أبحاث

شفاء نازفة الدم – إنجيل لوقا 8 ج5 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

شفاء نازفة الدم – إنجيل لوقا 8 ج5 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

شفاء نازفة الدم – إنجيل لوقا 8 ج5 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

شفاء نازفة الدم – إنجيل لوقا 8 ج5 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
شفاء نازفة الدم – إنجيل لوقا 8 ج5 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو 8: 40ـ 48) ” وَلَمَّا رَجَعَ يَسُوعُ قَبِلَهُ الْجَمْعُ لأَنَّهُمْ كَانُوا جَمِيعُهُمْ يَنْتَظِرُونَهُ. وَإِذَا رَجُلٌ اسْمُهُ يَايِرُسُ قَدْ جَاءَ، وَكَانَ رَئِيسَ الْمَجْمَعِ، فَوَقَعَ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ وَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ، لأَنَّهُ كَانَ لَهُ بِنْتٌ وَحِيدَةٌ لَهَا نَحْوُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَتْ فِي حَالِ الْمَوْتِ. فَفِيمَا هُوَ مُنْطَلِقٌ زَحَمَتْهُ الْجُمُوعُ. وَامْرَأَةٌ بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَدْ أَنْفَقَتْ كُلَّ مَعِيشَتِهَا لِلأَطِبَّاءِ، وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ تُشْفَى مِنْ أَحَدٍ، جَاءَتْ مِنْ وَرَائِهِ وَلَمَسَتْ هُدْبَ ثَوْبِهِ. فَفِي الْحَالِ وَقَفَ نَزْفُ دَمِهَا. فَقَالَ يَسُوعُ: مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي؟ وَإِذْ كَانَ الْجَمِيعُ يُنْكِرُونَ، قَالَ بُطْرُسُ وَالَّذِينَ مَعَهُ: يَا مُعَلِّمُ، الْجُمُوعُ يُضَيِّقُونَ عَلَيْكَ وَيَزْحَمُونَكَ، وَتَقُولُ: مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي؟ فَقَالَ يَسُوعُ: قَدْ لَمَسَنِي وَاحِدٌ، لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّ قُوَّةً قَدْ خَرَجَتْ مِنِّي. فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا لَمْ تَخْتَفِ، جَاءَتْ مُرْتَعِدَةً وَخَرَّتْ لَهُ، وَأَخْبَرَتْهُ قُدَّامَ جَمِيعِ الشَّعْبِ لأَيِّ سَبَبٍ لَمَسَتْهُ، وَكَيْفَ بَرِئَتْ فِي الْحَالِ. فَقَالَ لَهَا: ثِقِي يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ “.

أولئك الذين هم ماهرون في شرح سر تدبير الابن الوحيد في الجسد، وأولئك الذين استنارت عقولهم بالنور الإلهي، يوصيهم الروح قائلاً ” حدِّثوا بين الأمم بمجده، وبين جميع الشعوب بعجائبه ” (مز96: 3).. فهل يأمر الروح إذًا أن يُعلنوا مجد مخلِّصنا جميعًا المسيح بين جماهير الأمم، وإلى سكان العالم كله، لأنه ليس بأي سبب آخر غير ذلك يمكن أن يكون موضع الإعجاب أو لكي ما يؤمن به أيضًا جميع الناس. إني أؤكد حقيقة أنه لكي ما يكون هو موضع الإعجاب وأيضًا لكي ما نؤمن أنَّ كلمة الله الآب هو الله نفسه، حتى رغم أنه كما يقول يوحنا ” قد صار جسدًا” (يو1: 14)، لأنه أيضًا في موضع آخر يعلن لليهود ” إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي، ولكن إن كنت أعمل فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال” (يو10: 37، 38).

هيا بنا مرة أخرى نراه وهو يفيد الجموع بالمعجزات التي صنعها لأجل خيرهم, لأنه كان هناك رئيس ومعلِّم لمجمع اليهود اسمه يايرس كما يعلن لنا الإنجيل هنا, هذا وقع عند قدمي المسيح مخلِّصنا جميعًا ليسأل لأجل إبطال الموت وملاشاة الفساد, لأن ابنته كانت على أبواب القبر. فتعالوا ودعونا نسأل يايرس ليخبرنا في أي ضوء هو ينظر إلى ذاك الذي يقدم إليه توسله؟ لأنكإ إن اقتربت منه معتبرًا إياه مجرد إنسان، أو مثل واحد منا, أي كواحد لا يملك أي قوة أعلى من ذواتنا، فإنك تخطئ، وتكون قد ضللت عن الطريق الصحيح بطلبك من إنسان ما يستلزم قوة الله.إ إنَّ الطبيعة العالية وحدها تستطيع أن تعطي حياة للموتى. هي وحدها لها عدم الموت, لأن كل شيء يأتي إلى الوجود يأخذ حياته وحركته منها. لذلك أطلب من الناس الأشياء التي تخص الناس وأطلب من الله الأشياء التي تخص الله.

وبالإضافة إلى ذلك أنت تعبده كالإله القدير، وأنت تفعل ذلك عارفًا بالتأكيد وشاهدًا أنه يستطيع  أنَّ يعطيك إجابة طلباتك. لذلك فأي كلام يكفي للدفاع عنك أيها الذي ترجم المسيح مخلص الكل وتضطهده أنت والباقين؟ وبغباوة شديدة وعدم تقوى تقولون: ” لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف, لأنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهًا” (يو10: 33).

ولا يجب أن نتعجب من هذه المعجزة فقط، بل من الآتية أيضًا. لأن لعازر قام بالحقيقة من الموت بدعوة المسيح له، الذي جعله يخرج من القبر حينما قد كان له أربعة أيام فيه, والفساد كان قد بدأ في جسده. وأولئك الذين كانوا مشاهدين للمعجزة اندهشوا من جلال الفعل. أما رؤساء مجمع اليهود فقد جعلوا من نفس المعجزة طعامًا للححسد, وهذا العمل العظيم الرائع اختزنوه في ذاكرتهم كبذرة تنمو منها معصية القتل. لأنهم حينما اجتمعوا تشاوروا مع بعضهم ليس لأجل عمل مشروع، بل بالحري  لأجل عمل قد أتى عليهم بالهلاك النهائي، لأنهم قالوا “ماذا نصنع؟ فإن هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة، إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به فيأتي الرومانيون ويأخذون موضعنا وأُمَّتنا” (يو11: 47، 48). فماذا تقول إذًا لهذا؟ أنت رأيت الموت يتلاشى في حالة لعازر، الموت الذي كان دائمًا ولكل واحد سابقًا، كان قاسيًا وغير خاضع, أنت رأيت الهلاك يفقد سلطانه، الذي لم يهرب منه أي واحد على الأرض. فكيف إذًا تتخيل أنك تستطيع أن تجعله خاضعًا للموت، ذلك الذي هو فوق الموت، وهو الذي يطرح الهلاك، وهو معطي الحياة؟ كيف يستطيع ذلك الذي أنقذ آخرين من مخالب الموت  أن يعاني هو نفسه منه إن لم يرد هو ذلك لكي يتمم خطة الخلاص. لذلك فالقول المختص بهم هو حقيقي “ أنهم بنون جاهلون وهم غير فاهمين” (إر4: 22).

ولكن مصير الصبيَّة لم يكن بدون نفع لأبيها لأنه كما يحدث أحيانًا أنَّ شدة الأعنَّة ترجع الجواد المسرع الذي خرج عن الطريق وتعييده إلى الطريق الصحيح، هكذا أيضًا فإإن الاضطراب كثيرًا ما يضطر نفس الإنسان أن تخضع لتلك الأشياء التي هي لخيرها., ونجد داود المبارك يخاطب الله عن هذا أيضًا فيما يخص أولئك الناس الذين لا يريدون بعد أن يسلكوا باستقامة، بل وكانوا منقادين بانفعالات عقولهم المضطربة إلى هوة الهلاك فيقول: “ بلجام وزمام أنت تضبط فكَّ أولئك البعيدين عنك” (مز31: 9س). لأن قوة الظروف تأتي بالناس كما قلت، حتى ضد إرادتهم إلى ضرورة إحناء عنقهم لله, كما يمكن أن نرى واضحًا بطريق غير مباشر في أمثال الإنجيل. لأن المسيح قال في موضع ما إنه حينما كانت الوليمة مستعدة أرسل عبدًا ليدعو المدعوين إلى العشاء ويجمع أولئك الذين دعوا، ولكنهم بواسطة أعذار زائفة متنوعة لم يأتوا. حينئذ يقول الإنجيل إ إنَّ الرب تكلم إلى العبد قائلاً ” اُخرج إلى الطرق والسياجات وألزمهم بالدخول حتى يمتلئ بيتي” (لو14: 23). فما هو إذًا معنى دعوة الناس من السياجات – وذلك كما لو كان بالقوة – إن لم يكن هو المعنى المشار إليه هنا؟ (أي بواسطة الضيقات) فإإن الكوارث التي تفوق الاحتمال تؤدي بالناس أحيانًا إلى بؤس شديد, وعندما يلقون عناية ومساعدة من أولئك الذين يتقون المسيح، فإنهم بذلك يرشدونهم إلى الإيمان به ومحبته, وإذ يُُفطَمون من ضلالهم السابق الذي تسلموه من آبائهم، فإنهم يَقبلون كلمة الإنجيل المخلِّّصة. ونحن نؤكد  أنَّ مثل أولئك هم الذين يُدعَوْن من السياجات, فإإنهم بالحقيقة أكثر عظمة وجدارة بالمديح حينما يكون الانسحاب من الضلال السابق والإسراع إلى الحق هو ثمرة الإرادة الحرة. ومثل هؤلاء التائبين إذ يجمعون تأكيدات إيمانهم من الكتب المقدسة ويتمتعون بالتعليم من الرجال المهرة في إدخال الناس إلى الأسرار، سوف يتقدمون إلى الأمام إلى إيمان صحيح وبلا لوم. أما أولئك الآخرون الذين يشتعلون – ـ إذا استعملنا هذا التعبير – ـ بالأخبار والاضطرابات التي تقابلهم، لكي يعترفوا بالحق، هم ليسوا متساوين مع السابقين، ولكن حينما يدخلون ينبغي أن يكونوا حريصين أن يدوموا ثابتين، ويهربون من تقلب الطيش، لأنه من واجبهم أن يحتفظوا بإيمان غير متزعزع لئلا يوجدوا عمالاً مرفوضين وضعفاء ومرتدين بعد الختم[1]، ويكونوا جبناء وخائفين بعد أن حملوا السلاح. فدعهم لا يرجعون مسرعين إلى أعمالهم السابقة لئلا يقال عنهم ما تحدث به ِأحد الرسل القديسين “ لأنه كان خيرًا لهم لو لم يعرفوا طريق البر, من أنهم بعدما عرفوه يرتدون عن الوصية المقدسة المسلَّمة لهم. قد أصابهم ما في المثل الصادق: كلب قد عاد إلى قيئه وخنزيرة مغتسلة إلى مراغة الحمأة” (2بط 2: 21، 22).

ولكي لا يطول بنا هذا الحديث دعونا نعود إلى موضوعنا الأصلي. فيايرس يقترب حينئذ، ولكننا ننكر أن مجيئه كان ثمرة إرادة حرة، بل بالحري  فإإن الخوف من الموت هو الذي جعله يتصرف ضد إرادته. فإإن الموت بدأ يهاجم ابنته فعلاً وكانت ابنة وحيدة له، فقد جعل شهوة كلماته الرديئة وأفكاره كلا شيء, فهو الذي كثيرًا ما حاول أن يتهجم على المسيح لإقامته الميت من القبر, والآن يسأل منه أن يُبطل الموت. ولكي يظهر إذًا أنَّ أخلاقه خشنة ورديئة ولكي يتوبخ عن ذلك بالأعمال نفسها، فإإن المسيح يصحبه ويلبي طلبه.

ولكن كان هناك نوع من التصرف الحكيم فيما حدث. فلو أنَّ المسيح لم يلبِِّ طلبه للنعمة فإإنه هو وكل من يعاني تحت نفس الجهل مثله, أو بالحري يعاني من نقص الفهم الحسن,، كان يقول إ أنَّ المسيح لم يكن قادرًا أن يقيم الفتاة، ولا أن يطرد الموت منها حتى لو كان قد ذهب إلى المنزل، وأنه كان إذًا بدون قوة ولا يستطيع أن يُتمِّم المعجزة الإلهية، وأنه جعل عدم رضاه عن يايرس حجة للابتعاد بعيدًا. ولذلك لكي يوقف أفكار اليهود النجسة والجامحة, ويلجم ألسنة أشخاص عديدين هم على استعداد لاصطياد الأخطاء، فإإنه يوافق في الحال, وبعد أن يقيم الفتاة التي كانت في خطر، وقد اتبع الوعود بالتتميم لكي لا يكون لهم عذر في عدم الإيمان من جهتهم، ولكي تكون هذه المعجزة مثل غيرها لدينونتهم، لأن المسيح أيضًا قال عنهم ” لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالاً لم يعملها أحد غيري لم تكن لهم خطية، وأما الآن فقد رأوا وأبغضوني أنا وأبي” (يو15: 24), حينئذ ذهب المخلِّص ليقيم الصبيَّة، ولكي يغرس في سكان الأرض الرجاء الأكيد بالقيامة من الموت.

شفاء نازفة الدم:

ولكن بينما كان في منتصف الطريق فإن معجزة أخرى شبيهة بالسابقة حدثت بطريقة عجيبة، فقد كانت هناك امرأة مصابة بنزف دم, وهو مرض شديد وردئ لم يخضع لمهارة الأطباء وفشلت فيه كل العلاجات البشرية, لأنها لم تقدر أنَّ تُشفى من أحد، رغم أنها أنفقت كل معيشتها على أولئك الذين وعدوا أن ينقذوها من مررضها, لذلك حينما فقدت المرأة البائسة كل ررجاء في البشر، وتعيش الآن في بؤس تام, فإإنها فكّرت في خطة حكيمة, لأنها لجأت إلى الطبيب الذي من فوق من السماء, باعتباره هو الذي يستطيع بسهولة وبدون جهد أن يحقق تلك الأشياء التي تفوق قوتنا. وأي شيء يقرره مهما كان فهو يتممه ولا يوجد ما يستطيع مقاومته.

إن إيمانهها بهذا ربما جاء بمناسبة رؤيتها ليايرس وهو يأخذ يسوع معه إلى بيته ليتبرهن أنه أقوى من الموت، بإنقاذ ابنته من رباطات الموت التي لا فكاك منها, لأنها ربما فكرت داخل نفسها، أنه إ إن كان هو أقوى من الموت، وهو محطِّم الفساد فكم بالأكثر يستطيع أيضًا  أن يشفيها من المرض الذي أصابها ويغلق بقوته الفائقة ينابيع نزف دمها! لذلك اقتربت منه ولمست هدب ثوبه، ولكن سرًّا وليس علانية، لأنها كانت تأمل ِألا يلاحظها أحد، وكما لو كانت، تريد أن تسرق الشفاء من واحد دون أن يعلم ذلك. ولكن أخبروني لماذا كانت المرأة حريصة  ألا يلاحظها أحد؟ لماذا لم تقترب من المسيح بجرأة أكثر من ذلك الأبرص وتسأل الشفاء من مرضها غير القابل للشفاء؟ لأن الأبرص قال “يا سيد إن أردت تقدر  أن تطهرني” (لو 5: 12). ولماذا لم تفعل مثل الأعميان اللذان حينما عبر بهما المسيح صرخا قائلين ” ارحمنا يا سيد يا ابن داود؟” (مت20: 30) فما الذي جعل تلك المريضة ترغب أن تظل مختفية؟ ذلك بسبب  أنَّ ناموس موسى الحكيم ينسب النجاسة لأي امرأة تعاني من نزف الدم، ويدعوها نجسة, والتي تكون نجسة لا ينبغي أن تلمس أي شيء طاهر، ولا تقترب من أي إنسان مقدس. لهذا السبب كانت المرأة حريصة أن تظل مختفية، لئلا ببتعدييها الناموس تتعرض للعقاب الذي يفرضه.. وحينما لمست المرأة هدب ثوبه فإإنها شُفِيَت في الحال ودون تأخير.

ولكن المعجزة لم تظل خافية، لأن المخلص رغم أنه يعرف كل الأشياء سأل كما لو كان لا يعرف قائلاً ” مَنْ لمسني؟” وحينما قال له الرسل القديسون ” الجموع مضيقون عليك ويزحمونك“. فإنه يضع أمامهم ما قد حدث قائلاً: ” مَنْ لمسني لأني علمت أنَّ قوة قد خرجت مني“، فهل إذًا لأجل محبة المجد لم يسمح الرب لهذه المعجزة الإلهية التي حدثت للمرأة أن تظل مختفية؟ حاشا أن نقول هذا, بل بالحري  لأنه دائمًا يضع في اعتباره منفعة أولئك الذين يدعون إلى النعمة بواسطة الإيمان. إن إخفاء المعجزة كان سييكون ضضارًا لكثيرين، ولكن بإعلانها قد ولكنأأفادتهم بدرجة غير قليلة، وخصوصًا رئيس المجمع نفسه،, لأنها أعطت ضمانًا للرجاء الذي كان يتطلع إليه، وجعلته يثق يثق ببيقين أن المسيح سينقذ ابنته من رباطات الموت أنَّ المسيح سيُنقِذ ابنته من رباطات الموت.

ولكن هذه المعجزة هي موضوع مناسب لإعجابنا، لأن تلك المرأة أُُنقِذَت، إذ قد تحررت من حالة معاناة مرة جدًّا وغير قابلة للشفاء، وبذلك فنحن نحصل على يقين أكيد أنَّ عمانوئيل هو الله نفسه. كيف وبأي طريقة؟ من حادثة المعجزة نفسها، ومن الكلمات التي تكلم بها بكرامة إلهية، لأنه قال “لأني علمت أنَّ قوة قد خرجت مني” ولكن هذا يعلو على مستوانا البشري, ربما حتى مستوى الملائكة أن تـرسل أية قوة من طبيعتها الخاصة بشيء من ذاتها.  إنَّ مثل هذا الفعل هو صفة مناسبة فقط للطبيعة التي هي فوق الكل, والأعلى من الكل, لأن كل كائن مخلوق مهما كان يُمنَح قوة سواء للشفاء أو ما يماثل ذلك, لا يملك هذه الثمرة من ذاته، بل كشئ معطَى له من الله. لأن المخلوق كل الأشياء هي معطاة له وتتم فيه. ولكن من ذاته لا يستطيع أن يفعل شيئًا. لذلك، كإله قال “ علمتُ أنَّ قوة قد خرجت مني “.

والآن قدَّمَت المرأة اعترافًا بما حدث, وقد تَرَكَت مع المرض الذي شُفِيَت منه الخوف أيضًا،, وهو الذي جعلها ترغب في أن تظل مختفية، أما الآن فقدد أعلنت المعجزة الإلهية، ولذلك حُسِبَت أهلاً لكلماته المطمئنة، ونالت تأكيدًا أنها بأنها لن تعانِ من مرضها بعد ذلك، لأن مخلّصنا المسيح قال لها ” يا ابنة إيمانك قد شفاك. اذهبي بسلام “.

وهذا أيضًا كان لمنفعة يايرس رغم أنه كان في الحقيقة درسًا قاسيًا. لأنه تعلم أنه لا العبادة الناموسية، ولا سفك الدم، ولا ذبح الماعز والثيران، ولا ختان الجسد، ولا راحة السبوت ولا أي شيء آخر من هذه الأمور المؤقتة والرمزية يستطيع أن يخلّص سكان الأرض.. الإيمان بالمسيح فقط يستطيع أن يعمل هذا, الذي بواسطته تبرر حتى إبراهيم المبارك، ودُعيَ خليل الله، وحُُسِبَ أهلاً لكرامات خاصة. وقد أُعطِيَت بركة الله أيضًا لأولئك الذين بحسب الموعد سيكونون أبناءه، أي لنا نحن، ” لأن ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون، ولا لأنهم من نسل إبراهيم هم جميعًا أولاد… بل أولاد الموعد يُحسبون نسلاً” (رو9: 6-8). إذًا هذه النعمة تختص بنا، لأننا قد نلنا التبني كأبناء لإبراهيم ” متبررين ليس بأعمال الناموس بل بالإيمان بالمسيح” (انظر غل2: 16)، الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس. إلى دهر الدهور آمين.

 

[1] أي يتراجعوا بعد أن خُتموا ختم الروح في المعمودية.

شفاء نازفة الدم – إنجيل لوقا 8 ج5 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد