أبحاث

بلعام – العظة الرابعة عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد

بلعام - العظة الرابعة عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد

بلعام – العظة الرابعة عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد

بلعام - العظة الرابعة عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد
بلعام – العظة الرابعة عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد

بلعام (تابع)

          يوجد كثير من النقاط التي تركناها جانبًا في شرحنا درس بلعام وأتانه… ونظرًا لأن العظة وضعت لفائدة المؤمنين في الكنيسة محدودة بوقت[1]، لذلك لم نستطع أن نفسر بالتفصيل كلمات الكتاب المقدس وشرح كل شئ بدون أن نهمل شئ. هذه الطريقة الأخيرة مخصصة بالحرى للدراسة والتعليق. لهذا السبب نعود إلى النقط التي تبدو أنها تستحق أن نتعمق فيها، فلنجتهد أن نوضحها بدراسة منتبهة ونعلن نتائج بحوثنا.

 

صعوبات الجانب التاريخي من النص

          1 ـ مازالت تبقى صعاب القصة نفسها “الله” يقول الكتاب المقدس، “آتى” مرة أولى “إلى بلعام” (عد22: 9ـ12)، في الليل وسأله من هم الرجال الذين أتوا ليبحثوا عن بلعام، فأجاب بلعام بأنهم أرسلوا عن طريق بالاق، بن صفور، ليقولوا له: ” تعال العن لي هذا الشعب” فقال الله ” لا تذهب معهم ولا تلعن الشعب لأنه مبارك“. مرة ثانية    “ الله آتي إلى بلعام ليلاً وقال له قم اذهب معهم، لكن بشرط أن لا تقول إلا الكلام الذي أكلمك به فقط“.

مرة ثالثة في الطريق، قطع ملاك الله الطريق عليه، وكانت الرحلة تبدو للملاك بأنها محمودة بقدر بسيط ومناسب حتى كان يريد أن يقتل النبي لولا الآتان: “الذي كان يرى الملاك”، مع أن بلعام لم يستطع أن يراه، ولم “تبتعد” ولكن بعد أن نبهه الملاك لأنه أراد تكملة الرحلة، أخذ بلعام مرة أخرى السماح بأن يكمل الرحلة على أنه يحترم كلام الله الذي كلمه به، وأن لا يلفظ إلا به وليس بأي شئ آخر. كل هذا يصعب شرحه، ومع ذلك كما قلت سأعطيكم باختصار الفرصة للفهم لكي أبرر لكم الكلام: ” سمعها الحكيم فيزداد علمًا” (أم1: 5)، ” وأعط حكيمًا فيكون أوفر حكمة” (أم9: 9).

 

تمييز أسماء الله:

          لكن قبل أن نقدم الموضوع سوف لا نمر بدون أن نتكلم عن ملحوظة تبيّنت لنا عند دراسة القصة عن كثب. فقد كتب اسم الله بالحروف العبرية، اسم الله أو الرب، مكتوب بطرق كثيرة، أحيانًا هو الله، اسم عادي لكل الآلهة، أحيانًا اسم الله نفسه اسم الذي كتب عنه    “ اسمع يا إسرائيل. الرب إلهنا رب واحد” “هذا الاسم لإله إسرائيل، إله واحد خالق كل الأشياء” (تث6: 4)، كتب بعلامة مكونة من الحروف الأربعة[2] (التي تسمى عندهم Tetragrammes)، إذا كان اسم الله قد كتب بهذه الطريقة في الكتاب المقدس، فلا يوجد أي شك أنه يخص الإله الحقيقي وخالق العالم.

          إذا كان قد كتب بحروف أخرى، بحروف عادية، أننا لا نعرف إذا كانت تختص بالإله الحقيقي أو عن الذي يقول عنه الرسول لأنه وإن وجد ما يسمى إلهه سواء كان في السماء أو على الأرض كما يوجد آلهة كثيرون وأرباب كثيرون، ولكن لنا إله واحد الآب الذي منه جميع الأشياء ونحن له ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به” (1كو 8: 5، 6). إذًا الذين يقرأون العبرية يقولون في هذا النص أنهم يجدون أن كلمة “الله” لم تكن في صورة الـ Tetragrammes، ومن يستطيع أن يدرس هذه المسألة فليدرسها.

 

سؤال صعب يتعلق بتدابير الله أمام الشر

          وضع هذا السؤال بشأن كلمات الله لبلعام، عندما يسأله “من هم هؤلاء الرجال؟” (عد22: 9)، لماذا يبدو أنه يتجاهل ذلك؟ وعن الكلام    “ لا تلعن الشعب لأنه مبارك” (عد22: 12)، هل هذا يعني لا تلعن شعبي؟

          2 ـ نحن نقول بأنه بحسب حكمة الله، كل شئ مرتب في العالم بحيث لا يكون شئ غير معروف أمام الله، شرًا كان أم خيرًا. لكن فلنشرح بأكثر وضوح. الله لم يخلق الخبث، الآخرون هم الذين قد أنشأوه؛ إنه يستطيع أن يمنعه، ولم يفعل ذلك مع هؤلاء الأشرار، فالله يستخدم الخبث لأجل أغراض ضرورية. فهو بأفعالهم يمجد ويشجع الذين يبتغون مجد الفضائل. فعند محو الخبث سوف لا تقابل الفضائل أبدًا خصمًا، وبدون خصم سوف لا تلمع الفضيلة، سينقصها المجد والتجربة. فأية فضيلة لا تقاوم ولا تجرب لا تكون بعد فضيلة.

          لكن كل هذا، مقدم بدون شواهد من الكلام الإلهي ويبدو فيه بالأحرى مبالغة وبدع بشرية بدلاً من أن تكون حقائق لا ريب فيها. فلنبحث إذًا إن كانت الكتب الإلهية تحوي بعض أفكار متشابهة. فنأخذ  يوسف الصديق مثالاً فإذا كنا نستبعد خبث أخوته وحسدهم، وكل تدابيرهم القاتلة لوالديه التي وضعوها ضد أخيهم حتى باعوه أخيرًا، ليحذف هذا، ولنر ما يسقط من تدابير الله. إننا سنحذف في نفس الوقت كل الأعمال التي تممها يوسف الصديق في مصر لأجل خلاص الشعب.

حلم فرعون لم يكن ليفسر، فلو لم يكن بسبب حسد أخوته لما بيع يوسف الصديق ولما آتي إلى مصر ولما أدرك أحد ما أعلنه الله، ولما خزّن القمح في مصر؟ ولما عولجت المجاعة بحكمة بصيرة ولكانت مصر قد ماتت من الجوع، وكذلك البلاد المجاورة لها، ومعها إسرائيل. وكذلك ذرية إسرائيل لما دخلت في مصر للبحث عن الخبز، ولما كان أبناء إسرائيل قد خرجوا من مصر وسط معجزات الرب ولما كانت ضربات في مصر، ولا معجزات من الله تمت بواسطة موسى وهارون ولما عبروا البحر الأحمر بدون أن تبتل أرجلهم ولما عرفت الحياة الفانية طعام المن، ولما نبعت من الصخر سيول الماء التي كانت تتبع الشعب.

ولما أعطيت الشريعة من الله للناس. ولما عرف الإنسان كل محتويات أسفار الخروج واللاويين والعدد والتثنية. ولما دخل أحد في الميراث الأبوي في أرض الموعد. فنأخذ هذا النص الذي هو بين أيدينا، ونحذف منه خبث بالاق الملك الشرير، ورغبته في أن يلعن إسرائيل، ونحذف منه الحيلة التي كان يريد بلعام بها إبادة الشعب، وبذلك نحذف في نفس الوقت تدابير الله لصالح إسرائيل ونعم حكمته الإلهية، ولما وجدنا النبوات التي خرجت من فم بلعام ووجهت في نفس الوقت لأبناء إسرائيل والأمم. وتأييدًا لهذا نجد أيضًا من العهد الجديد إذا حذفنا خبث يهوذا.

وإذا نزعنا خيانته سنحذف في نفس الوقت صليب المسيح وآلامه، وإذا لم يوجد صليب “ فالرياسات والسلاطين لم تكن أبدًا قد تجردت وانهزمت بخشبة الصليب” (كو2: 15). فلو كان موت المسيح لم يحدث، فقيامته بالتالي لم تكن تحدث أيضًا، ولا يكون بذلك “ بكرًا من الأموات” (كو1: 18)، وبدون هذا البكر من الأموات سوف لا يكون لدينا أي أمل في القيامة من الأموات.

بنفس الطريقة نفرض أن الشيطان نفسه حرم من إمكانية عمل الخطية، أو نزعت عنه إرادة الشر بعد الخطية، وبهذا السبب نفقد فرصة الكفاح ضد هذه الهجمات ولما وجد انتظار ” إكليل النصر للذي قد جاهد قانونيًا” (2تي2: 5)، وأيضًا ” إن كان أحد يجاهد لا يكلل، إن لم يجاهد قانونيًا” فلو لم يكن لنا خصوم لما كانت هناك معركة ولا مكافئة مخصصة للمنتصرين، ولما قدم لهم ملكوت السموات، “خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبديًا” (2كو4: 17). ولما كان لأحد منا أمل في المجد العظيم في الحياة الآتية نتيجة الصبر في الضيقات المحتملة.

 

إناء للكرامة وإناء للهوان

          نتيجة لذلك لا يستخدم الله فقط الخير لعمل فعل صالح لكن أيضًا يستخدم الشر. إنه شئ عجيب الله يستخدم الشر لعمل عمل صالح،    ” في بيت كبير لا توجد آنية من ذهب وفضة فحسب بل توجد أيضًا آنية من خشب وخزف وتلك للكرامة وهذه للهوان” (2تي2: 20)، لكن الكل ضروري في الحقيقة. وبما أن الآنية التي نتحدث عنها هي آنية عاقلة ولها حرية الإرادة، إنه ليس بحادث أو بالصدفة بأن نصبح إناء للكرامة وإناء للهوان.

فالذي أظهر استحقاقًا للكرامة يصبح ” إناء للكرامة” (أع9: 15)، وبالعكس الذي يعيش بأفكار غير لائقة وشريرة، يأخذ صورة إناء الاحتقار نتيجة أسباب لم تأت من خالقه، لكن من نفسه. ليس الخالق هو الذي عمل من هؤلاء الناس ما أصبحوا عليه، لكنه يعطيهم بحسب اختيار إرادتهم بشريعة عادلة وفائقة الوصف من حكمته الإلهية.

          فنأخذ مقارنة في المدن الكبري الناس، غير المستحقين، الذين يعيشون حياة مظلمة وشريرة قد حكموا على أنفسهم بالأعمال الأكثر دناءة والأكثر مشقة، إلا أن هذه الأعمال ضرورية للمدينة. فمثلاً يعملون كخدام للحمامات العامة لكي يمكنك أن تتمتع بفوائد أو مزايا هذه الأبنية، أو الذين ينظفون البالوعات، إنهم يقدمون أعمال أخرى من نفس النوع لكي تحيا في هذه المدينة حياة مستحبة.

فإذا عملوا باختيارهم أو قاسوا جزاء ما يستحقونه فإن عملهم يستفيد منه الذين قدموا أعمال حسنة نافعة. وهذا ينطبق على موضوع حديثنا، الله لم يخلق الشر، لكن عندما نتج اختياريًا من الذين انحرفوا عن الطريق المستقيم، لم يرد أن يمحيه حيث إنه كان يري مقدمًا بأن هذا الشر الغير نافع للأشرار سينتج منه فائدة لصالح ضحاياهم لذلك يجب علينا أن نتجنب بكل الطرق أن يوجد فينا الشر، يجب علينا أن نعمل على هزيمته عند الآخرين، وليس حذفه لأن الأشرار يقدمون مساعدة ضرورية للعالم أجمع.

لا شئ محتقر، لا شئ غير نافع أمام الله، إنه يستخدم للخير عزيمة الإنسان الحسنة ويستخدم أيضًا العزيمة السيئة لأغراض ضرورية، لكن ستكون مطوبًا إذا وجدت أنه بفضل فضائلك بالأحرى في الخير أن العالم أجمع مدين لك ببعض الشئ كالذين يقول عنهم الرسول “ لكي تكونوا كأنوار في العالم متمسكين بكلمة الحياة” (في2: 15، 16). الأنوار ضرورية لمجد هذا العالم. وهل يوجد شئ أشهى وأعظم من فعل الشمس أو القمر اللذين ينيران العالم، ومع ذلك فالعالم محتاج أيضًا لملائكة تتولى أمور الحيوانات والانشغالات الأرضية.

أنه محتاج لملائكة لأجل ولادة الحيوانات، والأغصان والنبات وناتجات الحقل الأخرى. وكذلك يلزم أن يكون هناك ملائكة لترأس الأعمال المقدسة، وتعلم إدراك النور الأبدي، ومعرفة أسرار الله والعلم الإلهي.اسهر إذًا لكي لا تكون من نصيب الملائكة المخصصة للحيوانات، إذا حدث وعشت كحيوان أو من الذين يرأسون الأعمال الأرضية إذا أحببت الأشياء الجسدية والأرضية.

اعمل بالأحرى لتكون مقبولاً في صحبة الملاك ميخائيل الذي يقدم لله صلوات القديسين بدون توقف، إذًا ستكون مقبولاً في عداد هؤلاء المختارين، ستكون مقبولاً في هذه الرتبة، إذا مارست الصلاة بدون توقف، وتقضي فيها سهراتك وتحقق بذلك طلبة الرسول “صلوا بلا انقطاع” (1تس 5: 17)، أو على الأقل أعمل للدخول في صحبة وخدمة روفائيل بأن تتعاون معه في واجبه، فهو الذي قد؟ أوكل إليه الطب. فعندما ترى رجلاً مجروحًا بالخطية ومثقلاً بأسهم الشيطان فإنك ستقدم له الكلمات الشافية، ستقدم له الدواء من كلام الله، حتى تشفى بواسطة التوبة جروحات الخطية وتظهر دواء الاعتراف.

وكل من يتصرف هكذا في هذا العالم، فهو يعطي نفسه للخالق ليشكله، ليأخذ في الجيل القادم صورة “إناء مختار مستعد لأي عمل صالح” (أع 9: 15). إذا عمل العكس فإنه سيصير أمام التدبيرات الإلهية “إناء الهوان” (2تي 2: 21). وهذا هو السبب في رأيي الذي لأجله قد ذكرت أعمال الأشرار مثل أعمال الصالحين في الكتب الإلهية. والكتب الإلهية مكونة من قصص الصالحين وأعمال الأشرار لكي ندرك أن أمام الله ليس شئ غير نافع، أعمال الأشرار مثل أعمال الصالحين، والآن بعد هذا الاستطراد الطويل ولكنه ضروري فلنرجع للموضوع.

 

تكملة القصة:

الله يستخدم بلعام

          3 ـ كان بلعام كما قلنا ساحرًا بمعنى أنه كان يستفيد من مساعدة الشياطين، وبسحره كان أحيانًا يبصر المستقبل. بالاق الملك يطلب منه أن يلعن شعب إسرائيل، وصل الرسل وأحضروا معهم حلوان العرافة في أياديهم، والأمم ينتظرون في حيرة وفي ضيق ما سيجيب به بلعام، متأكدين بأنه مستحق للمحادثة الإلهية. انظر الآن كيف أن حكمة الله تستخدم هذا الإناء المخصص للهوان ليس فقط لفائدة أمة واحدة، لكن للعالم كله. أنه لأمر مألوف للشياطين أن الله يظهر له لكي يمنعه عن طريق الشر، بلعام ضرب بالخوف ودهش من سلطة الذي يمنع لأن الشر عمومًا يحلو للشياطين.

فبلعام يطلب عودة الرسل مرة أخرى قائلاً أنه لا يستطيع عمل أي شئ، إلا أن ينطق بالكلمات التي يضعها الله في فمه. الرسل رجعوا وهو يطلب من جديد ويريد أن يسمع. فالإنسان الجشع لا يرفض أبدًا الربح من ذاته، فماذا يسمع من الله مرة أخرى “ أن آتي الرجال ليدعوك فقم اذهب معهم” (عد22: 20). الله تركه لرغبته في الربح وهكذا يتحقق ما كتبه الرب في المزمور ” سلمتهم إلى قساوة قلوبهم ليسلكوا في مؤامرات أنفسهم” (مز80: 12). وهكذا اكتملت خطة الإرادة الإلهية حيث إنه قال ” إنما تعمل الأمر الذي أكلمك به فقط” (عد22: 20)، فلو كان بلعام مستحقًا لكان الله قد وضع كلمته في قلبه وليس في فمه.

          لكن بما أنه كانت تسود في قلبه رغبة المنفعة وشهوة المادة. لذلك لم توضع كلمة الله في قلبه لكن في فمه، حكمة إلهية عجيبة وعظيمة تظهر هنا. بما أن النبؤات المحتواة في إطار إسرائيل يمكن أن تصل إلى الأمم، لذلك يستخدم الله بلعام الذي كان يتمتع بثقة كل الأمم، لكي يعرف الأمم أيضًا بأسرار المسيح المخبأة ويأتي لهم بكنز ثمين ليس فقط بواسطة القلب والروح بل الأكثر بواسطة الفم والكلام

لكن لا داعي لأن نتوه في التفاصيل، فليس هنا هو المقام لأن نتعمق في كل شئ، كان بلعام راكبًا على أتانه، بلعام كان يسير فسد عليه الملاك الطريق بدون أي شك، الملاك الذي كان يسهر على بني إسرائيل    “ ففتح الرب فم الأتان” (عد22: 28)، حتى يكون بلعام متهمًا من الأتان وبواسطة صوت الحيوان الأخرس يخزي الذي كان يحسب إلهًا حكيمًا.

 

بلعام رمز لليهود:

          بعد هذا يحسن أن نقدم بعض صور الرموز:

          بلعام: واسمه يعني شعب باطل يبدو لي أنه يمثل “الكتبة والفريسيين” (مر7: 8)، عند شعب اليهود.

          بالاق: واسمه يعني تحريم أو أتلاف يمثل هو أيضًا إحدى أرواح السيادة المعادية التي تتسلط على هذا العالم، روح تبحث لكي تحرم ولكي تبتلع إسرائيل، ليس إسرائيل حسب الجسد، لكن إسرائيل بحسب الروح، هذه القوة الرديئة تريد أن تخرب وتخنق تمامًا إسرائيل الروحي فهي لا تأخذ وكلاء لها سوى الكهنة والكتبة والفريسيين إنها تدعوهم وتعدهم بأجر وثواب.

          هم مثل بلعام يتظاهرون بأن ينسبوا كل شئ لله وأن يتصرفوا بغيرة الله ولكنهم يقولون ” فتش الكتب وانظر أنه لم يقم نبي من الجليل” (يو7: 52)، وأيضًا ” لنا ناموس وحسب ناموسنا يجب أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الله” (يو9: 7)، في كل هذه الحالات الكتبة والفريسيون يبدون أنهم يندفعون بغيرة الله ولكنهم يتظاهرون فقط.

 

الأتان: المؤمنون البسطاء

          أما بالنسبة للأتان التي صعد عليها بلعام، فالكتاب المقدس يقول “الناس والبهائم تخلص يارب؟” (مز36: 6). نستطيع هنا أن نرى جزءًا عن المؤمنين الذين سواء بسبب ضعفهم الروحي، أو بسبب براءتهم قد قورنوا بالحيوانات والرسول يقول أيضًا “ فانظروا دعوتكم أيها الأخوة أن ليس كثيرون حكماء حسب الجسد ليس كثيرون أقوياء ليس كثيرون شرفاء، بل اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء” (1كو 1: 26، 27).

هؤلاء الرجال بحسب الكلمات الإنجيلية الذين هم رموز في عملهم، كانوا ممسوكين بنوع من العبودية والأسر بواسطة معلمين سيئين، أي الكتبة والفريسيون وقد خلصوا بواسطة السيد الرب.

          ويمكننا القول إنه لم يفعل بشخصه لكن بواسطة تلاميذه، وهو يقول لهم ” اذهبوا إلى القرية التي أمامكم فللوقت تجدان أتانًا مربوطًا وجحشًا معها فحلاها وأتياني بهما” (مت21: 2). ففي الإنجيل ليس السيد الرب هو الذي حل الأتان والجحش بنفسه بل التلميذان، وكذلك هنا فليس الله هو الذي فتح فم الأتان، بل ملاك. في الأناجيل الذين لا يبصرون يعيرون الذين يبصرون، وهنا الكائنات الخرساء تعير الذين يتكلمون.

          هذا ما قاله السيد الرب: ” أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال” (مت11: 25). الكتبة والفريسيون هم الذين كانوا يركبون على الآتان ويمسكون بها مربوطة، الملاك يغضب عليهم، وإن لم تظهر له بعض احتمالات بعيدة، وإلا كان قد أباد الكتبة والفريسيين وخلص الأتان، التي رأت وخشيت من الذي “ قد آتي إلى الكـرم” (نش7: 13)، وجلس في “وسط الكروم” (نش1: 14)، حينئذ ” ضغط الأتان رجل بلعام” (إش1: 14)، سيدها بالحائط ولهذا السبب لم يستطيع بلعام أن يمشي ولا أن يأتي للذي قال ” تعالوا إلىَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال“.

حينئذ أتت الأتان، مقادة من التلاميذ، ودابة بلعام الجشع أصبحت دابة يسوع. فلا تندهش إذا كان إنسان سبق أن تكلمنا عنه وهو يمثل الكتبة والفريسيين يتنبأ عن المسيح. هذا ما نجده حينما نقرأ عما فعله قيافا، عندما قال “أنه إذًا خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب” (يو 11: 49: 51). حينئذ يقول الإنجيل “لم يقل هذا من نفسه بل إذا كان رئيسًا للكهنة في تلك السنة” إذًا بلعام يتنبأ عن المسيح لكي لا يفتخر أي شخص، إذا كان يتنبأ، إذا نال معرفة المستقبل، بل فليرجع لكلام الرسول الذي قال في هذا الصدد “النبوات فستبطل الألسنة فستنتهي العلم فسيبطل” (1كو13: 8).

ماذا يبقي إذًا؟ الإيمان، الرجاء، والمحبة؟ لكن أعظمهم المحبة” (1كو 13: 4، 5). والمحبة هي الوحيدة التي لا تسقط أبدًا لذلك فإن هذه المحبة أعظم من موهبة النبوءة، أعظم من العلم، أعظم من الإيمان، أعظم من الاستشهاد، أيضًا كما يعلمنا بولس الرسول فيجب ان نقدر المحبة ونمارسها لأن “الله محبة” (1يو4: 16)، والمسيح هو أيضًا محبة وهو الذي تنازل وأعطانا كمال المحبة له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين.

 

[1] هذه النقطة توضح أن أوريجينوس كان يلقي عظاته في أثناء القداس ولهذا يقول إن الوقت محدد للعظة وفي موضع آخر أن الأناغنوسطس هو الذي قرأ الكتاب.

[2] مجموعة لأربع حروف، ييه، هيه، واو، هيه التي تكون اسم يهوه.

بلعام – العظة الرابعة عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد