شفاء عبد قائد المئة – إنجيل لوقا 7 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
(لو7: 1ـ10) ” وَلَمَّا أَكْمَلَ أَقْوَالَهُ كُلَّهَا فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ دَخَلَ كَفْر َنَاحُومَ. وَكَانَ عَبْدٌ لِقَائِدِ مِئَةٍ، مَرِيضًا مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ، وَكَانَ عَزِيزًا عِنْدَهُ. فَلَمَّا سَمِعَ عَنْ يَسُوعَ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ شُيُوخَ الْيَهُودِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَأْتِيَ وَيَشْفِيَ عَبْدَهُ. فَلَمَّا جَاءُوا إِلَى يَسُوعَ طَلَبُوا إِلَيْهِ بِاجْتِهَادٍ قَائِلِينَ: إِنَّهُ مُسْتَحِق أَنْ يُفْعَلَ لَهُ هذَا، لأَنَّهُ يُحِبُّ أُمَّتَنَا، وَهُوَ بَنَى لَنَا الْمَجْمَعَ. فَذَهَبَ يَسُوعُ مَعَهُمْ. وَإِذْ كَانَ غَيْرَ بَعِيدٍ عَنِ الْبَيْتِ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ قَائِدُ الْمِئَةِ أَصْدِقَاءَ يَقُولُ لَهُ: يَا سَيِّدُ، لاَ تَتْعَبْ. لأَنِّي لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي. لِذلِكَ لَمْ أَحْسِبْ نَفْسِي أَهْلاً أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ. لكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَيَبْرَأَ غُلاَمِي. لأَنِّي أَنَا أَيْضًا إِنْسَانٌ مُرَتَّبٌ تَحْتَ سُلْطَانٍ، لِي جُنْدٌ تَحْتَ يَدِي. وَأَقُولُ لِهذَا: اذْهَبْ! فَيَذْهَبُ، وَلآخَرَ: ائْتِ! فَيَأْتِي، وَلِعَبْدِي: افْعَلْ هذَا! فَيَفْعَلُ. وَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ هذَا تَعَجَّبَ مِنْهُ، وَالْتَفَتَ إِلَى الْجَمْعِ الَّذِي يَتْبَعُهُ وَقَالَ: أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ أَجِدْ وَلاَ فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَانًا بِمِقْدَارِ هذَا! وَرَجَعَ الْمُرْسَلُونَ إِلَى الْبَيْتِ، فَوَجَدُوا الْعَبْدَ الْمَرِيضَ قَدْ صَحَّ “.
إن الإنجيلي الحكيم يملأ عقولنا بدروس مقدسة ويسعى أن يلقى ضوءًا كثيرًا على ما يثبِّت إيماننا، فإن هذا هو موضوع أخباره التي يبشرنا بها بخصوص المسيح، ولذلك فإنه بطريقة مناسبة جدًّا نراه في إحدى المرات يقدِّم المسيح وهو يعلِّم الرسل القديسين أمورًا أعلى من الخدمة التي يفرضها الناموس، ويوضح لهم طريقًا جديدًا عن التصرف الذي يليق بالقديسين والذي لم يسلكه القدماء. وفي مرة أخرى يعرض لنا بطريقة جميلة جدًّا إظهار قوته الإلهية لكي يعرف بكل طريقة أن كلمة الآب الوحيد هو الله نفسه رغم أنه صار جسدًا، أي صار إنسانًا ويحمل كل الأشياء بكلمة قدرته (انظر عب1: 3)، ويتبرهن لنا ذلك من فحص ما هو مكتوب عنه.
وحينما أشبع الرسل القديسين بالتعاليم الكاملة جدًّا، ووضع أمامهم مائدة من الوصايا الإنجيلية ومزج لهم الخمر التي تفرح قلب الإنسان، وأخبرهم بوضوح تام عن الوسائل التي ينتصرون بها ويصيرون مستحقين للمديح، فإنه بعد ذلك ينحدر إلى كفر ناحوم وهناك أيضًا يعمل عملاً عظيمًا وعجيبًا، جديرًا بعظمة جلاله. هناك تحرك مسرح مجيد باندهاش عظيم، وكان المتفرجون فيه هم الملائكة والناس. لأن بينما إسرائيل ينال توبيخًا وهو لا يفهم كما أنه غير مستعد للإيمان نجد جمع الوثنيين مستعدًّا عمومًا للفهم والإيمان حتى أننا نرى المسيح يرفض بعدل عبده إسرائيل بينما هو يَقبل ويُكرم ويُكلل بنعمته أولئك الذين منذ القديم عبدوا المخلوق دون الخالق، والذين كانوا في الكآبة والظلمة وليست لهم معرفة الله، وأحنوا رقبة ذهنهم المستعبد إلى شر الشياطين.
إذًا فما هو الذي حدث، أو ماذا كانت المعجزة؟ كان هناك رجل تقي متميز بسمو سلوكه، وكان قائدًا لمائة من الجنود، وكان ساكنًا في وسط شعب كفر ناحوم وكان له عبد مخلص قد سقط مريضًا، وكما لو كان قد وصل إلى أبواب الموت وكل المظاهر تُبين أنه كان الآن قُرب النَفَس الأخير، وكان هذا العبد عزيزًا عنده، حتى أنه حزن حزنًا شديدًا. فأي علاج إذًا يمكن أن يجده لِما حدث، أو أية مساعدة يستطيع أن يحصل عليها لذاك الذي يرقد مريضًا؟ يقول الإنجيل: إنه سمع عن أمور يسوع، وهكذا يُرسل إليه ويطلب منه كمن يطلب من الله أمورًا تفوق طبيعة الإنسان وقدرته لأنه يطلب أن ذلك العبد الملقى مطروحًا في المرحلة الأخيرة من المرض، ينقذ من رباطات الموت. ومن أين إذًا عرف يسوع، وهو لم يكن بعد في عداد الذين آمنوا به؟ لأنه حتى ذلك الوقت كان واحدًا من الجماهير التي تسير في الضلال. ويقول الإنجيل إنه سمع الأمور الخاصة بيسوع، وحيث إنه بالتأكيد لم يسمع تعليمه الشخصي بالمرة ولا عرف كتابات موسى، ولا بحث في الكتب الإلهية، فإنه يمكن أن يكون قد وصل إلى الإيمان به فقط من مجرد سماعه ما يُشاع عنه، ولكنه إذ كان متيقنًا تمامًا أنه بمجرد فعل إرادته يستطيع أن يُتمِّم ما سأله منه فإنه يرسل مندوبين عنه من شيوخ اليهود.
وعند وصولهم إلى يسوع قدموا له طلبهم قائلين ” إنه مستحق أن يُفعل له هذا” يا لهذا الأمر العجيب! فإن أولئك الذين يشتمون مجد المسيح يسألونه أن يصنع آية! أولئك الذين رفضوا أن يؤمنوا به يسألونه أن يعرض أمام الناس الذين لم يؤمنوا بعد، يعرض أمامهم أعمالاً تقود إلى الإيمان. أخبرني بأي صفة تقترب بطلبك، هل أنت تعرف وتؤمن أنه يستطيع أن يعمل أشياء هي خاصة بالله؟ هل أنت مقتنع تمامًا أنه أمر يخص الجوهر الفائق، الذي هو فوق الكل (الله) أنه يستطيع أن يُحيي، وأن يخلِّص الناس من فخاخ الموت؟ إن كان كذلك فكيف تقول حينما ترى يسوع يصنع المعجزات “هذا الإنسان يخرج الشياطين ببعلزبول رئيس الشياطين” (مت12: 24)، وحينما شفى ذلك الرجل الأعمى من بطن أمه بأعجوبة وحصل على النور قلتم له: ” أعط مجدًّا لله، نحن نعلم أن هذا الإنسان خاطئ” (يو9: 24) فهل أنت إذًا تسأل هذا الخاطئ كما تُسميه أن يعمل عملاً إلهيًّا؟ أليس هذا جنونًا وغباوة تامة؟ ألا يكون أولئك الذين لم يكونوا قد آمنوا حتى الآن أفضل من أولئك الذين قد تعلموا من الناموس والأنبياء؟
أتريد أن ترى الحقيقة وأن هذا هو واقع الحال فعلاً، لاحظ ما يأتي: بَدَأ المخلِّص الآن يسير في طريقه إلى العبد المريض لكي يشفيه، ولكن قائد المئة أرسل إليه يقول: ” لا تتعب نفسك، بل قد كلمة فيبرأ غلامي“. لاحظوا إذًا أن شيوخ اليهود هؤلاء توسلوا إلى يسوع أن يذهب إلى بيت الذي طلب مساعدته، على اعتبار أنه لا يوجد طريقة أخرى لإقامة الذي كان مريضًا إلا بالذهاب إلى جواره، بينما الآخر، أي قائد المئة آمن أنه يستطيع أن يفعل ذلك حتى من مسافة بعيدة، وأن يُتمم الشفاء لمجرد ميل إرادته، إنه طلب الكلمة المخلِّصة والموافقة الحبيَّة والنطق الكلي القدرة، ولذلك فبعدل نال عبارة فائقة الجدارة، لأن يسوع قال: ” الحق أقول لكم إني لم أجد ولا في إسرائيل إيمانًا عظيمًا كهذا“. إذًا فالبرهان والتوضيح يأتي في الحال مما قد قلناه الآن، وشفى في نفس تلك الساعة ذلك الذي كان قبل قليل فريسة للموت، لأن الذي أراد إبطال ما كان حادثًا هو الله.
وكما قلت في بداية هذا الحديث فإن إسرائيل سقط من علاقته مع الله، وبدلاً منه دعا الله الأمم وأُدخِلوا، لأن لهم قلب أكثر استعدادًا للإيمان به، وهو الأمر المطلوب عن حق. وعن هذا يشهد المرنِّم الإلهي أيضًا حيث يقول عنه مرة: “ تميل أُذنك بسبب استعداد قلبهم” (مز9: 17س). وفي موضع آخر يقول ” كثُرت أمراضهم وبعد ذلك مضوا بسرعة” (مز15: 4س)، لأن كثيرة هي الخطايا المنسوبة لهم، والتي يعطيها بلطف اسم أمراض، لأنهم كانوا تائهين في الضلال ومذنبين بجرائم رديئة ليس بطريقة واحدة بل بطرق كثيرة، ولكنهم مضوا بسرعة إلى الإيمان، أي لم يكونوا مبطئين في قبول أوامر المسيح، بل بكل استعداد قبلوا الإيمان، ولذلك أُمسِكوا في شبكة المسيح. هو يعلمهم حيث يقول بواسطة أحد الأنبياء القديسين ” لأجل هذا انتظروني يقول الرب إلى يوم أقوم لأشهد، لأن حُكمي هو لجماعات الأمم” (صف3: 8س)، لأنه حينما قام المسيح من الموت، منح لأولئك الذين كانوا في الضلال ذلك الأمر الذي هو لأجل سعادتهم وخلاصهم، فقد أمر الرسل القديسين قائلاً: ” اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به” (مت28: 19).
لذلك فبالقرار المقدس والحكيم العادل لمخلصنا جميعًا المسيح، أكرم الأمم، ولكننا نرى إسرائيل مرفوضًا من محبته وعطفه، لأن ما هو الذي يقوله رئيس رعاة الجميع لهم بواسطة أحد الأنبياء القديسين؟ ” قد أعلنتُ يقول الرب أني لا أرعاكم، من يمُت فليمُت، ومن يضعف فليضعف والبقية فليأكل بعضها لحم بعض” (زك11: 9)، وأيضًا ” الله قد رفضهم لأنهم لم يسمعوا له فيكونون تائهين بين الأمم” (هو9: 17)، وأيضًا بصوت حزقيال النبي “هكذا يقول الرب: إني سأُبددهم بين الأمم وأُذريهم في الأراضي كلها” (حز12: 15)، وخذوا النتيجة الواقعية للأمور لإقناعكم وللإيمان بما هو مكتوب هنا، لأنهم متشردون وغرباء في كل أرض ومدينة، وهم لا يحفظون العبادة المرسومة من الناموس في نقاوتها ولا يخضعون ليقبلوا مجد وسمو الحياة الإنجيلية، بينما نحن الذين قد قبلنا الإيمان فإننا مواطنون مع القديسين ونُدعى أبناء أورشليم العليا في السماء، بنعمة الله التي تُكللنا، ونحن نؤكد أنه هو (المسيح) تكميل الناموس والأنبياء، ونعترف بمجده ونعجب به في صنعه للمعجزات، الذي به وله مع الله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور آمين.