نمو يسوع في القامة والنعمة – عظة 5 – إنجيل لوقا 2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
نمو يسوع في القامة والنعمة – عظة 5 – إنجيل لوقا 2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
نمو يسوع في القامة والنعمة – عظة 5 – إنجيل لوقا 2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
(لو40:2ـ52) “ وَكَانَ الصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ مُمْتَلِئاً حِكْمَةً وَكَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ. وَكَانَ أَبَوَاهُ يَذْهَبَانِ كُلَّ سَنَةٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ الْفِصْحِ. وَلَمَّا كَانَتْ لَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَة ًصَعِدُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ كَعَادَةِ الْعِيدِ. وَبَعْدَمَا أَكْمَلُوا الأَيَّامَ بَقِيَ عِنْدَ رُجُوعِهِمَا الصَّبِيُّ يَسُوعُ فِي أُورُشَلِيمَ وَيُوسُفُ وَأُمُّهُ لَمْ يَعْلَمَا. وَإِذْ ظَنَّاهُ بَيْنَ الرُّفْقَةِ ذَهَبَا مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَكَانَا يَطْلُبَانِهِ بَيْنَ الأَقْرِبَاءِ وَالْمَعَارِفِ. وَلَمَّا لَمْ يَجِدَاهُ رَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ يَطْلُبَانِهِ. وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَجَدَاهُ فِي الْهَيْكَلِ جَالِساً فِي وَسْطِ الْمُعَلِّمِينَ يَسْمَعُهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ. وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوهُ بُهِتُوا مِنْ فَهْمِهِ وَأَجْوِبَتِهِ. فَلَمَّا أَبْصَرَاهُ انْدَهَشَا. وَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: يَا بُنَيَّ لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هَكَذَا؟ هُوَذَا أَبُوكَ وَأَنَا كُنَّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْنِ!. فَقَالَ لَهُمَا: لِمَاذَا كُنْتُمَا تَطْلُبَانِنِي؟ أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي؟. فَلَمْ يَفْهَمَا الْكَلاَمَ الَّذِي قَالَهُ لَهُمَا. ثُمَّ نَزَلَ مَعَهُمَا وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ وَكَانَ خَاضِعاً لَهُمَا. وَكَانَتْ أُمُّهُ تَحْفَظُ جَمِيعَ هَذِهِ الأُمُورِ فِي قَلْبِهَا. وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ “.
أن يُقال إنَّ “الطفل كان ينمو ويتقوى بالروح، ممتلئًا حكمة وكانت نعمة الله عليه”، هذا الكلام ينبغي أن يؤخذ على أنه يشير إلى طبيعته البشرية، وأرجو أن تفحصوا باهتمام في عمق التدبير: فالكلمة يحتمل ويقبل أن يولد في صورة بشرية، رغم أنه في طبيعته الإلهية ليس له بداية وليس خاضعًا للزمن. والذي هو إله كامل تمامًا من كل ناحية، يخضع للنمو الجسدي. وغير الجسدي صارت له أطراف تنمو مع نمو بشريته. والذي هو نفسه الحكمة كلها يمتلئ بالحكمة. وماذا نقول عن هذا؟ ـ فإن الذي كان في صورة الآب ـ قد صار مثلنا، والغنى أخذ صورة الفقر، والعالي أخذ صورة الاتضاع، والذي له الملء يُقال عنه إنه ينال ويأخذ. وهكذا فإن الله الكلمة أخلى نفسه! لأن الأشياء التي كُتبت عنه كإنسان تُظهِر طريقة إخلائه، لأنه كان أمرًا مستحيلاً بالنسبة للكلمة المولود من الله أن يسمح بمثل هذه الأشياء أن تكون في طبيعته الخاصة، ولكن حينما صار جسدًا أي صار إنسانًا مثلنا، فإنه حينئذ وُلد حسب الجسد من امرأة. وقيل عنه إنه كان خاضعًا للأمور التى تختص بحالة الإنسان، ورغم أن الكلمة لكونه إله كان يستطيع أن يجعل جسده يبرز من البطن في قامة رجل ناضج مرَّة واحدة، إلا أن هذا لو حدث لكان أمرًا غريبًا جدًا وإعجازيًا، ولذلك فإنه جعل جسده يخضع لعادات وقوانين الطبيعة البشرية.
لذلك لا تتعثروا في أنفسكم وتقولون كيف يُمكن أن الله ينمو؟ وكيف ينال حكمة جديدة ذلك الذي يعطي الحكمة للملائكة والبشر؟ فتأملوا السرَّ العظيم الذي يُعطَى لنا. لأن البشير الحكيم لم يُقدِّم لنا الكلمة في طبيعته المجرَّدة غير الجسدية ولم يقل عنه وهو في هذه الحالة إنه يزداد في القامة والحكمة والنعمة، ولكنه بعد أن أوضح أنه قد وُلِد في الجسد من امرأة وأخذ شكلنا، فحينئذ ينسب إليه هذه الخصائص البشرية، ويدعوه طفلاً ويقول إنه كان يتقدم في القامة، إذ أن جسده نما قليلاً قليلاً خاضعًا للقوانين الجسدية.
وهكذا أيضًا قيل عنه إنه كان يتقدم في الحكمة، لا كمن ينال مؤونات جديدة من الحكمة ـ لأن الله معروف بأنه كامل تمامًا في كل شيء ولا يمكن بالمرَّة أن يكون ناقصًا في أي صفة مناسبة للاهوت ـ بل ازدياده في الحكمة هو بسبب أن الله الكلمة أظهر حكمته بالتدريج بما يناسب مرحلة العمر الذي يبلغها الجسد.
إذن فالجسد يتقدم في القامة والنفس تتقدم في الحكمة، لأن الطبيعة الإلهية غير قابلة للازدياد لا في القامة ولا في الحكمة إذ أن كلمة الله كامل تمامًا. ولذلك فإنه لسبب مناسب ربط بين التقدُّم في الحكمة ونمو القامة الجسدية، بسبب أن الطبيعة الإلهية أَعلنت حكمتها الخاصة بما يتناسب مع قامة النمو الجسدي.
ينبغي أن أكون فيما لأبي:
(لو42:2) ” وَلَمَّا كَانَتْ لَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً صَعِدُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ كَعَادَةِ الْعِيدِ “.
بعد أن قال البشير إن يسوع كان يتقدم في الحكمة والنعمة، فإنه يبيِّن أن ما يقوله صحيح. لأنه يُقدِّمه لنا في أورشليم برفقة العذراء القديسة في عيد الفصح، ثم يقول إنه تخلَّف هناك، وبعد ذلك وُجِد في الهيكل جالسًا وسط المعلِّمين يسأل ويجيب على الأسئلة التى تخص تلك الأشياء التي تكلم عنها الناموس منذ القديم، وأن الجميع تعجبوا من أسئلته وأجوبته، وهكذا ترونه يتقدم في الحكمة والنعمة ـ وعُرف عند كثيرين بسبب هذه الحكمة.
(لو48:2) ” أَبُوكَ وَأَنَا كُنَّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْنِ “.
أمه كانت تعرف بالتأكيد أنه ليس ابن يوسف، ولكنها تكلمت هكذا لتتجنب شكوك اليهود. وعندما قالت أبوك وأنا كنا نطلبك معذَّبَيْن أجابها المخلِّص:
(لو49:2) ” أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي؟ “.
هنا يذكر لأول مرة علانية مَن هو أباه الحقيقي ويُعلِن عن لاهوته هو نفسه، لأنه حينما قالت العذراء القديسة: ” يا بُنيَّ لماذا فعلتَ بنا هكذا” فحينئذ في الحال أظهر نفسه أنه يفوق قامة الأشياء البشرية، وعلَّمها أنها قد صارت أداة للتدبير بولادته بالجسد، ولكنه بالطبيعة والحقيقة هو إله وابن الآب الذي في السماء. ولذلك يقول ” ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي“. وهنا دع أتباع فالنتينوس[1]ـ حينما يسمعون أن الهيكل هو هيكل الله وأن المسيح الآن هو فيما له، وهو الذي تنبأ عنه الناموس منذ القديم ورَمَز له بظلال ومثالات ـ دعهم يخجلون عندما يقولون إن: لا صانع العالم ولا إله الناموس، ولا إله الهيكل كان هو أب المسيح.
[1] فالنتينوس كان ينكر العهد القديم وكان يقول إن إله العهد القديم غير إله العهد الجديد، ولذلك كان يُنكر أن الله الآب هو إله العهد القديم وإله الناموس والهيكل.