أبحاث

إرسال الاثني عشر – إنجيل لوقا 9 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

إرسال الاثني عشر – إنجيل لوقا 9 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

إرسال الاثني عشر – إنجيل لوقا 9 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

إرسال الاثني عشر – إنجيل لوقا 9 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
إرسال الاثني عشر – إنجيل لوقا 9 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو9: 1ـ5) ” وَدَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ، وَأَعْطَاهُمْ قُوَّةً وَسُلْطَانًا عَلَى جَمِيعِ الشَّيَاطِينِ وَشِفَاءِ أَمْرَاضٍ، وَأَرْسَلَهُمْ لِيَكْرِزُوا بِمَلَكُوتِ اللهِ وَيَشْفُوا الْمَرْضَى. وَقَالَ لَهُمْ: لاَ تَحْمِلُوا شَيْئًا لِلطَّرِيقِ: لاَ عَصًا وَلاَ مِزْوَدًا وَلاَ خُبْزًا وَلاَ فِضَّةً، وَلاَ يَكُونُ لِلْوَاحِدِ ثَوْبَانِ. وَأَيَُّ بَيْتٍ دَخَلْتُمُوهُ فَهُنَاكَ أَقِيمُوا، وَمِنْ هُنَاكَ اخْرُجُوا. وَكُلُّ مَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ فَاخْرُجُوا مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ، وَانْفُضُوا الْغُبَارَ أَيْضًا عَنْ أَرْجُلِكُمْ شَهَادَةً عَلَيْهِمْ “.

 

إنه قول صادق، أنَّ ثمر الأعمال الصالحة مشرِّف، لأن أولئك الذين يريدون أن يحيوا حياة نقية وغير مدنسة على قدر ما هو ممكن للناس، هؤلاء يزيِّنهم المسيح بمواهبه، ويمنحهم مكافأة مجزية وافرة، لأجل كل أعمال تقواهم، يجعلهم شركاء مجده، لأنه من المستحيل أن يكذب ذاك الذي يقول: “حيٌّ أنا، يقول الرب، فإني أكرم الذين يكرمونني” (1صم2: 30 سبعينية).

وكبرهان بسيط وواضح على هذا فإني استشهد بصحبة الرسل القديسين، المجيدة والنبيلة، انظروا كيف أنهم ممتازون جدًّا ومتوَّجون بما هو أكثر من المجد البشري، أي بهذه العطية الجديدة التي منحها لهم المسيح. لأن الإنجيل يقول ” إنه أعطاهم قوة وسلطانًا على جميع الشياطين وشفاء أمراض“. وأرجو أن تلاحظوا أيضًا، أن كلمة الله المتجسد يفوق مستوي البشرية، وهو يشع بأمجاد اللاهوت، لأنه أمر يفوق حدود الطبيعة البشرية، أن يعطي سلطانًا على الأرواح النجسة لكل من يريد، كما أنه يعطيهم القدرة أيضًا أن يشفوا من الأمراض أولئك المصابين بها، لأن الله، ينعم على من يريد بقُوَّات مِن هذا النوع، لأن الأمر يتوقف على قراره هو وحده ـ أن يتمكن أى أشخاص بحسب مسرة الله الصالحة ـ أن يعملوا معجزات إلهية، وأن يكونوا خدامًا للنعمة التي تُعطى من فوق، وأما أن يعطوا للآخرين، نفس الهبة التي من فوق التي وهبت لهم، فهذا أمر مستحيل تمامًا. لأن جلال ومجد الطبيعة الفائقة لا يوجدان جوهريًا في أي كائن من الكائنات، سوي في تلك الطبيعة نفسها، وفيها هي وحدها. لذلك فسواء كان ملاك أو رئيس ملائكة أو من العروش والسيادات، أو السيرافيم، التي هي أعلى في الكرامة، فينبغي أن نفهم هذا بحكمة، أنهم في الواقع يملكون سلطانًا متفوقًا بواسطة القدرات المعطاة لهم من فوق مما لا تستطيع اللغة أن تصفه ولا الطبيعة أن تمنحه، ولكن العقل يمنع كلية الافتراض أنهم يستطيعون أن يمنحوا هذه القدرات لآخرين. أما المسيح فهو يمنح هذه القدرات لكونه الله، وذلك من ملئه الخاص، لأنه هو نفسه رب المجد ورب القوات.

إذن، فالنعمة الممنوحة للرسل القديسين هي جديرة بكل إعجاب، ولكن سخاء المعطي يعلو على كل مديح وإعجاب، لأنه يعطيهم كما قلت، مجده الخاص، فالإنسان ينال سلطانا على الأرواح الشريرة ويخفض الكبرياء، الذي كان عاليًا جدًّا ومتعجرفًا، أي كبرياء الشيطان، يخفضه حتى العدم، يخفضه حتى العدم، ويجعل شره عديم الفاعلية، وبواسطة قوة الروح القدس وفاعليته يحرقه كما بنار، ويجعله يخرج مع أنَّات وبكاء من أولئك الذين كان متسلطا عليهم. ومع ذلك ففي القديم قال الشيطان: ” إني سأمسك كل العالم في يدي كعش وسأجمعه كبيض مهجور، وليس هناك أحد يهرب مني أو يتكلم ضدي” (إش10: 14 سبعينية). لقد فقد (الشيطان) الحق، إذن، وسقط من رجائه، رغم أنه كان متكبرًا ومتهورًا ومتبجحًا على ضعف الجنس البشري، لأن رب القوات أقام ضده خدام الكرازة الإلهية. وهذا قد سبق التنبؤ به حقًّا بواسطة أحد الأنبياء القديسين حينما تكلم عن الشيطان والمعلمين القديسين: ” ألا يقوم بغتة مقارضوك ويستيقظ مزعزعوك فتكون غنيمة لهم” (حب2: 7)، فكأنهم يمزقون الشيطان بالهجوم على مجده، ويجعلون الذين سبق فاقتناهم، غنيمة، ويأتون بهم إلى المسيح بواسطة الإيمان به، لأنهم هكذا قد هجموا على الشيطان نفسه. لذلك فكم هي عظيمة تلك القوة التي أُعطِيَت للرسل القديسين بقرار المسيح مخلِّصنا جميعا وإرادته لأنه أعطاهم   ” قوة وسلطانًا على الأرواح النجسة “.

وبعد ذلك، تبحث أيضًا، من أين هبطت هذه النعمة الرائعة جدًّا والممتازة جدًّا، على جنس البشر. إن كلمة الله الوحيد، قد توَّج الطبيعة البشرية بهذا الشرف العظيم بواسطة تجسده، متخذًا شكلنا، وهكذا بدون أن يفقد أي شيء من أمجاد جلاله ـ إذ أنه عمل أعمالا تليق بالله، رغم أنه كما قلت، قد صار مثلنا من لحم ودم ـ قد سحق قوة الشيطان بكلمته الكلية القدرة. وبانتهاره للأرواح الشريرة، فإن سكان الأرض أيضًا صاروا قادرين على أن ينتهروهم.

وأما كون ما أقوله صحيحًا فهذا ما سأسعى لكي أجعله أكيدًا، لأنه، كما قلت، فإن المخلِّص كان ينتهر الأرواح النجسة، ولكن الفريسيين إذ فتحوا أفواههم عليه ليسخروا من مجده كان عندهم من الوقاحة أن يقولوا: ” هذا لا يُخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين” (مت12: 24). ولكن المخلِّص وبخهم لأنهم تكلموا هذا كأناس ميالين إلى السخرية ويتخذون موقفًا معاديًا منه وهم عديمي الفهم تمامًا، لذلك قال لهم: “ إن كنت ببعلزبول أخرج الشياطين فأبناؤكم بمن يخرجون؟ لذلك هم يكونون قضاتكم” (مت12: 27)، لأن التلاميذ المباركين، الذين كانوا أبناء اليهود حسب الجسد، كانوا سبب رعب للشيطان وملائكته، لأن التلاميذ حطموا قوة الشيطان باسم يسوع المسيح الناصري. وأضاف ربنا قائلا: ” ولكن إن كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله” (مت12: 28). لأنه، إذ هو ابن الآب الوحيد، وهو الكلمة، فقد كان ولا يزال كلي القدرة، وليس هناك شيء غير مستطاع لديه. ولكن، إذ قد انتهر الأرواح الشريرة حينما صار إنسانًا فإن الطبيعة البشرية صارت ظافرة فيه، ومكلَّلة بمجد إلهي، لأنها صارت قادرة على انتهار الأرواح الشريرة بقوة. لذلك، فبطرد المسيح للشياطين، قد أقبل علينا ملكوت الله، لأنه يمكننا أن نؤكد أن القدرة على سحق الشيطان رغم مقاومته هي كمال الجلال الإلهي.

لذلك، قد مجَّد المسيح تلاميذه بإعطائهم سلطانًا وقوة على الأرواح الشريرة وعلى الأمراض. فهل كرَّمهم هكذا بدون سبب، وهل جعلهم مشهورين بدون سبب مقنع؟ ولكن كيف يمكن أن يكون هذا صحيحًا؟ لأنه كان من الضروري، ومن الضروري جدًّا، وقد أقيموا علانية خدامًا للبشارة المقدسة، أن يكون لهم القدرة على عمل المعجزات، وبواسطة ما يعملونه، يُقنعون الناس أنهم خدام الله، ووسطاء لكل الذين تحت السماء، داعين إياهم جميعًا إلى المصالحة والتبرير بالإيمان، وموضحين طريق الخلاص والحياة التي بواسطته. لأن الأتقياء والأذكياء يحتاجون عمومًا إلى التفكير فقط لكي يجعلهم يدركون الحق، أما أولئك الذين انحرفوا بدون ضابط إلى العصيان، فهم غير مستعدين أن يقبلوا الكلام الصحيح من ذلك الذي يسعى أن يربحهم لأجل منفعتهم الحقيقية، مثل هؤلاء يحتاجون للمعجزات وعمل الآيات، ورغم ذلك فنادرًا ما يصلون إلى اقتناع شامل.

لأننا كثيرًا ما نجد أن كرازة الرسل قد ازدهرت بهذه الطريقة، فبطرس ويوحنا مثلاً، أنقذا الرجل الأعرج الذي كان يجلس عند باب الهيكل الجميل، من مرضه، فدخل الهيكل معهما وقدم شهادة للعمل العظيم الذي حدث معه. وتكلما بكل جرأة عن المسيح مخلِّصنا جميعًا رغم أنهما رأيا أن رؤساء مجمع اليهود كانوا لا يزالون مشحونين بعداوة مُرَّة ضد المخلِّص، لأنهما قالا: ” أيها الرجال الإسرائيليون، ما بالكم تتعجبون من هذا، ولماذا تشخصون إلينا كأننا بقوتنا أو تقوانا قد جعلنا هذا يمشي ؟ إن إله إبراهيم، وإله إسحق، وإله يعقوب، إله آبائنا، مجَّد فتاه يسوع، الذي أسلمتموه أنتم وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس وهو حاكم بإطلاقه، ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار، وطلبتم أن يوهَب لكم رجل قاتل. ورئيس الحياة قتلتموه، الذي  أقامه الله من الأموات ونحن شهود لذلك. وبالإيمان باسمه شدد اسمه هذا الذي تنظرونه وتعرفونه، والإيمان الذي بواسطته أعطاه هذه الصحة أمام جميعكم” (أع3: 12ـ16). ولكن رغم أن كثيرين من اليهود شعروا بمرارة من مثل هذا الحديث الرفيع،  ألاَّ أنهم كبحوا غضبهم رغمًا عن إرادتهم إذ أنهم خجلوا من عظمة المعجزة.

وهناك نقطة أخرى لا ينبغي أن ننساها، وهي أن المسيح إذ وشَّح أولاً الرسل القديسين بقوات عظيمة هكذا، فإنه يدعوهم بعد ذلك أن ينطلقوا بسرعة، ويبدأوا عملهم في إعلان سرِّه إلى سكان الأرض كلها. لأنه كما أن القواد المقتدِرِين بعد أن يُزوِّدوا جنودهم الشجعان بأسلحة الحرب، يرسلونهم ضد كتائب العدو، هكذا أيضًا يفعل المسيح مخلِّصنا وربنا جميعًا، يُرسل معلمي أسراره القديسين، مُوشَّحين بالنعمة التي يمنحهم إياها، ومُجهزين كلِّيَة بالسلاح الروحاني، ضد الشيطان وملائكته، لكي يكونوا غير مغلوبين ومقاتِلِين أشدّاء. لأنهم كانوا على وشك أن يدخلوا في معركة مع أولئك الذين سيطروا على سكان الأرض في الزمن القديم. أي أن يحاربوا ضد القوات الشريرة المضادة، الذين كانوا قد قسّموا فيما بينهم كل من هم تحت السماء، وجعلوا البشر الذين قد خُلِقوا على صورة الله، يتعبَّدون لهم. هذه الأرواح الشريرة، بدأ التلاميذ الإلهيون، حينئذ يُسببون لها غيظًا بدعوتهم أولئك الذين كانوا في الضلال إلى معرفة الحق، وبإنارتهم لأولئك الذين كانوا في الظلمة. وجعلوا أولئك الذين يتعبدون لهم في القديم، أتباعًا مخلصين للسعي في طريق القديسين.

ولأجل هذا السبب فقد كان مناسبًا جدًّا أن يوصيهم ألا يحملوا معهم أي شيء، وهو يريد بذلك أن يكونوا أحرار من كل هم عالمي، وبذلك يعفيهم من الأتعاب التي تجلبها الأمور العالمية، حتى أنهم بذلك لا يلقون بالاً حتى لخبزهم الضروري والذي لا غنى عنه. ولكنه من الواضح أن الذي  يأمرهم أن يمتنعوا عن مثل هذه الأشياء، فإنه بذلك يقطع كلية كل محبة للمال وشهوة الربح والاقتناء. لأنه يقول، إن مجدهم، أي أكاليلهم، هو ألاَّ يمتلكوا شيئًا. وهو يصرفهم عن الأشياء التي هي ضرورية لاستعمالهم إذ أنه أمرهم ألاَّ يحملوا شيئًا بالمرة: ” لا عصًا، ولا مزودًا، ولا خبزًا، ولا فضة، ولا يكون للواحد ثوبان“. لذلك، فكما قلت، لاحظوا، إنه يصرف أنظارهم عن الارتباكات الباطلة، وعن القلق من جهة الجسد، ويوصيهم ألاًَ يكون لهم أي اهتمام من جهة الطعام، وكأنه يكرر عليهم تلك العبارة التي في المزمور: ” ألقِ على الرب همك فهو يعولك” (مز55: 22). لأنه حق أيضًا هو ما قاله المسيح: ” لا تقدرون أن تخدموا الله والمال” (مت6: 24). وأيضًا: ” لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضًا” (مت6: 21).

لذلك فلكي يعيشوا حياة لائقة وبسيطة، وأن يكونوا أحرارًا من كل قلق باطل لا لزوم له، ولكي يكرسوا أنفسهم كلية لواجب الكرازة بسر الملكوت، ويجاهدوا بلا توقف في نشر أخبار الخلاص للناس في كل مكان، فإنه يوصيهم ألاَّ يعطوا اهتمامًا بل يكونوا بلا هم من جهة اللباس والطعام. وتكلَّم المخلِّص عن هذا الغرض ذاته في موضع حينما قال: ” لتكن أحقاؤكم مُمنطَقَة وسرجكم موقدة” (لو12ـ35). وهو يعني بقوله ” أحقاؤكم مُمنطقة“؟ استعداد العقل لكل عمل صالح، وبقوله ” سرجكم موقدة“، أن يكون قلبهم مملوءًا بالنور الإلهي. وبنفس الطريقة يأمر ناموس موسي بوضوح أولئك الذين أكلوا من خروف الفصح قائلاً: ” وهكذا تأكلونه، أحقاؤكم مشدودة وعصيكم في أيديكم، وأحذيتكم في أرجلكم” (خر12: 11). لذلك لاحظوا، أن أولئك الذين يسكن فيهم المسيح الحمل الحقيقي يجب أن يكونوا مثل أناس متمنطقين لرحلة، لأنهم يجب أن ” يحذوا أرجلهم باستعداد إنجيل السلام“، كما كتب لنا بولس المبارك (أف6: 15)، وأن يتوشَّحوا بما هو لائق بالمحاربين. لأنه ليس مناسبًا لأولئك الذين يحملون الرسالة الإلهية ـ إن أرادوا أن ينجحوا في عملهم ـ أن يظلوا غير متحركين، بل ينبغي أن يتحركوا دائمًا إلى الأمام، ويركضوا ليس نحو أمر غيـر يقيني، بل ليربحوا رجاءً مجيدًا. لأنه حتى أولئك الذين سقطوا مَرَّة تحت يد العدو، فإن كانوا بإيمان يجاهدون لأجل المسيح مخلِّصنا جميعًا فسوف يرِثون إكليلاً لا يفنى.

ولكن يمكنني أن أتخيل واحد يقول، يا رب، أنت قد أوصيت خدامك ألاَّ يحملوا أي زاد من أي نوع مما هو ضروري للطعام واللباس، فمن أين إذن يحصلون على ما هو ضروري وما لا غني عنه لاستعمالهم؟ هذا ما يشير إليه الرب، في الحال قائلاً: ” وأي بيت دخلتموه، فهناك أقيموا، ومن هناك اخرجوا“. وهو بذلك يقول، إن الثمر الذي ستحصلون عليه من الذين تُعلِّمونهم، سيكون كافيًا، لأن أولئك الذين يحصلون منكم على الروحيات، وينالون الزرع الإلهي في نفوسهم، سيعتنون باحتياجاتكم الجسدية. وهذا أمر لا يستطيع أحد أن يلوم عليه، لأن بولس الحكيم أيضًا كتب في الرسالة: ” إن كنا قد زرعنا لكم الروحيات، أفعظيم إن حصدنا منكم الجسديات؟ هكذا أيضًا أَمَر الرب، أن الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون” (1كو9: 11، 14). ويبين بوضوح أن هذه الحقيقة نفسها يشير إليها موسى إذ يقول: ” مكتوب في ناموس موسى لا تكُمَّ ثورًا دارسًا” (تث25: 4). وهو يبين أيضًا ما هو قصد الناموس بقوله: ” ألعلَّ الله تهمه الثيران؟ أم يقول، مطلقًا من أجلنا، لأنه ينبغي للحَرَّاث أن يحرث على رجاء وللدارس على الرجاء أن يكون شريكا في رجائه؟” (1كو9: 9، 10). لذلك فأن يحصل المعلمون على هذه الأشياء التافهة وسهلة المنال من أولئك الذين يتعلمون منهم ليس أمرًا ضارًّا من أي ناحية.

ولكن المسيح أمرهم أن يقيموا في بيت واحد ومنه يخرجون، لأنه من الصواب أن أولئك الذين قبلوهم في بيتهم مرة، لا ينبغي أن تُسلب منهم الهبة أو العطية. هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى لكي لا يضع الرسل القديسون أنفسهم أي عائق في طريق غيرتهم واجتهادهم في الكرازة برسالة الله، بأن يدعوا أنفسهم يُحمَلون بالقوة إلى بيوت عديدة بواسطة أولئك الذين يهدفون لا أن يتعلموا منهم درسًا ضروريًّا، بل أن يُعِدُّوا أمامهم مائدة فاخرة، متجاوزين ما هو معتدل وضروري.

ونتعلم من كلمات مخلِّصنا أن إكرام القديسين له مكافأته، لأنه قال لهم: ” مَن يقبلكم يقبلني، ومَن يقبلني يقبل الذي أرسلني” (مت10: 40). لأنه يأخذ لنفسه ـ عن قصد ـ الإكرامات المقدمة للقديسين، ويجعلها خاصة به، لكي يكون لهم أمان من كل جهة. فهل هناك ما هو أفضل أو ما يمكن أن يقارن بالكرامة والمحبة الواجبة نحو الله؟ ولكن هذا يتحقق بإعطاء الإكرام للقديسين، وإن كان ذلك الذي يقبلهم هو مغبوط حقًّا، وله رجاء مجيد، فكيف لا يجب أن يكون العكس أيضًا صحيحًا بصورة كلية ومطلقة، لأنه ينبغي أن يكون مملوءًا من التعاسة التامة، ذلك الذي لا يبالى بواجب إكرام القديسين. لهذا السبب قال الرب: ” حينما تخرجون من ذلك البيت، انفضوا الغبار عن أرجلكم شهادة عليهم” (انظر مت10: 14، لو9: 5).

وبعد ذلك ينبغي أن نري ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني أنهم ينبغي أن يرفضوا أن ينالوا أي شيء بالمرة من أولئك الذين لا يقبلونهم، ولا يحفظون الوصايا التي يسلمونها لهم ولا يطيعوا الرسالة المقدسة، ولا يقبلوا الإيمان. لأنه أمر بعيد الاحتمال أن أولئك الذين يحتقرون رب البيت يكونون كرماء مع خدامه، وأن أولئك الذين ـ بعدم التقوى ـ يتجاهلون الدعوة السماوية يطلبون بركة من كارزيها بأن يقدموا لهم أشياء لا قيمة لها، ومثل هذه الأشياء يستطيع التلاميذ أن يحصلوا عليها بدون تعب من الذين يرعونهم. لأنه مكتوب ” زيت الخاطئ لا يدهن رأسي” (مز141: 5 سبعينية)، وإلى جانب ذلك ينبغي أن يشعروا أنهم مدينين بالحب، فقط لأولئك الذين يُحبون المسيح ويمجِّدونه ويتجنبون كل الآخرين الذين هم على خلاف ذلك. لأنه مكتوب ” ألم أبغض مبغضيك، يا رب، وأمقت أعداءك. بغضًا تامًا أبغضتهم. صاروا لي أعداء” (مز139: 21، 22). هكذا يكون حب الجنود الأرضيين لملكهم: لأنه ليس ممكنًا لهم أن يحبوا الغرباء بينما يقدمون الاهتمام الواجب لمصالح ملكهم. ونحن نتعلم هذا أيضًا، مما قاله المسيح: ” من ليس معي فهو على ومن لا يجمع معي فهو يفرّق” (مت12: 30).

لذلك فكل ما أوصي به المسيح رسله القديسين كان مناسبا بالضبط لنفعهم وفائدتهم، الذي به ومعه لله الآب التسبيح والربوبية مع الروح القدس، إلى دهر الدهور آمين.

إرسال الاثني عشر – إنجيل لوقا 9 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد