الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح – قراءة تيطس 2: 13 في ضوء قاعدة جرانفيل شارب – مينا كرم
الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح - قراءة تيطس 2: 13 في ضوء قاعدة جرانفيل شارب - مينا كرم
الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح – قراءة تيطس 2: 13 في ضوء قاعدة جرانفيل شارب – مينا كرم
الهدف
تسعى هذه المقالة في تقديم ما عناه حقًا الرسول بولس في تيطس2:13 “ منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلّصنا يسوع المسيح” ، حيث من غير الواضح في الترجمات العربية التركيب اللغوي اليوناني في هذا النص، لذا فربما يعتقد القاريء أن المقصود هنا بتعبير ” الله العظيم ” هو الله الآب، والمقصود بتعبير ” مخلصنا ” هو الرب يسوع المسيح.
لكن بالقراءة والدراسة المتأنية للنص اليوناني فيكون الرب يسوع المسيح هو محور الحديث هنا، فهو ” الله العظيم- τοῦ μεγάλου Θεοῦ “ وهو أيضاً ” ومخلّصنا يسوع المسيح- καὶ Σωτῆρος ἡμῶν Ἰησοῦ “، فهذا النص هو أحد النصوص التي تلقب الرب يسوع بلقب “الله” [1]
يوجد بعض الآراء في تفسير هذا النص ولكن الرآي الرئيسي والغالب والصحيح وما نتبناه هنا، هو أن الرب يسوع هو ” الله العظيم ومخلصنا” وهذا الرآي له من الحجج التي يسيل لها لعاب الأذهان، ولعل القاريء لم يعرف بالقاعدة-جرانفيل شارب- محور مقالتنا لذلك سنبدأ بشرحها ثم ننتقل إلى شرح موسع للنص وشرح أدلة التفسير الذي نتبناه والتعليق على الآراء الأخرى.
عرض وشرح لقاعدة جرانفيل شارب وتطبيقها على تيطس 2: 13
قاعدة جرانفيل شارب هي قاعدة نحوية في اللغة اليونانية يعود اسمها لصاحبها، يُشار لها غالبًا بــ TSKS، هذه القاعدة تقول ببساطة في حال وجود أسم أو أكثر من الأسماء “الشخصية Personal” (وليس أسماء العلم)[2]، المفردة، ولهم نفس الحالة، ويربطهم حرف καί، ولهم أداة تعريف واحدة، فالأسم الثاني أو الفاعل فهو يرتبط بالأسم الأول الذي له فقط أداة التعريف[3] وبسبب أن شارب لاحظ أن عند تطبيق هذه القاعدة على بعض النصوص يتجلى بها ألوهية المسيح، فنشر عام 1798 كتابه بعنوان ” Remarks on the Definite Article in the Greek Text of the New Testament ” ليُشير إلى الكثير من الأدلة الجديدة على ألوهية المسيح في ضوء بعض النصوص الكتابية المُترجمة بشكل خاطيء.
أحد هذه النصوص هو تيطس2:13:منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلّصنا يسوع المسيح
προσδεχόμενοι τὴν μακαρίαν ἐλπίδα καὶ ἐπιφάνειαν τῆς δόξης τοῦ μεγάλου θεοῦ καὶ σωτῆρος ἡμῶν Ἰησοῦ Χριστοῦ,
فشارب يقول ببساطة أن الأسم الثاني يُشير إلى نفس الشخص المذكور بالأسم الأول حينما يتم هذه الشروط الثلاثة، وهم: 1. أن تكون الأسماء شخصية Personal ولا يكون أحدهم غير شخصي impersonal، 2. كل الأسماء مفردة وليست جمع Plural، 3. لا يوجد أسم علم a proper name. [4]
وبحسب تيطس 2: 13 (θεοῦ-الله) ليس أسم علم ومفرد يربطه الحرف (و- καὶ) مع (مخلص σωτῆρος) بأداة تعريف واحدة τοῦ)) ولهم نفس الحالة فتنطبق قاعدة شارب على تيطس 2: 13، فيصبح كل من “الله والمخلص” إشارة لشخص واحد، وبهذا لا يُفهم من النص أن تعبير الله العظيم يُشير للآب وتعبير المخلص يُشير للمسيح[5]
وعلى الرغم من القبول الحافل لما قاله شارب بين العلماء الآن ورسوخها[6] ولكن قد هاجم تطبيقها على تي 2:13 أحد أكبر النحويين في القرن التاسع عشر، فقد كان ثالثة الأسافي ما قاله النحوي الكبير G. B. Winer فقد قال ” لأسباب خاصة بالنسق العقائدي لبولس لا أعتبر أن “مخلص σωτῆρος”مفعول ثاني مع “الله θεοῦ ” ويقول أيضاً ” في الملاحظات التي كتبتها أعلاه لم أنوي بها رفض “σωτῆρος ἡμῶν- مخلصنا” كمفعول ثاني بالاعتماد على أداة التعريف τοῦ، ولكن القناعة المستمدة من كتابات بولس يجعلني أقول أنه لا يمكن أن يسمي يسوع بلقب الإله العظيم وهذا هو الدافع لتبيان عدم وجود حائل لغوي لأعتبار أن كلمة –مخلص- σωτῆρος مفعول به ثاني [7]
من الملحوظ هنا أنWiner لا يُقدم أي شيء عدا اعترافه هو أن القضية ليست نحوية من الأساس بالنسبة له ولكن عقائدية، فهذا الرأي اللاهوتي الخاص به ليس له أي علاقة على الإطلاق بالشق النحوي ( على الرغم أنه نحوي) فمن الغريب أنه يبني اعتراضه على أسس عقائدية، وهي مسألة لا تهم في حد ذاتها النحوي، وعلى الرغم أن وينر تكلم في غير تخصصه.
ولكن بأعتباره نحوي كبير فقد كان لكلماته عظيم الأثر حتى أن Moulton, J. H رغم أنه قدم أدلة أن “الله والمخلص” يُشيران إلى شخص واحد لكنه قد تحاشى الحديث عن الشق النحوي قائلاً “لا نستطيع مناقشة تيطس 2: 13 من جهة النحو ولكن نترك باب النقاش في هذا الآمر مفتوح على مصراعيه”[8]!
وبحسب تعبير دانيال والاس أن أشد معارضي شارب Calvin Winstanley لم يستطيع بكل ما بذل من جهد في 55 صفحة أن يفعل ما فعله Winer في حاشية واحدة فقط! ولكن سوء الفهم والتشويه هذا لم يُغير من الآمر شيء فنحن نمتلك حوالي 80 نص في العهد الجديد ينطبق عليه قاعدة شارب وتُشير الأسماء إلى نفس الشخص وهذا ليس به أي استثناء فالكل قد اعترف بصحة القاعدة بما في ذلك معارضي شارب[9] ويظل اعتراض وينر وغيره مبني على رأي لاهوتي وليس نحوي، لذلك يقول Dana & Mantey ” إن قاعدة جرانفيل شارب التي مر عليها قرن من الزمان لا زالت تثبت صحتها” [10]
ويُضيف والاس:
قد أسيء فهم قاعدة شارب وحصيلة ذلك هو التردد في تطبيقها على تيطس 2: 13، 2 بطرس 1:1 في القرنين الماضيين، ولكن فهم القاعدة بشكل صحيح يُظهر أن هذه القاعدة تتمتع بأعلى درجات الصحة حين تطبيقها على نصوص العهد الجديد ولذلك تعلن هذه النصوص( تي 2:13 ، 2 بط 1:1) عن هوية يسوع بأعتباره “الله θεός”[11] ويُضيف بروس باكر “هؤلاء الرافضين لقاعدة شارب لم يفهموا ما تنص عليه القاعدة بالفعل!، ولكن حين تطبيق القاعدة بدقة فتصبح أداة تفسيرية قوية، بالإمكان تطبيقها على تيطس 2: 13 ، 2 بطرس 1:1 دون أي تحفظ، كما قال جرانفيل نفسه “أن هذه القاعدة تُعزز أدلة ألوهية المسيح”[12]
هذا التركيب اللغوي ليس من اختراع شارب، لكنه فقط لاحظ هذا النمط في اللغة وصاغه في صورة قاعدة، لذلك تقريبًا يُجمع اباء الكنيسة اليونانيون الأوليين في رؤية أن تعبير “الله والمخلص” يخص يسوع[13] والغريب أن الآباء غير اليونانين لم يفهموا هذه القراءة للنص مثل إمبروسيوس[14]كذلك الترجمات القديمة مثل اللاتيني والسرياني والأرميني والمصري![15]،هذا علته ببساطة أن هذا التركيب يخص أسلوب اللغة اليونانية، فالآباء اليونان فهموا هذا الشكل لطبيعية هذه القراءة[16].
لقب الله
لما سبق شرحه حول خلفية دراسة هذا النص من الجهة النحوية فالتفسير الطبيعي للنص أن يكون يسوع هو “الله والمخلص” فبحسب التحليل النحوي لــ Max Zerwick أن أداة التعريف الواحدة تجعل النص بكامله يُشير للمسيح[17] ولا يوجد أي اعتراضات نحوية على هذا التركيب اللغوي فقط وينر هو الذي هَجَر استقامته المعتادة بإنكاره قوة أداة التعريف الواحدة في هذا النص إستناداً على فكره اللاهوتي حول كريستولوجية بولس[18]
ولكن لم ينتهي الآمر هنا فقد كتب العالم Gordon Feeفي كتابه Pauline Christologyتعليقاته حول الكثير من النصوص الهامة المختصة بالفكر الكريستولوجي لبولس، وهو يرى أن النص محل نقاشنا ( تيطس 2: 13) يتحدث عن شخص واحد وليس شخصان، وهذا الشخص هو الله الآب وليس يسوع المسيح، فهو يرى أن بولس لم يُلقب الرب يسوع بلقب ” ثيؤس” حيث أنه يرى أيضاً بحسب ( رو 9:5)[19] لا يُلقب بولس الرب يسوع بلقب ” ثيؤس”، فهذا موقف ثابت عند جوردن يتحرك به ويتعامل على أساسه في جميع النصوص التي تُعطي لقب ” ثيؤس” ليسوع في كتابات بولس.
لكن يجب أن لا نخرج خارج حدود النقاش فحديثنا ليس عن ألوهية المسيح من عدمها، يؤكد جوردن على ألوهية المسيح وعقيدة الثالوث..إلخ، لكن يتمحور الخلاف حول سؤال واحد، وواحد فقط، وهو، هل تيطس 2: 13 يقول عن المسيح أنه “إلهنا العظيم ومخلصنا”؟.
الإجابة هي نعم!، هذا ما يُعلنه تيطس 2: 13، وهذه هي المشكلة بالفعل! -وهي أن بولس يُلقب يسوع بــ” ثيؤس”-، ولذلك سيكون أي تفسير آخر لهذا النص هو ناتج صعوبة تقبل تلقيب بولس للمسيح بلفظ “الله”، وهذا من العجب العجاب، بما أن بولس يؤمن أن المسيح هو الله وجوردن (وغيره) يؤمن أن بولس يؤمن أن المسيح هو الله فهل من غير المتوقع أن بولس يكتب أن المسيح هو الله!؟
يستطيع بولس أن يكتب أن يسوع هو الله، صحيح أن بولس في الغالب يُطلق على الآب لقب ” الله” والمسيح لقب “الرب” ولكن هذا لا يمنع أنه يقوم بتبديل أي من هذه الألقاب، فحينما يكتب بولس “ورب واحد يسوع المسيح” هذا لا يلغي ربوبية الآب، وكذلك تلقيب المسيح أنه “الله” لا يلغي تميز الله الكلمة عن الآب، فما هي المُشكلة اللاهوتية المستعصية إذا قال بولس عن المسيح أنه الله؟[20]
فهنا نحن أمام دعم من جهة قواعد النحو مقابل اعتراض لاهوتي يكمن في عدم إطلاق لقب “الله” على المسيح في كتابات بولس لندرة هذا الاستخدام، هذه الندرة في الاستخدام عند بولس تعود إلى الخلفية التوحيدية التي في ذهن المؤمنين التي ربما تجعلهم لا يُميزون بين الابن والآب، ولكن بولس قد آمن أن يسوع هو الله دون إنكار أن الله واحد، وعزو لقب الله للمسيح لا ينتهك الفكر اليهودي لوحدانية الله، والسبب في ذلك ببساطة أن بولس لم يقل بوجود أكثر من اله، لكنه أشار أن الطبيعة الالهية اكثر تعقيد مما يظن البعض[21]
ولو كانت المشكلة أدبية، فتكون هذه هي إحدى مشكلات تطبيق النقد الأدبي، فالأسلوب المعتاد لبولس أنه يلقب المسيح بلقب “الرب” هذا ما يتفق فيه الجميع، ولكن لماذا لا يكتب بولس أي استثناء؟، هذا من باب الافتراض أنه لم يلقب المسيح بلقب “ثيؤس” بحسب رومية 9:5، ناهيك عن عب 8-9 :1، لماذا يتم تقييد أي كاتب بما يستخدمه في الغالب؟، من حق أي كاتب أن يُنشيء استثناء اسلوبي.
يُحاجج بذلك Harris ويرى أن من مخاطر البحث الأدبي أنه يجعل التعبيرات المعتادة لدى أي كاتب هي معيار خانق لدرجة لا تسمح للكاتب بوجود مساحة حرة يستخدم فيها أساليب وألفاظ لاهوتية متنوعة[22]، بكلمات أخرى في حين وجود أدلة قوية تدعم أي صياغة كتبها أحد كتبة العهد الجديد، بغض النظر عن وجودها في مواضع أخرى أو لا، ما الذي يُجبرنا أن نتجاهل هذه الأدلة!، ما الذي يمنع وجود استثناء؟، وما العلة التي تجعنا نجر خطواتنا نحو التفسير الأكثر طبيعية؟ لا سيما لو كانت هذه الصياغة تتناسب مع الفكر اللاهوتي الذي يُقدمه الكاتب نفسه، بما أننا نمتلك أدلة أن أحد الكتبة قد كتب شيئًا ما فهو قد كتبه!، هذا كله على افتراض أن تي 2:13 هو الموضع الوحيد الذي يُلقب بولس فيه المسيح بهذا اللقب، لكن لو اعتبرنا رومية 9:5 هو موضع آخر يرد فيه هذا اللقب للمسيح فهذا سيدعم تفسيرنا!، لا سيما بالمقارنة مع كولوسي 15-20 :1 ،فيلبي 6-11 :2 وغيره.
ولكن حتى مع اعتبار أن تي 2:13 هو استثناء، فهذا ليس معضل من كل الجوانب وأولها هو ما سبق عرضه من التوافق المناسب لــ تي 2:13 للتطبيق الصارم لقاعدة جرانفيل شارب وعزو لقبي “الله والمخلص” للمسيح، والآن ننتقل إلى اسباب أخرى.
لقب الله والمخلص
من الشواهد التي تدعم هذا التركيب اللغوي أنه يُشير إلى شخص واحد هو ما ذكره مولتون، فهو يقول أن هذه الصيغة (الله والمخلص) وردت في العصر البطلمي وقيلت للملوك المؤلهين وطبقت على بطليموس للحديث عن شخص واحد، وأيضا الألوهيه الأبدية المفتخرة بذاتها في البرديات والنقوشات الموجودة في العصر البطلمي والامبراطوري[23] وعلى الرغم أن مولتون لم يناقش هذا التركيب من جهة النحو لكنه اعتقد أنه يُشير إلى شخص واحد وليس شخصين لأن اللغة الهيلينة في هذا العصر استخدمت هذه الصيغة لتُشير إلى شخص واحد.
يقول توماس لي” بشكل عام تم الجمع بين مصطلحي “الله و المخلص” في الديانات الوثنية في ذلك الوقت للإشارة إلى شخص إلهي واحد، ولذلك فمن المنطقي أن يُشير هذا المصطلح إلى شخص واحد في ضوء السياق التاريخي”[24] ويقول مايكل موس ” أن هذا الازدواج بين لقبي “الله و المخلص” شائع الاستخدام في العالم الوثني للإشارة إلى شخص واحد[25]ويُضيف فيليب تاونر “أن لقب “الله و المخلص” شائع في الخطاب الهلنستي واليهودي عادة يُشير إلى شخص واحد، مستخدم في الكتابات اليهودية للإشارة إلى يهوه، وكذلك في ادعاءات الحكام اليونانيين والرومان مثل بطليموس ويوليوس قيصر” [26]
هنا نحن أمام تركيب لغوي قوي من جهة النحو وتطبيق قاعدة جرانفيل شارب على النص محل النقاش، وأيضاً اللقب “الله والمخلص” يُشير إلى شخص واحد بحسب السياق التاريخي، وهنا لم تنتهي حجج الرأي القائل بأن يسوع هو الله والمخلص، ولكننا ننتقل من نقطة إلى نقطة حسب رؤيتي لارتباط هذه النقاط ببعض، فبعض العلماء اقر بالفعل أن هذا التركيب اللغوي يُشير إلى شخص واحد ولكنهم قالوا هذا الشخص هو الآب وليس الرب يسوع وعلى سبيل المثال:
يسوع هو المجد[27]
يرى جوردن أن هذا اللقب(الله و المخلص)يخص شخص واحد وليس شخصان، وهو-هنا- الآب، مع العلم أن جوردن يعتقد أن رسالة تيطس هي أحد الرسائل التي كتبها بولس ( رسائل بولس الرعوية تختلف في اسلوبها عن باقي رسائله)، يُقر جوردن أيضًا أن الرأي السائد في الوسط الأكاديمي يقول عكس ما يعتقد هو، هذا يجعل عب الإثبات ثقيل بدرجة ليست هينة على جوردن!، على عكس الرأي المكتسح “حرفيًا”، والذي يتبناه أغلبية علماء العهد الجديد، ويتبناه معظم التراجم الإنجليزية، يُقدم جوردن تفسيره لهذا النص على هذا النحو، يضع عبارة “يسوع المسيح Ἰησοῦ Χριστοῦ ” كمقابل لـ”المجد- τῆς δόξης.” فيصبح يسوع هو “المجد” نفسه.[28]
يبدأ جوردن بالقول أننا لو افترضنا أن بولس قدم شكل اخر للنص ويختزله إلى “ظهور مجد الله، يسوع المسيح” لم يكن أحد يظن أن “يسوع المسيح” سيكون مقابل للفظ “الله”، والدليل على ذلك كو 2:2 ” كيما تتشدد قلوبهم وتتوثق أواصر المحبة بينهم فيبلغوا من الإدراك التام أعظم مبلغ يمكنهم من معرفة سر الله، أعني المسيح” (الترجمة اليسوعية) بشكل حرفي النص يقول ” سر الله المسيح- “The Mestery of God, Christ لكن المفسريين يفهمون ما يقصده بولس بطريقة صحيحة، وهو أن المسيح هو “سر الله” وليس هو “الله”، استخدام لقب “الله” للمسيح هو أمر شاذ في كتابات بولس [29]
تكمن مشكلة طرح جوردن، في الابتعاد عن مناقشة ما قاله بولس بالفعل!، فهو افترض ما يعتقد أنه جوهر رسالة تيطس 2: 13 يجب أن يكون هو معيار لما كتبه بولس، ولكن هذا الشكل الأبسط والمختصر للنص حتى لو فهمناه على هذا النحو – يسوع المسيح=مجد الله- هذا لا يعني أننا يجب أن نفهم ما قاله بولس بنفس الطريقة لأن واقعيًا لم يكتب بولس هذا الشكل من الأساس، وفي الغالب عدد قليل من الناس سيفهمون هذا الشكل الذي افترضه جوردن أو ما كتبه بولس حتى، أن يكون يسوع مقابل لقب “الله”، هذا متوقع لعدم تقليدية هذا اللقب للمسيح، وبالتالى حينما يرى القاريء نص يدعو المسيح بـ”الله” بشكل غريزي وطبيعي يبحث عن طريقة أخرى في فهم هذا النص، وهذا ما يفعله جوردن!، والدليل على ذلك أننا سنفترض شكل آخر للنص كما افترض جوردن، تخيل معي عزيزي القاريء لو كتب بولس “الرب العظيم ومخلصنا يسوع المسيح”
ما كتبه بولس | ما أفترضه |
προσδεχόμενοι τὴν μακαρίαν ἐλπίδα καὶ ἐπιφάνειαν τῆς δόξης τοῦ μεγάλου θεοῦ καὶ σωτῆρος ἡμῶν Ἰησοῦ Χριστοῦ | προσδεχόμενοι τὴν μακαρίαν ἐλπίδα καὶ ἐπιφάνειαν τῆς δόξης τοῦ μεγάλου κυρίου καὶ σωτῆρος ἡμῶν Ἰησοῦ Χριστοῦ |
فقط بتغيير لقب “الله” إلى لقب “الرب” هل كان سيفهم أي قاريء أن يسوع ليس هو “الرب”؟، بالطبع لا، بل ولم يكن جوردن وغيره قالوا تفسيرهم هذا!.
وبالنسبة للنص الذي يستخدمه جوردن(كو 2:2) فهو بعيد للغاية وليس من المنطق مقارنة النصيين ببعض، ففي الغالب لم يُفهم تعبير “معرفة سر الله” أنه إشارة إلى معرفة الله نفسه، لأن “السر” لا يُشير إلى أحد مظاهر الكيان الإلهي، ولكن في المقابل، في الغالب يُفهم ” ظهور مجد الله” أنه إشارة إلى الله الذي يظهر نفسه، لأن” المجد” في الغالب يُشير إلى أحد مظاهر الكيان الألهي نفسه، وبالتالي من غير الطبيعي أن نفهم”ظهور مجد الله” للإشارة إلى أي شيء آخر غير الله الذي يظهر في مجده، ولكن على النقيض من ذلك، “معرفة سر الله” تنقل إلى الذهن بصورة طبيعية معرفة سر الله مهما كان هذا السر ولكنه شيء متميز عن كيانه.
أما عن اعتبار استخدام لقب الله للمسيح هو أمر شاذ في كتابات بولس(un-Pauline) هو مشكلة في الاستدلال، لأن جوردن يستخدم 1 كو 6:8 “لكن لنا اله واحد الآب الذي منه جميع الاشياء ونحن له. ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الاشياء ونحن به.” في محاولة لاعتبار استخدام مطلق للقب “الله” أو “الرب” لأن بولس ميز بين اللقبين، هذا صحيح من وجه واحد وهو تخصيص هذه الالقاب بالفعل، ولكن هذا التخصيص هو عام لكنه ليس مطلق!.
على سبيل المثال اقتبس بولس من العهد القديم(اش 52:11، 2 صم 7:14) فيقول “لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسوا نجسا فاقبلكم، واكون لكم ابا وانتم تكونون لي بنين وبنات يقول الرب القادر على كل شيء”(2كو 17-18 :6)، ولكن التعبيرات “الرب القدير” أو “الرب” ليست جزءًا من الأقتباس، هذه كلمات بولس نفسه، والمتحدث هنا هو الله الآب الذي سنكون أولاده، وهنا بولس قد استخدم لقب “الرب” مرتين للآب، هذا اللقب الذي يخص في الغالب المسيح!، لو كان بولس يستخدم لقب “الرب” للآب، حتى لو مرات قليلة، فيستطيع أن يفعل العكس ويستخدم لقب “الله” للمسيح، المخرج الوحيد هو أن يكون استخدام هذا الالقاب عند بولس مطلق وليس عام، ولكن هذا التخصيص هو عام،كما في باقي كتابات العهد الجديد، فمثلاً إنجيل يوحنا استخدم كلمة “الله”81 مرة من ضمنهم 3 مرات فقط للمسيح ( يو 1:1، يو 20:28، يو 1:18 حولها بعض الجدل النصي)، ما اُريد أن أقوله ببساطة أن من المعروف للكل أن استخدام لقب “الله” للمسيح في كل العهد الجديد هو نادر لكنه موجود.
يدعم جوردن فكرته بأن تعبير “مخلصنا” يعود على الله وليس المسيح في هذا النص، بالطبع هذا التعبير مستخدم في رسالة تيطس للإشارة للآب وللمسيح، ولكن هذا التعبير في العدد 13 هو مدعوم –bookended- بالإشارة إلى “الله مخلصنا” في الفقرات 2:10، ،3:4 وبما أن “نعمة” و “مجد” الله هو الذي سيظهر، فهذا سبب سياقي للاعتقاد بأن بولس في هذا النص يُشير إلى العدد 10 إلى “الله مخلصنا” للتأكيد على ظهور مجده( مع العلم أن جوردن يرى بحسب العدد 14الذي يتحدث عن عمل المسيح الخلاصي يُمكن اعتبار أن “مخلصنا” تعود للمسيح في العدد 13لكنه لا يتبنى هذا)[30]
بكلمات أخرى جوردن يحاول أن يكون التركيب السياقي بهذا الشكل.
2:10 | 2:13 | 3:4 |
غير مختلسين بل مقدمين كل امانة صالحة لكي يزيّنوا تعليم مخلّصنا الله في كل شيء | منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلّصنا يسوع المسيح | ولكن حين ظهر لطف مخلّصنا الله واحسانه |
وفي الحقيقة هذا الشكل خادع!،لأن لو بحثنا في تكرار تعبير “مخلصنا” سنجد أن جوردن جانبه الصواب.
- تعبير “مخلصنا” للإشارة إلى الله:
3:4 | 2:10 | 1:3 |
ولكن حين ظهر لطف مخلّصنا الله واحسانه | غير مختلسين بل مقدمين كل امانة صالحة لكي يزيّنوا تعليم مخلّصنا الله في كل شيء | وانما اظهر كلمته في اوقاتها الخاصة بالكرازة التي اؤتمنت انا عليها بحسب امر مخلّصنا الله |
وهنا في الثلاث نصوص يستخدم بولس نفس الصياغة بشكل حرفي”τοῦ σωτῆρος ἡμῶν θεοῦ”
تعبير “مخلصنا” للمسيح مع ثلاث صياغات مختلفة
3:6 | 2:13 | 1:4 |
الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلّصنا– Ἰησοῦ Χριστοῦ τοῦ σωτῆρος ἡμῶν | منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلّصنا يسوع المسيح- τοῦ μεγάλοῦ θεοῦ καὶ σωτῆρος ἡμῶν | الى تيطس الابن الصريح حسب الايمان المشترك نعمة ورحمة وسلام من الله الآب والرب يسوع المسيح مخلّصنا- Χριστοῦ Ἰησοῦ τοῦ σωτῆρος ἡμῶν
|
هذا هو النمط الصحيح، فيكون تي 2:13 ليست شواهده هي 2:10 ، 3:4 ، ولكن 1:4، 3:6 مع الأخذ في الاعتبار أن كل النصوص (1:3،2:10،3:4) كلمة “الله” تعقب “مخلصنا” لأنها تُشير إلى الله، لكن تيطس 2: 13 يأتي بعد “مخلصنا” يسوع المسيح، فيسوع المسيح هو “إلهنا ومخلصنا” وليس “المجد”، كما يقول نايت “أن هذا النص ينتهي بــ”يسوع المسيح” هذه إشارة دقيقة تحدد عن هوية الشخص الذي يُلقب بأنه “إلهنا” هذه هي أحد المرات القليلة في العهد الجديد التي تُشير ليسوع بهذا اللقب”[31]، هذا التفسير-تفسير جوردن- هو محاولة للخروج من الجدل بشكل آمن، بعض العلماء اعتبر أن تيطس 2: 13 يُشير إلى شخصين وليس شخص واحد(انظر نقطة الله والمخلص) ولكن هذا التفسير له الكثير من الثغرات لقوة التركيب النحوي الذي يُشير إلى شخص واحد، فنتج هذا التفسير الذي ناقشناه وهو أن يسوع هو “المجد”[32] ما أعتقده هو أن كل منهما نتج عن صعوبة تلقيب المسيح بلقب “الله” ولكن بطرق مختلفة، فقد جادل التفسير الآخر أن تعبير “مخلصنا” ليس نكرة في اليوناني وبالتالي لا ينطبق عليه قاعدة جرانفيل شارب.
يسوع مخلصنا
يُقال أن أداة التعريف قبل “مخلص” غير ضرورية بسبب إضافة الضمير “لنا – ἡμῶν”، وبهذا يكون هناك سبب لعدم وجود أداة التعريف قبل “مخلص” وبهذا لا ينطبق هنا قاعدة جرانفيل شارب.
ولكن يقول دانيال أرشيا ” نحويًا، لا يوجد سوى أداة تعريف واحدة قبل تعبير “الله” كذلك هي متضمنة قبل تعبير “مخلص” فالكلمتين لهم أداة تعريف واحدة فقط، ولذلك فالنص اليوناني يقول حرفياً “الله ومخلصنا” تكون هذه الحجة أقوى إذا تفحصنا تعبير “مخلص” في رسالة تيطس وعدد ورودها 5 مرات وفي كل هذه الحالات الخمس يوجد أداة تعريف قبل كلمة “مخلص”[33].
تيطس 1:3 | ἐφανέρωσεν δὲ καιροῖς ἰδίοις τὸν λόγον αὐτοῦ ἐν κηρύγματι, ὃ ἐπιστεύθην ἐγὼ κατʼ ἐπιταγὴν τοῦ σωτῆρος ἡμῶν θεοῦ |
تيطس 1:4 | Τίτῳ γνησίῳ τέκνῳ κατὰ κοινὴν πίστιν, χάρις καὶ εἰρήνη ἀπὸ θεοῦ πατρὸς καὶ Χριστοῦ Ἰησοῦ τοῦ σωτῆρος ἡμῶν. |
تيطس 2:10 | μὴ νοσφιζομένους, ἀλλὰ πᾶσαν πίστιν ἐνδεικνυμένους ἀγαθήν, ἵνα τὴν διδασκαλίαν τὴν τοῦ σωτῆρος ἡμῶν θεοῦ κοσμῶσιν ἐν πᾶσιν. |
تيطس 3:4 | ὅτε δὲ ἡ χρηστότης καὶ ἡ φιλανθρωπία ἐπεφάνη τοῦ σωτῆρος ἡμῶν θεοῦ |
تيطس 3:6 | οὗ ἐξέχεεν ἐφʼ ἡμᾶς πλουσίως διὰ Ἰησοῦ Χριστοῦ τοῦ σωτῆρος ἡμῶν |
وبالتالي إن كل الحالات في رسالة تيطس سبق كلمة مخلص أداة تعريف، فلماذا فقط في تيطس 2: 13 لا نجد أداة التعريف قبل كلمة “مخلص”!؟، ليست مجرد صدفة، بل أن بولس كتب كل العبارة برمتها تخص المسيح، يسوع هو “الله و المخلص”.
هذه هي الطريقة التي أراد بها بولس أن يكتب هذا التصريح الكريستولوجي الواضح لو كان يُريد أن يفصل بين التعبيران كان سيكتب بطريقة أخرى، وقد اعطى مونس صيغتين في اليوناني يستطيع بولس أن يكتبهم للتحدث عن شخصين وليس شخص واحد،
الصيغة الأولى : τοῦ μεγάλου θεοῦ καὶ Ἰησοῦ Χριστοῦ τοῦ σωτῆρος ἡμῶν ،
الصيغة الثانية : τοῦ μεγάλου θεοῦ ἡμῶν καὶ τοῦ σωτῆρος Ἰησοῦ Χριστοῦ
لكن بدلاً من هذه الصيغ التي تتحدث عن شخصين قد أختار بولس أن يكتب الصيغة التي تُقرأ بصورة طبيعية أنها تُشير إلى شخص واحد “يسوع المسيح” لو كان بولس لا يؤمن بأن يسوع هو الله فمن المستبعد أن يكتب ذلك، ولكن بما أن بولس يؤمن بأن يسوع هو الله فليس من المفاجيء أن يقل ذلك لقراءه[34]
ظهور الله العظيم
يستخدم العهد الجديد كلمة “ظهور -ἐπιφάνεια” بشكل خاص للحديث عن مجي الرب في المجيء الثاني،”وحينئذ سيستعلن الاثيم الذي الرب يبيده بنفخة فمه ويبطله بظهور مجيئه”(2تس 2:8)، ” ان تحفظ الوصية بلا دنس ولا لوم الى ظهور ربنا يسوع المسيح”(1تي 6:14)،” انا اناشدك اذا امام الله والرب يسوع المسيح العتيد ان يدين الاحياء والاموات عند ظهوره وملكوته”(2تي 4:1)،” واخيرا قد وضع لي اكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره ايضا”(2تي 4:8)[35] هذا من شأنه أن نعتبر هذا النص لا يتحدث عن الله الآب بل عن الابن الذي سسأتي في مجده ومجد أبيه في نهاية التاريخ، فالكنيسة تنتظر الرب يسوع الذي سيأتي في اليوم الآخير ولا يتحدث كل العهد الجديد وعلى وجه الخصوص رسائل بولس أن الآب هو الذي سيظهر بل يسوع، يقول بين ويزرينجتون “نحن أمام حقيقة أن العهد الجديد لا يتكلم في أي موضع عن “إبيفانيا” الله الآب[36] يتحدث السياق بالكامل (تيطس 11-14 :2) عن عمل المسيح من التجسد إلى مجيئه الثاني والحديث عن عمل الفداء لذلك فهو العظيم هنا أيضاً، يقول دونالد ماكلويد “إن صفة العظمة تفقد معناها لو طُبقت على الآب ولكن ثقل دلالاتها يتجلى حين تُطبق هذه الصفة على المسيح، ليس لمجرد التركيز على مجده في المجيء الثاني ولكن لأنها تُشير ايضاً لبذله لذاته من اجلنا(فقرة 14)”[37]
ملحق اقوال العلماء
- نحويًا، فظهور المجد هو خاص إما بالمسيح أو بالمسيح والآب، ولكن الكفة الراجحة هي التفسير الأول، وذلك لعدة أسباب: أولاً. هذا الرأي هو الأكثر طبيعية، حيث أن كلا الاسمين يربطهم أداة تعريف واحدة لتكون الإشارة لشخص واحد. ثانياً: كان الجمع بين لقبي “الله والمخلص” مألوفًا لدى الديانات الهلنستية. ثالثاً: الفقرة 14 تُشير إلى الرب يسوع ومن الطبيعي أن يكون السياق بالكامل إشارة للمسيح. رابعاً: في الرسائل الرعوية يُشار للإبيفانيا لمجي المسيح وحده. خامساً: صفة “عظيم” فارغة المعنى حين تطبيقها على الآب ولكن ذروة دلالتها حين يُوصف بها المسيح. سادساً: هذا الرأي متناغم بالتمام مع نصوص أخرى مثل (يو 20:28،رو 9:5، عب 1:8، 2بط 1:1).[38]
- يمكن ترجمة عبارة “إلهنا العظيم ومخلصنا” بطريقتين، إما أن تكون تُشير للمسيح وحده، أو أنها تُشير إلى مجد “إلهنا العظيم” و “مخلصنا يسوع المسيح” للإشارة إلى شخصيين، ولكن يبدو أن الترجمة الأولى هي الأصح، وبالمقارنة مع 2 تيم 4:8 يتبين أن فعل “الظهور” الذي يخبرنا بولس عنه يخص المسيح وحده في مجيئه، وأيضاً تيطس 2:14 تتحدث عن عمل الرب يسوع في الزمن، فهو قد بذل نفسه لاجلنا، وهكذا يمكننا القول أن تيطس 2: 13 هي تصريح واضح لألوهية المسيح.[39]
- بالرجوع للغة اليونانية لفهم عبارة “إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح” نجد أن الاسمين “الله”،”المخلص” لهم أداة تعريف واحد، وهكذا فالنص يتحدث عن شخص واحد وليس شخصين، وبهذا الأسلوب قد أكد بولس بإستحكام ألوهية المسيح[40]
- نحن نمتلك بعض الحجج لآخذ عبارة “إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح” للإشارة لشخص واحد، وبالتالي التأكيد على ألوهية المسيح. 1: لا يوجد سوى أداة تعريف واحد للاسمين “الله”،”المخلص”، 2: كان لقب “الله والمخلص”شائع الاستخدام في القرن الأول للإشارة لإلهًا واحدًا، 3: “الإبيفانا” في العهد الجديد هي لشخص واحد وهو المسيح وليس شخصين(انظر 1 تي 6:14، 2 تي 1:10ـ4:8)، 4: في مواضع أخرى في العهد الجديد يتمركز الرجاء في المسيح وعودته، 5: تيطس 2:14 تُشير إلى عمل المسيح الخلاصي، 6: خارج رسالة تيطس ورسالتي تيموثاوس يدعو بولس المسيح بلقب المخلص( أف 5:23،في 3:20)، مع الوضع في الاعتبار التشابه بين تيطس 2: 13 و فيلبي 3:20 من جهة المضمون، وعلى الرغم بتسمية الله أنه “مخلص” في الرسائل إلى تيموثاوس وتيطس، لكن في تيطس يُدعى يسوع أنه “المخلص” بجانب هذه النصوص(3-4 :1، 2:10،13، 3:4،6)، ولذلك نستطيع القول كما يقول موراي هاريس أن يسوع المسيح يُدعى “إلهنا العظيم ومخلصنا”، لذلك فهذا النص –تيطس 2: 13- هو أحد النصوص القليلة في العهد الجديد التي تدعو يسوع “الله” مما يُبرهن على ألوهية المسيح، بجانب ذلك انظر الترجمات الإنجليزية التي تفسر النص أنه يُشير إلى ألوهية المسيح (NIV, RSV, NRSV, NJB, and TNIV)، وكذلك انظر هذه النصوص( رو 9:5، يو 1:1،18، 20:28، كو 1:15،19،2:9، في 2:6، عب 8-13 :1 ، بط 1:1)[41]
- لقد أحدث البناء النحوي الخاص بعبارة “إلهنا ومخلصنا ” بعض الاختلاف في الرأي بين العلماء، ولكن الإجماع هو أن يسوع المسيح هو “إلهنا ومخلصنا”، الذي هو الله (انظر يو 10:30)، هذه حجة قوية لألوهية المسيح، وحتى العلماء المخالفون لهذا الرأي يعترفون بأن وجهة نظرهم لا تقلل من البرهنة على ألوهية المسيح.[42]
- العبارة الاستثنائية –الله العظيم- الواردة هنا فقط(تيطس 2: 13) أفضل تفسير لها أعتبارها تطبيق كريستولوجي لوصف العهد القديم لله، ما أقصده هو أن الرسول بولس يتحدث ظهور ومجد شخص واحد،”الهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح”[43]
- أن عبارة “إلهنا العظيم ومخلصنا” هي أحد التصريحات اللامعة في الكتاب المقدس على ألوهية الرب يسوع(انظر أيضاً يو 1-18 :1 ، رو 9:5، عب 1-3 :1 ) يرى بعض المفسرين أن هذه العبارة تُشير إلى شخصين، أي أن تعبير “الله العظيم” يُشير للآب، وتعبير “المخلص” يُشير للابن، ولكن هذا التفسير له العديد من المشكلات الصعبة، مع الأخذ في الاعتبار النصوص الأخرى في العهد الجديد التي تُشير بقوة لألوهية المسيح، توجد عدة أسباب نحوية موجودة في هذا النص نفسه أيضاً –تيطس 2: 13-، أولاً وجود أداة تعريف واحدة تربط الاسمين “الله،المخلص”، ثانياً: الضمائر المفردة في النص التالي يُشير إلى شخص واحد فقط، وبالرغم أن العهد القديم مكتظ بالإشارات إلى الله الآب أنه عظيم، لكن هذا الوصف في العهد الجديد يستخدم فقط لله الابن ( انظر مت 5:35 لو 1:32،7:14 عب 10:21، 13:20) والأهم من ذلك أن العهد الجديد لا يُخبرنا فأي موضع عن ظهور الله الآب أو المجيء الثاني للآب، ولكن عن المجيء الثاني لله الابن فقط.[44]
- تقدم عبارة “إلهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح” ما نستطيع أن نعتبره أحد التصريحات الجلية الخاصة بألوهية المسيح في الكتاب المقدس، يوجد أداة تعريف واحدة تربط تعبير “الله العظيم” بــ تعبير ” مخلصنا” وعلى عكس ترجمة KJV يعطي هذا التركيب فهم أخر، وهو أن المسيح هو “إلهنا ومخلصنا”، ويدعم ذلك الفهم حقيقة أن مصطلح “الإبيفانيا” لا يُستخدم أبداً لوصف الآب، كما أن لقب “الله والمخلص” شائع الاستخدام في الدوائر الهلنستية في ذلك الوقت، ولذلك يقول Mounce إن هذه القراءة الكريسولوجية لازمة لأن هذه القراءة هي الأكثر طبيعية للنص، وتتفق مع استخدام بولس لمصطلح “الظهور”، كذلك الاستخدام الفردي لعبارة “الله والمخلص” في الفكر العلماني، وملائمة هذه القراءة للسياق بشكل جيد.[45]
- العبارة الأخيرة من تيطس 2: 13 تُثير بعض الغموض، وتطرح سؤالاً، هل قصد بولس أن يُشير إلى شخصين في الثالوث بفصل عبارة “إلهنا العظيم” عن “المخلص يسوع المسيح” أم أنه يمدح ألوهية المسيح ويربط اللقبين معاً “إلهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح”؟ على الرغم من إمكانية قراءة النص بالطريقتين ولكن القواعد تدعم الرأي القائل بأن هذا النص يدعم ألوهيه المسيح، هذا البناء موجود أيضاً في 2 بط 1:1، فكل من النصيين يؤكد ألوهيه المسيح( انظر كذلك يو 20:28، رو 5:9 ،عب 1:8 ، 1يو 5:20)[46]
- كان هناك نقاش كبير في هذا الخلاف الذي على النحو التالي، هل “الإبيفانيا” هنا جوهرها شخصين أم شخص واحد؟ لو كان شخص واحد هذا يُعني أن هذا النص يحوي الأعلان الأكثر وضوحًا في العهد الجديد عن ألوهية المسيح، من الغريب أن ترجمة AV تتبنى الخيار الأول ولكن NIV,NRSV,REB يختارون الثاني، هذا الأخير نُبرهن عليه بخمسة حجج، أولاً وجود أداة تعريف واحدة قبل “مخلص” والأسماء في اللغة اليونانية المربوطة بأداة تعريف واحد تُشير إلى الشيء ذاته، ثانياً: قد فهم غالبية الآباء اليونان هذه العبارة بهذه الطريقة وهم بالفعل كانوا قادرين على ذلك، ثالثاً: يدعم الشق اللاهوتي الشق النحوي حيث أن كل إشارات العهد الجديد عن الإبيفانيا تخص الابن ولا تخص الآب على الإطلاق، رابعاً من جهة السياق بطريقة طبيعية يُشير للمسيح للنقل مباشرةً من مجده إلى آلامه موته، خامساً: كان تعبير “الله والمخلص” صيغة دينية نمطية وشائعة في القرن الأول وهي عادةً تُشير إلى إله واحد أو تطلق على الإمبراطور الروماني[47]
إلى هنا أعاننا الرب
16\3\2023
[1] نحن نمتلك تسعة نصوص يُلقب فيها الرب يسوع بلقب ” الله ” ( يو 1:1 ، يو 1:18 ، يو 20:28 ، اع 20:28، رو 9:5 ، تي 2:13 ، عب 8-9 : 1 ، 2 بط 1:1 ، 1 يو 5:20 )، ولكن يوجد في غالب هذه النصوص إما خلاف نصي أو جدل لغوي، لكن يجب أن نضع في الاعتبار أننا لا نتحدث عن قضية فقهية ونتعارك على الألفاظ، لأن عقيدة لاهوت المسيح واضحة في العهد الجديد وبالتالي فوضوح أحد هذه النصوص لا يُمكن اعتباره هو البناء العقيدي والإيماني نفسه، ولذلك مهما كان التفسير الأفضل لــ تيطس 2: 13 فهو بالتأكيد يُعلن ألوهية الرب يسوع، وبكلمات هندريكسن&كيستميكر ” بأي حال من الأحوال هذا النص لا يدعم محاولة الأريوسيين بقولهم أن الابن أقل من الآب في الألوهية” انظر Hendriksen, W., & Kistemaker, S. J. New Testament commentary : Exposition of the Pastoral Epistles,Vol. 4, P.373
[2] من الهام ذكره أن أسم θεός ليس أسم علم في اللغة اليونانية ولذلك فهو ضمن الأسماء التي ينطبق عليها قاعدة شارب، الأسماء العلم في اللغة اليونانية لا يمكن أن تُجمع لكن θεός يُجمع- على سبيل المثال انظر يوحنا 10:34- لذلك فهو ليس أسم علم.
[3] DeMoss, M. S. (2001). Pocket dictionary for the study of New Testament Greek ,P.64 & Blackwelder, B. W. (2005; 2005). Light from the Greek New Testament ,P.145 & McKnight, S. (1989). Vol. 1: Introducing New Testament interpretation. Guides to New Testament exegesis ,P.80
[4] بكلمات شارب نفسه تكون القاعدة بهذا الشكل article-substantive —καί—substantive
[5] يُطبق Young قاعدة شارب بشكل صحيح على تي 2:13 ، 2 بط 1:1 على عكس بعض العلماء الذين لم يفهموها أنظر Young, R. A. (1994). Intermediate New Testament Greek : A linguistic and exegetical approach, P.62&63
[6] وأيضاً قبول Middleton للقاعدة وفهم قيودها واعتبرها قوية وموثوقة ببساطة لأنه قد فهم قيود القاعدة فقط!، كان هذا قبل كابوس وينر!
[7]G. B. Winer, A Treatise on the Grammar of New Testament Greek, Regarded as A Sure Basis for New Testament Exegesis, trans. and rev. W. F. Moulton, 2d,P.162, ..Cited by Wallace, D. B. (1999; 2002). Greek Grammar Beyond the Basics – Exegetical Syntax of the New Testament ,P.272
[8] Moulton, J. H. (2006). A Grammar of New Testament Greek, Vol.1,P.84
[9] Wallace, op. cit,P.273
[10] Dana&Mantey, A Manual Grammar of the Greek New Testament.,P.147
[11] Wallace, op. cit,P.290
[12] Bruce A. Baker, Granville Sharp’s Rule, Journal of Ministry and Theology, Vol. 1, Page 45
[13] Mounce, W. D. (2002). Vol. 46: Word Biblical Commentary : Pastoral Epistles. Word Biblical Commentary ,P.429 & Guthrie, D. (1990). Vol. 14: Pastoral Epistles: An Introduction and Commentary,P.221
[14] Olshausen, H., Ebrard, J. H. A., & Wiesinger, A. Biblical Commentary on the New Testament,Vol.5,P.595
[15] Mounce, W. D, op. cit, P. 427
[16] نقلاً عن إليكوت قدم Wordsworth قائمة من اباء الكنيسة اليونانيون مثل هيبوليتوس واكليمندس السكندري والسواد الأعظم من اباء ما بعد نيقية، انظر. Ellicott, C. J. (2008). The Pastoral Epistles of St. Paul : With a critical and grammatical commentary, and a revised translation ,P.201
[17] Zerwick, M., & Grosvenor, M. (1974). A grammatical analysis of the Greek New Testament, P.649
[18] Robertson, A. T. (2009). A Short Grammar of the Greek New Testament,P.74
[19] انظر دفاع متزجر عن نسب لقب “الله” ليسوع B. M. Metzger, The Punctuation of Romans 9:5
انظر ايضاًCranfield, C. E. B. (2004). A critical and exegetical commentary on the Epistle to the Romans ,P.464-70
انظر ايضاً Macleod, D. (2000). Jesus Is Lord: Christology yesterday and today, P.15-18
[20] Mounce, W. D, op. cit, P. 427
[21] Schreiner, T. R. (2008). New Testament theology: Magnifying God in Christ, P.337
[22] Murray J. Harris, Jesus as God, The New Testament Use of Theos in Reference to Jesus, P.177-78
[23] Moulton, op. cit, P.84& See also Mounce, W. D, op. cit, P. 427& Arndt, W., Gingrich, F. W., Danker, F. W., & Bauer, W. A Greek-English lexicon of the New Testament and other early Christian literature, P.800
[24] Lea, T. D., & Griffin, H. P. (2001, c1992). Vol. 34: 1, 2 Timothy, Titus, The New American Commentary ,P.313
[25]Moss, C. M. (1994). 1, 2 Timothy & Titus. The College Press NIV commentary (Tit 2:14)
[26] Towner, P. H. (2006). The Letters to Timothy and Titus. The New International Commentary on the New Testament, P.756
[27] للتوسع في هذه النقطة انظر Robert M. Bowman, Jr, Jesus Christ, God Manifest: Titus 2:13 Revisited
[28] بدأ هذا التفسير من العالم Hort وتبناه البعض.
[29]Gordon D. Fee, Pauline Christology: An Exegetical-Theological Study, P.444-45
[30] Gordon D. Fee,op. cit, P. 446
[31] Knight, G. W. (1992). The Pastoral Epistles : A commentary on the Greek text ,P.325
[32] بعض العلماء جادلوا أن ترجمة النص بدل من “ظهور مجد” إلى “الظهور المجيد”، ودلالة ذلك لو صحت هذه الترجمة فسيكون كل تفسير جوردن مبني على القش، لكني غير مقتنع بهذه الترجمة وأرى أن الترجمة الأكثر طبيعية هي “ظهور مجد”، ثانياً: حتى لو جادلت بصحة الترجمة الأخرى كان يجب علي أن افترض ترجمة “ظهور مجد” أيضاً وأناقش هذا التفسير في النهاية!، انظر Arichea, D. C., & Hatton, H. (1995). A handbook on Paul’s letters to Timothy and to Titus,P. 293
[33] Ibid, P.293
[34] Mounce, W. D, op. cit, P. 427
[35] Moulton, J. H., & Milligan, G. (1930). The vocabulary of the Greek Testament, P.250
[36] Witherington, B., III. (2006). Letters and Homilies for Hellenized Christians, Vol.1, P.145
[37]Macleod, D. (2000). Jesus Is Lord: Christology yesterday and today,P.19
[38] Barker, K. L. (1994). Expositor’s Bible Commentary (Abridged),P.929.
[39]Adeyemo, T. (2006). Africa Bible commentary, P.1511.
[40] Andrews Study Bible Notes. 2010 (J. L. Dybdahl, Ed.) ,P.1594.
[41]Zehr, P. M. (2010). 1 & 2 Timothy, Titus. Believers Church Bible Commentary, P.283.
[42] Nicholson, R. S. (1966). The Wesleyan Bible Commentary, Vol. 5, P.650
[43]Tom Constable. (2003; 2003). Tom Constable’s Expository Notes on the Bible (Titus 2:13)
[44] MacArthur, J. (1996). Titus ,P.119
[45]Kitchen, J. A. (2009). The Pastoral Epistles for Pastors, P.536
[46]Barton, B. B., Veerman, D., & Wilson, N. S. (1993). 1 Timothy, 2 Timothy, Titus. Cover title: 1 & 2 Timothy & Titus. Life application Bible commentary ,P.277
[47] Stott, J. R. W. (1996). Guard the truth : The message of 1 Timothy & Titus, P.194