أعدوا طريق الرب – عظة 6، 7 – إنجيل لوقا 3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
أعدوا طريق الرب – عظة 6، 7 – إنجيل لوقا 3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
أعدوا طريق الرب – عظة 6، 7 – إنجيل لوقا 3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
عظة (6)
أعدُّوا طريق الرب
(لو2:3ـ6) ” كَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ عَلَى يُوحَنَّا بْنِ زَكَرِيَّا فِي الْبَرِّيَّةِ. فَجَاءَ إِلَى جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنِّ يَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ: صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً. كُلُّ وَادٍ يَمْتَلِئُ وَكُلُّ جَبَلٍ وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ وَتَصِيرُ الْمُعْوَجَّاتُ مُسْتَقِيمَةً وَالشِّعَابُ طُرُقاً سَهْلَةً. وَيُبْصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خَلاَصَ اللهِ “.
إن إشعياء المبارك لم يكن يجهل هدف كرازة يوحنا، بل منذ القديم قَبْل مجيء الزمان بكثير شهد عن هذا الهدف إذ دعا المسيح رباً وإلهاً. أما يوحنا فقد وصفه إشعياء بأنه خادم المسيح، وقال عنه إنه سراج يتقدم أمام النور الحقيقى، أي نجم الصباح الذي يُبشِّر بإشراق الشمس، معلنًا مقدمًا مجيء اليوم الذي سيشرق بأشعته علينا. وقال عنه إنه صوت وليس كلمة، يأتى سابقًا ليسوع كما يسبق الصوت الكلمة.
(لو4:3) ” أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ، اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً “.
يوحنا قد أُختيرَ ليكون رسولاً ولكنه أيضًا آخر الأنبياء. ولأن الرب لم يكن قد أتى بعد، لذلك فهو يقول: ” أعدُّوا طريق الرب“. وما معنى أعدُّوا طريق الرب؟ المقصود هو استعِدُّوا لقبول أي شيء يريد المسيح أن يفعله، حرِّروا قلوبكم من ظل الناموس، وكفُّوا عن الرموز، ولا تفكروا فيما بعد تفكيرًا منحرفًا. “ اصنعوا سبل الله مستقيمة” لأن كل طريق يقود إلى الصلاح هو مستقيم وممهد وسهل، ولكن الطريق الآخر المعوج فإنه يقود الذين يسيرون فيه إلى الشر والضلال.
الذين كُتب عنهم ” الذين طرقهم معوجة وهم ملتوون في سبلهم” (أم15:2). لذلك فاستقامة العقل هي مثل طريق مستقيم ليس فيه اعوجاج. وهكذا كانت صفة المرنم الذي كان يرتل قائلاً: ” لا يلصق بي قلب معوج ” (مز4:101). ويشوع بن نون عندما يحث الشعب يقول لهم: ” اجعلوا قلوبكم مستقيمة مع إله إسرائيل” (يش23:24 سبعينية). بينما يوحنا يصرخ ” اجعلوا سبلكم مستقيمة“.
وهذا معناه أن النفس ينبغي أن تكون مستقيمة فتُظهِر إدراكها الطبيعي كما خُلق، وهي قد خُلقت جميلة ومستقيمة، ولكن حينما تنحرف جانبًا وتنقلب حالتها الطبيعية فإن هذا يُسمَّى رذيلة وانحراف للنفس. لذلك فالأمر ليس صعبًا، لأنه إن كنا نستمر كما خُلقنا فإننا سنكون فاضلين، ولكن حينما يصيح بنا أحدهم معترضًا قائلاً: كيف نُعد طريق الرب؟ أو كيف نجعل سبله مستقيمة؟ فإنه توجد عوائق كثيرة في طريق أولئك الذين يسعون أن يعيشوا حياة مستقيمة ـ فهناك الشيطان الذي يبغض كل ما هو جميل.
وكذلك حشد الأرواح الشريرة، وأيضًا هناك ناموس الخطية نفسه الذي يعمل في أعضائنا الجسدية، والذي يقاوم ميول العقل نحو الصلاح، وشهوات أخرى كثيرة تسيطر على عقل الإنسان ـ إذن فماذا نفعل ـ وهناك مِثل هذه الصعوبات العظيمة تضغط علينا؟ إن كلمة النبوة ترُدُّ على هذه الاعتراضات قائلة: ” كل وادٍ يمتلئ، وكل جبل وأكمة ينخفض وتصير المعوجات مستقيمة والشعاب طرقًا سهلة، ويبصر كل بشر خلاص الله“.
(لو6:4) ” وَيُبْصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خَلاَصَ اللهِ “.
وكل جسد يبصر خلاص الله أي الخلاص الذي من الآب، لأنه أرسل ابنه ليكون مخلِّصًا لنا. وعبارة “كل جسد” يقصد بها الإنسان عمومًا أي كل الجنس البشرى، لأنه هكذا سيُبصر كل جسد خلاص الله، ليس إسرائيل فقط بل كل بشر، لأن لطف المخلص رب الكل ليس له حدود. وهو لم يخلَّص أمَّة واحدة فقط، بل بالحري احتضن العالم كله في شبكته، وقد أنار على كل الذين في الظلمة. وهذا ما رتَّلت به قيثارة المرنِّم: ” كل الأمم الذين صنعتَهُم يأتون ويسجدون أمامك يا رب” (مز9:86). وفي نفس الوقت فإن بقية إسرائيل تخلص، وذلك كما سبق أن أعلن موسى العظيم منذ القِدَم قائلاً: ” تهللوا أيها الأمم مع شعبه ” (تث43:32).
عظة (7)
كرازة يوحنا المعمدان
(لو7:3) ” وَكَانَ يَقُولُ لِلْجُمُوعِ الَّذِينَ خَرَجُوا لِيَعْتَمِدُوا مِنْهُ: يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَبِ الآتِي؟ “.
نحن نؤكد أن المعمدان المبارك ـ لأنه كان ممتلئًا من الروح القدس ـ لذلك لم يكن يجهل الأعمال الجسورة التى كان الشعب اليهودى سيجرؤ على القيام بها ضد المسيح. لأنه سبق فعرف أنهم سوف لا يؤمنون به وأنهم سيستخدمون ألسنتهم المملوءة سمًا، ليسكبوا شكاواهم واتهاماتهم ضده، متَّهمينه مرة بأنه مولود من زنى، ومرة أخرى أنه يجرى المعجزات بقوة بعلزبول رئيس الشياطين (لو15:11)، ومرة أخرى أيضًا أنَّ به شيطان وأنه ليس أفضل مِن سامرى. لذلك فإذ كان يعرف هذا فإنه يدعو حتى أولئك الذين يتوبون أشرارًا. وهو يوبِّخهم لأنهم رغم أن عندهم الناموس الذي يتكلم إليهم بسر المسيح، ورغم نبوات الأنبياء عنه، إلا أنهم رغم ذلك صاروا ثقيلي السمع، وغير مستعدين للإيمان بالمسيح مخلِّص الجميع. لأنه يقول ” من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي؟” أليس الكتاب الموُحىَ به هو الذي يخبر بسعادة أولئك الذين يؤمنون بالمسيح، ولكنه يحذر مسبقًا أولئك الذين لا يؤمنون والذين هم أصحاب الجهالة، أنهم سوف يدانون بعقاب شديد لا مفر منه؟
(لو8:3) ” فَاصْنَعُوا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ “.
وأيضًا فإن ثمر التوبة هو بالدرجة القصوى، الإيمان بالمسيح، ثم يأتى بعده منهج الحياة الإنجيلية. وعلى وجه العموم كل أعمال البِر المضادَّة للخطية، التي ينبغي على التائب أن يصنعها كثمار لائقة بالتوبة.
ثم أضاف قائلاً: ” لا تبتدئوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أبًا لأنى أقول لكم إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم“.
ها أنتم ترون كيف يحطُّ من كبريائهم الرديء بمهارة عظيمة، ويُبيِّن أن ولادتهم من إبراهيم حسب الجسد هي بلا فائدة ولا منفعة. لأن أيَّة منفعة هناك مِن نُبل المولد إن كان الناس لا يمارسون نفس الأعمال الحسنة التي لوالديهم ولا يتمسكون بفضيلة أجدادهم؟ لأن المخلِّص يقول لهم ” لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم” (يو39:8). إن علاقة القرابة التي يطلبها الله هي في الصفات والأخلاق، ولذلك فإنه أمْر باطل أن يفتخر أحد بقداسة وصلاح والديه، بينما هو نفسه مختلف عنهم وقاصر عن فضيلتهما.
ويتساءل اليهود قائلين إن كان الأمر هكذا، فبأية طريقة يتكاثر نسل إبراهيم، وكيف يكون الوعد الذي أعطاه له الله صحيحًا عندما قال له إنه سوف يكثّر نسله كنجوم السماء؟ الجواب أيها اليهودى هو بدعوة الأمم، لأنه قيل لإبراهيم نفسه إنه ” بإسحق يُدعى لك نسل” (تك12:21)، وأيضًا ” قد جعلتك أبًا لأمم كثيرة” (تك4:17)، ولكن عبارة “بإسحق” تعني، بحسب الوعد. لذلك فهو قد جُعل أبًا لأمم كثيرة بالإيمان، أي في المسيح. وعن هؤلاء أيضًا تكلم الله بصوت حزقيال قائلاً: ” وأنزع قلب الحجر من لحمهم وأعطيهم قلب لحم، لكي يعرفوا أنِّي أنا الرب” (حز19:11) والمعمدان المبارَك يدعو الأمم بوضوح “الحجارة”، لأنه لم يكونوا بعد يعرفون الذي هو بالطبيعة الله، بل كانوا في ضلال، وفي حماقتهم العظيمة قد عبدوا المخلوق بدل الخالق. ولكنهم مع ذلك قد دُعوا من الله وصاروا أبناء إبراهيم. وبإيمانهم بالمسيح اعترفوا بالذي هو إله بالطبيعة.
ولكن لكي يفيد سامعيه بدرجة أكبر فإن المعمدان المبارك يقول لهم شيئًا أكثر: “ والآن قد وُضعت الفأس على أصل الشجرة” (لو9:3)، ولكنه في هذه العبارة يشير بكلمة “الفأس” إلى غضب الله الشديد الذي أنزله الله الآب على اليهود بسبب شرهم ضد المسيح وعنفهم وتهوُّرهم، لأن الغضب أتى عليهم مثل فأس. وهذا ما شرحه لنا زكريا النبي بقوله: “ويكون النوح في أورشليم كالنوح على بستان الرمان المقطوع في الوادي” (زك12: 11س). وإرميا يخاطبها هكذا “دعا الرب اسمكِ زيتونه خضراء جميلة الصورة. وعند امتلائها أوقد ناراً عليها فانكسرت أغصانها وكان النواح عليها عظيماً. ورب الجنود غارسك قد تكلم عليكِ شرًّا” (إر11: 16، 17).
ويمكن أن نضيف إلى هذا أيضًا المَثَل الوارد في الإنجيل عن شجرة التين غير المثمرة ولم تعد من نوع جيد، فإن الله قطعها. ومع ذلك فهو لا يقول إن الفأس قد وُضع في أصل الشجرة، بل على أصل الشجرة أي بالقرب من الأصل. لأن الأغصان قد قُطعت أما الشجرة فلم تُخلع من جذورها، ذلك لأن بقية إسرائيل قد خلصت ولم تهلك بالمرة.