رسائل القديس أنطونيوس ج2
الرسالة الرابعة
البر الذي يقود إلى التبني:
أنطونيوس يتمنى لكل اخوته الأعزاء فرحًا في الرب. يا أعضاء الكنيسة سوف لا أمِل من ذكركم، أريد أن تعرفوا أن المحبة التي بيننا ليست محبة جسدية ولكن روحية إلهية. لأن الصداقة الجسدية ليس لها صلابة وثبات، إذ تحركها رياح غريبة. إن كل من يخاف الله ويحفظ وصاياه، فهو خادم الله. وهذه الخدمة ليست هي الكمال بل فيها البر الذي يقود إلى التبني. ولهذا السبب فإن الأنبياء والرسل، وهم الجماعة المقدسة الذين اختارهم الله وائتمنهم على الكرازة الرسولية، أصبحوا بصلاح الله أسرى في المسيح يسوع. لذلك يقول بولس ” بولس أسير يسوع المسيح المدعو رسولاً ” (أف1:3، رو1:1). لذا فإن الناموس المكتوب يعمل فينا بعبودية صالحة، إلى أن نصبح قادرين على السيادة على كل شهوة. ونصبح كاملين في الخدمة الصالحة للفضيلة من خلال هذا المستوى الرسولي.
روح التبني:
لأنه إذا اقترب إنسان من النعمة فإن يسوع سيقول له ” سوف لا أدعوكم عبيدًا، بل أدعوكم أصدقائي وإخوتي لأن كل الأشياء التي سمعتها من أبى أخبرتكم بها ” (يو15:15) فإن كل الذين اقتربوا من النعمة وتعلموا من الروح القدس قد عرفوا أنفسهم حسب جوهرهم العقلي. وفي معرفتهم لأنفسهم صرخوا قائلين ” لأننا لم نأخذ روح العبودية للخوف ولكن روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب ” (رو15:8) حتى نعرف ماذا اعطانا الله “إذا كنا أبناء فإننا ورثة أيضًا، ورثة الله، ووارثون مع القديسين ” (رو17:8).
الفضائل لكم:
يا أحبائي الأعزاء والوارثين مع القديسين إن كل الفضائل ليست غريبة عنكم، ولكنها لكم إذا كنتم لستم تحت الخطية (الذنب) من هذه الحياة اللحمية، ولكنكم ظاهرون أمام الله. لأن الروح لا يسكن في نفس الإنسان المدنس القلب، ولا في الجسد الخاطئ؛ لأنه قوة مقدسة ومنفصل عن كل خداع وشر.
اعرفوا أنفسكم:
حقيقة يا أحبائي إني أكتب لكم كما لرجال عقلاء عرفوا أنفسهم ـ لأن من عرف نفسه عرف الله ومن عرف الله يستحق أن يعبده بالحق. أحبائي في الرب اعرفوا أنفسكم لأن الذين عرفوا ذواتهم يعرفون زمانهم، والذين يعرفون زمانهم، يستطيعون أن يبقوا ثابتين، لا يتحركون باللغات المتنوعة (بالتعإلىم الغريبة). لأنه بالنسبة لآريوس الذي تعظم (تكبر) في الإسكندرية وتكلم بأقوال غريبة عن الابن الوحيد جاعلاً بداية للذي لا بداية له ونهاية لمن يفوق فحص وإدراك البشر، وحركة لمن هو غير متحرك. فإذا أخطأ إنسان ضد آخر فإنهم يستعطفون الله من أجله ولكن إذا أخطأ إنسان ضد الله فمن الذي يصلي لأجله؟ (أنظر1صم25:2). لذلك فإن هذا الرجل أخذ على عاتقه أمرًا خطيرًا، وجرحه غير قابل للشفاء. لأنه لوعرف مثل هذا نفسه، لما تكلم لسانه عما لا يعرفه. ولكن من الواضح أنه لم يعرف نفسه.
الرسالة الخامسة
أنطونيوس إلى أبنائه الأعزاء، الإسرائيليين القديسين في جوهرهم العقلي[1]. ليس هناك حاجة إلى ذكر أسماءكم الجسدية التي ستفنى لأنكم أنتم أبناء إسرائيليون. حقًا يا أحبائي، أن الحب الذي بينى وبينكم ليس حبًا جسديًا لكمه حب روحاني إلهي.
معرفة نعمة الله:
ولهذا السبب لا أمل من الصلاة إلى إلهي ليلاً ونهارًا من أجلكم، كى تتمكنوا من معرفة النعمة التي قد عملها الله من نحوكم. لأنه ليس في وقت واحد فقط افتقد الله خلائقه، لكن منذ بداية العالم وضع الله ترتيبًا لكل خلائقه، وهو في كل جيل يوقظ كل شخص بواسطة فرص عديدة وبواسطة النعمة. والآن يا أحبائي لاتهملوا الصراخ إلى الله ليلاً ونهارًا لتستعطفوا صلاح الآب، وهو في سخائه ونعمته سوف يهبكم معونة من السماء معلمًا إياكم، لكي تدركوا ماهو صالح لكم.
قدموا أنفسكم ذبيحة لله في كل قداسة:
حقًا يا أحبائي إننا نسكن في موتنا، ونمكث في منزل اللص، ونحن مكبلون برباطات الموت، فالآن إذًا، لا تعطوا نعاسًا لعيونكم ولا نومًا لأجفانكم (مز4:132)، حتى تقدموا أنفسكم ذبيحة لله في كل قداسة لكي ما تروه، لأنه بدون قداسة لا يستطيع أحد أن يرى الرب كما يقول الرسول (عب14:12). حقيقة يا أحبائي في الرب، لتكن هذه الكلمة واضحة لكم. وهي أن تفعلوا الصلاح وهكذا تنعشون القديسين وتعطون بهجة للطغمات الملائكية في خدمتهم، وفرحًا لمجيء يسوع، لأنهم لا يكفون عن التعب في خدمتنا حتى هذه الساعة، وأنا أيضًا الفقير البائس الساكن في جسد من تراب ستمنحون فرحًا لروحي.
حقًا يا أولادي إن مرضنا وحالتنا الوضيعة هي سبب حزن لجميع القديسين. وهم يبكون وينوحون لأجلنا أمام خالق الكل، ولهذا السبب يغضب الله من أعمالنا الشريرة بسبب تنهدات القديسين، وأيضًا فإن تقدمنا في البر يعطى فرحًا لجموع القديسين، وهذا يجعلهم يرفعون صلوات أكثر بابتهاج وتهليل عظيم أمام خالقنا. وهو نفسه خالق الجميع، يفرح بأعمالنا بشهادة قديسيه ويمنحنا مواهب نعمته بلا كيل.
محبة الله لنا:
لذلك علىكم أن تعرفوا أن الله يحب خلائقه بصورة دائمة، إذ أن جوهرهم خالد ولن يتحلل مع أجسادهم، وقد رأي الله كيف أن الطبيعة العاقلة قد انحدرت كلية إلى الهاوية، وماتت كلية، وأن ناموس العهد الذي فيهم قد جف وتوقف. ومن صلاحه افتقد البشرية بواسطة موسى. وأسس موسى بيت الحق وأراد أن يشفي الجرح العظيم وأن يرجعهم إلى الاتحاد الأول، ولكنه لم يستطع أن يفعل هذا فابتعد عنهم. ثم أيضًا جوقة الأنبياء الذين بنوا على أساس موسى ولم يستطيعوا أن يشفوا الجرح العظيم الذي لأعضائهم. ولما رأوا أن قواهم خارت اجتمع أيضًا شعوب القديسين بنفس واحدة وقدموا صلاة أمام خالقهم قائلين: ” إلىس بلسان في جلعاد؟ فلماذا لم تعصب بنت شعبي؟ داوينا بابل فلم تشف دعوها ولنذهب كل واحد إلى أرضه (إر12:8،9:51).
مجئ المسيح وموته لأجل خلاصنا:
وجميع القديسين طلبوا صلاح الآب من جهة ابنه الوحيد، لأنه إن لم يأت بنفسه هنا فإن أحدًا من كل الخلائق لم يكن يستطيع أن يشفي جرح البشر العظيم. من أجل هذا تكلم الآب في صلاحه قائلاً: ” وأنت يا ابن آدم فهيئ لنفسك آنية أسر وأذهب إلى الأسر بإرادتك” (حز3:12 وأيضًا إر19:46). إن الآب ” لم يشفق على ابنه الوحيد بل بذله لأجل خلاصنا أجمعين” (رو32:8)، ” وهو مسحوق لأجل آثامنا وبجلداته شفينا ” (إش5:53). وهو قد جمعنا من كل أطراف العالم صانعًا لقلوبنا قيامة من الأرضيات معلمًا إيانا أننا بعضنا أعضاء البعض (أف25:4). كونوا حريصين يا أحبائي لئلا تنطبق علىنا كلمة بولس بأن لنا صورة التقوى ولكننا ننكر قوتها “(2تى5:3) والآن ليمزق كل واحد منكم قلبه أمام الله ويبكي أمامه قائلاً ” ماذا أرد للرب من أجل كل احساناته لي ” (مز12:116). وإنني أخشى أيضًأ يا أولادي لئلا تنطبق علىنا هذه الآية ” ما الفائدة من دمى إذا نزلت إلى الحفرة ” (مز9:30).
ضرورة بغضة طبيعة العالم والصلاة لأب الكل:
حقًا يا أحبائي إنني اتحدث إلىكم كما إلى حكماء لكي تفهموا ما أقوله لكم وهذا ما أشهد به لكم: أن من لا يبغض كل ما يختص بطبيعة المقتنيات الأرضية ويزهدها مع كل أعمالها من كل قلبه ويبسط يدىّ قلبه إلى السماء إلى أب الكل فلن يستطيع أن يخلص.
مجيء الروح القدس إلىنا ليسكن فينا:
أما إذا تمم ما قد قلته فإن الله يتراءف على تعبه ويمنحه ناره غير المرئية التي ستحرق كل الشوائب منه، وسوف تتطهر روحنا؛ وعندئذ سيسكن فينا الروح القدس ويمكث يسوع معنا، وهكذا سنكون قادرين أن نسجد للآب كما يحق. لكن إن بقينا متصالحين مع طبائع العالم، فإننا نكون أعداء لله ولملائكته ولجميع قديسيه.
لا تهملوا خلاصكم وتمثلوا بأعمال القديسين:
والآن يا أحبائي أتوسل إلىكم باسم ربنا يسوع المسيح، ألا تهملوا خلاصكم وإلا تحرمكم هذه الحياة السريعة الزوال من الحياة الأبدية، ولا يحرمكم هذا الجسد الفاسد من مملكة النور التي لاتحد ولا توصف، ولا هذا الكرسي الهالك أن ينزلكم عن كراسى محفل الملائكة. حقًا يا أحبائي إن قلبى مندهش وروحى مرتعبة، لأننا أُعطينا الحرية أن نختار وأن نعمل أعمال القديسين، ولكننا قد سكرنا بالأهواء والشهوات ـ كالسكارى بالخمر ـ لأن كل واحد منا قد باع نفسه بمحض إرادته وقد صرنا مستعبدين باختيارنا، ونحن لا نريد أن نرفع عيوننا إلى السماء لنطلب مجد السماء، وعمل كل القديسين، ولا أن نسير في إثر خطواتهم.
لذلك افهموا الآن أنه سواء أكانت السماء المقدسة أو الملائكة أو رؤساء الملائكة أو العروش أو السلاطين أو الشاروبيم أو السيرافيم أو الشمس أو القمر أو النجوم أو البطاركة أو الأنبياء أو الرسل أو إبليس أو الشيطان أو الأرواح الشريرة أو قوات الهواء… أو(بدون أن نقول أكثر) سواء رجل أو امرأة كل هؤلاء في بدء خلقتهم نشأوا من مصدر واحد كلهم، وهو الثالوث كلي القداسة الآب والابن والروح القدس. وبسبب سلوك بعضهم الشرير صار من الضروري أن يعطى الله أسماء لكل نوع منهم طبقًا لأعمالهم. وأولئك الذين تقدموا كثيرًا أعطاهم مجدًا فائقًا.
الرسالة السادسة
من أنطونيوس إلى جميع الاخوة الأعزاء الذين في أرسينوى[2] وما حولها، وإلى أولئك الذين معكم، سلام لكم. إلىكم جميعًا يا من أعددتم أنفسكم لتأتوا إلى الله. أحييكم يا أحبائي في الرب من أصغركم إلى أكبركم، رجالاً ونساءً، أنتم الأبناء الإسرائيليون القديسون في جوهركم العقلي. حقيقة يا أحبائي أن غبطة عظيمة قد أتت إلىكم، فما أعظم النعمة التي حلت علىكم في أيامكم هذه. ويليق بكم بسببه هو (المسيح) الذي قد افتقدكم، أن لاتكلوا في جهادكم حتى تقدموا أنفسكم ذبيحة لله في كل قداسة. فإنها بدونها لا يستطيع أحد أن ينال الميراث.
جوهر الإنسان وسقوطه:
حقًا يا أحبائي ـ إن هذا أمر عظيم لكم، أن تطلبوا ما يختص بفهم الجوهر العقلي الذي لايوجد فيه ذكر أو انثى، لكنه كيان غير مائت له بداية لكن ليس له نهاية. وأن تعلموا أن هذا الجوهر العقلي قد سقط في الهوان والعار العظيم الذي قد اتى علىنا جميعًا لكنه جوهر غير مائت لايفنى مع الجسد ولذلك رأي الله أن جرحه غير قابل للشفاء. ولأنه كان جرحًا خطيرًا هكذا، فإن الله افتقد البشر برحمته ـ ومن صلاحه بعد مرور عدة أزمنة، سلم لهم ناموسًا لمساعدتهم بواسطة موسى معطى الناموس، وأسس موسى لهم بيت الحق وأراد أن يشفي ذلك الجرح العظيم ولم يستطع أن يكمل بناء هذا البيت.
مجئ المخلص لشفاء نفوسنا:
ومرة أخرى اجتمع معًا جوقات القديسين (الأنبياء) وطلبوا رحمة الآب بخصوص مخلصنا، لكي يأتى إلىنا لأجل خلاصنا جميعًا. لأنه هو رئيس كهنتنا والأمين والطبيب الحقيقى الذي يستطيع أن يشفي الجرح العظيم. لذلك حسب إرادة الآب، أخلي نفسه من مجده. لقد كان إلهًا وأخذ صورة عبد (في7:2،8). لقد أخذ جسدنا وبذل نفسه لأجل خطايانا، وآثامنا سحقته، وبجراحاته شفينا جميعًا (إش5:53). لذلك يا أحبائي الأعزاء في الرب أريدكم أن تعرفوا، أنه بسبب جهالتنا أخذ شكل الجهالة، وبسبب ضعفنا أخذ شكل الضعف، وبسبب فقرنا أخذ شكل الفقر، وبسبب موتنا لبس صورة المائت وذاق الموت، واحتمل كل هذا من أجلنا. حقًا يا أحبائي في الرب يجب ألا نعطى نومًا لعيوننا ولا نعاسًا لأجفاننا (مز4:132) لكن يجب علىنا أن نصلي ونطلب بلجاجة إلى صلاح الآب حتى ننال رحمة، وبهذه الطريقة سوف يتجدد حضور المسيح (فينا) ونُعطِى قوة لخدمة القديسين، الذين يعملون لأجلنا على الأرض في وقت تراخينا، وسوف نحثهم ليتحركوا إلى مساعدتنا وقت ضيقنا. حينئذ يفرح الزارع والحاصد معًا.
حيل الشيطان لإهلاكنا:
أريدكم أن تعلموا يا أحبائي، حزني العظيم الذي اشعر به لأجلكم حينما أرى الاضطراب العظيم الآتى علىنا وأفكر في تعب القديسين العظيم وتنهداتهم التي ينطقون بها أمام الله من أجلنا، لأنهم يشاهدون كل أتعاب وعمل خالقهم لأجل خلاصنا، وكل المشورات الشريرة التي لأبليس وخدامه والشر الذي يفكرون فيه دائمًا لأجل هلاكنا منذ صار نصيبهم في جهنم، ولأجل هذا السبب يريدوننا أن نهلك معهم وأن نكون مع جمعهم الكثير. حقًا يا أحبائي في الرب اتحدث إلىكم كما إلى رجال حكماء لكيما تعرفوا تدبيرات خالقنا التي جعلها لأجلنا، والتي تعطى لنا بواسطة البشارة الظاهرة والخفية. لأننا ندعى عاقلون، لكننا قد لبسنا حالة الكائنات غير العاقلة بسبب ميلنا مع العدو، أم لستم تعلمون كيف تكون حيل الشيطان وفنونه الكثيرة، لأن الأرواح الشريرة تحسدنا منذ أن عرفوا أننا حاولنا أن نرى عارنا وخزينا وقد بحثنا عن طريقة للهروب من أعمالهم التي يعملونها معنا، ولم نحاول فقط أن نرفض مشوراتهم الشريرة التي يزرعونها فينا بل أن كثيرين منا يهزأون بحيلهم. والشياطين تعرف احسان خالقنا في هذا العالم، وانه قد حكم علىهم بالموت وأعد لهم جهنم ليرثوها بسبب غفلتهم وكثرة خبثهم.
أريدكم أن تعلموا يا أحبائي أننى لا أكف عن التوسل لله لأجلكم ليلاً ونهارًا لكي يفتح عيون قلوبكم حتى تبصروا كثرة خبث الشياطين الخفي وشرهم الذي يجلبونه علىنا كل يوم في هذا الوقت الحاضر. وأرجو الله أن يمنحكم قلب معرفة وروح تمييز حتى تستطيعوا أن تقدموا قلوبكم كذبيحة نقية أمام الآب في قداسة عظيمة بلا عيب. حقًا يا أحبائي، إن الشياطين تحسدنا في كل الأوقات بمشورتهم الشريرة واضطهاداتهم الخفية ومكرهم الخبيث وروح الإغراء، وأفكارهم التجديفية وعصيانهم، وكل الشرور التي يبذرونها في قلوبنا كل يوم، وقساوة القلب والأحزان الكثيرة التي يجلبونها علىنا في كل ساعة، والمخاوف التي بها يجعلون قلوبنا تضعف يوميًا، وكل غضب وذم بعضنا لبعض الذي يعلموننا إياه، وكل تبرير لذواتنا في كل ما نفعل، والإدانة التي يدخلونها في قلوبنا، التي تجعلنا عندما نجلس منفردين، أن ندين اخوتنا بالرغم من عدم سكناهم معنا، والاحتقار الذي يضعوه في قلوبنا بواسطة الكبرياء ـ عندما نكون قساة القلوب ونحتقر بعضنا البعض، وعندما تكون عندنا مرارة ضد بعضنا البعض بكلماتنا القاسية، وعندما نحزن في كل ساعة، وعندما نتهم بعضنا البعض، ولانلوم أنفسنا ظانين أن اخوتنا هم سبب متاعبنا، بينما نحن جالسون نصدر أحكامنا على ما يظهر خارجًا (الأشياء الظاهرة)، بينما السارق موجود بكليته داخل بيتنا، وكل المجادلات والانقسامات (في الرأي) التي نتجادل بها مع بعضنا البعض إنما تهدف إلى اثبات كلمة ذواتنا لنظهر مبررين أمام بعضنا البعض.
التوسل لطلب المعونة للخلاص:
إن الأرواح الشريرة تجعلنا نتحمس لأعمال لا نستطيع القيام بها. بينما تتسبب في أن نفشل ونخور في المهام التي في أيدينا والتي هي نافعة لنفوسنا ـ لذلك فإنهم يجعلوننا نضحك في وقت البكاء ونبكى في وقت الضحك وهكذا ببساطة، فإنهم يحولوننا كل مرة عن الطريق الصحيح. وتوجد خداعات أخرى كثيرة يجعلوننا بواسطتها عبيدًا لهم، لكن لا يوجد وقت الآن لكي نصف كل هذه. لكنهم عندما يملأون قلوبنا بهذه الخدع (الحيل) فإننا نتغذى بها، فتصير طعامًا لنا، ومع ذلك فإن الله يصبر علىنا ويفتقدنا لكي نتركها ونرجع إلىه. هذا وإن أعمالنا الشريرة التي ارتكبناها ستظهر لنا في جسدنا وستلبس نفوسنا هذا الجسد مرة أخرى ـ لأن الله بصبره يسمح بذلك ـ فتصير أواخرنا (في هذه الحالة) أشر من أوائلنا (مت45:12). لذلك لا تملوا من التوسل والصلاة إلى صلاح الآب حتى إذا أتتكم معونته، تستطيعون أن تعلموا نفوسكم ما هو الصواب.
سلطان الشيطان على من يُستعبد لشهواته ويبرر نفسه بأعماله الظاهرة:
حقًا أخبركم يا أحبائي أن هذا الاناء الذي نسكن فيه هو هلاك لنا، وبيت مملوء بالحرب. بالحقيقة يا أحبائي، أخبركم بأن الإنسان الذي يُسر بإرادته الذاتية ويُستعبد لأفكاره ويقبل الأشياء التي زُرعت في قلبه ويلتذ بها، ويتصور في قلبه أن هذه الأفكار سر شئ عظيم ممتاز، ويبرر نفسه بأعماله الظاهرة فإن نفس هذا الإنسان تكون مأوى للأرواح الشريرة التي تعلمه وتقوده إلى الشر، وجسده يمتلئ بنجاسات شريرة يخفيها في داخله: ويصير للشياطين سلطان عظيم على مثل هذا الإنسان، لأنه لم ينفر منهم ولم يخزهم أمام الناس.
متى نصير أجسادًا للشياطين:
ألا تعرفون أن الشياطين ليس لهم طريقة واحدة للاصطياد، حتى يمكننا معرفتها والهروب منها؟
أنتم تعرفون أن شرهم وأثمهم غير ظاهرين بشكل منظور، لأنهم ليسوا أجسامًا منظورة، ولكن ينبغي أن تعرفوا بأننا نصير أجسادًا لهم حينما تقبل نفوسنا أفكارهم المظلمة الشريرة، وعندئذ يصيرون هم ظاهرين بواسطة جسدنا الذي نسكن فيه. فالآن إذن يا أحبائي، دعونا لا نعطيهم مكانًا فينا، لئلا يأتي غضب الله علىنا، أما هم فسيمضون إلى موضعهم وهم يضحكون ساخرين بنا.
محبة الاخوة:
وهم يعلمون أن هلاكنا هو عن طريق (بغضة) قريبنا، وأن حياتنا أيضًا وخلاصنا هي عن طريق (محبة) قريبنا. من رأي الله قط، حتى يفرح معه ويحتفظ به داخل نفسه، حتى أن الله لايمكن أن يفارقه، بل يعينه أثناء سكناه في هذا الجسد الثقيل؟ أو من رأي قط شيطانًا في محاربته ضدنا، عندما يمنعنا من عمل الصلاح ويهاجمنا، واقفًا في مواجهتنا بشكل محسوس، لكي نخاف منه ونهرب منه؟ فإن الشياطين يعملون خفية، ونحن نجعلهم ظاهرين بواسطة أعمالنا. وهم جميعًا من مصدر واحد في جوهرهم العقلي، ولكنهم عندما ابتعدوا عن الله صاروا أنواعًا متعددة عن طريق تنوع أعمال شرهم.
أنواع الملائكة الأبرار والأشرار:
ولذلك أُعطيت لهم (الملائكة الأبرار والأشرار) أسماء مختلفة على حسب نوع عمل كل واحد منهم. فالبعض من الملائكة (الأبرار) يُسمون رؤساء ملائكة، والبعض منهم كراسى وربوبيات، والبعض رئاسات وسلاطين والشاروبيم، وهذه الأسماء أُعطيت لهم حين حفظوا مشيئة خالقهم. ومن الجهة الأخرى فإن شر الآخرين (الملائكة الساقطين) جعل من الضروري تسميتهم بأسماء: إبليس والشيطان، بسبب حالتهم الشريرة، والبعض منهم دُعوا شياطين، والبعض أرواح شريرة وأرواح نجسة، والبعض أرواح مُضلة، والبعض دُعوا باسم رؤساء هذا العالم. وتوجد أيضًا أنواع أخرى كثيرة منهم.
ويوجد أيضًا بين البشر الذين سكنوا في هذا الجسد الثقيل، هذا الذي نسكن فيه، من قد قاوموا الشياطين، والبعض من هؤلاء البشر دعوا رؤساء آباء، والبعض أنبياء وملوك وكهنة وقضاة ورسل، وآخرون كثيرون صاروا مختارين بسبب صلاحهم. وسواء كانوا رجالاً أم نساءً، فقد أُعطيت لهم كل هذه الأسماء على حسب نوع أعمالهم، ولكنهم جميعًا هم من واحد.
المحبة للغير محبة لنفوسنا والعكس:
لذلك فلأجل هذا السبب، إن الذي يُخطئ ضد قريبه يخطئ ضد نفسه، والذي يفعل شرًا بقريبه فإنه يفعل شرًا بنفسه، والذي يصنع خيرًا بقريبه يصنع خيرًا لنفسه. ومن جهة أخرى، من الذي يستطيع أن يفعل شرًا بالله أو من هو الذي يستطيع أن يؤذيه أو من يستطيع أن يغنيه أو من يستطيع قط أن يخدمه أو من يستطيع قط أن يباركه؛ كأن الله محتاج إلى مباركة البشر وشكرهم، أو من الذي يستطيع أن يكرم الله الإكرام الذي يليق به أو أن يمجده بالمجد الذي يستحقه؟ لذلك ففي أثناء غربتنا ونحن لابسون هذا الجسد الثقيل، فلنعطي الفرصة لله لكي يكون حيًا وفعالاً وحاضرًا في نفوسنا عن طريق حث وتحريض بعضنا البعض. ولنبذل ذواتنا حتى الموت لأجل نفوسنا ولأجل بعضنا البعض، فإذا فعلنا هذا فإننا بذلك نظهر طبيعة رحمة الله وحنانه من نحونا. فلا نكن محبين لذواتنا لكي لا نكون مستعبدين لسلطانها المتقلب غير الثابت. لذلك فإن من يعرف نفسه، فهو يعرف جميع الناس. لذلك مكتوب “إن الله دعا كل الأشياء من العدم إلى الوجود” (أنظر حكمة14:1). ومثل هذه الشهادات تشير إلى طبيعتنا العقلية المختفية في هذا الجسد الفاسد، ولكنها لم منتمية إلىه منذ البداية بل سوف تتحرر منه. ولكن من يستطيع أن يحب نفسه يحب كل الناس.
قدموا جسدكم مذبح واطلبوا النار الإلهية:
يا أحبائي الأعزاء، إننى أصلي لكي لا يكون هذا الأمر شاقًا علىكم ومتعبًا لكم، ولكي لاتكلوا وتضجروا من محبة بعضكم البعض. يا أحبائي ارفعوا وقدموا جسدكم هذا الذي تلبسونه، واجعلوا منه مذبحًا (لأحراق البخور)، وضعوا علىه كل أفكاركم واتركوا علىه أمام الرب كل مشورة شريرة، وارفعوا يدىّ قلوبكم إلى الله ـ العقل الخالق ـ متوسلين إلىه بالصلاة، أن يرسل علىكم من الأعإلى وينعم علىكم بناره غير المرئية العظيمة، لكي تنزل من السماء وتحرق كل ماهو موضوع على المذبح، وتطهر المذبح ،وبذلك فإن كهنة البعل ـ الذين هم أعمال العدو المضادة ـ سيخافون ويهربون من أمام وجوهكم، كهروبهم أمام وجه إيليا (أنظر 1مل38:18ـ44) وحينئذ ستبصرون سحابة ” قدر كف إنسان” صاعدة من البحر، وهي التي ستأتى إلىكم بالمطر الروحاني ليسقط علىكم، الذي هو تعزية الروح المعزى.
معونة القوة الإلهية للإنسان:
يا أحبائي الأعزاء في الرب، الأبناء الإسرائيليون القديسون، إنه لا توجد حاجة إلى تسمية أسماءكم الجسدية، التي ستمضي وتنتهي. ولكنكم تعرفون مقدار المحبة التي بيني وبينكم، وهي ليست محبة جسدية، بل محبة روحية إلهية. وإنى واثق تمامًا أنكم قد نلتم نعمة وغبطة عظيمة، عن طريق اكتشافكم لخزيكم وعاركم الخاص بكم، واهتمامكم بتقوية وتشديد وثبات جوهركم غير المنظور (إنسانكم الباطن) الذي لا يفنى ولا يضمحل مع الجسد. وبهذه الطريقة أعتقد أنكم تحصلون على النعمة والبركة والغبطة من هذا الزمان الحاضر. لذلك فلتكن هذه الكلمة واضحة دائمًا أمامكم، وهي أن لا تظنوا، في تقدمكم (في النعمة) وسيركم في الطريق (الروحى)، أن هذا هو من فضل أعمالكم، بل افهموا أن الفضل في هذا يرجع إلى قوة إلهية مقدسة تشترك معكم وتعينكم دائمًا في كل أعمالكم. اجتهدوا أن تقدموا ذواتكم كذبيحة لله دائمًا. واعطوا فرحًا لتلك القوة التي تعينكم، وابهجوا قلب الله في مجيئه، وكذلك كل جماعة القديسين، واعطوا فرحًا لي انا أيضًا ـ أنا المسكين البائس ـ الذي أسكن في هذا المسكن المصنوع من طين وظلمة. من أجل هذا فأنا أخبركم بهذه الأمور، لكي أنعش وأعزى نفوسكم، وأصلى، حيث إننا جميعًا من نفس الجوهر غير المنظور ـ الذي له بداية ولكنه بلا نهاية ـ أن نحب بعضنا بعضًا بمحبة واحدة. لأن كل الذين عرفوا أنفسهم، يعرفون أنهم جميعًا من جوهر واحد عديم الموت.
المسيح رأسنا ـ وضرورة المحبة بقوة:
وأريدكم أن تعرفوا هذا، أن يسوع المسيح ربنا، هو نفسه عقل الآب الحقيقى وبه قد خُلقت كل الخلائق العاقلة على مثال صورته، وأنه هو نفسه، رأس الخليقة، ورأس جسده أي الكنيسة (كو15:1ـ18). لذلك فإننا جميعًا أعضاء بعضنا البعض ونحن جسد المسيح. والرأس لا تستطيع أن تقول للقدمين، لا حاجة لي إلىكما، وإن كان عضو واحد يتألم، فالجسد كله يتألم معه (أف25:4، 1كو26:12،27). أما إذا انفصل عضو وخرج من الجسد ولم يعد له اتصال بالرأس، بل يجد مسرته في أهواء وشهوات نفسه وجسده، فهذا معناه أن جرحه عديم الشفاء، وقد نسى أصل حياته وبدايتها ونسى نهايتها وغايتها. ولذلك فإن آب الخليقة كلها قد تحرك بالحنو والرحمة نحو جرحنا هذا، الذي لم يستطع أحد من الخلائق أن يشفيه، ولكن شفاءه هو بصلاح الآب وحده. الذي بصلاحه ومحبته، أرسل لنا ابنه الوحيد، الذي من أجل عبوديتنا أخذ صورة العبد (في7:2)، وبذل نفسه من أجل خطايانا، مسحوقًا لأجل آثامنا، وبجرحه شفينا جميعًا (إش5:53) ؛ وهو جمعنا من كل الجهات لكي يصنع قيامة لقلوبنا من الأرض ويعلمنا أننا جميعًا من جوهر واحد وأعضاء بعضنا لبعض. لذلك ينبغي علىنا أن نحب بعضنا بعضًا بقوة عظيمة. فإن الذي يحب أخاه، يحب الله، والذي يحب الله فإنه يحب نفسه.
قدموا ذواتكم ـ اطلبوا القوة من الأعإلى:
لتكن هذه الكلمة ظاهرة أمامكم، يا أحبائي الأعزاء في الرب ـ الأبناء الإسرائيليون القديسون ـ وأعدوا أنفسكم للمجيء إلى الرب، لتقدموا ذواتكم كذبائح لله بكل نقاوة، تلك التي لا يستطيع أحد أن يحصل علىها بدون تطهير. أم تجهلون يا أحبائي، أن أعداء الصلاح يتآمرون دائمًا، مدبرين شرورًا ضد الحق؟ لأجل هذا أيضًا يا أحبائي، كونوا حريصين، ولا تعطوا عيونكم نومًا، ولا أجفانكم نعاسًا (مز4:132). وأصرخوا إلى خالقكم نهارًا وليلاً، لكي تأتيكم القوة والمعونة من الأعإلى، وتحيط وتحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح. حقًا يا أحبائي إننا متغربون الآن في بيت السارق، ومربوطون برباطات الموت. أقول لكم بالحقيقة، يا أحبائي، إن اهمالنا وحالتنا الوضيعة وانحرافنا عن طريق الرب، ليست خسارة وهلاك لنفوسنا فقط، ولكنها أيضًا سبب حزن وتعب للملائكة ولجميع القديسين في المسيح يسوع. حقًا يا أحبائي، إن انحطاطنا واستعبادنا، يسببان حزنًا عظيمًا لهم جميعًا، كما أن خلاصنا وسمونا ومجدنا هي سبب فرح وتهليل لهم جميعًا.
محبة الآب لا تتوقف:
اعلموا أن محبة الآب ورأفته لاتتوقف أبدًا، فمنذ بداية تحركه بالمحبة من نحونا وإلى إلىوم، وهو لا يكف عن العمل لخيرنا وخلاصنا، لكي لانجلب الموت على أنفسنا بسبب سوء استعمال الإرادة الحرة التي خلقنا بها. لأجل هذا فإن الملائكة أيضًا يحيطون بنا في كل الأوقات كما هو مكتوب ” ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم ” (مز7:34).
والآن يا أحبائي أريدكم أن تعرفوا، أنه منذ بدأت حركة محبة الله نحونا حتى الآن، فإن كل الذين ابتعدوا عن الصلاح وسلكوا في الشر، يُحسبون أنهم أبناء إبليس، وجنود إبليس يعرفون ذلك ولهذا السبب يحاولون أن يحولوا كل واحد منا لنسير في طريقهم.
الكبرياء والبغضة تقطعنا عن الله:
ولأن الشياطين يعرفون، أن إبليس سقط من السماء عن طريق الكبرياء، لهذا السبب أيضًا فإنهم يهاجمون أولاً، أولئك الذين بلغوا درجة عإلىة (في الفضيلة)، محاولين ـ بواسطة الكبرياء والمجد الباطل ـ أن يحركوهم الواحد ضد الآخر. وهم يعرفون ـ أنهم بهذه الطريقة ـ يستطيعون أن يقطعوننا عن الله، لأنهم يعلمون أن من يحب أخاه يحب الله، ولهذا السبب فإن أعداء الصلاح يزرعون روح الانقسام في قلوبنا، لكي نمتلئ بعداوة وبغضة شديدة ضد بعضنا البعض، لدرجة أن الإنسان في هذه الحالة لا يستطيع أحيانًا أن يرى أخاه أو أن يحدثه ولو من بعيد.
أهمية التمييز والتواضع:
حقًا، يا أحبائي، إنى أريدكم أن تعرفوا أن كثيرين قد سلكوا طريق النسك طوال حياتهم، ولكن نقص التمييز والإفراز تسبب في موتهم. حقًا يا أحبائي، إنكم إذا أهملتم نفوسكم، ولم تميزوا أعمالكم وتمتحنوها فلا أظن أنه يكون أمرًا عجيبًا أن تسقطوا في يدىّ إبليس بينما أنت تظنون أنكم قريبون من الله، وبينما أنتم تنتظرون النور تستولي علىكم الظلمة. فأي احتياج كان ليسوع حتى يمنطق نفسه بمنشفة ويغسل أرجل من هم أقل منه ـ إلاً لكي يعطينا مثالاً، ولكي يعلم أولئك الذين سيأتون ويتحولون إلىه لينالوا منه الحياة من جديد؟ (أنظر يو4:13ـ17). لأن بداية حركة الشر كانت هي الكبرياء التي حدثت أولاً. ولهذا فبدون اتضاع عظيم بكل القلب والعقل والروح والنفس والجسد، لن تستطيعوا أن ترثوا ملكوت الله.
من يعرف موته يعرف حياته الأبدية:
حقًا يا أحبائي في الرب، إني أصلي نهارًا وليلاً إلى إلهي الذي نلت منه عربون الروح (2كو22:1)، أن يفتح عيون قلوبكم لتعرفوا المحبة التي عندي من نحوكم، ويفتح آذان نفوسكم لكي تكتشفوا ارتباككم. فإن من يعرف خزيه، فإنه يسعى من جديد لطلب النعمة التي وُهبت له: والذي يعرف موته يعرف أيضًا حياته الأبدية.
التطلع للرؤيا وجهًا لوجه:
إنى أكلمكم يا أحبائي، كأناس حكماء: إنى أخاف لئلا يستولي علىكم الجوع في الطريق، بينما كان من المفروض أن نصير أغنياء. كنت أرجو أن أراكم وجهًا لوجه في الجسد. ولكننى اتطلع إلى الأمام، إلى الوقت القريب، الذي فيه سنصير قادرين على أن نرى بعضنا البعض وجهًا لوجه حينما يهرب الألم والحزن والتنهد، ويكون الفرح على رؤوس الجميع(إش10:35).
وهناك أمور أخرى كثيرة أريد أن أخبركم بها. ولكن ” أعط فرصة حكمة للحكيم فيزداد حكمة ” (أم9:9).
سلامى لكم جميعًا، يا أحبائي الأعزاء كل واحد باسمه.
الرسالة السابعة
السقوط والنعمة:
أحبائي ” إنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح أنه من أجلنا افتقر وهو غنى لكي نستغني نحن بفقره “(2كو9:8). انظروا إنه قد صار عبدًا، فجعلنا احرارًا بعبوديته، وضعفه قد شددنا وأعطانا القوة، وجهالته قد جعلتنا حكماء. وأيضًا بموته صنع قيامة لنا. حتى نستطيع أن نرفع صوتنا عإلىا ونقول ” وإن كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد لكن الآن لانعرفه بعد كذلك، ولكن إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة ” (2كو16:5ـ17).
حقًا يا أحبائي الأحباء في الرب، إنى أخبركم أنه فيما يخص نواحى الحرية التي تحررنا بها، فلا يزال عندى أشياء أخرى كثيرة لأقولها لكم، ولكن ليس هناك وقت الآن لذلك. الآن أحييكم جميعًا يا أحبائي الأعزاء في الرب، أيها الأبناء القديسون الإسرائيليون في جوهركم العقلي (حسب حياتكم الروحية). حقًا إنه من المناسب لكم، يا من اقتربتم من خالقكم، أن تطلبوا خلاص أنفسكم بواسطة ناموس العهد المغروس (في الداخل). ذلك الناموس الذي جف وتوقف بسبب كثرة الأثم، وإثارة الشر، واشتعال الشهوات، وانعدمت حواس النفس، ولذلك لمن نعد قادرين على إدراك الجوهر العقلي المجيد (الإنسان الباطن)، بسبب الموت الذي سقطنا فيه. لذلك كما هو مكتوب في الكتب الإلهية “كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سَيُحيا الجميع “(1كو22:15). لذلك فإنه هو الآن حياة كل طبيعة عاقلة مخلوقة على مثال صورته، وهو نفسه(المسيح) عقل الآب وصورته غير المتغيرة (عب3:1). أما المخلوقات المصنوعة على صورته فإنها من طبيعة متغيرة لأن الشر قد دخل فينا، وبه متنا جميعًا، حيث أنه غريب عن طبيعة جوهرنا العقلي (الروحى). ومن خلال كل ما هو غريب عن طبيعتنا، صنعنا لأنفسنا منزلاً مظلمًا ومملوءًا بالحروب. وأشهد الآن لكم أننا قد فقدنا كل معرفة الفضيلة. ولذلك فإن الله أبونا رأي ضعفنا، ورأي أننا أصبحنا غير قادرين أن نلبس لباس الحق بطريقة سليمة، لذلك جاء لكي يفتقد خلائقه بواسطة خدمة قديسيه.
محبة الله غير المحدودة:
أتوسل إلىكم جميعًا في الرب، يا أحبائي، أن تفهموا ما أكتبه لكم، لأن محبتى لكم ليست محبة جسدية، بل محبة روحية إلهية. لذلك أعدوا أنفسكم للمجيء إلى خالقكم، “ومزقوا قلوبكم لاثيابكم ” (يؤ13:2) ؛ وأسألوا أنفسكم ماذا نستطيع ” أن نرد للرب من أجل احساناته لنا ” (مز11:116)، الذي حتى ونحن في مسكننا هنا، وفي مذلتنا، ذكرنا في صلاحه العظيم وحبه غير المحدود ” ولم يصنع معنا حسب خطايانا ” (مز10:103)، وهو الذي سخر لنا الشمس لتخدمنا في بيتنا المظلم هذا، وعين القمر وجميع الكواكب لأجل خدمتنا، وجعلهم يخضعون للبطل الذي سيبطل (انظر رو20:8) وذلك لأجل تقوية أجسادنا. وتوجد أيضًا قوات أخرى كثيرة قد جعلها لخدمتنا، وهي قوات لا نراها بالعين الجسدية.
والآن بماذا سنجيب الله في يوم الدينونة، وأي خير ينقصنا، وهو لم يهبنا إياه؟ ألم يتألم رؤساء الآباء لأجلنا ألم يمت الأنبياء لأجل خدمتنا؟ أو لم يُضطهد الرسل من أجلنا؟ أو لم يمت ابنه المحبوب لأجلنا أجمعين؟ والآن ينبغي أن نعد أنفسنا لملاقاة خالقنا في قداسة. لأن الخالق رأي خلائقه ـ وحتى القديسين ـ لم يستطيعوا أن يشفوا الجرح العظيم الذي لأعضائهم. لذلك لكونه أب المخلوقات، فإنه عرف ضعف طبيعتهم جميعًا، وأظهر لهم رحمته، بحسب محبته العظيمة. ولم يشفق على ابنه الوحيد لأجل خلاصنا جميعًا بل بذله لأجل خطايانا (أنظر رو32:8). وهو مسحوق بآثامنا وبجلداته شُفينا (إش4:53). وجمعنا من كل الجهات بكلمة قدرته، حتى يصنع قيامة لعقولنا (أرواحنا) من الأرض، معلمًا إيانا أننا ” أعضاء بعضنا لبعض ” (أف25:4).
معرفة تدبير يسوع لأجلنا:
لذلك يجب علينا في اقترابنا من الله أن ندرب عقولنا وحواسنا لنفهم ونميز الفرق بين الخير والشر، ولكي نعرف تدبير يسوع الذي صنعه في مجيئه، كيف أنه جُعل مثلنا في كل شئ ما عدا الخطية وحدها (عب14:4). ولكن بسبب أثمنا العظيم، وإثارة الشر، وتقلباتنا المحزنة، فإن مجئ يسوع صار جهالة في نظر البعض، وللبعض عثرة، وأما للبعض الآخرين فهو ربح، وللبعض حكمة وقوة، وللبعض قيامة وحياة (1كو23:1ـ24). وليكن هذا واضحًا لكم، أن مجيئه قد صار دينونة لكل العالم. لأنه يقول “ها أيام ستأتى يقول الرب، وسيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم، ولا يعلمون كل واحد قريبه وكل واحد أخاه قائلاً إعرف الرب؛ وسأجعل أسمى يصل إلى كل أطراف الأرض: لكي يستد كل فم ويصير كل العالم تحت قصاص من الله؛ لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله ” (إر34:31، رو19:3،21:1). وبسبب غباوتهم لم يستطيعوا معرفة حكمته، بل إن كل واحد منا باع نفسه لعمل الشر بإرادته وصار عبدًا للخطية.
الحرية بالمسيح:
لهذا السبب أخلي يسوع نفسه وأخذ صورة عبد (في7:2)، لكيما يحررنا بعبوديته. ونحن قد صرنا أغبياء، وفي غباوتنا وجهالتنا ارتكبنا كل أنواع الشر، ولذلك أخذ شكل الجهالة حتى بجهالته نصبح حكماء. وقد صرنا فقراء وفي فقرنا افتقرنا إلى كل صلاح وفضيلة، لذلك أخذ شكل الفقر لكي بفقره نصبح أغنياء في كل حكمة وفهم (2كو9:8). وليس هذا فقط بل إنه أخذ شكل ضعفنا حتى بضعفه نصبح أقوياء. وأطاع الآب في كل شئ حتى الموت موت الصليب (في8:2)، لكي بموته يقيمنا جميعًا. لكي يبيد ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس (عب14:2). فإذا تحررنا بالحقيقة بواسطة مجيئه وتشبهنا بتواضعه فإننا نصير تلاميذ للمسيح، ونرث معه الميراث الإلهي.
حقًا يا أحبائي في الرب إنني منزعج جدًا ومضطرب في روحي لأننا نلبس ثوب الرهبنة ولنا اسم القديسين، ونفتخر بهذا أمام غير المؤمنين. وأنني أخشى لئلا تنطبق علينا كلمة بولس الذي يقول لهم صورة التقوى ولكنهم ينكرون قوتها” (2تى5:3). وبسبب المحبة التي عندي من نحوكم، أصلي إلى الله من أجلكم، أن تفكروا بعمق في حياتكم، وأن ترثوا الأمجاد غير المنظورة.
حقًا يا أحبائي اننا حتى إذا أكملنا عملنا بكل قوتنا في طلب الله فأي شكر نستحق؟ لأننا نطلب فقط مكافأة لنا؛ نحن فقط نطلب ما يتفق مع طبيعة حياتنا الروحية وجوهرنا العقلي. لأن كل إنسان يطلب الله ويخدمه بكل قلبه، فإنما يفعل ذلك وفقًا لجوهره وهذا طبيعي بالنسبة له. أما إن صدرت منا خطية، فإنما هي غريبة عن طبيعة جوهرنا (الروحى).
الذبيحة والآلام:
يا أحبائي الأعزاء في الرب يامن أنتم مستعدون لتقديم انفسكم ذبيحة لله بكل قداسة، إننا لم نخف عنكم أي شئ نافع، بل أظهرنا لكم كل ما قد رأيناه: أن أعداء الصلاح يدبرون الشر دائمًا ضد الحق. وخذوا من هذا كلمة منفعة بأن ” الذي حسب الجسد يضطهد الذي حسب الروح” (غل29:4). “وجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يُضطهدون ” (2تى12:3).
ولأن يسوع عرف كل الآلام والتجارب التي ستأتي على الرسل في العالم، وانهم بصبرهم سيقضون على قوة العدو، أي عبادة الأوثان، لذلك عزاهم بقوله ” في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم ” (يو33:16). وعلمهم قائلاً ” لا تخافوا من العالم لأن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا. إن كانوا قد اضطهدوا الأنبياء الذين قبلكم، فسيضطهدونكم، وإن كانوا يبغضوننى فسيبغضونكم أيضًا. ولكن لا تخافوا: لأنكم بصبركم ستبطلون كل قوة العدو ” (رو 18:8، مت 12:5، يو20:15، لو19:21).
ما نحتاج أن نعرفه لنتحرر:
أما عن معاني الحرية التي نلناها فعندى الكثير، ولكن أعط فرصة للحكيم فيصير أوفر حكمة (أم9:9). ومع ذلك فإننا نحتاج إلى التعزية المتبادلة بكلماتنا البسيطة. ولمحبتى فيكم كلمتكم بهذه الكلمات القليلة الروحانية لتعزية قلوبكم، لأني أعلم أنه إذا كان العقل قد بلغ الإدراك الحقيقى فلا يحتاج إلى كثرة الكلام الجسدانى. ولكننى أفرح بكم جميعًا أيها المحبوبون في الرب، أنتم الأبناء القديسون الإسرائيليون في جوهركم العقلي. لأن أول ما يحتاج إلىه الإنسان العاقل هو (أ) أن يعرف نفسه. (ب) ثم بعد ذلك يحتاج أن يعرف أمور الله، وكل الهبات السخية التي تهبها نعمة الله دائمًا وأبدًا للإنسان. (ج) وبعد ذلك يحتاج أن يعرف أن كل خطيئة وكل أثم إنما هي غريبة عن طبيعة جوهره العقلي (الروحى). وأخيرًا إذ رأي الله أنه باختيارنا قد صارت لنا هذه الأشياء الغريبة عن طبيعتنا الروحية وأصبحت هي سبب موتنا هنا، لهذا السبب تحرك بالرحمة نحونا وبصلاحه أراد أن يرجعنا ثانية إلى تلك البداية التي بلا نهاية، (أي حالتنا الأولي التي لأموت فيها) وافتقد خلائقه، ولم يشفق على نفسه لأجل خلاصنا جميعًا. لقد بذل نفسه لأجل خطايانا (غل4:1) وصار مسحوقًا بسبب آثامنا، ولكننا بجلداته شُفينا (إش4:53). وبكلمة قدرته جمعنا من كل مكان من أقصاء الأرض إلى أقصائها، وعلمنا أننا أعضاء بعضنا لبعض (أف25:4). لذلك فإن كنا قد تهيأنا وعزمنا أن نحرر أنفسنا بواسطة مجيئه إلىنا، فلنمتحن أنفسنا كأناس عاقلين لنرى ماذا يمكننا ” أن نرد للرب من أجل حسناته التي صنعها معنا”(مز11:116). وهكذا أنا أيضًا، المسكين البائس الذي أكتب هذه الرسالة، إذ قد نبه عقلي من نوم الموت بنعمته، قد صرفت معظم زمان عمري على الأرض باكيًا منتحبًا وأنا أقول ” ماذا يمكننى أن أرد للرب من أجل كل حساناته التي صنعها معى”. فليس هناك شئ ينقصنا إلاّ وقد تممه لنا وعمله لأجلنا ونحن في مذلتنا. فقد جعل ملائكته خدامًا لنا. وأمر أنبيائه أن يتنبأوا، ورسله أن يكرزوا لنا بالإنجيل. والتدبير الذي هو أعظم كل تدبيراته أنه جعل ابنه الوحيد يأخذ صورة عبد لأجلنا.
لنطهر قلوبنا بالتوبة لنرث الميراث والروح المعزى:
لذلك فإنى أتوسل إلىكم، يا أحبائي في الرب، أنتم الوارثون مع القديسين، أن تنهضوا عقولكم في مخافة الله. لأنه يجب أن تكون هذه الكلمة واضحة لكم، أن يوحنا السابق ليسوع عمد بالماء للتوبة لمغفرة الخطايا ليجتذبنا إلى معمودية ربنا يسوع الذي عمد بالروح القدس والنار. فلنستعد الآن بكل قداسة أن ننقى ذواتنا جسدًا وروحًا لنقبل معمودية ربنا يسوع المسيح، لكي نقدم ذواتنا ذبيحة لله. والروح المعزى يعزينا ليردنا ثانية، إلى حالتنا الأولي فنستعيد الميراث وملكوت ذلك الروح المعزى نفسه. واعلموا أن ” كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح، ليس ذكر أو أنثى، ليس عبد ولا حر ” (غل27:3،28). وحينما ينالون تعلىم الروح القدس تبطل منهم حركات الأفكار الجسدانية في ذلك الوقت، حينما ينالون الميراث المقدس ويسجدون للآب كما يجب بالروح والحق” (يو24:4). ولتكن هذه الكلمة واضحة لكم، ولا تنتظروا دينونة آتية عندما يأتى يسوع ثانية، لأن مجيئه (الأول) قد سبق وصار دينونة لنا أجمعين.
لذلك اعلموا الآن أن القديسين والأبرار، الذين لبسوا الروح، يصلون دائمًا لأجلنا لكيما ننسحق أمام الله ونتحد بربنا ونلبس ثانية ذلك الثوب الذي خلعناه، والذي كان لنا منذ البدء أي صورتنا الأولي الروحية التي خلعناها بالمخالفة. لأنه كثيرًا أيضًا ما جاء ذلك الصوت من الله الآب إلى كل الذين لبسوا الروح قائلاً لهم: ” عزوا عزوا شعبي يقول الرب. أيها الكهنة كلموا قلب أورشليم ” (إش1:40، 2س). لأن الله دائمًا يفتقد خلائقه ويسكب عليهم صلاحه.
بالحقيقة يا أحبائي، إنه يوجد معاني للحرية التي بها قد تحررنا ويوجد أشياء أخرى كثيرة لأخبركم بها. ولكن الكتاب يقول: ” اعطى فرصة للحكيم فيكون أوفر حكمة ” (أم9:9). ليت إله السلام يعطيكم نعمة وروح الإفراز، لتعرفوا أن ما أكتبه إلىكم هو وصية الرب. وليحفظكم إله كل نعمة مقدسين في الرب إلى آخر نسمة من حياتكم، إني أصلي إلى الله دائمًا لأجل خلاصكم جميعًا، يا أحبائي في الرب. نعمة ربنا يسوع المسيح تكون معكم جميعًا. آمين.
[1] يخاطب القديس أنطونيوس أولاده فى مختلف الرسائل بلقب الإسرائيليين، أو الإسرائيليين حسب الجوهر العقلى، وهذه العبارة تفيد أن إسرائيل الحقيقى هو الشعب الجديد أى المؤمنين بالمسيح، أعضاء جسد المسيح، أنظر الرسالة الثالثة التى يشرح فيها معنى “إسرائيل” ـ أى “العقل الذى يرى الله” عن طريق معرفة يسوع المسيح الذى هو اسم الحق.
[2] أرسينوى بالفيوم