العطايا للرب – العظة الثالثة والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد
العطايا للرب - العظة الثالثة والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد
العطايا للرب – العظة الثالثة والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد
العطايا للرب وأعياد الرب
الديباجة:
أفضال الله التي تخلصنا من المظاهر
1ـ الفضل للرب الذي خلصنا من المظاهر، لو كانت قد استمرت قاعدة (التقيد بـ) تقديم الذبائح والأنظمة الشرعية التي كانت معطاة للشعب الإسرائيلي حتى الآن، لكانت بالتأكيد قد عاقت الإيمان بالإنجيل الذي عن طريقه يهتدي غير المؤمنين إلى الله منذ مجئ ربنا يسوع المسيح.
في الواقع كانت توجد في هذه القاعدة (ضمن هذه القيود)، ديانة مليئة بالرفعة والمهابة التي كانت تذهل الحاضرين.
مَنْ إذًا عند رؤيته المعبد، متأملاً المذبح ليرى أين يمكث الكهنة الذين يقدمون الذبائح وتتبرر بهذه الخدمات كل جماعة الشعب، لا يفكر أن هذا هو الشكل المثالي للعبادة الذي يجب على الجنس البشري تقديمه لخالق كل شئ؟
ولكن نُرجع الفضل إلى مجئ المسيح الرب الذي اقتلع نفوسنا من هذا المنظر وقادها لتفُهم الموضوعات السماوية، وتأمل الحقائق الروحية لإبطال ما كان قد بدا عظيمًا على الأرض، والعبور بعبادة الرب من المرئي إلى غير المرئي، ومن الدنيوي إلى الأبدي.
ولكن في الحقيقة، إن الرب يسوع المسيح يريد أذانًا قادرة على السمع وأعين قادرة على رؤية الحقائق غير المنظورة والأبدية. نحن أيضًا الذين لدينا ناموس موسى ونريد أن نثبت أن “ الناموس روحي” (رو7: 14)، نطلب منكم أعينًا وأذانًا لا تنظر إلى الأمور القديمة الزائلة، ولكن تصبح قادرة على “بحث” الموضوعات الروحانية “حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الأرض” (كو3: 1-2). ليكن هذا المدخل كافٍ بالنسبة لنا.
تقدماتنا للرب تأتي من الرب
2ـ لنأتِ الآن إلى النص ” وكلم الرب موسى قائلاً أوصى بني إسرائيل وقل لهم قرباني طعامي مع وقائدي رائحة سروري تحرصون أن تقربوه لي في وقته. وقل لهم هذا هو الوقود الذي تقربون للرب ” (عد28: 1-3).
لا أحد يعطي من ملكه إلى الرب. الشئ المقدم ينتمي إلى الرب والذي نقدمه له هو على الأقل منفعة خاصة أكثر منها منفعة نردها للرب. وأيضًا أراد الرب أن يعلن شرائع عن الذبائح والتقدمات التي يجب على الناس تقديمها. لقد بدأ بإخبارهم بطبيعة هذه الذبائح “قرباني طعامي مع وقائدي رائحة سروري تحرصون أن تقربوه لي في وقته”. العطايا التي آمركم بتقديمها عند أعيادي هي “عطاياي”، إنه أنا الذي أعطيتكم إياها. كل ما يملكه الناس قد أخذوه مني. لا يجب أن نتخيل أنه عند تقديمنا للتقدمات نزود الله بفائدة أيًا كانت. ويجب أيضًا أن لا نقترف هذا الشر في العمل نفسه الذي به نعتقد إننا نعبد الله. يا له فعلاً من تجديف!
الإنسان يعتقد أن الرب يحتاج إلى ما يقدمه! الرب قال لنا: أعلم الإنسان إنه كل ما يقدمه له فهو يرده له أكثر بكثير مما يقدمه. ولكن لنرَ معني هذه الكلمات “تحرصون أن تقربوه لي في وقته”.
أعياد الرب:
هل يوجد أعياد للرب؟ نعم. لا يوجد عيد أعظم من خلاص الجنس البشري. ففي رأيي، بكل أمانة، أن كل إنسان يهتدي إلى الرب أو يتقدم (ينمو) في الإيمان يتيح الفرصة لوجود عيد للرب. يالها من سعادة عظيمة، قل لي متى يصبح الفاسق طاهرًا، متى يحترم الظالم العدل، متى يصبح المُلحد تقيًا. كل هذه الإهتداءات الشخصية تتيح الفرصة لأعياد الرب.
بدون شك إن ربنا يسوع المسيح الذي سكب دمه من أجل خلاصنا، يحتفل بأعظم الأعياد عند رؤيته إنه ليس عبثًا قد ” أخلى نفسه أخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت. موت الصليب” (في2: 7- 8). أيضًا الروح القدس يحتفل بالأعياد عند رؤيته مع المؤمنين زيادة المعابد المعدة لهم.
والملائكة… ماذا يقال عن الملائكة الذي يتجدد عيدهم المفرح عند كل توبة؟ أليس كذلك بالنسبة لهم عيد كبير عندما يفرحون: “هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارًا لا يحتاجون إلى التوبة ” (لو15: 7). إذًا فالملائكة تحتفل بالعيد عندما يفرحون بالذين افلتوا من مشاركة الشياطين،وبممارسة الفضائل أسرعوا بالدخول في مشاركة الملائكة.
فرح وحزن في السماء
قد يكون ما أورده متناقضًا بعض الشئ. مما يبدو أننا نعطي للرب والملائكة أسباب للأعياد والفرح ونحن الذين على الأرض، نعطي سببًا للفرح والإستبشار للذين في السماء ” فإن سيرتنا نحن هي في السموات ” (في 3: 20)، وهذه هي فعلاً الطريقة التي نعطي بها فرصة لأعياد الملائكة. ولكن إذا أعطت تصرفاتنا الجيدة وتقدمنا في الفضائل فرصة لأعياد الرب والملائكة، فإن سلوكنا السيئ، يعطي مجالاً للأنين والحزن، ليس فقط على الأرض ولكن أيضًا في السماء. من الممكن أيضًا أن تؤلم خطايا الناس الرب نفسه.
أليس مكتوبًا ” فحزن الرب إنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه” (تك6:6). ونرى ذلك الحزن عند ربنا يسوع المسيح المخلص في الإنجيل قائلاً: ” يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا ” (مت23: 37).
ولا نتخيل إنه لا يعني هنا إلا القدماء وهم “ها أنا أرسل لكم أنبياء وحكماء وكتبه فمنهم تقتلون وتصلبون ومنهم تجلدون”. إذا حدث اليوم أني استهنتُ بإنذارات نبي من أنبياء المسيح بدلاً من سماعه، أنا أيضًا “أصلبه” بدلاً من أن يكون فيَّ، في رفضي للكلام كأنه قد مات عند علمه بهذا الكلام.
الرب تألم من الجنس البشري عندما جعل النبي يقول ” ويل لي لأني صرت كجني الصيف كخصاصة القطاف لا عنقود للأكل ولا باكورة تينه اشتهتها نفسي، قد باد التقي من الأرض وليس مستقيم بين الناس جميعهم يكمنون للدماء، يصطادون بعضهم بعضًا بشبكه” (مي7: 2).
هذا هو أنين المسيح الذي يبكي على الجنس البشري، لقد أتي هو ذاته لكي يلتقط الحصاد ولم يجد غير القش بدلاً من الحصاد، ولقد أتي ليقطف العنب ولم يجد لكل جني إلا بعض العنب الذين هم الرسل، ” الحق الحق أقول لكم أن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها ولكن أن ماتت تأتي بثمر كثير” (يو12: 24)، ” لولا أن رب الجنود أبقى لنا بقية صغيرة لصرنا مثل سدوم وشابهنا عمورة ” (أش1: 9).
لقد قلنا إن عند ملائكة الرب أيضًا ” يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب “، أي عندما يسّرون بسعادتنا ولكننا نُحزن من يحبوننا، إذًا هم يبتهجون بالتوبة ويبكون الخطايا المقترفة. إذًا ” أخطأت أورشليم خطيئة ” (مز11: 8)، مثل ما هو مكتوب في المراثي “لقد تزعزعت” وكل أعيادها واحتفالاتها اختفت بسبب أن سكانها قتلوا سيدي يسوع المسيح. لهذا يقول لهم الرب ” رؤوس شهوركم وأعيادكم بغضتها نفسي ” (أش1: 14). وبينما عند اجتيازنا للنظام الخاص بالتقدمات في الوقت الذي لم يكن فيه خطية بعد، الرب قال: ” أعيادي” وبعد الخطية لم يعد يقول أعيادي بل أعيادكم ولكن كل هذه الكلمات: الرب يبكي، أو يفرح، يكره أو يحب. يجب أن نأخذ هذه كتعبيرات مجازية حسب عادات اللغة الإنسانية، لأن الطبيعة الإلهية لا تعرف أي انفعال وتغير، أنها تظل دائمًا ثابتة وراسخة على قمة سعادتها.
3ـ بما أننا لدينا بين أيدينا حق تشريع الأعياد وبما أنه من هنا إنطلقنا، لنبحث بانتباه لإيجاد ترتيب الأعياد من أجل تصنيفها وإيضاح أنواع التضحيات. هذه هي الطريقة التي نستطيع بها من خلال سلوكنا وتصرفاتنا أن نقدم أعيادًا للرب.
الأعياد المختلفة: العيد الأبدي
العيد الأول للرب هو العيد “الأبدي”. في الواقع إن الرب أمر بتقديم ذبائح صباحًا ومساءً دائمًا وبلا انقطاع. وكذلك في مجموعة شرائع الأعياد، لم يبدأ الله بعيد الفصح ولا بعيد المظال ولا بأي عيد من الأعياد، ولكنه أسس عيد الذبيحة الأبدية. وذلك لأنه يريد تعليم الإنسان الذي يميل إلى القداسة والطهارة أنه لا توجد أيام أعياد وأيام بدون أعياد مقدسة للرب ولكن الإنسان البار الصالح يجب عليه الاحتفال بعيد أبدي.
لأن الذبيحة التي يجب أن تكون مقدمة صباحًا ومساءً دائمًا تعني أنه يجب تثبيت الانتباه بلا انقطاع على الشريعة والأنبياء الذين يشيرون إلى الصباح ويبشرون بتعليم الإنجيل مساءً أي مجئ المخلص في ظلام (ليل) العالم. هذه هي الاحتفالات الذي يقول عنها الرب “لتهتموا (لتلاحظوا) بأعيادي” إذًا هناك عيد للرب، نوقد دائمًا الذبيحة فيه، لو إننا ” صلينا بلا انقطاع ” (1تس5: 17)، لو أن صلاتنا إستقامت ” كالبخور قدامك، ليكن رفع يدي كذبيحة مسائية” (مز141: 2). إذًا، أول احتفال هو “الذبيحة الدائمة” التي يجب على تابعي الإنجيل تأديتها بالطريقة التي فسرناها.
ولكن حسب قول النبي فإن “أعياد” الخاطئين تتحول: ” وأحول أعيادكم نوحًا وجميع أغانيكم مراثي، هكذا يقول الرب ” (عا 8: 10). ومما لا شك فيه أن الخاطئ الذي يحتفل بيوم الإثم لا يقدر أن يحتفل بيوم العيد. في الأيام التي يخطئ فيها، لا يقدر أن يقدم إلى الرب الذبيحة الأبدية، أما الذي يقدر أن يقدمها دائمًا فهو فقط الإنسان الذي يلازم البر ويتجنب الخطيئة. واليوم الذي فيه يتوقف عن البر ويرتكب الخطيئة، فهو لا يقدم للرب الذبيحة الأبدية.
أعبّر عن ما يوضح أقوال الرسول ولكني أخشى أن أحزن البعضْ. الصلاة المقبولة (الصحيحة) هي ” التي تستقيم كالبخور قدامك”و” ليكن رفع يدي كذبيحة مسائية ” (مز141: 2). ومن جهة أخرى يقول الرسول للمتزوجين “لا يسلب أحدكم الآخر إلا أن يكون على موافقة إلى حين لكي تتفرغوا للصوم والصلاة ثم تجتمعوا أيضًا معًا ” (1كو 5:7). إذًا فهو يرى أن تقديم الذبيحة الأبدية يحتاج إلى فترات من التعفف الزوجي لبعض الوقت للتفرع للصوم والصلاة . ولكن توجد أعياد أخرى للذين لا يقدرون على تقديم الذبيحة الأبدية للعفاف.
عيد السبت
4ـ ثاني احتفال يُقام بعد احتفال الذبيحة الأبدية هو ذبيحة السبت، كل القديسين والأطهار يجب أن يحتفلوا بالعيد.
ما هو احتفال السبت، الذي يقول عنه الرسول “ إذًا بقيت راحة لشعب الله ” (عب4: 9). هذا يعني مراعاة السبت “لشعب الله”. لنترك إذًا الأشكال اليهودية للسبت، ولنرَ ماذا تعني بالنسبة للمسيحي قاعدة السبت. في يوم السبت يجب عدم الإنشغال بأي نشاط من نشاطات العالم، الامتناع عن كل أعمال هذا الدهر، عدم فعل أي شئ خاطئ، التفرغ للممارسات الروحية، المجئ إلى الكنيسة، الانتباه لسماع القراءات السماوية والعظات والتفكير مليًا فيما يخص السماء والاستعداد للمستقبل، والمثول أمام الديان الآتي، وإعطاء الاهتمام لا للموضوعات أو الأشياء الكائنة والمرئية بل إلى الحقائق المستقبلية والغير مرئية، وفي هذا تكمن قاعدة السبت للمسيحي. ولكن يجب على اليهود أيضًا تأمله بهذا المعنى.
أيضًا لديهم كل حداد، كل بناء، كل عامل يدوي يُعطل في يوم السبت ولكن قارئ الناموس الإلهي والطبيب يستمرون في أعمالهم بدون تدنيس السبت، السيد الرب يقول: ” أو ما قرأتم في التوراة أن الكهنة في السبت في الهيكل يدنسون السبت وهم أبرياء ” (مت12: 5). ومن هو إذًا من امتنع عن أعمال هذا الدهر وينشغل بالنشاطات الروحانية، ويقدم ذبيحة السبت ويحتفل بعيد السبت ” وأوقف البوابين على أبواب بيت الرب ” ( أنظر2أي2 : 4) لئلا يدخل نجس في أمر ما. الثقل هو كل خطيئة، من وجهة نظر النبي ” لأن آثامي قد طمت فوق رأسي. كحمل ثقيل أثقل مما احتمل ” (مز38: 4)، ” لا تشعلوا نارًا” (حز35: 3)، لتسمعوا النار التي قال عنها ” اسلكوا بنور ناركم وبالشرار الذي أوقدتموه ” (أش50: 11).
في السبت، كلُ يظل مكانه ولا يخرج. ما هو إذًا مكان النفس الروحانية؟ هذا هو البر، الحكمة، التقديس وكل خواص جوهر المسيح الذين هم مكان الروح. لا يجب أن تخرج حتى تحفظ السبت الحقيقي، وتوفي ما عليها من ذبائح السبت مثل ما يتوافق مع قول الرب ” اثبتوا فيَّ وأنا فيكم ” (يو15: 5).
سبت العالم الثاني: راحة الرب
بما إننا قد تحدثنا عن السبت الحقيقي فلنتعمق في البحث عن السبت الحقيقي، فسندركه في العالم الثاني. لأننا لا نرى إلا أقوال سفر التكوين ” فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمله، ” إذ تحقق ذلك في اليوم السابع أو يتحقق اليوم. إننا نرى الرب دائمًا يعمل، لا يوجد سبت يكف فيه عن العمل، منذ ذلك اليوم الذي فيه ” يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين ” (مز147: 8)، أو ” الكاسي السموات سحابًا المهئ للأرض مطرًا المنبت الجبال عشبًا” ، “هو يجرح ويعصب (يسحق ويداه تشفيان”، ” أنا أميت وأحيي” (أي5: 18)، وأيضًا المسيح الرب في الأناجيل يجيب على اليهود الذين يتهمونه بالعمل والشفاء يوم السبت ” فأجابهم يسوع أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل ” (يوحنا5: 17)، مشيرًا بهذا أنه لا يوجد أي وقت يستريح فيه الرب من السهر على أحوال العالم ومصائر الجنس البشري. لأنه منذ البداية، قد خلق المخلوقات وخلق مواد عديدة من حكمته كخالق وعلم أنها تكفي حتى نهاية العالم، بل يقول: ” ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر” (مت28: 20)، فالرب لا يكف عن عنايته الإلهية وتوفيره لها. السبت الحقيقي هو الذي فيه “يستريح الرب من جميع أعماله”، سيصبح العهد الآتي متى ” هرب الحزن والتنهد ” (أش35: 10)، وسيصبح الرب ” الكل وفي الكل ” (كو3: 11).
هذا السبت، سيعطينا الرب أن نعيد به ومعه ونحتفل به مع الملائكة القديسين بعمل الآتي ” اذبح لله حمدًا وأوف العلي نذورك” وأيضًا ” أدخل إلى بيتك بمحرقات أوفيك نذوري التي نطقت بها شفتاي وتكلم بها فمي في ضيقي” (مز50: 14؛ مز 66: 13-14). بذلك تكون الذبيحة الأبدية التي تكلمنا عنها مقدمة بصورة أفضل. إذًا تقدر الروح أن تقف بدون انقطاع أمام الرب وتقدم “الذبيحة حمدًا”، بأيدي الكاهن الأعظم ” الذي صار على رتبة ملكي صادق رئيس كهنة إلى الأبد ” ( عب6 :2) .
عيد الهلال: التجديد
5ـ ثالث الاحتفالات المقامة هو عيد الهلال الذي نقدم فيه تقدمة [الهلال تعني قمر جديد]، هذا الاحتفال يكون في وقت تغير القمر. إذًا نقول إن القمر جديد حين يقترب جدًا من الشمس ويكون في التقاء ضيق بها فيختفي في إشراقها.
ولكن هذه الوصية من الناموس السماوي التي تظهر فجأة، إنها تُرى كظاهرة غير ضرورية. يا تُرى لماذا يهتم الدين بالاحتفال بعيد هذا القمر الجديد أي اجتماع القمر مع الشمس واختفائه بإشراقها. إذا اعتبرنا هذا النظام حرفيًا، فيبدو لنا أنه مأخوذ من الخرافات بدلاً من الدين.
ولكن الرسول بولس كان يعرف أن الناموس لا يتعامل مع هذه المواد، والروح القدس لم يكن يريد أن نخضع للنظام الطقسي المحفوظ عند اليهود، لهذا فهو يقول للذين اقتنوا الإيمان بالرب يسوع المسيح ” فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت التي هي ظل الأمور العتيدة وأما الجسد فللمسيح ” (كو2: 16-17). إذًا السبت، الذي ندركه بالنسبة إلى إيماننا هو ” ظل الأمور العتيدة “. لو كان الهلال هو ” ظل الأمور العتيدة ” فبالتأكيد الاحتفالات الأخرى هي ” ظل الأمور العتيدة “. لنر الآن الهلال.
لقد قلنا إن العيد المُحتفل به عند تغير القمر، عند تقربه بأكبر قدر ممكن من الشمس والتقائه المحدود بها، هو عيد الهلال. “شمس البر” (ملا2:4)، هو المسيح. إذًا القمر ـ وهنا يعني كنيسته إذا كانت مليئة بالنورـ سيكون متصلاً ومتحدًا بها تمامًا، كما يقول الرسول ” وأما من التصق بالرب فهو روح واحد ” (1كو6: 17). فهذه الروح تعيّد عيد الهلال، لأنها تصبح جديدة عندما ” تلبس الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق” (أف4: 24). وبهذا فإنها تستحق أن تحتفل بالتجديد والإصلاح أي عيد الهلال. وهذا إذًا من جهة أخرى، هو الذي لا نقدر أن نراه أو نفهمه بنظرات إنسانية.
هذه ” الروح ” هي التي تتحد بالرب، التي تكون قد تعمقت في بهاء نوره، التي لا يكون لها أي تفكير أرضي بعد، ولا أي انشغال عالمي، ولا أي رغبة في إرضاء البشر وتهاجر إلى نور الحكمة، إلى حرارة الروح القدس بتحولها إلى التجرد والروحانية.
وكيف تكون قد ُنظِرتْ من الناس وفُهِمْت من النظرات الإنسانية؟ لأن ” الإنسان الطبيعي” لا يقدر أن يفهم ولا أن يُدرك “الإنسان الروحاني” ولهذا تحتفل الروح باستحقاق بهذا العيد وتقدم تقدمة الهلال للرب الذي جددها.
عيد الفصح: تناول كلمة الله
6ـ إن الاحتفال بعيد الفصح مع ذبح الحمل يوضع في المرتبة الرابعة من أعياد الرب. بالنسبة لك أنظر الحمل الحقيقي “حمل الله” “الحمل الذي حمل خطية العالم” وقل إن المسيح هو فصحنا. إن اليهود وفقًا لتفكيرهم الجسداني يأكلون لحم الحمل ونحن نأكل لحم كلمة الله لأنه قال: ” الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم ” (يو6 : 53). هذه الأقوال التي ننطق بها في هذه اللحظة هي لحم كلمة الله. بقدر ما نعطي من غذاء ليس “خضراوات” من أجل “المعدة الضعيفة” ولبن من أجل الأطفال الصغار، إذا كانت أقوالنا كاملة قوية وجريئة بذلك نعطيكم لتأكلوا لحم كلمة الله حتى ننطق بأقوال تقية، عقائدية مليئة بالإيمان الثالوثي، أقوال جوهرية؛ متى “نرفع البرقع” لكي نفتش عن أسرار الدهر الآتي المقتصرة في الناموس الروحي، متى تقتلع أمال النفس بعيدًا عن الأرض، لكي نقصد بها السماوات ونضعها في الفضائل ” بل كما هو مكتوب ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان” (1كو2: 9).
لنشارك في لحم كلمة الرب، فمن يقدر أن يقتات بذكاء بالغ وقلب طاهر هو الذي يقدم حقًا ذبيحة الفصح ويحتفل بالعيد مع الرب وملائكته.
عيد الفطير: الطهارة ـــ النقاء
7ـ بعد ذلك أو بالأصح تبعًا لهذا العيد يأتي عيد الفطير، ستستحق أن تحتفل به إذا حفظت روحك من كل “خميرة خبث وشر” وتحتفظ ” بفطير الإخلاص والحق ” (1كو5: 8)، لأنه لا يجب أن نتخيل أن الرب العلي القدير كتب إلى الإنسان قوانين عن الخميرة وأنه “يقطع تلك النفس من شعبها لأنها لم تقرب قربان الرب في وقته” إذا حدث مصادفة أن نسيت أن تنظف ما لديها ولو من جزء صغير من هذه الخميرة التي هي أساس العجين.
هذه الفكرة تبدو لي غير جديرة بالقوانين الإلهية ولكن ما يحزن الرب بالمعنى الصحيح هو التخمر الناتج عن روح خبث وغضب وظلم، روح تنشئ خميرة الكراهية، هذا هو ما لا يريده الرب في الروح وإذا لم نستبعد هذه الخميرة من طبيعة أرواحنا، سنصبح مستبعدين وسوف نستحق ذلك.
نقطة إهمال! وحتى إذا كنت لا ترى إلا جزءً صغيرًا من الخبث والكراهية الذي يتخمر بداخلك، تذكر أن ” خميرة صغيرة تخمر العجين كله ” (غل5: 9)، لا تستهن بالخطية الصغيرة لأن الخطايا تولد خطايا أخرى، من البر يُولدَ البر، من طهارة النفس تُولدَ طهارة النفس. إنسان بدأ بطهارة نفس ضعيفة وأصبح بعد ذلك أكثر طهارة، كل يوم بعد تلقيه خميرة الطهارة، هو عكس إنسان وضع في نفسه أقل بذرة للخبث، فيسيطر عليه ذلك الخبث كل يوم ويصبح أكثر شرًا. وأنت أيضًا إذا كنت تريد أن تحتفل بالفطير مع الرب، لا تترك بداخلك ولو أقل خميرة من الخبث أو الشر.
عيد الباكورات :
8ـ بعد ذلك يأتي سادس عيد، المسمى بعيد الباكورات [تقدم فيه باكورات الحصاد الجديد]، عندما يُحصد الحقل المزروع جيدًا ويكون الحصاد ناضجًا في كمال ثمار هذه الأرض نحتفل بعيد للرب.
إذًا أردت أنت أيضًا الاحتفال مع الرب بعيد الباكورات، انتبه إلى الطريقة التي تزرع بها والمكان الذي تزرع فيه حتى تقدر أن تحصد ثمارًا تحوز على رضاء الرب وتفرحه وتجعله يحتفل بعيد. وفي هذه الحالة لا تقدر أن تحقق ذلك إلا بسماع قول الرسول ” ومن يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية ” (غل6: 8). إذا زرعت بهذه الطريقة، وإذا حصدت بهذه الطريقة، ستحتفل حقًا بعيد الباكورات. لهذا يعطي النبي هذه النصيحة ” احرثوا لأنفسكم حرثًا ولا تزرعوا في الأشواك ” (إر4: 3). الذي يجدد ” قلبه ” والإنسان الداخلي من يوم إلى يوم، ” احرثوا إذن الأرض الجديدة ولا تزرعوا في الأشواك ” ولكن على الأرض الجيدة فيعطي ثمرًا، بعض مئة وآخر ستين وآخر ثلاثين. “ أما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان ” (غلا5 :22) إذًا بين ” ثمار الروح “، الأولى هي ” الفرح “، ومن الطبيعي أن نحتفل بعيد الباكورات عندما نحصد “الفرح”، خاصة إذا حصدنا في نفس الوقت ” السلام – الصبر – الصلاح – اللطف “، وإذا جنينا الثمار الأخرى للروح،سنحتفل باستحقاق بعيد الباكورات للرب.
عيد الأسابيع
9ـ بعد ذلك يأتي عيد الأسابيع، كل سبعة أيام نحفظ السبت، ونحتفل بالعيد، وأيضًا كل سبعة أشهر نعمل سبت الأشهر ونحتفل بعيد يسمى ” سبت السبوت “. وفي اليوم الأول نقيم “تذكر الأبواق” ولكن الذي يقدر أن يحتفل بتذكر الأبواق هو الذي يقدر أن يعهد إلى ذاكرته كتابات الرسل، والإنجيليين التي تدوي مثل صوت البوق السماوي ويحفظها في ” كنز قلبه الصالح؟ “
الذي يفعل ذلك و ” في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلاً ” (مز2:1)، فهو يحتفل بتذكر الأبواق وهو الذي باستحقاقه يقدر أن يقتني من الروح القدس فضل الإرشاد الرسولي، والذي يقدر أن يبدأ إنشاد المزمور، ” انفخوا في رأس الشهر بالبوق عند الهلال ليوم عيدنا “، الذي يعرف أن “ غنوا له رنموا له انشدوا بكل عجائبه” (مز105: 2)، فهذا يحتفل باستحقاق باحتفال الأبواق.
عيد التكفير
10ـ ويوجد أيضًا عيد آخر يقتصر على من “يحزن روحه” ويتضع أمام الرب. عيد عجيب ونسميه عيد يحزن الروح! هو يوم التكفير ” في اليوم العاشر من الشهر السابع “. ليكن إذًا لديك اهتمام، إذا كنت تريد أن يفرح الرب بك فلتحزن روحك وتجعلها متواضعة ولا تسمح لها بتحقيق رغباتها ولا تتركها تنطلق في أشياء رديئة. “أحزنها وأوضعها، وكذلك عيد الفصح وعير الفطير يستوجبان” “الفطير خبز المشقة”. ولا أحد يقدر أن يحتفل بعيد بدون أن يأكل “فطير خبز المشقة” وبدون تناول الفصح “بمرارة” أو “على أعشاب مرة”. ونرى إذًا ما هي أعياد الرب: فهي لا تتوافق مع لذة الجسد، ولا تقبل أي توان، أي تلذذ، أي شهوة حسية، فهي توجب حزن الروح، المرارة والتواضع، لأن “من يضع نفسه يرتفع” أمام الرب. وهذا أيضًا ما يُطلب يوم التكفير. عندما تكون “النفس محزونة” ومنسحقة “أمام الرب” (أنظر يع4: 10)، فإن والرب يعيدها مرضية ومقبولة ويقدمها إلى من عينه الرب ليكون ” كفارة بالإيمان”، “…..يتم الصلح بدمه” أي المسيح يسوع ربه وفاديه.
عيد المظال
11ـ لنرَ ما هو آخر عيد يعطيه الرب فرصة للإنسان: هو عيد المظال. الرب يعطي عيدًا عندما يراك اخترت مسكن في هذا العالم تحت خيمة، عندما يراك بدلاً من أن تحتفظ بروحك مرتبطة وثابتة على الأرض، بدلاً من تمني خيرات الأرض، واعتبار هذه الحياة التي ليست إلا ظل، إعتبارها إقتناءًا دائمًا. أقول عندما يراك، مثلاً في مكان للمرور، يقربك من فردوس النعيم، الوطن الحقيقي الذي منه خرجت وتقول ” أنا غريب عندك، نزيل مثل جميع آبائي” (مز39: 13). لأنه تحت الخيمة يمكث الآباء: ” إبراهيم ساكنًا في خيام مع أسحق ويعقوب“، ” الوراثين معه لهذا الموعد عينه ” (عب 11: 9).
هل أنت “غريب ونزيل” على الأرض، هل تتجنب بذهنك التمسك والتأصل في شهوة الأشياء الأرضية، هل أنت مستعد أن تهاجر سريعًا، هل أنت مستعد أن “ تمتد إلى ما هو قدام” (في3: 13)، حتى تصل إلى ” الأرض التي تفيض اللبن والعسل” وتلقى ميراث الخيرات الآتية؟ إذًا رآك الرب في هذه الحالة سوف يفرح بك، ويحتفل بعيد إكرامًا لك.
الأعياد في الحياة المستقبلة
كل هذا يقتصر على الوقت الحاضر. إذا أردت أن تعرف كيف يُحتفل بالأعياد في المستقبل فلترتفع إذا استطعت بأفكارك شيئًا فشيئًا عن الأرض وأنسَ لبعض الوقت ما هو أمامنا. وتصور كيف أن ” السماء والأرض تزولان ” وكيف أن ” العالم يمضي وشهوته”، تصور تأسيس الجديد: “ وننتظر سموات جديدة وأرضًا جديدة يسكن فيها البر” (2بط 3: 13)، أبعد عن نظرك ضوء الشمس المرئي وأنظر إلى العالم الذي يأتي بنور سبع مرات أكثر إضاءة (انظر أش 35: 26)، أو بالأصح، على سلطان الكتاب، الذي أعطاه الرب نفسه مثل “نور” ينتظم حوله ملائكة المجد؛ “الفضائل، القدرات، العروش، السيادة” وكل “أسم” للقدرات المجيدة السمائية التي ستُعرف ليس فقط في الدهر الحالي وإنما في الدهر الآتي أيضًا.
في وسط هذه يجب أن نفكر ونتخيل كيف نقدر أن نحتفل بأعياد الرب، وماذا يمكن أن يكون التهليل، الفرح، الاستبشار. لأن الأعياد الروحية التي تكلمنا عنها، عظيمة وأصيلة، خاصة عندما نحتفل بها روحيًا في النفس، وإن كان ذلك جزئيًا وليس كليًا مثل ما تثبته كلمة الرسول ” لأننا نعلم بعض العلم ونتنبأ بعض التنبؤ” (1كو13: 9)، إذًا، نحن لا نعيد بهذه الاحتفالات إلا جزئيًا.
لنرجع إلى أقوال بولس الرسول على أيام العيد وعيد القمر الجديد ونرى دقته في قوله ” فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت” (كو2: 16). لنلاحظ جيدًا إنه لم يقل: على عيد ولكن من جهة عيد، ففي هذا العالم نحن نحتفل بالأعياد جزئيًا وليس بصفة كلية. فنحن طوعًا أو كرهًا تعوقنا بلادة الجسد الذي تحركه شهواته وتضنيه المشاغل والهموم.
يقول الحكيم “ الجسد الفاسد يثقل النفس ويعيق الروح بهموم كثيرة” (الحكمة9: 15س). إنه جزئيًا يحتفل الأبرار في هذا العالم بالعيد، “لأننا نعلم بعض العلم ونتنبأ بعض التنبؤ”. ولكن عندما تأتي الحقائق الكاملة فسوف تبطل الحقائق الجزئية والعلم الجزئي ويحل العلم الكامل والحقائق الرسولية الكاملة محل العلم الجزئي والحقائق الجزئية، إذًا العيد الكامل يحل محل العيد الجزئي. هذا العالم لا يقدر أن ينال أي شئ من الكمال. إذ تفرض حاجات الجسد الشراب تارة، النوم تارة، وأيضًا هموم كثيرة أخرى ضرورية لهذه الحياة الحالية، بالتأكيد كل شئ يعطل دوام العيد الإلهي.
ولكن متى أتت اللحظة المتنبأ بها من أجل الذين يقيمون في قدس الأقداس، وعلى أي حال إذ كنا نستحق أن نكون من بين هؤلاء الذين ” لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد” (رؤ7: 16)، لا ينامون “لا يعملون” ولكنهم متيقظون دائمًا، مثل الملائكة الذين يُقال عنهم إنهم متيقظون دائمًا، “ عندما أقول إننا إن كنا نستحق أن نوضع في هذا المكان إذ هو الذي يليق به العيد الذي لا يفني، الذي ملكه وعريسه وسيده هو الرب يسوع المسيح نفسه مخلصنا، الذي له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين ” (1بط4: 11).