شر إدانة الآخرين – إنجيل لوقا 6 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
شر إدانة الآخرين - إنجيل لوقا 6 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
شر إدانة الآخرين – إنجيل لوقا 6 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
(لو6: 41ـ45) ” لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟ أَوْ كَيْفَ تَقْدِرُ أَنْ تَقُولَ لأَخِيكَ: يَا أَخِي، دَعْنِي أُخْرِجِ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِكَ، وَأَنْتَ لاَ تَنْظُرُ الْخَشَبَةَ الَّتِي فِي عَيْنِكَ؟ يَا مُرَائِي! أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ. لأَنَّهُ مَا مِنْ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا رَدِيًّا، وَلاَ شَجَرَةٍ رَدِيَّةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا جَيِّدًا. لأَنَّ كُلَّ شَجَرَةٍ تُعْرَفُ مِنْ ثَمَرِهَا. فَإِنَّهُمْ لاَ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ تِينًا، وَلاَ يَقْطِفُونَ مِنَ الْعُلَّيْقِ عِنَبًا. اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشَّرَّ “.
لقد أوضح لنا الرب سابقًا أن إدانة الآخرين هي شر فظيع وهي خطر، وتُسبب دينونة نهائية، لأنه قال: ” لا تدينوا لكي لا تدانوا، لا تقضوا على أحد فلا يُقضى عليكم“. وهو الآن يحثنا بكلمات حاسمة أن نتجنب مجرد الرغبة في إدانة الآخرين، ويدعونا بالحرى أن نفحص قلوبنا الخاصة ونحاول أن نحررها من الشهوات التي تسكن فيها ومن ضعفاتها، وذلك بطلب هذا من الله، لأنه هو الذي يشفى المنكسري القلب ويحررنا من أمراض النفس، فهو يقول إن كنتَ أنت نفسك مريض بأمراض أكثر خطرًا وأكثر شدة من أمراض الآخرين فلماذا تهمل أمراضك وتبحث عن أخطاء الآخرين، وبينما أنت عندك خشبة في عينك، فإنك تبدأ اتهامًا ضد أولئك الذين عندهم قذى في عيونهم؟ أخبرني بأي جسارة تفعل أنت هذا؟ أنقِذ نفسك أولاً من جرائمك العظيمة، ومن شهواتك الجامحة، وعندئذ يمكنك أن تصلح من هو مذنب في مجرد أخطاء بسيطة.
هل تريد أن تنظر الأمر بصفاء ووضوح، إذ أنه أمر كريه جدًّا للناس أن تنغلب من هذا الشعور؟ كان ربنا يسوع يسير مرَّة في يوم سبت وسط الحقول وقطف التلاميذ المباركون بعض السنابل، وكانوا يفركونها بأيديهم ويأكلون الحبوب. ولكن بعض الفريسيين اقتربوا وقالوا، هوذا تلاميذك يفعلون ما لا يحل فعله في السبوت! ومع ذلك فهم أنفسهم كانوا مذنبين بطرق متنوعة في التعدي على الناموس كلية، لأن إشعياء النبي صرخ ضدهم قائلاً ” كيف صارت القرية الأمينة زانية. كانت ملآنة حقًّا، وكان العدل يبيت فيها وأما الآن فالقاتلون. صارت فضتك زغلاً، وتجارك يغشون الخمر بالماء، رؤساؤك متمردون وشركاء اللصوص، يحبون الرشوة، ويتبعون العطايا، لا يقضون لليتيم ودعوى الأرملة لا تصل إليهم” (إش1: 21ـ23س). ومع ذلك فهؤلاء الرجال أنفسهم الذين وجهت إليهم هذه التوبيخات الشديدة جدًّا، اتهموا التلاميذ بكسر السبت!
ولكن المسيح يوجه إليهم توبيخًا عادلاً ويقول لهم “ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تعشِّرون النعنع والشبت والكمون وتركتم أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان. وأيضًا ” أنتم الذين تُصفون عن البعوضة وتبلعون الجمل” (انظر مت32: 23، 24)، لأنه بينما كان تعليمهم عن أمور تافهة، وكانوا يدينون الناس على أمور حقيرة، فقد كان لهم من الوقاحة أن ينظروا إلى تلك الجرائم الثقيلة بلا اهتمام، ولهذا فإن المخلِّص دعاهم ” قبورًا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة” (مت23: 27). وهكذا هو كل مرائي. وحينما يلصقون أي اتهام بالآخرين الذين استسلموا لأي ضعف في أمور صغيرة، فإنهم يستحقون أن يقال لهم: ” أخرج أولاً الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدًا أن تخرج القذى من عين أخيك“.
لذلك فالوصية، لا غِنى عنها لكل من يريد أن يعيش بالتقوى، ولكن فوق الكل، لأولئك الذين قد اؤتمنوا على تعليم الآخرين. لأنهم كانوا صالحين وعاقلين ويحبون الحياة السامية، وليس مجرد أنهم يعلِّمون عنها، ولكنهم أيضًا يمارسون الفنون الفاضلة ويضعون بسلوكهم نموذج الحياة المقدسة. إن كانوا كذلك فإنهم يستطيعون بوجه مكشوف أن يوبخوا أولئك الذين لا يفعلون نفس الشيء لأنهم لم يتمثلوا بهم، ولا طبعوا أخلاقهم الفاضلة على نفوسهم. ولكن إن كانوا (أي المعلمين) مهملين وينخدعون بسرعة باللذات لفعل الشر، فكيف يمكنهم أن يلوموا الآخرين حينما يكونون هكذا؟ لذلك كتب التلميذ المبارك بحكمة قائلاً: “ لا تكونوا معلِّمين كثيرين يا إخوتي عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم” (يع4: 1). لأن المسيح، الذي هو موزع الأكاليل ويعاقب الذين يفعلون الشر، هو نفسه يقول “ من عمل وعلم فهذا يدعى عظيمًا في ملكوت السموات، أما من لم يعمل ولكنه علَّم يدعى أصغر في ملكوت السموات” (انظر مت5: 19).
ولكنني أستطيع أن أتخيل واحدًا يقول، كيف نستطيع أن نميِّز الإنسان الذي عنده خشبة في عينه وهو يلوم أولئك الذين عندهم قذى وهم ضعفاء جزئيًّا فقط؟ ولكن ليس هناك صعوبة في هذا لأنه يقول لكل من يريد، إنه يمكن أن يرى الأمر بسهولة إذ يقول ” لأنه ما من شجرة جيدة تصنع ثمرًا رديًّا ولا شجرة ردية تصنع ثمرًا جيدًا، لأن كل شجرة تُعرف من ثمرها“. لذلك فالحياة الفعلية لكل إنسان، هي التي تحدد ما هي أخلاقه، فإنَّ جمال الحياة المكرمة الحقيقية لا يوصف بمجرد الزينات الخارجية أو الفضائل الزائفة، بل بالأعمال التي يفعلها الإنسان، لأن هذه هي ثمار العقل الذي يختار حياة بلا لوم لأجل محبة التقوى، لذلك ينبغي أن نرى من هو الإنسان المقبول حقًّا ومن هو الذي ليس كذلك ليس بواسطة المظهر الخارجي بل بالأفعال. وأيضًا يقول المسيح ” احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة” (مت7: 15)، فانظروا أيضًا إن المسيح يوصينا أن نميز أولئك الذين يأتون إلينا ليس بثيابهم، بل بما هم عليه حقيقة. إنه يقول” بأن كل شجرة تُعرف من ثمارها“. لأنه كما أنه هو جهل وغباء أن نتوقع أن نجد الأنواع الجيدة من الثمار بين الأشواك مثل العنب أو التين، هكذا هو أمر سخيف بالنسبة لنا أن نتخيل أننا يمكن أن نجد في المرائين والنجسين أي شيء يستحق الإعجاب أو أي شيء نبيل. وأنا أعني أي شيء من الفضيلة.
هل تريد أن ترى حقيقة هذا الأمر ثانية؟ هل تريد أن ترى من هم الذئاب الذين يأتون بثياب حملان؟ إذًا فافحص كتابات الرسل القديسين واسمع ما يقولونه عن بعض الناس: ” لأنهم رسل كذبة، فعلة ماكرون يُغيِّرون شكلهم إلى شبه رسل المسيح، ولا عجب لأن الشيطان نفسه يُغيِّر نفسه إلى شبه ملاك نور. فليس عظيمًا إن كان خدامه أيضًا يغيرون شكلهم كخدام للبر” (2كو11: 13ـ15). هؤلاء يمكن أن نسميهم هم أشواك وعليق، ومثل هؤلاء لا يوجد فيهم أي جزء من الحلاوة، بل كل ما هو مر ومِن طبيعة شريرة، لأن التين لا ينمو من الأشواك ولن نجد بين الأشواك أى شئ مُفرِح، لأن العنب لا ينتج من العليق. إذًا ينبغي أن نعرف حقيقة المعلِّم ليس من المظاهر، بل من أعماله وحياته.
وهذا يتضح أيضًا بإعلان آخر يعلنه ربنا قائلاً: ” الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح“، أما من هو مختلف عن ذلك وقد صار عقله فريسة للاحتيال والخبث فإنه بالضرورة يُخرِج ما هو مخفي في أعماقه. لأن الأمور التي في العقل والقلب تغلب ويتقيأها الإنسان مع تيار الحديث المتدفق. لذلك فالإنسان الفاضل يتكلم بما يليق بأخلاقه، أما من هو غير مستحق وشرير فهو يتقيأ نجاسته الخفية. لذلك، فإن المسيح يعلّمنا كل ما هو لمنفعتنا، ويطلب من تلاميذه أن يكونوا حذرين من الخداع وساهرين وحريصين. لأجل هذا السبب هو يريهم الطريق المستقيم، ويكشف لهم الخداعات التي تقود إلى الشر، لكي عن طريق الهروب من العثرات وبالثبات والرسوخ في العقل وتجاوزهم خطر الخطية، فإنهم يصِلون بسرعة إلى المنازل العلوية ببركة المسيح، الذي به وله مع الله الآب التسبيح والربوبية مع الروح القدس إلى دهر الدهور آمين.