أبحاث

الثـقة بالمسيح – إنجيل لوقا 9 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

الثـقة بالمسيح – إنجيل لوقا 9 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

الثـقة بالمسيح – إنجيل لوقا 9 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

الثـقة بالمسيح – إنجيل لوقا 9 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
الثـقة بالمسيح – إنجيل لوقا 9 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو37:9ـ43) ” وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي إِذْ نَزَلُوا مِنَ الْجَبَلِ، اسْتَقْبَلَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ. وَإِذَا رَجُلٌ مِنَ الْجَمْعِ صَرَخَ قِائِلاً: يَا مُعَلِّمُ، أَطْلُبُ إِلَيْكَ. اُنْظُرْ إِلَى ابْنِي، فَإِنَّهُ وَحِيدٌ لِي. وَهَا رُوحٌ يَأْخُذُهُ فَيَصْرُخُ بَغْتَةً، فَيَصْرَعُهُ مُزْبِدًا، وَبِالْجَهْدِ يُفَارِقُهُ مُرَضِّضًا إِيَّاهُ. وَطَلَبْتُ مِنْ تَلاَمِيذِكَ أَنْ يُخْرِجُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا. فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: أَيُّهَا الْجِيلُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ وَالْمُلْتَوِي إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ وَأَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمِ ابْنَكَ إِلَى هُنَا!. وَبَيْنَمَا هُوَ آتٍ مَزَّقَهُ الشَّيْطَانُ وَصَرَعَهُ، فَانْتَهَرَ يَسُوعُ الرُّوحَ النَّجِسَ، وَشَفَى الصَّبِيَّ وَسَلَّمَهُ إِلَى أَبِيهِ. فَبُهِتَ الْجَمِيعُ مِنْ عَظَمَةِ اللهِ.

 

          كل الكتاب هو مُوحى به من الله ونافع، ولكن بنوع خاص الأناجيل المقدسة، لأن ذلك الذي ـ في القديم ـ تكلم بالناموس للإسرائيليين بواسطة خدمة الملائكة، قد تكلم بشخصه إلينا، حينما أخذ شكلنا وظهر على الأرض وتجوَّل بين الناس. لأن بولس الحكيم جدًّا يكتب: ” الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديمًا بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه” (عب1:1). ويقول هو نفسه في موضع آخر بواسطة أحد أنبيائه القديسين ” أنا هو المتكلم قريب مثل البرق على الجبال، مثل قدمي المُبشِّر بالسلام، المُبشِّر بالخيرات” (إش6:52 سبعينية). لأنه ها هو يحررنا من طغيان العدو، لكيما نتبعه بنقاوة. وإذ قد أبطل ” ولاة العالم على ظلمة الدهر” (أف12:6)،  أي الأرواح الشريرة، فإنه يُقدِّمنا محفوظين بلا أذى إلى الله الآب.

          لأننا قد حصلنا بواسطته على الخلاص من سلطان الأرواح النجسة كما يتضح من هذا الفصل، لأننا سمعنا في القراءة أن رجلاً جرى نحوه من وسط الجمع وأخبره بمرض ابنه غير المحتمل، وقال الرجل إن روحًا شريرًا كان يمزق ابنه بقسوة ويصرعه بتشنجات عنيفة، ولكن طريقة حديثه لم تكن خالية من اللوم، لأنه اشتكى ضد صحبة الرسل القديسين قائلاً إنهم لم يستطيعوا أن ينتهروا الشيطان، بينما كان من المناسب أكثر أن يكرِّم يسوع وهو يسأل مساعدته ويطلب نعمته. لأن الرب يمنحنا سؤالنا حينما نكرمه ونثق فيه أنه هو بالحقيقة رب القوات، ولا يستطيع أحد أن يقاوم مشيئته، بل بالحري، فإن كل واحد قابـِل للحصول على أية قوة إنما يحصل منه على إمكانية وجوده كلية. لأنه كما أنه هو نفسه النور الحقيقي، فإنه يشرق بنوره على أولئك الذين لهم قابلية أن يستنيروا. وبنفس الطريقة كما أنه هو نفسه الحكمة والفهم الكامل، فهو الذي يمنح الحكمة لأولئك الذين يقبلونها. وهكذا أيضًا فكما أنه هو القوة، فهو يمنح القوة لأولئك الذين لهم قابلية لنوالها. لذلك فحينما نحتقر مجده بعدم إيماننا، ونزدري بعظمته الفائقة، فإننا لا نستطيع أن ننال منه شيئًا، لأننا ينبغي ” أن نطلب بإيمان غير مرتابين البتة“، كما يقول تلميذه (انظر يع6:1).

          ويمكننا أن ندرك أن هذا القول صحيح مما يحدث بيننا. لأن الذين يقدمون الالتماسات لأولئك الذين يترأسون الأعمال على الأرض ويحكمون العروش العظيمة، يوجِّهون طلباتهم بعبارات تكريم مناسبة، ويعترفون بسلطانهم الشامل وبعظمتهم، ويفتتحون خطابهم الذي يقدمونه هكذا: ” إلى سادة الأرض، والبحر، وكل شعب وجنس وسط البشر”، وبعد ذلك يضيفون موجزًا لما يطلبونه. لذلك، فوالد الصبي الذي به الروح الشرير، كان خشنًا وغير لطيف، لأنه لم يطلب ببساطة شفاء الولد، ويتوِّج الشافي بالمديح والشكر، بل بالعكس، تكلم باحتقار عن التلاميذ، ويعيب على النعمة المعطاة لهم إذ يقول: ” وطلبت من تلاميذك أن يخرجوه فلم يقدروا“. ومع ذلك فإنه بسبب نقص إيمانه فإن النعمة لم تعمل. لا يدرك هو أنه هو نفسه كان السبب في عدم إنقاذ الولد من مرضه الخطير؟

          لذلك، ينبغي أن يكون لنا إيمان حينما نقترب من المسيح، ومن أي واحد قد حصل منه على نعمة الشفاء، وهو يعلِّمنا هذا بنفسه بأن يطلب إيمانًا من أولئك الذين يقتربون منه راغبين أن يحسبوا مستحقين لأي عطية من عطاياه. فمثلاً، مات لعازر في بيت عنيا، ووعد المسيح أن يقيمه، وحينما شكَّت إحدى أختيه في هذا، ولم تكن تتوقع أن تحدث المعجزة، قال المسيح: ” أنا هو القيامة الحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا” (يو25:11). ونجد حادثًا مشابهًا في موضع آخر، لأن يايرس رئيس مجمع اليهود، حينما كانت ابنته تلفظ أنفاسها الأخيرة، وقد أمسكت في شباك الموت، توسل إلى يسوع أن ينقذ الصبية مما حدث لها، وبناءً على ذلك وعد المسيح أن يفعل ذلك عند وصوله إلى بيت السائل. ولكن بينما كان في الطريق، جاء رجل من أقرباء رئيس المجمع قائلاً، “ قد ماتت ابنتك، لا تُتعب المعلم” (لو49:8). فماذا كان جواب المسيح؟   ” آمن فقط، وهى ستحيا” (لو50:8).

 

          لذلك، كان من الواجب على والد الصبي أن يلقى باللوم على عدم إيمانه، بدلاً من أن يلقيه على الرسل القديسين. لهذا السبب قال المسيح بحق، ” أيها الجيل غير المؤمن والملتوي، إلى متى أكون معكم وأحتملكم؟” لذلك، فهو بحق يدعو ذلك الرجل نفسه وأولئك الذين على شاكلته “جيل غير مؤمن”. لأنه مرض رديء، وكل من يمسك به، فهو يكون ملتويًا، ولا معرفة عنده لكي يسلك باستقامة. لذلك فالكتب المقدسة تقول عن مثل هؤلاء الأشخاص: ” إن طرقهم معوجة وهم ملتوون في سبلهم” (أم15:2). وقد هرب داود الإلهي من هذا المرض، ولكي ينفعنا أيضًا، فهو يعلن لنا هدفه من هذا الهروب قائلاً: ” لم يلصق بي قلب معوج” (مز4:101)، أي أن ذلك الإنسان لا يستطيع أن يسلك باستقامة.

الثـقة بالمسيح – إنجيل لوقا 9 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
الثـقة بالمسيح – إنجيل لوقا 9 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

          وإلى مثل هؤلاء صرخ المعمدان المبارك، كسابق للمخلص قائلاً: ” أعدوا طريق الرب، اصنعوا سبله مستقيمة” لذلك فالرجل كان، على وجه العموم، غير مؤمن، وملتوي، ورافضًا للطرق المستقيمة، ويضل عن الصواب، وينحرف عن السبل الصحيحة. والمسيح لا يتنازل ليتعامل مع هؤلاء الذين سقطوا إلى هذا الشر، وإذا تكلَّمنا بطريقة بشرية، فإنه يتعب ويسأم منهم وهذا هو ما قاله: ” إلى متى أكون معكم وأحتملكم؟” لأن ذلك الذي  يقول، إن أولئك الذين نالوا القوة بمشيئة المسيح أن يُخرجوا الأرواح الشريرة، ليس لهم قوة أن يطردوا هذه الأرواح، فهو يعيب على النعمة نفسها بالحري لا على الذين نالوا النعمة. لذلك فقد كان تجديفًا رديئًا، لأنه إن كانت النعمة بلا قوة، فلا يكون العيب أو اللوم عليهم هم الذين نالوها، بل بالحري يكون على النعمة نفسها. لأن أي واحد يريد أن يدرك يمكنه أن يرى أن النعمة التي عملت فيهم كانت نعمة المسيح. فمثلاً، الرجل المقعد الذي كان على باب الهيكل الجميل قد قام وصار صحيحًا، ولكن بطرس نسب المعجزة للمسيح قائلاً لليهود: ” لأن الذي صلبتموه أنتم الذي أقامه الله من الأموات، بذاك وقف هذا الإنسان أمامكم صحيحًا، وبواسطته أعطاه هذه الصحة” (أع10:4، 16:3). وفى موضع آخر فإن بطرس المبارك أعلن لأحد الذين شفاهم قائلاً: ” يا إينياس يشفيك يسوع المسيح” (أع34:9). لذلك، فواضح من كل ناحية أن الرجل وجَّه اللوم إلى قوة المسيح، بقوله عن الرسل القديسين، ” لم يستطيعوا أن يخرجوه“.

          وأكثر من ذلك، فإن المسيح يغضب حينما يُساء إلى المبشرين القديسين الذين اؤتُمنوا على كلمة إنجيله، واختارهم ليعلِّموها لكل الذين تحت السماء، إذ يشهد لهم بنعمته، أنهم تلاميذه وأنهم أناروا بنور معرفة الله الحقيقية على أولئك الذين اقتنعوا بتعاليمهم وبالمعجزات العجيبة التي أجروها في كل مكان. لأن المعجزة تقود إلى الإيمان. لذلك، فلو أن والد الصبي مضى خائب الأمل وقد مُنعت عنه العطية السخية، لكان مستحقًا لذلك، ولكن لكي لا يتصور أحد أن المسيح أيضًا كان غير قادر أن يصنع المعجزة، لذلك فقد انتهر الروح النجس، وهكذا أنقذ الصبي من هذا المرض وسلمه لأبيه. لأنه قبل ذلك لم يكن ملكًا لأبيه بل كان ملكًا للروح الذي  يتسلط عليه، أما الآن ـ إذ قد أُنقذ من يده القاسية، فقد أصبح مرة أخرى مِلكًا لأبيه، كهبة من المسيح، الذي  أعطى أيضًا للرسل القديسين أن يصنعوا معجزات إلهية، وينتهروا الأرواح النجسة بقدرة لا تُقاوم، ويسحقون الشيطان.

          ويقول البشير، إن الجموع بُهتوا من عظمة الله. إذن، فحينما يصنع المسيح معجزات، فإن الله هو الذي يتمجد، الله فقط والله وحده. لأنه هو الله بالطبيعة، وعظمته لا تُقارن، وعلوه لا منافس له وهو يشع بمجد الربوبية الكاملة التي لله الآب. لذلك يليق به أن نمجده بتسابيح، ولنقل له: ” أيها الرب إله القوات مَن مثلك؟ أنت قوي أيها الرب، وحقك من حولك” (مز8:88 سبعينية). لأن كل شيء مُستطاع لديه، وسهل عليه أن يتممه، وليس شيء عسير عليه أو عاليًا عنه، الذي به ومعه، لله الآب التسبيح والملك، مع الروح القدس، إلى دهر الدهور آمين.

 

الثـقة بالمسيح – إنجيل لوقا 9 ج6 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد