أبحاث

سمعان الشيخ – عظة 4 – إنجيل لوقا 2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

سمعان الشيخ – عظة 4 – إنجيل لوقا 2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

سمعان الشيخ – عظة 4 – إنجيل لوقا 2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

سمعان الشيخ – عظة 4 – إنجيل لوقا 2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
سمعان الشيخ – عظة 4 – إنجيل لوقا 2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لوقا25:2ـ35) وَكَانَ رَجُلٌ فِي أُورُشَلِيمَ اسْمُهُ سِمْعَانُ، وَهَذَا الرَّجُلُ كَانَ بَارًّا تَقِيًّا يَنْتَظِرُ تَعْزِيَةَ إِسْرَائِيلَ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ كَانَ عَلَيْهِ. وَكَانَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ أَنَّهُ لاَ يَرَى الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى مَسِيحَ الرَّبِّ. فَأَتَى بِالرُّوحِ إِلَى الْهَيْكَلِ. وَعِنْدَمَا دَخَلَ بِالصَّبِيِّ يَسُوعَ أَبَوَاهُ، لِيَصْنَعَا لَهُ حَسَبَ عَادَةِ النَّامُوسِ، أَخَذَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَبَارَكَ اللهَ وَقَالَ: الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ، الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ. وَكَانَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ يَتَعَجَّبَانِ مِمَّا قِيلَ فِيهِ. وَبَارَكَهُمَا سِمْعَانُ، وَقَالَ لِمَرْيَمَ أُمِّهِ: هَا إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ. وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ “.

يقول إشعياء النبي، ” ما أجمل أقدام المبشِّرين بالخيرات” (إش7:52). وهل هناك شيء أحلى من أن تتعلَّم أن الله خلَّص العالم بواسطة ابنه وذلك بأن صار إنسانًا مثلنا؟ كما هو مكتوب ” يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح، الذي بذل نفسه فدية لأجلنا” (1تي2: 5و6).. لأنه من تلقاء نفسه نزل إلى فقرنا لكي يجعلنا أغنياء بحصولنا على ما هو له.

انظروه إذن، كإنسان مثلنا وهو يُقدَّم إلى الآب، انظروه وهو يطيع ظلال الناموس ويقدَّم ذبيحة بحسب ما كانت العادة حينئذ، رغم أن هذه الأمور قد تمَّت بواسطة والدته حسب الجسد. فهل لم يتعرف عليه أحد بالمرَّة في أورشليم في ذلك الوقت؟ وهل لم يعرفه أحد من سكانها؟ كيف يمكن أن يكون هذا؟ فإن الله الآب قد سبق وأعلن بواسطة الأنبياء القديسين أن الابن سيظهر في الوقت المعيَّن ليخلِّص الذين هلكوا ولينير على الذين كانوا في الظلمة. وقد قال بواسطة أحد الأنبياء القديسين ” برِّى يأتي سريعًا ورحمتي تُعلن وخلاصي يـتَّقد كمصباح” (إش62: 1). ولكن الرحمة والبر هما المسيح، لأننا به حصلنا على الرحمة والبر، إذ قد غُسِلنا من شرورنا الدنسة بالإيمان به. وكما يضئ المصباح أمام أولئك الذين يسيرون في الليل والظلمة هكذا صار المسيح لأولئك الذين في الكآبة والظلمة العقلية، غارسًا فيهم النور الإلهي. ولأجل هذا السبب أيضًا صلَّى الأنبياء لكي يصيروا شركاء نعمته العظيمة قائلين: “ أرنا يا رب رحمتك وأعطنا خلاصك” (مز7:85).

حُمِلَ المسيح إذن إلى الهيكل وهو بعد طفل رضيع على صدر أمه، وسمعان المبارك إذ كان قد مُنِح نعمة النبوة أخذه على ذراعيه، وبارك الله وهو ممتلئ بأعظم فرح قائلاً: ” الآن يا سيدي تطلق عبدك بسلام حسب قولك لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته أمام وجه جميع الشعوب، نور إعلان للأمم، ومجدًا لشعبك إسرائيل“.

لأن سر المسيح قد أُعدَّ من قَبْل تأسيس العالم، ولكنه أُظهر في الأزمنة الأخيرة، وصار نورًا لأولئك الذين في الظلمة والضلال بسقوطهم تحت يد إبليس. هؤلاء هم الذين كانوا يعبدون ” المخلوق بدلاً من الخالق” (رو25:1)، عابدين التنِّين مصدر الشر والشياطين النجسة التي يُقدِّمون لها الكرامة اللائقة بالله، ومع ذلك فقد دُعوا الآن من الله الآب ليعرفوا الابن الذي هو النور الحقيقى. وبإشفاق قال عنهم بصوت النبي: ” سوف أصنع لهم آيات، وأقبلهم لأني سأفديهم، ويكثرون كما كثروا، وسأزرعهم بين الشعوب. والذين هم بعيدون سيذكرونني” (زك10: 9،8س).

فكثيرون هم الذين كانوا بعيدين، ولكنهم قد دُعوا بواسطة المسيح. وأيضًا هم كثيرون كما كانوا من قبل. لأنهم قد قُبِلوا وافتُدوا، إذ قد حصلوا من الله الآب على التبنِّي في عائلته وعلى النعمة التي بالإيمان بيسوع المسيح، وذلك كعلامة للسلام. والتلاميذ الإلهيون قد زُرعوا باتساع بين الشعوب. وماذا كانت النتيجة؟ إن أولئك الذين كانوا بعيدين من الله قد صاروا قريبين. والذين يُرسل إليهم بولس الإلهي رسالة قائلاً: ” أنتم الذين كنتم قبلاً بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح” (أف13:2). وإذ قد جُعلوا قريبين فإنهم يجعلون المسيح هو فخرهم ومجدهم. ولأن الله الآب قد قال عنهم أيضًا ” سأُقوِّيهم بالرب إلههم فيفتخرون باسمه يقول الرب” (زك12:10 سبعينية). وهذا أيضًا ما يعلنه المرنم المبارك كما لو كان يتحدث إلى المسيح مخلِّص الجميع فيقول: ” يا رب في نور وجهك سيسلكون وباسمك سيبتهجون اليوم كله، وبيدك سيرتفعون لأنك فخر قوَّتهم” (مز89: 16،15). ونجد إرميا النبي يدعو الله قائلاً: ” يا رب قوَّتي وعوني وملجإي في يوم الضيق، إليك تأتي الأمم من أطراف الأرض ويقولون، آباؤنا اتخذوا لأنفسهم آلهة كاذبة لا يوجد فيها عون” (إر19:16).

لذلك فالمسيح صار نورَ إعلانٍ للأمم، ولكنه صار أيضًا مجدًا لإسرائيل. لأنه رغم أن البعض منهم تغطرسوا وعصوا وكانت لهم عقول لا تفهم، إلا أنه كانت هناك بقية قد خلُصْت وأُدخِلتْ إلى المجد بالمسيح، وباكورة هؤلاء البقية هم التلاميذ الإلهيون الذين أشرق نور شهرتهم لينير العالم كله.

وهناك معنى آخر لكون المسيح “مجدًا لإسرائيل”، وذلك أنه جاء منهم حسب الجسد رغم أنه هو ” الكائن فوق الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد آمين” (رو5:9).

وسمعان الشيخ بارك العذراء كخادمة للمشورة الإلهية، وأداة للولادة التى لا تخضع لقوانين الطبيعة البشرية. فقد ولدت وهي عذراء وذلك بدون رجل، بل بحلول قوة الروح القدس عليها.

وماذا يقول سمعان النبي عن المسيح؟ ” ها إن هذا الطفل قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تُقاوَم“. لأن عمانوئيل قد وُضع من الله الآب لأجل أساسات صهيون. إذ هو ” حجر زاوية مختار كريم” (1بط6:2)، والذين وثقوا به لم يخزوا. ولكن أولئك الذين لم يؤمنوا ولم يستطيعوا أن يعرفوا السر الخاص به سقطوا وتهشَّموا. لأن الله الآب قال أيضًا في موضع آخر ” ها أنا ذا أضع في صهيون حجر صدمة وصخرة عثرة والذي يؤمن به لن يخزى” (إش16:28 سبعينية). ولكن ” كل مَن يسقط عليه هذا الحجر فإنه يسحقه” (لو18:20) ولكن النبى يدعو الإسرائيليين ليكونوا آمنين بقوله: ” قدِّسوا الرب نفسه وهو يكون خوفكم، وإن وثقتم به يكون هو تقديسكم، ولن تصطدموا به كما بحجر صدمة وصخرة عثرة” (إش8: 14،13س). ولكن لأن إسرائيل لم يقدسِّوا عمانوئيل الذي هو الرب وهو الله، ولم يريدوا أن يؤمنوا به فإنهم اصطدموا كما بحجر بسبب عدم الإيمان. وهكذا تهشَّم إسرائيل وسقط. ولكن كثيرين من بينهم قاموا ثانية، وأقصد بهم الذين آمنوا به. هؤلاء تحوَّلوا من عبادة ناموسية إلى عبادة روحية، تغيَّروا من روح العبودية الذي فيهم واغتنوا بذلك الروح الذي يجعل الإنسان حرًّا، أي الروح القدس. وقد صاروا شركاء الطبيعة الإلهية وحُسبوا أهلاً أن يكونوا أبناء بالتبنِّي، ويحيوا على رجاء الحصول على المدينة العليا. أي أن يكونوا مواطنين في ملكوت السموات.

أمَّا “العلامة التي تُقاوم” فيقصد بها الصليب الثمين الذي يقول عنه بولس الحكيم جدًا إنه ” عثرة لليهود وجهالة لليونانيين” (1كو23:1). وأيضًا يقول عن كلمة الصليب إنها “ للهالكين جهالة، أما عندنا نحن المخلَّصين فهي قوة الله” (1كو18:1). لذلك فالعلامة التي تُقاوم تبدو جهالة بالنسبة لأولئك الهالكين بينما هي خلاص وحياة للذين يعرفون قوة الصليب.

ويقول سمعان بعد ذلك للعذراء القديسة: ” وأنتِ أيضًا يجوز في نفسك سيف“، ويقصد بالسيف الألم الذي ستعانيه لأجل المسيح حينما تراه مصلوبًا، وهي لا تعرف أنه سيكون أقوى جدًا من الموت، ويقوم من القبر. ولا تتعجبوا أن العذراء لا تعرف هذا، فإننا سنجد أن الرسل القديسين أنفسهم لم يكونوا مؤمنين بهذا في البداية، بل وتوما بعد القيامة لو لم يضع يديه في جنبه، ويتحسَّس آثار المسامير في يديه لم يكن ليصدق التلاميذ الآخرين حينما أخبروه أن المسيح قد قام وأنه قد أظهر نفسه لهم.

ولذلك فإن البشير الحكيم جدًّا ـ يُعلِّمنا ـ من أجل منفعتنا كل الأمور التى احتملها الابن من أجلنا ونيابة عنا، حينما صار إنسانًا وقَبِل أن يحمل فقرنا، وذلك كي نمجده كفادينا، وكسيدنا وكمخلصنا، وكإلهنا، الذي له مع الآب والروح القدس المجد والقوة إلى دهر الدهور آمين.

سمعان الشيخ – عظة 4 – إنجيل لوقا 2 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد