أبحاث

المسيح يُرسِل السبعين – إنجيل لوقا 10 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

المسيح يُرسِل السبعين – إنجيل لوقا 10 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

المسيح يُرسِل السبعين – إنجيل لوقا 10 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

المسيح يُرسِل السبعين – إنجيل لوقا 10 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
المسيح يُرسِل السبعين – إنجيل لوقا 10 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو10: 1ـ3) ” وَبَعْدَ ذلِكَ عَيَّنَ الرَّبُّ سَبْعِينَ آخَرِينَ أَيْضًا، وَأَرْسَلَهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَمَامَ وَجْهِهِ إِلَى كُلِّ مَدِينَةٍ وَمَوْضِعٍ حَيْثُ كَانَ هُوَ مُزْمِعًا أَنْ يَأْتِيَ. فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ الْحَصَادَ كَثِيرٌ، وَلكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ “.

 

          لقد أمر الروح القدس بفم الأنبياء القديسين، خُدَّام كلمة الإنجيل المخلِّصة قائلاً: ” انفخوا بالبوق في رأس الشهر عند الهلال ليوم عيدنا المجيد” (مز8: 3 س). ويمكن أن نقارن الهلال بزمن مجيء مخلِّصنا، لأنه قد برز لنا عالم جديد قد صار فيه كل الأشياء جديدة، كما يؤكد لنا بولس الحكيم جدًّا، في كتابته. لأنه يقول ” الأشياء القديمة قد مضت، هوذا كل الأشياء قد صارت جديدة” (2كو5: 17). لذلك نحن نفهم أنَّ الهلال والعيد المجيد يشيران إلى زمن تجسد الابن الوحيد، حينما بوَّق البوق بصوت عال وبوضوح مناديًا برسالة الإنجيل الخلاصية. أم ليس هذا هو وقت يدعونا أن نحتفل بالعيد، وهو الوقت الذي فيه تبرَّرنا بالإيمان واغتسلنا من أدناس الخطية وأُبيد الموت الذي تسلَّط علينا وطُرح الشيطان من سيادته علينا جميعًا، وهو الوقت الذي فيه قد اتَّحدنا بالمسيح مخلِّصنا جميعًا بواسطة التقديس والتبرير، واغتنينا برجاء الحياة والمجد اللذين هما نهاية لهما. هذه هي أصوات البوق العالية، وهى لا تسري في اليهودية فقط مثل ذلك الناموس القديم، بل في كل الأرض.

          وهذا ما تُصوِّره لكم كتابات موسى لأن إله الكل نزل في شبه نار على جبل سيناء، وكان هناك سحاب وظلال وقتام وصوت بوق شديد جدًّا، حسب الكتاب. (انظر خر19: 16، 19). وكان دَوِيّ البوق في البداية ضعيفًا ثم أخذ يزداد علوًّا باستمرار. إذن ما الذي يُشير إليه ظل الناموس بهذه الأمور؟ ألا يعني هذا أنه لم يكن يوجد أولاً سوى عدد قليل يقومون بنشر أخبار الإنجيل، ثم بعد ذلك صاروا كثيرين؟ فالمسيح عندما بدأ يعمل اختار اثنا عشر رسولاً ثم عيَّن بعد ذلك سبعين آخرين. وليس سبب هذا أنَّ الاثنا عشر الذين اختارهم أولاً لكرامة الرسولية كان فيهم أي عيب أو إهمال أو أي شيء لا يليق؟ كلا، ولكن بسبب أنَّ جمعًا غفيرًا كان سيؤمن به، وليس إسرائيل فقط هو الذي أُمسك في الشبكة بل وجموع الأمم أيضًا. أمَّا عن أنَّ رسالة الخلاص سوف تصل إلى كل العالم، فقد أشار إلى ذلك أحد الأنبياء القديسين بقوله: ” ينبت القضاء كالعلقم في أتلام الحقل” (هو10: 4 س). فكما أنَّ النجيل ينبت في الخطوط التي تُترك بدون زراعة ويحل فيها ثم ينتشر متقدِّما باستمرار، هكذا بالتمام البر، أي النعمة التي تُبرِّر العالم، كما أُعلن في أخبار الإنجيل المخلِّصة، تسود على كل مدينة ومكان.

          لذلك، فبالإضافة إلى الاثنا عشر، يوجد أيضًا سبعون آخرون عيَّنهم المسيح، وتوجد إشارة لهذا الحدث في كلمات موسى (عدد11: 16)، فبأمر الله اختار موسى سبعين، وأنزل الله الروح على هؤلاء المختارين. ومرة ثانية نجد الاثنا عشر رسولاً والسبعين أيضًا، يشار إليهم بواسطة ظلال الناموس، لأنه كُتب في سفر الخروج عن بنى إسرائيل: فأتوا إلى مارة، ولم يقدر الناس أن يشربوا من مياه مارة، لأنها كانت مُرَّة، فصرخ موسى إلى الرب، فأراه الله شجرة، فرماها في الماء فصارت المياه حلوة (خر15: 23). إن معنى عبارة مارَّة حينما تُترجم هو مرارة ونحن نعتبرها ترمز إلى الناموس، لأن الناموس كان مُرًّا، إذ أنه كان يعاقِب بالموت، وعن هذا يشهد بولس: “مَن خالف ناموس موسى فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة” (عب10: 28)، فهو مُر إذن وغير محتمل للقدماء (أع15: 1) وغير مقبول لهذا السبب، كما كانت المياه المُرَّة تمامًا، ولكنها صارت حلوة بالصليب الكريم، الذي كانت تلك الخشبة التي أراها الله للمبارك موسى مثالاً له. فالآن إذ قد تغيَّر الظل إلى التأمل الروحي، فنحن نرى بعيون العقل سر المسيح الذي كان مخفيًّا في رموز الناموس. لذلك فرغم أنَّ الناموس كان مُرًّا، فقد بطل أن يصير هكذا فيما بعد.

          وبعد مارة أتوا إلى “إيليم” ومعناها “زيادة أو صعود” وماذا كان أيضًا في إيليم؟ ” اثنتا عشر عين ماء وسبعون نخلة(خر25: 7)، لأنه كلما صعدنا إلى معرفة أكمل، وكلما أسرعنا إلى النمو الروحي، فإننا نجد اثنتي عشر عين ماء، أي الرسل القديسين، وسبعين نخلة أي هؤلاء الذي عيَّنهم المسيح. فحسن جدًّا أن يُشبَّه التلاميذ بالينابيع، والسبعين الذين أقامهم بعد ذلك بشجر النخل. فكما أننا نحصل من تلاميذ المسيح على معرفة كل صلاح كما من ينابيع مقدَّسة “فإننا نكرم السبعون أيضًا وندعوهم بالنخيل، لأن هذه الشجرة قوية، وذات جذر ثابت، ومثمرة جدًّا وهى تنمو دائما بجوار المياه، ونحن هنا نؤكد أنه هكذا ينبغي أن يكون القديسون ذوي ذهن نقي، ثابتين، مثمرين، ويبهجون أنفسهم باستمرار بمياه المعرفة.

          ولنرجع الآن إلى ما كنا نقوله أولاً أنَّ الرب، “عيَّن سبعين آخرين“. ولكن ربما يظن البعض أنَّ الأولين قد رُفِضوا وجُرِّدوا من كرامة الرسولية، وأنَّ الآخرين رًفِعوا بدلاً منهم لأنهم أقدر منهم على التعليم، فلنُبعِد هذه الأفكار عن عقولنا.

          فإن الذي يعرف القلوب، والعارف بالأمور الآتية يقول: ” إن الحصاد كثير، اطلبوا من رب الحصاد أن يُرسل فعلة إلى حصاده“. فكما أنَّ الأرض الممتلئة بمحصول وافر، وهى واسعة وممتدَّة، تحتاج إلى عدد كبير من الفعلة القادرين، فكم بالحري كل الأرض، بل وجماعة مَن سيؤمنون بالمسيح كم هي عظيمة وغير محصاة، وتحتاج ليس إلى عدد قليل من الفعلة بل إلى عدد كبير يكفي للعمل. لهذا اختار المسيح أولئك الآخرين ليكونوا كحلفاء ومساعدين للاثنا عشر، هؤلاء ذهبوا في إرساليتهم إذ أُرسَلوا اثنين اثنين إلى كل مدينة وقرية وهم يصرخون بكلمات يوحنا ” أعدُّوا طريق الرب” (مت3:3).

          ولاحظوا أنه بينما يقول المسيح ” اطلبوا من رب الحصاد أن يُرسِل فعلة إلى حصاده“، فهو يفعل هذا بنفسه، ورغم أنَّ الذي مَعَنا الآن هو رب الحصاد، أي رب سكان الأرض، إلا أنه هو نفسه بالطبيعة وبالحق، “الله”، لأنه كما يقول الكتاب ” له الأرض وملؤها” (مز24: 1)، وهو خالق الكل ومصوِّرهم، ولكن إن كان من اختصاص الله العلي وحده أن يُرسِل فعلة ” فكيف حدث أنَّ المسيح هو الذي عيَّنهم ؟ أفليس هو إذن رب الحصاد، والله الآب، معه، هو رب كل شيء. كل شيء إذن له، ولا يوجد شيء مِمَّا يُسمَّى، يخص الآب إلاَّ ويخص الابن أيضًا. فهو نفسه قال للآب: ” أولئك الذين أعطيتني من العالم، كانوا لك وأعطيتهم لي” (يو17: 6) فكما قلت، إن كل ما يخص الآب واضح أنه يخص الابن، وهو يشع بأمجاد أبيه، فمجد الألوهية يخصه، لا كشيء موهوب له من آخر، ولكن قائم في كرامة تخصه بالطبيعة، تمامًا مثل الذي هو ابنه، والحكيم يوحنا يؤكد أيضًا أننا جميعنا له، فيقول عنه: ” أنا أعمدكم بماء. ولكن يأتي بعدي مَن هو أقوى مني، هو سيعمدكم بالروح القدس والنار، الذي رفشه في يده، وسينقى بيدره، وسيجمع قمحه إلى المخزن وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ” (مت3: 11).

          ليت نصيبنا إذن كقمح عقلي، أن نُحمل إلى المخزن أي إلى المنازل العلوية: لكي ننعم هناك في صحبة القديسين بالبركات التي يمنحها الله في المسيح، الذي به ومعه لله الآب المجد والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور آمين.

 

المسيح يُرسِل السبعين – إنجيل لوقا 10 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد