أبحاث

الميراث – العظة الحادية والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد

الميراث - العظة الحادية والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد

الميراث – العظة الحادية والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد

الميراث - العظة الحادية والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد
الميراث – العظة الحادية والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد

الميــــــراث

 

منعنا الوقت حين كنا نتحدث عن “الأعداد” التي كنا نقرأها أثناء المحاضرة الأخيرة من أن نتحدث عن التعداد الثاني، ولكن الآن يجب أن نصلح هذا السهو.

الوعد بالميراث

إذًا وتبعًا لأوامر الله، قد أحصى الشعب مرة أولى، ولكن مثل الذين قد قُبلوا سابقًا “قد سقطوا” بسبب تشبثهم بالخطيئة.

شعب ثاني الآن أخذ مكان الساقطين، بجيل جديد دُعى للتعداد، وقيل عن الجيل الثاني أشياء لم تذكر عن الشعب الأول، بعد أن كان التعداد قد جمع بواسطة الأسباط والعشائر والمنازل والعائلات، كلم الرب موسى قائلاً ” لهؤلاء تقسم الأرض نصيبًا على عدد الأسماء، الكثير تكثر له نصيبه والقليل تقلل له نصيبه كل واحد حسب المعدودين منه يُعطى نصيبه” (عد 26: 53- 54).

إذا كان قد قيل للشعب الأول إن الأرض ستخصص لهم بالميراث، الوعد كان خطأ لأنهم سقطوا في الصحراء “بسبب الخطيئة”. ما لم يقل للأولين قيل للجيل الثاني، وكل الوعود التي وُعدوا بها حازوا عليها.

موسى ويسوع

لا نعتقد أن كل شئ قد حُصر في هذه المرحلة التاريخية. هذه هي الأسرار المفسرة في صورة الشريعة. شعب ثاني قد جمع ضمن الأمم، تقدم وهو الذي حصل على الميراث الأبوي. مِن مَنْ حصلوا عليها؟ من موسى؟ لا من يسوع (يشوع)، لأن موسى حتى لو أعطى لبعض الناس ميراث لن يعطيه في عبر الأردن. هو لا يعبر الأردن هو يعطي الأرض بعد (أى شرق) الأردن “حيثما لا يفيض لبنًا وعسلاً”. التي لا تصلح إلا للقطيع والحيوانات الصامتة، وتربى الحشرات طبيعيًا، بدلاً من الإنسان العاقل. ولكن الأرض الذي أعطاها يشوع للشعب الثاني هي الأرض التي “تفيض لبنًا وعسلاً” (يش 5: 6)، ماذا أقول؟ التي “هي شعاع من العسل أكثر من أي أرض أخرى“. ومن جهة أخرى موسى لا يعطي الميراث بالقسمة أو بالقرعة، هو لا يوزع بالكمية ولا بالقسمة الإلهية حسب ما يستحق كل واحد “عشائرهم وبيوت آبائهم بعدد الأسماء” (عد 1: 20).

يسوع وحده هو الذي فعل هذا “ الذي أعطاه الآب السلطان أن يدين” (يو22:5)، هو يعرف كيف يوزع على شعبه بطريقة عادلة ومناسبة ليس فقط حسب “عشائرهم وبيوت آبائهم” ولكن أيضًا فرديًا “بالأسماء”.

اللاويون

الله هو ميراثهم الوحيد

وفي هذه الأثناء يوجد الذين أثناء القرعة لهم مكان على جانب ولم يكونوا تابعين له. هؤلاء هم اللاويون الذين يُبقون بدون انقطاع في خدمة الله ويسهرون الليل من أجله، نصيبهم ليس على الأرض، هو الله نفسه، الذي قال إنه ” نصيبهم وميراثهم” (يش14:3).

يبدو لي أنهم يمثلون الذين لا يتركون أنفسهم تتعطل بعقبات الطبيعة الجسدية. هم تخطوا مجد كل الأشياء المرئية ووضعوا في الله كل حياتهم بأعمالهم، والذين لا يبحثون عن شئ جسدي، ولا عن أي شئ غريب عن العقل، هم أرادوا الحكمة، أرادوا معرفة أسرار الله “وحيث يكون قلبهم هناك يكون كنزهم” (مت21:6). إذًا ليس لهم ميراث على الأرض، هم صعدوا من تلك الجهة، إلى أعالي السموات.

وهناك هم سيكونون في الله، في كلمته، في حكمته في مباهج معرفته، يشبعون بالنعيم والفرح. هو سيكون غذائهم، وشرابهم، وغناهم، ومملكتهم. هذا هو مصيرهم، هذه هي الخيرات التي سيعرفها أولئك الذين صار الرب هو ميراثهم الوحيد. أما بالنسبة لمن هم أقل تقدمًا ولم يصلوا في تقدمهم إلى تلك الأعالي، فأنهم سينالون الأرض كميراث، ولكنها أرض أكثر رفعة وأكثر قوة ” هي أرض الأحياء” (مز13:27)، التي وعدوا بها، والتي أطلق عليها هذا الاسم لأنها أرض لا تعرف الموت.

هم عظماء وسعداء ولكن من هم أكثر سعادة هم الذين ” سيعاينون الله ليس في مرآة أو في لغز” (1كو12:13)، ولكن “وجهًا لوجه” ويشعون بنور الحكمة ويصبحون قادرين بفضل نقاوة القلب، أن ينالوا الحياة الإلهية الحقيقية. وهكذا فهم لهم نصيب ليس في المخلوقات ولكن في الخالق ” الكائن على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد آمين”      (رو 5:9).

 

العدد الكبير والعدد الصغير

لهؤلاء تقسم الأرض نصيبًا على عدد الأسماء الكثير تكثر له نصيبه والقليل تقلل له نصيبه كل واحد حسب المعدودين منه يعطي نصيبه” (عد 26: 53- 54). هذا هو ما يقوله الكتاب، إذا كانت قبيلة عددها أكبر سيكون نصيبها مساحة أكبر من الأرض، وأما إذا كان عدد أفرادها أقل ستأخذ مساحة محدودة حسب تعدادها. ولكن بما أن تقسيم هذه الأرض وهذا الميراث يقدم كما قلنا صورة أرضية “ وظل للخيرات العتيدة ” (عب1:10) ويعطي مثالاً للميراث السماوي الذي يرجوه المؤمنون والقديسون.

لذلك أنا أبحث عن من سيكون في هذا الميراث الذي يجب أن نتمناه. العدد الأكبر والعدد الأصغر. وأجد أن هؤلاء أكثر سعادة من الآخرين. لأنه “ واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك، وكثيرون هم الذين يدخلون منه وما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه” (مت 7: 13- 14)، ونقرأ في موضع آخر ” فقال له واحد يا سيد أقليل هم الذين يخلصون” (لو 13: 23)، وأيضًا “ ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين” (مت 24: 12)، هنا عدد كبير وليس عدد صغير.

في إنشاء سفينة نوح حيث المقاييس أعطيت بالإلهام من فوق، الأجزاء المنخفضة يجب أن يكون طولها ثلاثة مئة ذراع، وعرضها ثلاثين، وكلما ارتفع البناء، صار أضيق وانخفض إلى عدد صغير من الأذرع، حتى القمة التي انتهت في الفضاء إلى ذراع واحد   (انظر تك 6: 15، 16). السبب أن الأجزاء المنخفضة حيث ما رُوعى فيها الاتساع والفضاء الفسيح، لاستقبال الحيوانات والقطيع والأجزاء الأعلى الطيور. أما بالنسبة للقمة قليلة العرض والمحددة فهي مكان الإنسان العاقل.

ومن جهة أخرى، القمة تصل إلى الوحدة، ولكن الوحدة هنا تعني سر الثالوث الواحد، والإنسان قريب جدًا من هذا الرمز لأنه عاقل ويمكنه استقبال الله. وهكذا نستطيع إيضاح الفرق بين العدد الكبير والعدد الصغير. نأخذ من النوع الإنساني ومن كل الأمم نأخذ ثلاثي المؤمنين وهم بلا شك سيكونون أقل عددًا من مجموع أعداد البشر. ومن عدد المؤمنين نستخرج الأفضل، فالعدد الذي سيبقى سيكون قليلاً أيضًا.

ومن الذين سيكونون لدينا مميزين أيضًا، وهم الأكثر كمالاً سنجدهم أيضًا عدد أقل بكثير. وبالأكثر حينما نسير في هذا الاختيار، سنجدهم أقل حتى نصل أخيرًا إلى شخص واحد، الذي يمكن أن يقول بكل تأكيد ” أنا تعبت أكثر من جميعهم” (1كو 15: 10). الذين سيكونون العدد الأكبر بهذا المعنى سيحصلون على أرض أكبر وميراث أرقى. العدد الصغير سيحصلون على نسبة صغيرة من الأرض لأن نصيبهم أكثر في الرب.

الآخرون لا ينالون مطلقًا أي ميراث أرضي، وهؤلاء هم الكهنة الفضلاء وخدام الله لأن ” الرب هو ميراثهم” (انظر يش 13: 14)، سيكونون سعداء جدًا لكونهم عدد صغير، يتلقون نصيب صغير من الأرض. ومن بين الكهنة والخدام من يستحق في التقسيم نوال الرب وحده. وإذا حصلوا على مساحة قليلة من الأرض، فهي لحيواناتهم، هي الأرض التي في أبواب المدن وفي أطراف المدن (انظر يش 14: 4)

 

معاني أخرى

حينئذ نستطيع أن نفهم بطريقة أخرى هذا الحديث، أن الميراث لعدد كبير قد ازداد. بار واحد بالمقياس المرضي لله يساوي أشخاصًا كثيرين، أليس مكتوبًا ” بواسطة حكيم واحد تمتلئ المدينة، أما أقرباء الأشرار فيخربون سريعًا” (ابن سيراخ 5:16)، بار واحد يساوي العالم أجمع، لكن الأشرار الكثيرين لا يعتبرون شيئًا أمام الله.

الكثرة يمكن أن تُؤخذ أيضًا بمعنى ملائم كما يتضح من الكلام الذي قيل لإبراهيم عندما أخرجه الله. ” انظر إلى السماء وعد النجوم، إن استطعت أن تعدها وقال له هكذا يكون نسلك” (تك 15: 5). انظر هنا كيف أن البار يكون في الداخل ويكون دائمًا هناك في الداخل، لأنه في الداخل البار “ يصلي إلى الآب في الخفاء” (انظر مت 5: 6)، وأيضًا مكتوب: ” كل مجد ابنه الملك من داخل” (مز 45: 14)، أعني النفس الملوكية أي “هي الداخل”، ولكن الله يخرجها حينما تقتضي الظروف ويقتضي نظام الأمور المنظورة ذلك.

فيمكن إذًا أن الميراث يزداد ” مثل نجوم السماء في الكثرة ” (عب 11: 12)، وانخفض العدد الصغير، وهذا يعني بالنسبة لمن هم بدون أن يكونوا صغار بالعدد، يكونون مع هذا صغارًا بسبب عدم استحقاقهم ودنائتهم.

 

التقسيم بالقرعة والمكافآت الاستثنائية

إنما بالقرعة تقسم الأرض” (عد 26: 55)، وذلك حسب الأمر المعطى، لكن عندما أخذ موسى الشريعة، التي تلقاها، قد أعطى ميراثًا لبني جاد وبني رأوبين ونصف سبط منسى.  يشوع أعطى ميراثه أيضًا دون أن يمر بالقرعة إلى سبط يهوذا وإلى كالب (يش 14: 6- 14)، وأعطى ميراثًا أيضًا بدون أن يمر بالقرعة لسبط إفرايم وإلى نصف سبط منسى ولكن للآخرين بالقرعة. ومن هنا أستنتج أن في الميراث الطوباوي لملكوت السموات، سيكون فيه الذين لن يدخلوا ولن يحسبوا مع الآخرين، مهما كانوا قديسين بالقرعة.

ولكن ميراثهم سيكون على حده وسيكون استثناء كما في حالة كالب، وسبط يهوذا ويشوع ابن نون نفسه. وهكذا بعد معركة، عندما تقسم الأقاليم والغنائم بين الغالبين. المتحاربون الذين يفوقون أقرانهم، لا يدخلون القرعة مع الآخرين في تقسيم الغنائم. ولكن الجزء الأفضل ينسب إليهم، كمكافأة لما يستحقونه، بينما الآخرون يدخلون، القرعة بحق الانتصار، وهكذا ما فعله، كما يبدو لي، الرب يسوع المسيح فنحن نعرف أنه عانى أكثر من الآخرين، وهو مصدر الأعمال الفائقة السمو والفضائل العظمى، وهو الذي يحق له كل إكرام والمجد الفائق الذي لا يقارن، وهو نفس المجد الخاص بأبيه.

ألا يبدو لك أنه يحادث تلاميذه عن غبطته وسعادته عندما قال:   ” أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا” (يو 17: 24)، وعندما قال ” تجلسون أنتم أيضًا على اثنى عشر كرسيًا تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر” (مت 19: 28)، وعندما قال أيضًا ” ليكون الجميع واحد كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا” (يو 17: 21).

كل هذا لا يُنسب للقرعة، ولكنه مرتبط بامتياز الاختيار، بالذي هو وحده يرى قلوب وعقول البشر. ونحن لو أننا لم نكن من بين المختارين الاستثنائيين وبين من هم أعلى من القرعة، نرجو أن يتكرم ويجعلنا نشارك، حينئذ في نصيب القديسين، ذلك “ الذي له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين ” (1بط 4: 11).

 

الميراث – العظة الحادية والعشرون من عظات أوريجانوس على سفر العدد