوط بولس أيضًا: ” أنتم تطلبون برهان المسيح المتكلم فيَّ” (2كو13: 3)، والمسيح نفسه يقول للرسل القديسين في مكان آخر: ” لستم أنتم المتكلِّمين ولكن روح أبيكم الذي يتكلَّم فيكم” (مت10: 20)، فالمسيح يتكلَّم فيهم بالروح القدس الواحد معه في الجوهر. وإذا كان هذا صحيحًا وواضح أنه صحيح، أنهم يتكلمون بالمسيح، فكيف يمكن للإنسان أنَّ يخطئ ضد ما هو أكيد: أي أنَّ من لا يسمع لهم لا يسمع للمسيح، ومن يرذلهم يرذل المسيح ومعه الآب.

 

   فالعقاب المقرر للهراطقة الأشرار محتَّم، لأنهم يرفضون كلمات الرسل القديسين والبشيرين ويقلبون معاني هذه الكلمات التي بدون فحصها جيدًا تبدو لهم صحيحة. إنَّهم يحيدون عن الطريق المستقيم، ويضلُّون عن تعاليم التقوى:     “مضِلِّين ومضَلِّين” (2تى3: 13)، لأنهم إذا تحوَّلوا عن الكتب المقدسة فإنهم يتكلمون من قلوبهم وليس من فم الله (إر23: 16 س) كما يقول الكتاب.

          فبينما يكتب المغبوط يوحنا البشير: ” في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله” (يو1:1)، نراهم يقلبون كلاًّ من العقيدة الخاصة بالمسيح والاقتباس الدال عليها إلى العكس تمامًا قائلين إنَّ الكلمة، الابن الوحيد من الله، لم يكن في البدء، وليس الله نفسه، بل وأيضًا لم يكن مع الله، أي في اتحاد معه بالطبيعة، لأن غير المادي كيف يمكن تصور وجوده في أي مكان؟ هؤلاء المتوقِّحون يقولون إنه مخلوق، ويقيسون مجده بأن يرفعوه فوق المخلوقات بقدر ما تحمل اللغة من ثناء، وإذ يخترعون هذه العظمة المجرَّدة والعارية يظنون أنهم يضعون شيئا بحكمة أو حتى بتقوى، ولا يدرون أنه لو اعتُبـِر لأي سبب أنه مجرد كائن مخلوق، فإنه يصبح من العبث إثبات أنه الله حقًّا، وإن كان من أي وجهة هو مخلوق، وطبيعته مشابهة للأشياء المخلوقة، فينتج من ذلك أنه كما يؤكدون لم يكن موجودًا في البدء، لأنه لا يمكن للمخلوق أن يكون بلا بداية. فكيف يقول الحكيم بولس إذن: ” الآب به عمل العالمين” (عب1: 2). فإن كان مخلوقًا، فلابد أن يكون له بداءة وجود، ولابد أنه قد كان هناك زمان سابق على وجوده، وكان لابد أيضًا من وجود زمان لم يكن فيه الآب أبًا كما يدل اسمه، بل لم يكن على الإطلاق أبًا بالطبيعة، ولذلك تكون الكلمة التي أتت إلينا بشأنه غير صحيحة. وهكذا يصير أيضًا بالنسبة للابن، ويكون كلا الاثنان قد دُعيا هكذا كذبًا.

          كيف إذن يمكن أن نصدِّق قول الابن ” أنا هو الحق” (يو14: 6)، كيف يكون هو الحق ذاك الذي لا يكون بحسب ما يدل عليه اسمه، وكيف لا يكون بولس مخطئًا في كلماته عندما يكتب: ” لأن ابن الله يسوع المسيح الذي كُرِز به بينكم بواسطتنا أنا وسلوانس وتيموثاوس لم يكن نعم ولا” (2كو1: 19). كيف ” لم يكن نعم ولا” أن قيل إنه الله، ولم يكن هو الله بالطبيعة؟ وأن يُدعى ابنًا “وهو ليس ابن الآب؟” إذ قالت الكتب الإلهية المُوحَى بها إنَّ العالمين خُلِقت به، بينما كان هناك وقت قبل وجوده؟ إذا كانت كل الأشياء قد وُجِدت به بينما هو نفسه واحد من هذه الموجودات، إذا اعتبرناه مخلوقًا؟ إذًا فهل هو دُعي بالابن الوحيد وهو ليس هكذا بالحق؟ لأن الأشياء التي أُوجِدت من العدم بالخلق، توجد بين بعضها البعض قرابة. ولكننا نحن لا نتبع كلمات هؤلاء القوم الباطلة، ونهمل كتابات الرسل والمبشِّرين القدِّيسين. أي نحن لا نرذلهم لكي لا نرذل المسيح وبه ومعه نرذل الآب. نحن نؤمن بأن الابن الوحيد كلمة الله هو الله، وهو ابن الله بالطبيعة، وأنه غير مخلوق ولا مصنوع بل هو خالق كل الأشياء، وليس سَمّوه هكذا فقط بل هو بالحري جوهريًّا مع الآب عال فوق الكل. وعندما تسمع أيضًا البشير يوحنا يقول: ” والكلمة صار جسدًا“، فنحن لا نُزيِّف التعبير، ولا نستعمل العنف ضد هذه الإعلانات الواضحة، ولا نقلب سر المسيح إلى ما هو ليس صحيحًا. نحن نؤمن أنَّ الكلمة، مع أنه هو الله، فقد صار جسدًا، أي إنسانًا وليس أنه اصطحب معه إنسانًا في كرامة متساوية، كما يتجاسر البعض ويُفكِّرون ويقولون بأن كلمة الله الذي من الآب نعتبره ابنًا على حِدة، أما الذي خرج من العذراء القدِّيسة فهو آخر إلى جواره منفصلاً عنه وعلى حِدة. هذه هي الاختراعات الدنسة لهؤلاء الناس. أمَّا نحن فنوافق المبارك بولس إذ يقول: ” رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة” (أف4: 5). فنحن لا نقسم غير المنقسم. ولكن نعترف بمسيح واحد، الكلمة الذي من الله الآب، الذي تجسَّد وصار إنسانًا، الذي تعبده الملائكة وتكرمه، ونحن أيضًا نُسبِّحه معهم ونكلِّله بالمجد الإلهي، ليس كإنسان أصبح إلهًا بل كإله صار إنسانًا. وإذ نتمسَّك بهذا الرأي عنه، فإننا بواسطة (شخصه) سندخل ملكوت السموات، الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور آمين.

 

 

[1] نلاحظ أنَّ القديس كيرلس قد عبر على الأعداد 8 ـ 15 المحتوية الويلات الموجَّهة إلى مدن كورزين وبيت صيدا وكفر ناحوم لأنها لم تقبل تعاليم المسيح. كما وفى مناسبة أخرى مختلفة يحذف فقرات أخرى، وهذا ربما بسبب أنه قام بشرحها في أوقات أخرى.

كرامة الرسل وألوهية المسيح – إنجيل لوقا 10 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد