بنات صلفحاد – العظة الثانية والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد
بنات صلفحاد، موت موسى
قصة بنات صلفحاد
كان هناك خمس بنات، كتبت الشريعة أسماءهم، ولدوا من الإسرائيلي صلفحاد ” الذي مات في البرية ولم يكن له بنون” (عد27: 1-4). ووقفن بنات صلفحاد أمام موسى قائلات ” لماذا يحذف اسم أبينا من بين عشيرته، لأنه ليس له ابن” (عد27: 2،4)، فقدم موسى دعواهن أمام الرب. ولطف الله الكلي القدرة لا يحتقر ولا يزدري بطلب البنات، ولا تفضل بإعطاء إجابة فقط ولكنه وافق وجعلهن يحصلن على ميراثهن ليضع أساسًا لحقوق أبدية تسرى لكل العصور.
فكلم الرب موسى قائلاً ” بحق تكلمت بنات صلفحاد فتعطيهن ملك نصيب بين أخوة أبيهن وتنقل نصيب أبيهن إليهن” (عد27: 7)، ” وتكلم بني إسرائيل قائلاً أيما رجل مات وليس له ابن تنقلون ملكه إلى ابنته” (عد27: 8)، ” وإن لم تكن له ابنه تعطوا ملكه لأخوته، وإن لم يكن له أخوة تعطوا ملكه لأخوة أبيه ” (عد27: 9-10)، ” وإن لم يكن لأبيه أخوة تعطوا ملكه لنسيبه الأقرب إليه من عشيرته فيرثه، فصارت لبني إسرائيل فريضة قضاء كما أمر الرب موسى” (عد 27: 11).
أهمية هذه الفقرة بديهية من الناحية التاريخية إذا فكرنا أن هذه القوانين صار لها قوة، ليس فقط عند أبناء إسرائيل ولكن عند كل الأمم المتحضرة. إقدام بنات صلفحاد لم يعطهن فقط ميراثًا ولكن أسس للعالم قانونًا مستديمًا. تُرى ما هي أهمية القصة نفسها في ناموس الله، من يستطيع إلغاء قوانين سابقة مستعملة في العالم أجمع.
معنى روحي
لنتقدم قليلاً، باحثين عن بنياننا الروحي. قد لا يكون عندي بنات من لحمي، ولا مجال لنقل ميراث. وفي هذه الحالة، لن يكون للناموس أى تأثير، وما قد تم تقريره بكلام الله سيبقى غير نافع؟
نبحث إذًا عن القانون الروحي، من تكون هؤلاء الخمس بنات اللواتي مات والدهن بخطيئة ما ومع هذا أصبحن وارثات بكلمة الله.
أبناء وبنات: معرفة وأعمال
عندما تحدثنا سابقًا عن الأبناء الروحيين وعلمنا أن فضائل النفس وأفكار العقل قد دعيت أبناء. وقد ظهر صحيحًا ومنطقيًا أن نرى البنات في الأعمال التي تنجز بواسطة الجسد. ولذا عددهم خمسة لأنه يوجد خمس حواس جسدية تتم بها كل الأعمال في الجسد. مع أنهن محرومات من الأب وباقيات يتيمات، هم تلقوا ميراث ليس مستثنى من الملكوت، هم تلقوا ميراث في وسط أبناء إسرائيل.
ولكن نرى من هو أبوهن الذي نقول أنه مات. هو يُدعى صلفحاد، يقول الكتاب: صلفحاد يُترجم “ظل في فمه” “أب الأعمال هو العقل”. هذه حالة متكررة، بعض من أخوتنا لهم عقل دون عمق، بدون اتساع، تفكيرهم ميت هو من هؤلاء الأشخاص الذي كُتب عنهم ” فمات قلبه داخله” (1صم25: 37).
رجل كهذا لا يفهم شيئًا، هو مات بالإدراك الروحي ولكنه إذا أعطى اليوم لبناته بخدمات مردودة، بأعمال طاعة، بأعمال مطابقة لأوامر الله، سينال أرضًا بالميراث مع شعب الله. هو لا يمكن أن يعد بدون شك مع الذين “ الرب هو نصيبهم“، والذين ” الله هو ميراثهم“، لن يستطيع أن يأخذ ضمن الخدام والكهنة ولكن بمرتبته المتواضعة هو سيحصل على ميراث من أرض الموعد ” لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون” (مت22: 14).
حينئذ نفهم تبعًا لمعنى اسمه، لماذا لم يستطيع صلفحاد أن يكون له أبناء ولكن بنات فقط، يجب أن نقول “ظل في فمه“، أنت تراه إذًا شخصًا ما لديه “ظل” الناموس في فمه وليس ” الصورة الحية للحقيقة” (انظر عب10: 2)، هذا الرجل لا يستطيع إدراك أي معنى روحي ولا أي فكرة عميقة، وليس لديه إلا “ظل” الناموس في فمه، ولا يستطيع أن يولد أفكار حية وروحية. ولكن يولد أعمال وأفعال التي هي طريقة خدمة المؤمنين البسطاء.
وهكذا تظهر رحمة الله هنا أن كل البسطاء والذين لديهم نقص في الإدراك، ولهم أعمال جيدة، لم يحرموا من ميراث القديسين، إذًا ” بنات صلفحاد لهن حق”.
وبعد ذلك وضع الله قانون التتابع، الميراث يعود للأبناء ويلي ذلك للبنات، وثم للأخوة وفي رابع درجة أخوة الأب، والدرجة الخامسة لا تشير إلى أي شخص محدد ولكن تنسب للشخص الأقرب في العائلة. وهنا المعنى التاريخي مكمل ومنتهى ولا يحتاج أي إيضاح .
درجات في الميراث السمائي
حينئذ من هو مُلِم بالنواميس الإلهية ومستنير بالمعرفة، يستطيع أن يفهم الدرجات المختلفة لهذا التتابع. الأول هو للميراث السمائي الآتي، بعنوان المعرفة والعلم هو للابن الذكر. والثاني الخاص بالأعمال هو الابنة. الثالث هو نوع من العاطفة والتقليد ولهذا يدعى أخ. يوجد أناس لا ينتجون أي عمل عقلي من تلقاء أنفسهم ولكنهم موضوعون في وسط أخوتهم، ويبدو أنهم يقلدون نفس الأعمال التي يعملها أولئك الذين لهم حياة عقلية شخصية، هؤلاء يرثون بالدرجة الثالثة باعتبارهم أخوة.
في الدرجة الرابعة الذي هو أخ الأب نستطيع أن نرى نوعية من الرجال الذين يجتهدون أن يقوموا بالمسئوليات المأخوذة من آبائهم وأن يتبعوا التقاليد المسلمة من القدماء. هم لا يعيشون أبدًا بالعواطف الشخصية ولا يتأثرون بالتعاليم الحاضرة ولكنهم يسيرون حسب التقاليد أي نظام القدماء. وهكذا هم لا يهملون وحينئذ يعملون بعض الخير.
الدرجة الأخيرة تتعلق بعلاقة قرابة معينة مع السابقين. هذا يجعلنا نقول: بعض الخير الذي نفعله بالصدفة أو بالمعرفة الحقيقية لن يضيع علينا ربح العمل الصالح، وسننال من سخاء الله نصيبًا من الميراث. إنه من الجرأة من جانبنا أن نعالج هذه الأمور ونتكلم عنها جهارًا. ولكن نحن لن نندم إذا قارنًًا “ الروحيات بالروحيات” (1كو2: 13) بل سنرجع منها بغيرة شديدة لمعرفة الأسرار.
II موت موسى
بعد ذلك تأتي قصة أخرى، وهي حكاية رائعة ومليئة بمعنى سامي. القصة تروي كيف ” قال الرب لموسى اصعدوا إلى الجبل” (عد 27: 12). حتى إنه بعدما رأي وتأمل كل أرض الموعد مات.
ولكن إذ كان أكثر انشغالاً بشعبه، أكثر من نصيبه، صلي إلى الله أن يدبر ” رجل ليقود شعبه لكيلا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي لهم ” (عد27: 17).
تجهيز الذهن للحياة المستقبلية:
نرى في الوضع الأول كيف أن الإنسان الكامل والمغبوط لا يموت في الوادي وفي السهول ولا على التلال، بل على الجبل، وهذا يعني مكان مرتفع ومداخل صعبة. لأن إتمام وتحقيق الكمال في حياته له الأهمية العظمى. هو تلقي الأمر بأن يتأمل بعينيه كل أرض الموعد وأن ينظر إلى كل شئ بانتباه شديد جدًا.
في الحقيقة يجب على الإنسان الذي يريد أن يصل إلى كمال عظيم أن لا يبقى أي شئ مجهول بالنسبة له، وأن يعرف كل شئ يراه ويسمعه. لأنه يجب عليه أن يمر من جديد على كل الأشياء التي عرفها بمظهرها المادي أثناء وجوده في الجسد وذلك عندما يدخل في عالم الروح والقلب النقي، حتى أنه وهو يسرع في سماع دروس الحكمة وهو يبدأ في مدرسته، يستطيع أن يجد بسرعة الأساس والأسباب. أي اهتمام آخر كان لديه، ليظهره له في ليلة رحيله من هذا العالم، قبل نهاية هذه الحياة سوى الأراضي والأماكن التي لم يستطيع أن يقهر صعوباتها ولا أن ينال مزاياها؟
موسى مذنب
العبارة التي تأتي بعد ذلك تملأني من الرعب تجعلني أتردد أن أتكلم، عندما أرى موسى هذا ” عبد الرب وصديقه” (يش1: 3)، الذي تكلم إليه ” وجهًا لوجه “، وبواسطته أُجريت آيات ومعجزات مدهشة، ومع هذا قال له هذه الكلمات الصعبة والمخيفة. ماذا قال له الرب؟
” ومتى نظرتها تضم إلى قومك أنت أيضًا كم ضُم هرون أخوك” (عد 27: 13). ولكي يشرح له سبب موته أضاف الرب ” لأنكما في برية صين عند مخاصمة الجماعة عصيتما قولي أن تقدساني بالماء أمام أعينهم” (عد27: 14). إذًا فموسى أيضًا مذنب؟ هو أيضًا استوجب الاتهام بالعصيان، هو أيضًا تحت الخطيئة “. ولهذا أعتقد أن الرسول يقول بتأكيد ” لكن قد ملك الموت من آدم إلى موسى”. لمست (الخطيئة) موسى ولم تفارقه أبدًا، ولهذا يقول الرسول “ دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت” (رو5: 12)، وأيضًا ” لأن الله أغلق على الجميع معًا في العصيان لكي يرحم الجميع ” (رو11: 32)، ولكن ” ويحي أنا الإنسان الشقي، من ينقذني من جسد هذا الموت… أشكر الله بيسوع المسيح ربنا” (رو7: 24،25). لأنه ” حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًا” (رو5: 20). لأنه كيف يستطيع موسى أن ينقذ أحدًا من الخطاة وهو الذي قال له الرب: ” لأنكما في برية صين عند مخاصمة الجماعة عصيتما قولي أن تقدساني بالماء أمام أعينهم (أبناء إسرائيل) ” (عد27: 14).
مثال موسى: ضد المحاباة
4ـ فلنتأمل إذًا عظمة موسى. في وقت تركه للعالم، قد صلى إلى الله ليعين قائد لشعبه. آه، موسى ماذا تفعل؟ ألم يكن لك أبناء، جرشوم ولعازر؟ إذًا لم يكن عندك ثقة تامة فيهم، وكذلك أخوك، الرجل العظيم. كيف لم تسأل الله أن يقيم منهم قادة للشعب؟ ورؤساء الكنيسة، بدل من أن يعينوا المرتبطين معهم بعلاقات الدم أو القرابة الجسدية، ليملكوا في الكنيسة، وبدلاً من أن يختاروا الخدام بحسب عواطفهم البشرية كان ينبغي أن يسلموا لله أمر تعيين خلفائهم!
موسى لم يقدر على اختيار قائد للشعب بتحكيم مناسب، وبقرار مستقيم وعادل، ولذلك قال له الله ” اجمع إلى سبعين رجلاً من شيوخ إسرائيل الذين تعلم أنهم شيوخ الشعب وعرفاؤه” (عد11: 16)، والذين تختارهم فهؤلاء هم الذين ” آخذ من الروح الذي عليك وأضع عليهم” (عد11: 17). ومن أفضل من موسى يستطيع تعيين قائد للشعب؟ ومع ذلك فهو لم يعين أحدًا، لم يجرؤ على ذلك. لماذا لم يجرؤ؟ لكي لا يترك للأجيال القادمة مثال للشبهة اسمعه يقول: ” ليوكل إله أرواح جميع البشر رجلاً على الجماعة يخرج أمامهم، ويدخل أمامهم ويخرجهم ويدخلهم” (عد27: 16، 17).
إذًا كان رجل عظيم مثل موسى لا يقوم بتعيين قائد للشعب برأيه الخاص، ليكون خليفة له، فمن يجرؤ، من بين هذا الشعب، وحتى لو كان من بين الكهنة أن يعطي رأيًا سواء باستخدام الصياح أو بتأثير المال، لا يستطيع أحد أن يعطي حكمًا بخصوص هذا الأمر، إلا لو كان هناك إعلان من الله بعد صلوات وتوسلات كثيرة أمام الله؛ ولهذا قال الله لموسى: ” خذ يشوع بن نون رجلاً فيه روح وضع يدك عليه، وأوقفه قدام أليعازر الكاهن وقدام كل الجماعة وأوصه أمام أعينهم، واجعل من هيبتك عليه لكي يسمع له كل جماعة بني إسرائيل” (عد 27: 18-20).
تعرف من هذا بوضوح كيفية تنصيب قائد للشعب، فهنا لا مجال لمظاهرة شعبية أو أي اعتبار لقرابة جسدية، فالأقارب يورثّون الحقول والبيوت ولكن قيادة الشعب، تعطى للمختار من الله، أي لرجل يسكن فيه روح الله، ويضع أمامه وصايا الله (انظر مز180: 22). ويكون معروفًا من موسى والقريبين منه، بمعنى أن يكون له نور الناموس والمعرفة حتى يسمع له كل أبناء إسرائيل . ولكن كما أن كل التعاليم مملوءة بالأسرار، نحن لا نستطيع أن نسقط ما هو أعظمها قيمة، وأكثرها نفعًا وضرورة، وهي الوصايا التي أعطاها حرف الناموس.
إذا اعتبرنا موت موسى هو بالتأكيد نهاية الناموس بحسب الحرف فما هي نهايته؟ النهاية هي إلغاء الذبائح وكل الفرائض المشابهة التي يحتويها الناموس. متى نصل إلى نهايتها فإن يسوع (يشوع) يستلم الوصية، ” لأن غاية الناموس هي المسيح للبر لكل من يؤمن” (رو 4:10)، وأيضًا قد قيل عن القدماء الإسرائيليين أنهم ” اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر” (1كو10: 2)، وأيضًا أنه قيل عن يسوع (يشوع) إن كل من في يسوع قد اعتمد في الروح القدس والماء (انظر يش3: 15-17). لأن يشوع (يسوع) هو الذي أجازهم في مياه الأردن، واعتمد الشعب بطريقة ما. وهو الذي وزع أرض الميراث، الأرض المقدسة على الكل، وليس فقط على الشعب القديم، ولكن على الشعب الجديد أيضًا. لأن الشعب القديم بسبب عصيانه “ طرحوا في القفر” (انظر1كو10: 5)، ولكن في وقت يسوع (يشوع) قيل “واستراحت الأرض من الحرب” (يش11: 23)، وهذا ما لم يكن ممكنًا أن يُقال في أيام موسى.
وهذا قيل عن يسوع ربي، وليس عن يشوع بن نون هل تستطيع أرضي أن تستريح من حروبها؟ ويمكن أن تفعل أرضي هذا إذا ما جاهدت بإخلاص، من أجل يسوع قائدي، فإذا أطعت ربي يسوع ” فلن يحارب جسدي ضد روحي أبدًا ” (انظر غل5: 17). ولن تُهاجم الأمم الأعداء أرضي إطلاقًا وأقصد بالأعداء، الشهوات المتنوعة. فلنصلٍ إذًا حتى يسود يسوع علينا، حتى تستريح أرضنا من الحرب ومن هجوم الشهوات الجسدية. فإذا توقفت هذه الحروب، فإن كل واحد “سوف ينام تحت كرمته وتحت تينته، وتحت زيتونته. فتحت حماية الأب، والابن والروح القدس، تستريح النفس التي قد استعادت سلام الجسد والروح. والمجد لله الأبدي إلى دهر الدهور آمين.