أبحاث

عظة تمهيدية على بعض آيات الأصحاح الأول – انجيل لوقا – القديس كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

عظة تمهيدية على بعض آيات الأصحاح الأول - انجيل لوقا - القديس كيرلس الإسكندري - د. نصحى عبد الشهيد

عظة تمهيدية على بعض آيات الأصحاح الأول – انجيل لوقا – القديس كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

عظة تمهيدية على بعض آيات الأصحاح الأول - انجيل لوقا - القديس كيرلس الإسكندري - د. نصحى عبد الشهيد
عظة تمهيدية على بعض آيات الأصحاح الأول – انجيل لوقا – القديس كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو2:1) ” الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ “.

عندما سيقول البشير لوقا إن الرسل كانوا شهود عيان لذات الكلمة المحيي، فإنه بذلك يتفق مع البشير يوحنا، الذي يقول إن “ الكلمة صار جسدًا، وحل فينا، ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب” (يو14:1). فالكلمة أصبح من الممكن رؤيته بسبب الجسد الذي هو منظور وملموس وصُلب، بينما الكلمة ذاته غير منظور. ويوحنا أيضًا يقول في رسالته: ” الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة، فإن الحياة أُظهِرَت” (1يو1:1).

 

ألا تسمعونه يتحدث عن الحياة على أساس أنها يمكن أن تُلمس؟ وهو يقول هذا لكى تفهموا أن الابن صار إنسانًا وصار منظورًا من جهة الجسد، ولكنه غير منظور من جهة لاهوته.

 

(لو51:1) ” صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ “.

الذراع يشير رمزيًّا إلى الكلمة الذي وُلد من العذراء، وتعني مريم بالمستكبرين: الشياطين الأردياء الذين سقطوا مع رئيسهم بواسطة الكبرياء. ويعني أيضًا حكماء اليونانيين، الذين رفضوا أن يقبلوا كرازة الإنجيل التي عندهم جهالة، وأيضًا اليهود الذين لم يؤمنوا والذين تشتتوا بسبب تصوراتهم غير اللائقة عن كلمة الله. وتقصد “بالأعزاء” الكتبة والفريسيين الذين يسعون للكراسي الأولى. ومع ذلك فإنه أقرب إلى المعنى، أن يقصد “بالأعزاء” الشياطين الأردياء، فإن هؤلاء حينما ادَّعوا السيادة على العالم فإن الرب شتَّتهم بمجيئه إلينا، ونقل أولئك الذين كانوا أسرى لهم إلى سيادته وملكوته هو. فإن كل هذه الأشياء حدثت بحسب نبوءة العذراء بأنه:

 

(لو52:1) ” أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ “.

فإن كبرياء هؤلاء الشياطين الذي شتَّتهم هو كبرياء فظيع وهكذا أيضًا كبرياء فلاسفة اليونانيين، وكذلك الفريسيين والكتبة كما ذكرت. ولكنه هو أنزلهم، ورفع أولئك الذين تواضعوا تحت يده القوية، وأعطى هؤلاء السلطان أن يدوسوا الحيات والعقارب، وعلى كل قوة العدو. وأبطل مؤامرات هذه الكائنات المستكبـِرة ضدنا. اليهود الذين كانوا يفتخرون سابقًا بمملكتهم نُزعت منهم بسبب عدم إيمانهم، بينما الوثنيين الذين لم يكونوا يعرفون الله رفعهم ومجَّدهم بسبب إيمانهم.

 

(لو53:1) ” أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ “.

وهي تعني “بالجياع” الجنس البشري. إذ أنه فيما عدا اليهود كان الجميع مجروحين بالجوع، فاليهود كانوا أغنياء بإعطائهم الناموس وبتعليم الأنبياء القديسين. فقد كان لهم “التبنِّي والعبادة والاشتراع والمواعيد” (رو4:9) ولكنهم تلهّوا بالطعام الكثير، انتفخوا بالمنزلة التي أُعطيَت لهم ولأنهم رفضوا أن يقتربوا باتضاع من الكلمة المتجسد، فقد صُرفوا فارغين، لا يحملون معهم شيئًا لا الإيمان ولا المعرفة ولا الرجاء في البركات الآتية، فإنهم بالحقيقة صاروا منبوذين من أورشليم الأرضية وأيضًا غرباء عن حياة المجد التى ستُعلَن في المستقبل، لأنهم لم يقبلوا رئيس الحياة، بل صلبوا رب المجد، وتركوا ينبوع الماء الحي واعتبروا الخبز النازل من السماء أنه لا شيء، ولهذا السبب فقد أتى عليهم جوع أشد من أي جوع آخر، وعطشٌ أكثر مرارة من كل عطش آخر. فإنه لم يكن جوع إلى الخبز المادي ولا عطش إلى الماء، ولكنه “جوع لاستماع كلمة الله” (انظر عاموس11:8).

 

ولكن الأمم الذين كانوا جياع وعطشى بنفوسهم الهزيلة البائسة، فقد امتلأوا بالبركات الروحية، لأنهم قبلوا الرب. فإن كل امتيازات اليهود قد نُقلِتْ إليهم.

 

(لو54:1) ” عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً “.

عَضَد إسرائيل ـ ليس إسرائيل حسب الجسد الذي يفخر بمجرد الاسم، ولكن ذلك الذي هو بالروح وبحسب المعنى الحقيقي للاسم ـ ذلك الذي ينظر إلى الله، ويؤمن به، وينال تبنِّي البنين بواسطة الابن بحسب الكلمة التي أُعطيَت، والوعد المعطَى للأنبياء والبطاركة (رؤساء الآباء) القدماء. ولكن كلمة إسرائيل لها انطباق حقيقي أيضًا على إسرائيل الجسدي، فإن آلاف وربوات من بينهم قد آمنوا. ولكنه قد ذكر رحمته كما وعد إبراهيم. وقد تمَّم ما قاله له بأن ” في نسلك تتبارك جميع قبائل الأرض” (تك18:22). فإن هذا الوعد كان في طريقه إلى التحقُّق بميلاد مخلِّصنا المسيح الذي كان على وشك الحدوث، الذي هو نسل إبراهيم الذي فيه تتبارك الأمم، لأنه أمسك بنسل إبراهيم كما تقول كلمات الرسول (انظر عب16:2). وهكذا تحقق الوعد الذي أعطَى للآباء.

 

(لو69:1) ” وَأَقَامَ لَنَا قَرْنَ خَلاَصٍ فِي بَيْتِ دَاوُدَ فَتَاهُ “.

إن كلمة ” قرن” تشير لا إلى القوة فقط بل إلى الملوكية. ولكن المسيح الذي هو المخلِّص الذي جاء لنا من بيت وجنس داود هو القوة والملك معًا، لأنه هو ملك الملوك وهو قوة الآب غير المغلوبة.

 

(لو72:1) ” لِيَصْنَعَ رَحْمَةً مَعَ آبَائِنَا “.

المسيح هو رحمة وعدل ” بر” لأننا نلنا رحمة بواسطته، وتبرَّرنا إذ قد غُسلنا من أوساخ خطيتنا بالإيمان به.

 

(لو73:1) ” الْقَسَمَ الَّذِي حَلَفَ لإِبْرَاهِيمَ أَبِينَا “.

لا ينبغي لأحد حينما يسمع أن الله أقسم لإبراهيم، لا ينبغى له أن يسمح لنفسه بأن يُقسِم، وكما أن الغضب حينما يُقال على الله هو ليس غضبًا ولا يعني الانفعال، ولكن يُقصد به القوة التي تظهر في العقاب أو أي حركة مشابهة. هكذا أيضًا فالقَسَم بالنسبة له ليس قسمًا. لأن الله لا يقسم بل يشير إلى يقينية الحدث ـ أي أنَّ ما يقوله سيحدث بالضرورة، لأن قَسَم الله هو كلمته الخاصة التي تحُث الذين يسمعونه حثًّا كاملاً، وتعطي كل واحد الاعتقاد بأن ما قد وعد به الله وقاله لابد أن يحدث بالتأكيد.

(لو76:1) ” وَأَنْتَ أَيُّهَا الصَّبِيُّ نَبِيَّ الْعَلِيِّ تُدْعَى، لأَنَّكَ تَتَقَدَّمُ أَمَامَ وَجْهِ الرَّبِّ لِتُعِدَّ طُرُقَهُ “.

أرجو أن تلاحظوا هذا أيضًا، أن المسيح هو العليِّ الذي كان يوحنا سابقًا له في ميلاده وكرازته لإعداد الطريق، فماذا يتبقى إذًا، لكي يقول أولئك الذين يقلِّلون من لاهوته؟ ولماذا لا يفهمون أنه حينما قال زكريا ” وأنت نبي العلي تُدعى“، إنما كان يقصد بهذا الكلام أنه نبي ” الله” مثل أنبياء الله السابقين له.

 

(لو79:1) ” لِيُضِيءَ عَلَى الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ “.

كان المعمدان بالنسبة لأولئك الذين تحت الناموس الساكنين في اليهودية، كأنه سراج سابق للمسيح، وهكذا تكلم عنه الله سابقًا ” هيأت سراجًا لمسيحى” (مز17:131). والناموس يُعطي إشارة عنه بالمنارة التي في المسكن الأول، التي أوصى بأن تكون موقَدة دائمًا. ولكن اليهود، بعد أن سُرُّوا به فترة قصيرة مندفعين أفواجًا إلى معموديته، ومعجبين بطريقة حياته، فإنهم سريعًا ما جعلوه يرقد رقاد الموت مجتهدين أن يطفئوا المصباح الدائم الاشتعال. لذلك تحدث عنه المخلِّص أيضًا: ” كان هو السراج الموقد المنير وأنتم أردتم أن تبتهجوا بنوره ساعة” (يو5: 35).

 

لِكَيْ يَهْدِيَ أَقْدَامَنَا فِي طَرِيقِ السَّلاَمِ “.

لأن العالم في الواقع كان تائهًا في الضلال، يعبد المخلوق بدلاً من الخالق، وكأن الليل قد سقط على عقول الجميع فلا يدعهم يبصرون ذاك الذي هو بالطبيعة وبالحقيقة الله.

 

ولكن رب الكل جاء للإسرائيليين مثل نور ومثل شمس.

 

عظة تمهيدية على بعض آيات الأصحاح الأول – انجيل لوقا – القديس كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد