من ليس علينا فهو معنا – إنجيل لوقا 9 ج9 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
من ليس علينا فهو معنا – إنجيل لوقا 9 ج9 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
من ليس علينا فهو معنا – إنجيل لوقا 9 ج9 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
(لو9: 49ـ50) ” فَأجَابَ يُوحَنَّا وَقَالَ: يَا مُعَلِّمُ، رَأَيْنَا وَاحِدًا يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِكَ فَمَنَعْنَاهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ يَتْبَعُ مَعَنَا. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: لاَ تَمْنَعُوهُ، لأَنَّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْنَا فَهُوَ مَعَنَا “.
بولس يطلب منا أن ” نمتحن كل شيء” ويقول: ” كونوا حكماء” (1تس5: 21) ولكن المعرفة المضبوطة والمدققة لكل أمر بذاته، لا يمكننا أن نحصل عليها من أي مصدر آخر سوى مِن الكتب الموحى بها من الله. لأن داود، كما لو كان يخاطب المسيح مخلِّص الكل، في المزامير، يُعلن: ” سراج لرجلي شريعتك ونور لسبيلي” (مز118: 105س) وسليمان أيضًا يكتب: ” الوصية مصباح والشريعة نور” (أم6: 23). لأنه كما أن هذا النور المحسوس الذي في هذا العالم، حينما يسقط على عيوننا الجسدية يطرد الظلمة، هكذا أيضًا شريعة الله، حينما تدخل إلى ذهن الإنسان وقلبه فإنها تنيره كُليَّة، ولا تدعه يتعثر بعثرات الجهل، ولا أن تمسكه الخطية بشرورها.
وأقول هذا من إعجابي بالمهارة التي تظهر في الدروس المأخوذة من الإنجيل الموضوع أمامنا الآن، والمعنى الذي تريدون بلا شك أن تعرفوه، وأنا أراكم قد اجتمعتم هنا بسبب محبتكم للتعاليم المقدسة، وقد كوَّنتم هذا الاجتماع الحاضر باشتياق كثير. لذلك، فما الذي يقوله التلاميذ الحكماء، أو ما الذي يرغبون أن يتعلموه من ذلك الذي يمنحهم كل حكمة، ويعلن لهم فهم كل عمل صالح؟ ” يا معلم، رأينا واحدًا يخرج الشياطين باسمك فمنعناه” فهل لدغة الحسد أزعجت التلاميذ ؟ هل هم يحسدون أولئك الذين أنعم عليهم؟ هل هم أدخلوا داخل نفوسهم شهوة رديئة جدًّا ومكروهة جدًّا من الله؟ فهم يقولون: ” رأينا واحد يخرج الشياطين باسمك فمنعناه“. أخبرني، هل أنت تمنع واحدًا يزعج الشيطان باسم المسيح، ويسحق الأرواح الشريرة؟ كيف لا يكون مِن واجبك أن تفكر أنه ليس هو فاعل هذه العجائب، بل إن النعمة التي فيه صنعت المعجزة بقوة المسيح؟ لذلك كيف تمنع الذي بالمسيح يربح النصرة؟ يقول: “نعم لأنه ليس يتبع معنا” آه، يا للكلام الأعمى! لأنه ماذا إن لم يكن معدودًا بين الرسل القديسين، ذلك الذي كُلل بنعمة المسيح، ومع ذلك فهو مُزين بالسلطات الرسولية بالتساوي معكم. فهناك أنواع كثيرة من مواهب المسيح، كما يُعلِّم بولس المبارك، قائلاً: ” فإنه لواحد يعطى كلام حكمة، ولآخر كلام عِلم، ولآخَر إيمان، ولآخر مواهب شفاء” (1كو12: 8، 9).
إذن، فما هو معنى هذه العبارة: ” ليس يسير معنا”، أو ما هي قوة هذا التعبير؟ انظروا إذن، فإني سأخبركم بأفضل ما أستطيع. فقد أعطى المخلِّص للرسل القديسين سلطانًا على الأرواح النجسة، ليخرجوها، وليشفوا كل مرض وكل ضعف في الشعب (مت10: 1)، وهكذا فعلوا، ولم تكن النعمة المعطاة لهم غير فعالة. لأنهم رجعوا فرحين قائلين: ” يا رب، حتى الشياطين تخضع لنا باسمك” (لو10: 17). لذلك، فهم قد تخيلوا، أنه لم يمنح الإذن لأي شخص آخر غيرهم وحدهم، أن يتوشَّح بالسلطان الذي منحه لهم. ولهذا السبب فإنهم يقتربون، ويريدون أن يتعلَّموا، إن كان آخرون أيضًا ربما يمارسونه، حتى إن لم يكونوا قد اختيروا للرسولية، ولا حتى لوظيفة معلِّم.
ونجد شيئًا مثل ذلك أيضًا في الكتب المقدسة القديمة. لأن الله قال مرة لموسى “معلِّم المقدَّسات” (Hierophant) ” اختر أنت سبعين رجلا من شيوخ إسرائيل…، وأنا آخذ من الروح الذي عليك وأعطي لهم” (عد11: 16، 17). وحينما اجتمع أولئك الذين اختيروا، عند الخيمة ـ فيما عدا اثنين فقط قد بقيا في المحلة ـ وحلَّ روح النبوة عليهم، فليس فقط الذين اجتمعوا في الخيمة المقدسة تنبأوا، بل أولئك أيضًا الذين بقوا في المحلة. فيقول إن: ” يشوع خادم موسى قال: ألداد وميداد يتنبآن في المحلة. يا سيدى موسى اردعهما. فقال موسى ليشوع هل تغار أنت لي؟ يا ليت كل شعب الرب كانوا أنبياء، إذ جعل الرب روحه عليهم” (عد11: 27ـ29). والمسيح هو الذي جعل موسى “معلم المقدَّسات” (Hierophant) يتكلم هكذا في ذلك الوقت، بالروح القدس، وهو هنا الآن أيضًا بشخصه يقول للرسل القديسين ” لا تمنعوه” أي الذي يسحق الشيطان باسمه، ” لأنه ليس عليكم، لأن من ليس عليكم فهو معكم”، لأن كل الذين يريدون أن يعملوا لمجد المسيح، هم معنا نحن الذين نحبه، وهم مكلَّلون بنعمته، وهذا قانون بالنسبة للكنائس مستمر حتى هذا اليوم. لأننا نكرِّم فقط أولئك الذين يرفعون أيادي مقدسة، وبطهارة وبلا عيب ولا لوم، وينتهرون الأرواح النجسة باسم المسيح وينقذون الجموع من أمراض متنوعة لأننا نعلم أن المسيح هو الذي يعمل فيهم.
ومع ذلك، ينبغي أن نفحص مثل هذه الأمور بعناية، فإن هناك أشخاص، هم في الحقيقة لم يُحسبوا مستحقين لنعمة المسيح، ولكنهم جعلوا من سمعة أنهم قديسين ومُكرَّمين، فرصة للربح. ويمكننا أن نقول عن هؤلاء إنهم مراؤون جسورون ولا يخجلون، الذين يقتنصون الكرامات لأنفسهم، رغم أن الله لم يَدعُهُم إليها، وهم يمدحون أنفسهم ويقلِّدون الأعمال الجسورة للأنبياء الكذبة في القديم، الذين قال الله عنهم: ” أنا لم أرسل الأنبياء، بل هم جروا، أنا لم أتكلم إليهم، بل هم تنبأوا” (إر23: 21 س). وهكذا أيضًا يمكن أن يقول عن هؤلاء: أنا لم أقدِّسهم، ولكنهم ينسبون الموهبة لأنفسهم كذبًا، فهم لم يُحسبوا مستحقين لنعمتي، ولكنهم بخبث يقتنصون تلك الأمور التي أمنحها لأولئك الذين هم وحدهم مستحقين لنوالها. فهؤلاء، إذ يصنعون مظهرًا للصوم يمشون بحزن وعيونهم ساقطة إلى أسفل، بينما هم مملوئون خداعًا ودناءةً، وكثيرا ما يفتخرون بأنهم لا يُقلِّمون أظافرهم وهم مغرمون بنوع خاص بأن تكون وجوهم شاحبة، ورغم أن أحدًا لم يجبرهم، فإنهم يحتملون مثل ذلك البؤس الذي يحتمله المسجونون، فيعلِّقون أطواقًا على رقابهم، وأحيانًا يضعون قيودًا في أيديهم وأقدامهم. مثل هؤلاء الأشخاص، قد أوصانا المخلِّص أن نتجنبهم، قائلاً: “ احترزوا من الأنبياء الذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة” (مت7: 15).
ومع ذلك، ربما يعترض أحد على ذلك، ويقول: ” ولكن، يا رب من هو الذي يعرف قلب الإنسان؟ من هو الذي يرى ما هو خفي في داخلنا، إلاَّ أنت وحدك، أنت الذي خلقت قلوبنا بنفسك، والذي تمتحن القلوب والكلى؟” نعم يقول: ” من ثمارهم تعرفونهم” (مت7: 20)، وليس بالمظاهر، ليس بالشكل الخارجي، بل بالثمار. لأنه ما هو هدف ريائهم؟ واضح تمامًا أنهم يسعون إلى محبة الربح. لأنهم يحدقون في أيدي الذين يزورونهم، فإن رأوها فارغة يحزنون حزنًا عظيمًا ويلدغهم الانزعاج، لأن التقوى عندهم تجارة. فإن كنت تحب الغِنى، وتطمع في الربح القبيح، وقد أعطيت مكانًا في قلبك لتلك الشهوة الدنيئة جدًّا ـ أي محبة المال ـ فاخلع عنك جِلد الحملان، لماذا تتعب نفسك باطلاً، بالتظاهر بحياة متقشفة غير عالمية؟ تخلَّى عن هذه القسوة الزائدة في الحياة، وبدلاً من ذلك اطلب أن تكون شخصًا مكتفيًا بالقليل. اطلب هذا من الله، وانظر بِرَّه: ” ألق على الرب همَّك، فهو يعولك” (مز54: 22 س).
بل هناك بعض الناس الذين يستعملون ـ من وقت إلى آخر ـ تعازيم وغمغمات معيَّنة كريهة، وبخبث يعملون تبخيرات[1] معيَّنة ويوصون باستعمال التمائم. ويقول واحد من الذين اشتركوا في هذه الممارسات بدون تفكير ” ولكنهم في تعزيمهم يستعملون اسم رب الصباؤوت“. فهل نبرئهم إذن من اللوم، لأنهم يطلقون على شيطان خبيث نجس تعبير يليق بالله وحده، ويسمُّون الشيطان الشرير رب الصباؤوت، طالبين منه ـ كمكافأة على التجديف ـ معونة في الأمور التي يسألونه إيَّاها؟ ليس أنه يساعدهم حقيقة، إذ هو بلا قوة، بل بالحري هو يُحدر أولئك الذين يدعونه إلى هوة الهلاك، لأن الرب لا يتكلم بغير الحق حيث يقول إن الشيطان لا يخرج شيطانا.
لذلك فمن الضروري لخلاصنا، كما أنه أمر مرضي لله، أن نهرب بعيدًا من كل أمر مثل هذا، ولكن حينما ترى واحدًا قد تربَّى ونشأ في الكنيسة، وهو طاهر، وبسيط وبدون رياء، وطريقة حياته جديرة بالاقتداء، وهو معروف من كثيرين كصديق للرهبان القديسين، ويهرب من ملاهي المدينة، وهو مغرَم بالمناطق الصحراوية، ولا يحب الربح، ولا الانشقاقات، والى جوار كل هذا له إيمان صحيح، وبواسطة فعل الروح القدس يصير مكرَّمًا بواسطة نعمة المسيح[2]، ليكون قادرًا أن يعمل تلك الأمور التي هي بواسطة المسيح، إلى مثل هذا اقترب بثقة: فهو سيصلِّى لأجلك بنقاوة، ونعمته ستساعدك، لأن المخلِّص ورب الكل يستجيب لتوسلات الذين يسألونه، الذي به ومعه لله الآب التسبيح والمُلك مع الروح القدس، إلى دهر الدهور. آمين.
[1] توجد ملاحظة في هامش المخطوط تشرح هذه العبارة بأنهم يصنعون دخانًا (بخورًا) مثل “أشخاص يحرقون أطيابًا”.
8 ليكون قادرًا أن يعمل تلك الأمور التي هى بواسطة المسيح.