Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

اعتراض الكتبة والفريسيون – إنجيل لوقا 6 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

اعتراض الكتبة والفريسيون – إنجيل لوقا 6 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

اعتراض الكتبة والفريسيون – إنجيل لوقا 6 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

الأصحاح السادس

 (لو6: 1ـ2) ” وَفِي السَّبْتِ الثَّانِي بَعْدَ الأَوَّلِ اجْتَازَ بَيْنَ الزُّرُوعِ. وَكَانَ تَلاَمِيذُهُ يَقْطِفُونَ السَّنَابِلَ وَيَأْكُلُونَ وَهُمْ يَفْرُكُونَهَا بِأَيْدِيهِمْ.  فَقَالَ لَهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ: لِمَاذَا تَفْعَلُونَ مَا لاَ يَحِلُّ فِعْلُهُ فِي السُّبُوتِ؟“.

        إن الله وعد بعهد جديد إذ أن العهد الأول “عتق وشاخ وهو قريب من الاضمحلال” حسب كلمات بولس الإلهي (عب8: 13). نعم إنه يقول بواسطة أحد الأنبياء القديسين    “ ها أيام تأتي يقول الرب حين أكمَّل مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا، لا كالعهد الذي عملته مع آبائهم، يوم أمسكتُ بيدهم لأخرجهم من أرض مصر” (إر31: 31، 32 س). فإن كان العهد الجديد هو الثاني ويختلف عن الأول، فإنه تكون هناك كل الضرورة بالنسبة لأولئك الذين يريدون أن يعيشوا حسب العهد الجديد، أن يتخلوا عن النواميس القديمة وينسجموا مع تلك التي تقودهم إلى جدَّة حياة الإنجيل. ولكننا يمكن أن نرى أن كل هذا لا يفهم منه الكتبة والفريسيون شيئًا، ولكونهم معدمين تمامًا من معرفة الكتب المقدسة، فلم يكن لديهم سوى غرض واحد، وهو أن يجدوا في كل فرصة لومًا على الكرازة الإلهية السماوية. فهم لذلك يراقبون الرسل القديسين في ملازمتهم واتِّباعهم لمخلصنا جميعًا، ويخبرونه عنهم قائلين: ها نحن نرى أولئك الذين يتتلمذون تحت يديك، يفعلون ضد تعاليم الناموس، لأنهم يفعلون ما لا يحل فعله في السبوت، فبينما يوصى الناموس الناس ألاَّ يعملوا عملاً في يوم السبت، ولا يتدخلوا في أي عمل كان، فإن التلاميذ يفركون سنابل القمح بأيديهم.

          ولكن أخبـِرني أنت نفسك، ألست تكسر الخبز حينما تجلس للأكل يوم السبت؟ فلماذا إذًا تلوم الآخرين، ولكن لكي نستعمل ضدهم متراس كلمات المخلص فلننصت.

 

(لو6: 3ـ5) ” فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: أَمَا قَرَأْتُمْ وَلاَ هذَا الَّذِي فَعَلَهُ دَاوُدُ، حِينَ جَاعَ هُوَ وَالَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ؟ كَيْفَ دَخَلَ بَيْتَ اللهِ وَأَخَذَ خُبْزَ التَّقْدِمَةِ وَأَكَلَ، وَأَعْطَى الَّذِينَ مَعَهُ أَيْضًا، الَّذِي لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ إِلاَّ لِلْكَهَنَةِ فَقَطْ وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضًا

          والآن رغم أن داود تصرف هكذا عكس ما يسمح به الناموس، ألا أننا نوقره جدًا بحق وعدل ونعتبره مستحقًّا كل إعجاب، لأنه كان بالحق قديسًا ونبيًّا. لذلك حيث إن ناموس موسى يأمر بوضوح قائلاً: “ احكموا حكمًا عادلاً، ولا تنظروا إلى الوجوه في القضاء” (تث1: 16) فكيف (يقول الرب) تدينون تلاميذي، بينما أنتم لا تزالون معجبين بداود المبارك كقديس ونبي، رغم أنه لم يحفظ أمر موسى؟ ولكن الرب بخبز التقدمة يشير بوضوح إلى الخبز الذي ينزل من السماء لكي يوضع على الموائد المقدسة في الكنائس، وكل أثاث المائدة المستعملة لتأدية الخدمة السرية، كان مثالاً واضحًا للكنوز الإلهية. ولكن الخبز يشير أيضًا إلى الرسل الاثنى عشر، الذين سنتكلم عنهم في الوقت المناسب حينما يصل حديثنا إلى الكلام عن التلاميذ أنفسهم.

ولكن الله يقول: ” إني أريد رحمة لا ذبيحة، معرفة الله أكثر من محرقات” (هو6:6).

   ما هو المقصود برحمة؟ والمقصود بذبيحة؟ إن رحمة تشير إلى التبرير والنعمة في المسيح التي هي بواسطة الإيمان، لأننا تبرَّرنا ليس بأعمال الناموس التي عملناها، بل برحمته العظيمة. والذبيحة تعني ناموس موسى.

 

(لو6:6ـ 8) ” وَفِي سَبْتٍ آخَرَ دَخَلَ الْمَجْمَعَ وَصَارَ يُعَلِّمُ. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَدُهُ الْيُمْنَى يَابِسَةٌ، وَكَانَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ يُرَاقِبُونَهُ هَلْ يَشْفِي فِي السَّبْتِ، لِكَيْ يَجِدُوا عَلَيْهِ شِكَايَةً. أَمَّا هُوَ فَعَلِمَ أَفْكَارَهُمْ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَدُهُ يَابِسَةٌ: قُمْ وَقِفْ فِي الْوَسْطِ. فَقَامَ وَوَقَفَ “.

          كان تعليمه عن أشياء سامية للعقل، وما يجعل طريق الخلاص الذي انفتح بواسطته واضحًا لسامعيه، وفي الحال بعد تعليمه أظهر قوَّته الإلهية بعد أن مهَّد بالكلمات الطريق إلى الإيمان. لأن المعجزة أحيانًا تحوِّل إلى الإيمان أولئك الذين لم يؤمنوا بالكلمة. ولكن الفريسيين كانوا يراقبونه ليروا إن كان سيشفى في السبت، فإن هذه هي طبيعة الإنسان الحسود، أنه يجعل حسنات الآخرين طعامًا لمرضه، ويكاد يصاب بجنون بسبب شهرتهم. فماذا قال عن هذا، ذلك الذي يعرف كل الأشياء، ويفحص القلوب وما هو في الأعماق؟ لأن “عنده يسكن النور” كما يقول الكتاب (دا 2: 22). تكلم الرب إلى الرجل الذي يده يابسة وقال قُم وقف في الوسط. ولماذا فعل هذا؟ ربما لكي يحرك الفريسي القاسي الذي لا يشفق نحو العطف والشفقة، فربما يخجلهم مرض ذلك الرجل، ويستحثهم أن يبعدوا نيران الحسد.

 

(لو6: 9، 10) ” ثُمَّ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: أَسْأَلُكُمْ شَيْئًا: هَلْ يَحِلُّ فِي السَّبْتِ فِعْلُ الْخَيْرِ أَوْ فِعْلُ الشَّرِّ؟ تَخْلِيصُ نَفْسٍ أَوْ إِهْلاَكُهَا؟. ثُمَّ نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى جَمِيعِهِمْ وَقَالَ لِلرَّجُلِ: مُدَّ يَدَكَ. فَفَعَلَ هكَذَا. فَعَادَتْ يَدُهُ صَحِيحَةً كَالأُخْرَى “.

          هذا السؤال الذي سأله الرب هو في الحقيقة حكيم جدًّا. وهو مناسب جدَّا لمواجهة حماقتهم، لأنه إن كان يحل فعل الخير في السبت، وليس هناك ما يمنع أن يشفق الله على المريض، فكفوا إذًا عن تصيُّد الفرص لتجدوا شيئًا ضد المسيح. فإنكم بذلك تُـنزلون على رؤوسكم العقاب الذي قرره الآب على أولئك الذين لا يكرمون الابن، لأنكم قد سمعتم الله يقول عن الابن بصوت داود “وسأقطع أعداءه من أمام وجهه، وأضرب أولئك الذين يبغضونه” (مز89: 3). ولكن إن كان لا يحل فعل الخير في السبت، وإن كان الناموس يمنع تخليص النفس، فقد جعلتم أنفسكم ديَّانين للناموس، وصرتم مفترين على الوصية التي من أجلها تستحق خدمة موسى الإعجاب. إن الرب يجيب قائلاً لا، إن إله الكل لم يوصِ بناموس السبت لأجل نفسه، بل بالحرى لأجلنا نحن الذين انحنت رقابنا تحته. أنتم تقولون حسنًا نحن نوافق على كلماتك، لذلك فإن ما هو إلهي يكون حرًّا من إجبار الناموس.

 

          فلماذا إذًا تلومون المسيح لأنه أراد أن يظهِر رحمة في السبت ويُنقذ نفسًا حية؟ وإن أردنا أن نفحص بدقة الناموس الموضوع بخصوص السبت، فسنجد أنَّه موضوع من الله لأجل أغراض الرحمة. لأنه أَمَر ألا نعمل عملاً في السبت ونترك كل مجهود، بل وحتى الحيوانات غير العاقلة يجب أن تستريح في نفس الوقت. لأنه قال: أن يستريح عبدك، وأمتك، وثورك، وحمارك وكل بهائمك (انظر تث5: 4). ولكن الذي عنده رحمة على الثور والحيوانات الأخرى كيف لا يشفق في السبت على إنسان مصاب بمرض شديد غير قابل للشفاء؟

 

(لو 6: 11) ” فَامْتَلأُوا حُمْقًا وَصَارُوا يَتَكَالَمُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَاذَا يَفْعَلُونَ بِيَسُوعَ “.

          ألم تكن المعجزة كافية لكي تنتج إيمانًا؟ أنتم ترونه يعمل بكرامة إلهية، ويشفي المرض بقوة عظيمة، أمَّا أنتم فتشتغلون بالقتل الناتج عن حسدكم وشركم.

 

 (لو6: 12) “وفي تلك الأيام خرج إلى الجبل ليصلي وقضى الليل كله في الصلاة لله“.

          كل ما فعله المسيح، فعله لأجل بنياننا، ولأجل منفعة أولئك الذين يؤمنون به، وعن طريق تعريفنا بسلوكه الخاص كنموذج للحياة الروحية، فإنه جعلنا عابدين حقيقيين، لذلك دعنا نرى في النموذج والمثال الذي تُزودنا به أعمال المسيح، نرى الطريقة التي ينبغي أن نقدم بها صلواتنا إلى الله. فيجب أن نصلي سرًّا وفي الخفاء، دون أن يرانا أحد. فهذا هو معنى ذهاب يسوع إلى الجبل وحده ليصلِّي لوقت طويل بتمهُّل، وهذا ما علَّمه هو نفسه لنا بقوله “وأنت متى صليت فادخل مخدعك” (مت6:6). لأننا ينبغي أن نصلي غير طالبين مجدًا من الناس، بل ” رافعين أيادي مقدسة” (انظر1تي2: 8). بينما النفس كما لو كانت ترتفع عاليًا للتأمل في الله، تاركين كل اضطراب ومتخلين عن الهموم العالمية. وهذا ينبغي أن نفعله لا بتقلب، ولا بهمة متوانية ضعيفة، بل بالعكس بجدية وغيرة، وبصبر يستحق التقدير، لأنك قد سمعت من الإنجيل هنا، أن يسوع لم يصلِّي فقط بل أنه أيضًا قضى الليل كله في الصلاة.

          ولكن ربما أن عدو الحق لن يحتملنا ونحن نتكلم هكذا، لأنه يقول [ إنه يصلي ويطلب من الآب ما ليس عنده، فكيف تقولون إذًا إنه من نفس جوهر الآب ومساوٍ له في كل شيء، وإنه لا يختلف عنه في أي شيء؟ ]. ” لأنه بدون كل مشاجرة الأصغر يبارَك من الأكبر” (عب7:7). وبالتأكيد فإن الذي يعطي هو أعظم من الذي يسأل لينال شيئًا. فأولئك الذين يقبلون الإيمان الصحيح دعهم يعلِّموننا قبل كل شيء ما هي الأشياء التي يتصورون أن الابن محتاج إليها؟ وما هو الذي يسعى ليحصل عليه باعتباره لا يملكه بعد؟

          إن الابن هو النور الحقيقي، وهو الحياة بطبيعته الخاصة، وهو علَّة الحياة، وهو أيضًا رب القوات، هو الحكمة والبر، هو خالق الكون وصانعه، وهو أعلى من كل الأشياء التي أتت إلى الوجود، هو ملك الكون، هو مدبر السماء والأرض، هو المعطي مع الله الآب لكل بركة. وهذا يمكن أن تتعلمه مما كتبه بولس المبارك: “ نعمة لكم وسلام من الله أبينا وربنا يسوع المسيح” (رو1: 7). وهو ظاهر بوضوح فوق العرش في الأعالي وتمجده كل الخلائق العقلية. وبحسب هذا فهو بالطبيعة وارث لكل الكرامات الإلهية الخاصة بالله الآب، ولذلك تحدَّث إليه قائلاً له: ” وكل ما هو لي فهو لك، وما هو لك فهو لي، وأنا ممجد فيهم” (يو17: 10)، ولكن ذلك الذي له كل ما يخص الله الآب كما يخصه، هل يكون محتاجًا إلى شيء بعد؟ ولكن إن كان حسب قولهم محتاجًا إلى أي شيء، وهم يؤكدون أن هذا صحيح، فليس هناك ما يمنعنا من القول إن الآب نفسه يكون محتاجًا إلى هذا الشيء، لأنه إن كان كل ما للابن هو للآب، وكان هناك شيء ما يحتاج إليه الابن، لذلك ينبغي أن الآب أيضًا يكون في نفس الحال مثله، لأن كل ما للابن هو للآب. ولكن الآب هو كامل تمامًا ولا ينقصه أي صلاح بالمرة مما يناسب الألوهية، لذلك فالابن أيضًا هو كامل تمامًا، لأن له كل ما للآب، إذ هو صورة الآب ورسم جوهره، ولكن الرسم يظهر فيه الأصل تمامًا، والرسم موجود بكليته في الأصل. وهذا يكفي فيما يخص هؤلاء.

          وأولئك أيضًا الذين انخدعوا بخطب نسطوريوس الفارغة، يقولون إنه غير مناسب بالمرة للابن باعتباره الله بالطبيعة أن يصلي، وأن هذا بالحرى (أي الصلاة) يخص الإنسان المرتبط معه بطريق الاتصال[1] به أي ذلك الإنسان الذي هو من نسل داود، فهذا الإنسان الذي من نسل داود هو الذي قدم الصلاة. فماذا نجيب على هذا الكلام؟ نقول إنهم بذلك يجهلون تمامًا سر تجسد الابن الوحيد. تذكروا يوحنا الإنجيلي المبارك الذي يقول: ” والكلمة صار جسدًا” (يو1: 14)، وعن هذا أعطانا بولس الكلي الحكمة برهانًا واضحًا بقوله عنه ” لأنه ليس يمسك الملائكة بل يمسك نسل إبراهيم، من ثم كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء لكي يكون رحيمًا ورئيس كهنة أمينًا في ما لله حتى يكفر خطايا الشعب” (عب2: 16، 17). فعلى أي أساس يُخرِج نسطور خارج نطاق الطبيعة البشرية ذاك الذي رغم أنه مولود ولادة إلهية ككلمة الله الآب، إلا أنه وضع نفسه إلى الإخلاء، حتى يصير أخًا لنا بأن صار مثلنا، ومشابهًا لسكان الأرض في كل شيء ما عدا الخطية وحدها؟ لأنه إذ صار مثلنا فإنه من غنى لطفه ومحبته لجنس البشر فإنه لا يزدري بالأمور البشرية، بل يضع أمامنا تصرفه كمثال للصلاح التام، لكي كما سبق أن قلت نكون جادين في اتباع خطواته.

 (لو6: 13ـ16) ” وَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ دَعَا تَلاَمِيذَهُ، وَاخْتَارَ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِينَ سَمَّاهُمْ أَيْضًا رُسُلاً: سِمْعَانَ الَّذِي سَمَّاهُ أَيْضًا بُطْرُسَ وَأَنْدَرَاوُسَ أَخَاهُ. يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا. فِيلُبُّسَ وَبَرْثُولَمَاوُسَ. مَتَّى وَتُومَا. يَعْقُوبَ بْنَ حَلْفَى وَسِمْعَانَ الَّذِي يُدْعَى الْغَيُورَ. يَهُوذَا أَخَا يَعْقُوبَ، وَيَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ الَّذِي صَارَ مُسَلِّمًا أَيْضًا“.

 

          إن ربنا يسوع المسيح، إذ قد قضى الليل في الصلاة، وقد تحدَّث مع أبيه في السماء بطريقة لا يمكن التعبير عنها وتفوق قدرتنا على الفهم وهي معروفة له وحده، وبذلك جعل نفسه مثالاً لنا في أمر ضروري لخلاصنا، لأنه علَّمنا بأية طريقة يمكننا نحن أيضًا أن نقدِّم صلواتنا بطريقة سليمة وبلا لوم. وبعد ذلك نـزل من الجبل واختار أولئك الذين سيصيرون معلمي العالم، بحسب الكلمات التي نطق بها: ” أنتم نور العالم“. وقد تنبأ داود المبارك أيضًا عن هذا الاختيار للرسل القديسين وكأنه يوجِّه الحديث للمسيح: ” سوف تقيمهم رؤساء على سائر الأرض، وسوف يذكرون اسمك جيلاً بعد جيل” (مز45: 16)، لأنهم في الحقيقة حينما كانوا في الجسد ذكروا مجد المسيح مبشِّرين بسرِّه في المدن والقرى، والآن بعد أن انتقلوا إلى المنازل العلوية فإنهم لا يزالون يتحدثون إلينا عنه بواسطة البشائر التي سجلوها عنه.

 

          إنَّ أولئك الذين اختيروا كهنة حسب ناموس موسى، أعني هرون ورفاقه صاروا مبهجين للحواس بواسطة الثياب المناسبة لكرامتهم الكهنوتية، أما التلاميذ الإلهيون فإذ قد تزينوا بالمواهب الروحية، فإنهم استؤمنوا على خدمة الإنجيل. فقد قال لهم: ” اشفوا مرضى، اخرجوا شياطين، طهروا برصًا، أقيموا موتى” (مت8:10)، وهكذا إذ توشحوا بقوة المسيح، فقد ملأوا العالم كله دهشة. ولكن لاحظوا اعتدال البشير، فإنه لا يقول فقط أن الرسل القديسين قد اختيروا، بل أنه بالحرى يسجل أسماءهم واحدًا واحدًا، وهو بذلك يحترس لكي لا يدع فرصة لأحد أن يقحم اسمه في شركة أولئك الذين قد اختيروا، لأنه كما يقول بولس ” لا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه بل المدعو من الله” (عب5: 4)، ورغم أن الرسل القديسين قد دُعوا بالاسم إلى هذه الكرامة العظيمة والعالية، إلا أنه من وقت إلى آخر كان يقوم بعض الناس الذين وصلوا إلى درجة من الجنون والتهور حتى أن يسموا أنفسهم رسلاً للمسيح ويحاولون أن يغتصبوا كرامة لم تعطَ لهم. عن هؤلاء يقول الرسول ” لأن مثل هؤلاء هم رسل كذبة، فعلة ماكرون، مغيـِّرون شكلهم إلى شبه رسل المسيح، ولا عجب، لأن الشيطان نفسه يغـِّير شكله إلى شبه ملاك نور. فليس عظيمًا إن كان خدامه أيضًا يغـيرون شكلهم كخدام للبر” (2كو11: 13ـ15).

          ولكننا لا نعرف ولن نقبل أي شخص سوى أولئك المذكورين في الكتابات الإنجيلية، ومعهم ذلك الذي اختير بعدهم أعني بولس الكلي الحكمة، الذي شهد له المخلِّص نفسه أيضًا قائلاً: ” لأن هذا إناء مختار لي ليحمل اسمي أمام الأمم” (أع9: 15).

          الناموس يشير إليهم بالرمز، والأنبياء يتنبأون عنهم. فمثلاً مكتوب في كتب موسى “وتأخذ دقيقًا وتخبزه اثنى عشر قرصًا، وتجعلها صفَّين كل صف ستة على المائدة الطاهرة أمام الرب، وتجعل على كل صف لبانًا نقيًا وملحًا فيكون للخبز تذكارًا وقودًا للرب” (لا24: 5ـ7). لأن الخبز الذي نزل من السماء ويعطى الحياة للعالم، لا يمكن أن يكون آخر سوى المسيح مخلِّص العالم. وتمثلاً به فإن التلاميذ المباركين يسمون أيضًا خبزات، لأنهم إذ قد صاروا مشاركين له؛ هو الذي يطعمنا للحياة الأبدية، وهم أيضًا يغذّون بكتاباتهم أولئك الذين يجوعون ويعطشون إلى البر. وكما أن المخلِّص الذي هو النور الحقيقي دعا التلاميذ أيضًا نورًا بقوله: ” أنتم نور العالم” (مت5: 14)، هكذا أيضًا إذ هو نفسه خبز الحياة فقد وهب تلاميذه أن يُحسبوا أيضًا خبزات.

          وأرجو أن تلاحظوا الفن العجيب الذي في الناموس، فإنه يقول “وتجعل على الخبزات لبانًا وملحًا“. فاللبان هو رمز الرائحة الذكية، والملح رمز للفهم وحُسنْ الإدراك، وكلاَ هذان الأمران كانا موجودين بأعلى درجة في الرسل القديسين لأن حياتهم كانت حياة ذات رائحة طيبة، كما قالوا أيضًا “نحن رائحة المسيح الذكية لله” (2كو2: 15)، وأيضًا كانوا مملوءين من الفهم، حتى أنِّي أسمع داود النبي يُرنِّم بخصوصهم في المزامير: “ هناك بنيامين متسلِّطهم، رؤساء يهوذا هم قادتهم، رؤساء زبولون، رؤساء نفتالي” (مز68: 27)، لأن التلاميذ المباركين قد اختيروا غالبًا من كل سبط في إسرائيل، وكانوا حَمَلة النور إلى العالم ” ممسكين بكلمة الحياة” (في2: 16). والعجيب حقًّا هو هذا فإن حكماء اليونانيين يملكون قدرًا كبيرًا من براعة الكلام وفصاحة عجيبة في اللغة، أما تلاميذ مخلِّصنا فكانوا مجرد صناع وصيادين ونوتيه، ولم يكونوا يتعاظمون بمهارة الكلام ولا لهم فصاحة التعبير، بل كانوا رجالاً بسطاء، ولكنهم كانوا أغنياء في المعرفة، تصمت أمامهم آداب اليونانيين بعباراتها الرنانة. فقوة التبشير الإنجيلي امتلكت العالم.

          والله يذكرهم أيضًا بواسطة صوت النبي قائلاً عن عدو الكل أي الشيطان “ ويل للمكثر ما ليس له، والمثقل نفسه رهونًا. فبغتة سيقومون ويضربونك، ويستيقظ أعداؤك فتكون غنيمة لهم” (انظر حب2: 7). لأن الشيطان قد جمع كل سكان الأرض مع أنهم لم يكونوا له، وقد جعلهم يتعبدون له، ولكن أولئك الذين كانوا سيسلبون غنائمه قد استيقظوا، لأن شبكة الكرازة الرسولية اصطادت أولئك الذين سقطوا في الخطية، وأعادوا العالم ثانية إلى الله.

 

[1] كلمة “بالاتصال” هي الكلمة المفضلة عند نسطور، ويقول القديس كيرلس عنها: إن نسطور دائماً يتحاشى استعمال كلمة “الاتحاد” ويستعمل بدلاً منها كلمة صلة أو اتصال مثل من هو متصل من الخارج فقط بدون اتحاد وذلك يشبه قول الله ليشوع: كما كنتُ مع موسى أكون معك.

اعتراض الكتبة والفريسيون – إنجيل لوقا 6 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

Exit mobile version