انتهار الريح – إنجيل لوقا 8 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
انتهار الريح – إنجيل لوقا 8 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
انتهار الريح – إنجيل لوقا 8 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
(لو8: 22ـ 25) ” وَفِي أَحَدِ الأَيَّامِ دَخَلَ سَفِينَةً هُوَ وَتَلاَمِيذُهُ، فَقَالَ لَهُمْ: لِنَعْبُرْ إِلَى عَبْرِ الْبُحَيْرَةِ. فَأَقْلَعُوا. وَفِيمَا هُمْ سَائِرُونَ نَامَ. فَنَزَلَ نَوْءُ رِيحٍ فِي الْبُحَيْرَةِ، وَكَانُوا يَمْتَلِئُونَ مَاءً وَصَارُوا فِي خَطَرٍ. فَتَقَدَّمُوا وَأَيْقَظُوهُ قَائِلِينَ: يَا مُعَلِّمُ، يَا مُعَلِّمُ، إِنَّنَا نَهْلِكُ!. فَقَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيحَ وَتَمَوُّجَ الْمَاءِ، فَانْتَهَيَا وَصَارَ هُدُوُّ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيْنَ إِيمَانُكُمْ؟ فَخَافُوا وَتَعَجَّبُوا قَائِلِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ: مَنْ هُوَ هذَا؟ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ الرِّيَاحَ أَيْضًا وَالْمَاءَ فَتُطِيعُهُ“.
تعالوا بنا مرة أخرى لكن ببوق المرنم نصرخ عاليًا: ” نبارك الرب في كل وقت. في كل حين تسبحته في فمي” (مز34: 1). لأنه دائمًا يصنع أمورًا عجيبة. فرصًا كثيرة متقاربة تلي الواحدة الأخرى لأجل تسبيحه, وكل كلام يقصر عن أن يبلغ إلى قُوَّته، وإلى جلاله المرتفع جدًّا فوق الكل. فبالحقيقة أنَّ “مجد الرب يُغطي على الكلام” (أم25: 2س).
ولكن لا ينبغي أن ننسى المجد الواجب له واللائق به. بل بالحري ينبغي أن نسرع بفرح ونقدِّم مثل تلك الثمار كما يتناسب مع قوَّتها، لأنه بالتأكيد ليس هناك شيء يستطيع إنسان أن يؤكد أنه أفضل من التسبيح، حتى لو كان الذي نستطيع أن نقدِّمه قليلاً, لذلك تعالوا فدعونا نسبِّح المسيح مخلِّص الكل، دعونا ننظر علو قدرته، وجلال سيادته الإلهية.
لأنه كان يبحر مع الرسل القديسين عبر البحر أو بالحري بحيرة طبرية، فصارت عاصفة قوية غير متوقعة على السفينة، وارتفعت الأمواج عاليًا بتأثير الرياح، وامتلأ التلاميذ من خوف الموت، لأنهم خافوا خوفًا ليس بقليل رغم معرفتهم بالسباحة وقيادة السفن، ولم تكن تنقصهم الدراية باضطرابات الأمواج ولكنه بسبب عظمة الخطر فإن خوفهم الآن صار غير محتمل، ولم يعد لهم رجاء آخر للأمان سوى ذاك الذي هو رب القوات، المسيح. فأيقظوه قائلين يا معلم يا معلم خلِّصنا فإننا نهلك، لأن الإنجيلي يقول إإنه كان نائمًا. وأظهر أنَّ هذا كما يبدو قد حدث بهدف حكيم, لأنه ربما كما أتصور، يقول واحد لماذا ينام؟
وهذا نجيب عليه أنَّ الحدث كان مرتَّبًا ليكون جيدًا ومفيدًا، فربما كانوا لا يطلبون منه المساعدة في الحال حينما بدأت العاصفة تهز السفينة، بل كما لو كان حينما وصل الخطر إلى قمته ومخاوف الموت صارت تزعج التلاميذ لكي تظهر قدرة سيادته الإلهية أكثر في تهدئة البحر الهائج وانتهار ثورات الريح وتغيير العاصفة إلى هدوء. ولكي تصير الحادثة هكذا وسيلة لتقدم التلاميذ الذين كانوا يبحرون معه، لذلك قصد أن ينام. ولكنهم كما قلتُ أيقظوه قائلين خلصنا فإننا نهلك، انظروا هنا أرجوكم إيمان قليل متَّحد بإيمان، لأنهم يؤمنون أنه يستطيع أن يخلِّص وينقذ من كل شر أولئك الذين يدعونه, لأنه لو لم يكن لهم إيمان راسخ به فإنهم بالتأكيد لما سألوا منه هذا. ومع ذلك إذ لهم إيمان قليل فإنهم يقولون خلِّصنا فإننا نهلك لأنه لم يكن أمرًا ممكنًا, أو أمر يمكن أن يحدث لهم أن يهلكوا حينما يكونون مع ذلك الذي هو قادر على كل شيء, ثم كانت السفينة تهتز بشدة من عنف العاصفة وتكسُّر الأمواج وكان إيمان التلاميذ أيضًا يهتز مع السفينة كما لو كان بارتجاجات مماثلة.
ولكن المسيح الذي يمتد سلطانه على كل شيء قام حالاً، ومرة واحدة هدأ العاصفة ولجم ثورات الريح، وهدأ خوف التلاميذ وبذلك بالحري برهن بأعماله أنه هو الله، الذي ترتعد وترتجف أمامه كل المخلوقات والذي تخضع طبيعة الععناصر نفسها لإيماءاته، لأنه انتهر الريح. ويقول معلمنا مرقسإ إنَّ الطريقة التي تم بها الانتهار كانت بسلطان إلهي. لأنه يخبرنا أنَّ ربنا قال للبحر ” اسكت اِبكم” (مر4: 39). فماذا يمكن أن يكون أعظم من ذلك في الجلال؟ أو ما الذي يمكن أن يساوي سموه؟ فالكلام جدير بالله وكذلك قوة الأمر الذي أصدره، حتى أننا يمكن أن ننطق التسبيح المكتوب في المزامير “ أنت متسلط على كبرياء البحر، عند ارتفاع لججه أنت تسكتها” (مز89: 9). وهو نفسه أيضًا يقول في موضع ما بواسطة أحد الأنبياء القديسين “ لماذا لا تخشون يقول الرب؟ أو لا ترتعدون من وجهي؟ أنا الذي وضعت الرمل تخومًا للبحر، فريضة أبدية لا يتعداها” (إر5: 22). لأن البحر خاضع لإرادة ذلك الذي خلق كل الخليقة، وهو كما لو كان موضوعًا تحت قدمي الخالق، ويغيِّر تحركاته في كل الأوقات حسب مسرته الصالحة، مقدمًا الخضوع لإرادته الربانية.
لذلك حينما هدَّأ المسيح العاصفة فهو أيضًا حوَّل إيمان التلاميذ القديسين إلى الثقة. ـ هذا الإيمان الذي كان قد اهتز مع السفينة، لم يعُد المسيح يسوع يسمح له أن يكون فيه شك. وأعطى في داخلهم كما لو كان هدوءًا مسكتًا أمواج إيمانهم الضعيف. لأنه قال “أين إيمانكم”. ويؤكد إنجيلي آخر عنه أنه قال ” ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان” (مت 8: 26). لأنه حينما يحل الخوف من الموت بدون توقُّع، فإنه يزعج أحيانًا حتى العقل المؤسس جيدًا ويعرّضه إلى لوم قلة الإيمان. ويحدث مثل هذا التأثير أيضًا من أي اضطراب آخر يفوق احتمال أولئك الذين يُجرََّبون به.لأجل هذا السبب اقترب البعض مرة من المسيح وقالوا “ زِد إيماننا” (لو17: 5). لأن الإنسان الذي لا يزال معرّضًا للوم لأجل قلة الإيمان هو ناقص جدًّا عن ذاك الذي هو كامل في الإيمان. لأنه كما أنَّ الذهب يُُمتَحن في النار هكذا أيضًا يُمتحن الإيمان بالتجارب، ولكن عقل الإنسان ضعيف وهو يحتاج إلى القوة والمعرفة من فوق لكي يكون في حالة حسنة، ولكي يستطيع أنَّ يتخذ موقفًا راسخًا، ويكون قويًا، ويحتمل برجولة كل ما يحل به.
وهذا ما علَّمنا إياه المخلص قائلاً ” بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا” (يو15: 5).
ويعترف بولس الحكيم بنفس الأمر حيث يكتب ” أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني” (في4: 14).
لذلك فالمخلِّص أجرى معجزات محولاً بسلطانه الكامل العاصفة إلى هدوء، ومهدئًا الريح الثائرة إلى سلام مستقر… ولكن التلاميذ إذ اندهشوا من الآية الإلهية تهامسوا الواحد مع الآخر قائلين: ” مَنْ هو هذا فإنه يأمر حتى الريح والماء فتطيعه؟” فهل التلاميذ المبارَكين إذًا يقولون الواحد للآخر، “مَنْ هو هذا”، بسبب أنهم لا يعرفونه، ولكن ألا يكون هذا أمرًا غير معقول بالمرة؟ لأنهم عرفوا أنَّ يسوع هو الله، وهو ابن الله لأن نثنائيل أيضًا اعترف بوضوح ” يا معلم أنت ابن الله، أنت ملك إسرائيل” (يو1: 49). وبطرس أيضًا، ذلك المزكَّى من بين كل الرسل حينما كانوا في قيصرية فيلبس وسألهم المسيح جميعًا قائلاً “مَنْ يقول الناس أني أنا ابن الإنسان؟” (مت16: 13). فالبعض أجابوا ” قوم يقولون إيليا وآخرون إرميا أو واحد من الأنبياء“. حينئذ قدم بطرس اعترافًا بالإيمان صحيحًا وبلا لوم قائلاً ” أنت هو المسيح ابن الله الحي” (مت16:16). والمسيح مدحه لأنه تكلم هكذا، وكرَّمه بأكاليل، وحُسِبَ التلميذ مستحقًا لكرامات فائقة، فقد قال له ” طوبى لك يا سمعان بن يونا، لأن لحمًا ودمًا لم يُعلِن لك لكن أبي الذي في السموات” (مت16: 17). فكيف يستطيع بطرس وهو قد تعلم من الله ألا يعرف ذلك الذي قال عنه بوضوح إنه ابن الله الحي؟ فلم يكن التلاميذ إذًا بسبب جهلهم بمجده قد قالوا “من هو هذا؟” بل بالحري من اندهاشهم من عظمة قوته، ومن سمو عظمة سيادته التي لا تقارَن. لأن اليهود التعساء إما بسبب جهلهم التام بسر المسيح، وإما بسبب عدم إعطائه أي اعتبار لشرهم العظيم، وبخوه وألقوا عليه حجارة حينما قال إن الله أباه. لأنهم تجاسروا حتى أن يقولوا ” لماذا وأنت إنسان تجعل نفسك إلهًا؟” (يو10: 33). لأنهم لم يدركوا في ذهنهم عمق السر أنَّ الله كان في شكل منظور مثلنا، ورب الكل أخذ شكل العبد، والذي هو مرتفع جدًّا كان في حالة التواضع, والذي يفوق كل إدراك عقلي ويعلو على كل المخلوقات كان مثلنا نحن البشر. وإذ عرف التلاميذ هذا، اندهشوا من مجد لاههوته, وإذ أدركوا اللاهوت حاضرًا في المسيح، ومع ذلك رأوا أنه كان مثلنا، ومنظورًا في الجسد، فإنهم يقولون “مَنْ هو هذا“؟ بدلاً من أن يقولوا ما أعظمه! وما هي طبيعته! وبأي قوة عظيمة وسلطان، وجلال، يأمر حتى المياه والريح فتطيعه؟ ويوجد أيضًا كثير يستدعي الإعجاب لأولئك الذين يسمعونه، لأن الخليقة تطيع كل ما يأمر به المسيح، وأي عذر يمكن أنَّ ينفعنا، إذا لم نخضع نحن أيضًا لنفعل نفس الأمر؟ أو من يستطيع أن ينقذ من النار أو الدينونة ذلك الذي يعصى ويتقسَّى واضعًا كما لو كان عنق عقله المتعالي ضد أوامر المسيح، والذي قلبه من غير الممكن أن يلين؟ لذلك فمن واجبنا ونحن نفهم أنَّ كل تلك الأشياء التي أوجدها الله تتوافق تمامًا مع مشيئته، أن نصير نحن مثل بقية الخليقة ونتحاشى العصيان كأمر يقود إلى الهلاك. إذًا فلنخضع بالحري لذلك الذي يدعونا للخلاص، وللرغبة في الحياة باستقامة ولياقة أي أن نحيا إنجيليًّا، فإإنه بهذا سوف يملؤنا المسيح بالمواهب التي تأتي من فوق ومن ذاته، والذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور آمين.