الباكورة – العظة الحادية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج2
الجزء الأول: الباكورة – العظة الحادية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج1
ملائكة الكنائس
مع ذلك نحن قد بدأنا بالقول أن كل من الملائكة يقدم أبكارًا من شعبه واعتقد أيضًا أن كل واحد منهم يقدم أبكار كنيسته.
لهؤلاء الملائكة يكتب يوحنا في سفر الرؤيا عندما كتب مثلاً إلى ملاك الكنيسة التي في أفسس، إلى ملاك الكنيسة التي في سميرنا إلى ملاك الكنيسة التي في اللادوكية، وإلى ملائكة الكنائس الأخرى. إذًا كل ملاك يقدم أبكار الكنيسة أو الشعوب التي أؤتمن عليها.
ربما يوجد أيضًا ملائكة آخرون يجمعون المؤمنين من كل الأمم ففي مدينة حيث لم يولد بعد مسيحيين إذا حضر إنسان وبدأ في التعليم وعمل وقاد الناس إلى الإيمان أنه يصبح فيما بعد أسقف على الذين علمهم[2]. فلنعتبر أيضًا أن الملائكة القديسين سيصبحون في الدهر الآتي ملوكًا على الذين جمعوهم من ضمن الشعوب المختلفة، والذين قد جعلوهم يتقدمون بأعمالهم ووظيفتهم. لهذا السبب بالأحرى فإن الملك المسيح قد دعى “ملك الملوك” (رؤ19: 16).
وبالأحرى إن الرب دُعِىَ “رب الأرباب” (رؤ19: 16)، لأنه إن كان الملائكة ملوكًا على الذين يرعونهم ويجعلوهم يتقدمون، فهم يقدمون بعضًا منهم للكاهن الأعظم، والبعض الآخر لأبنائه أي للسلاطين العليا ولرؤساء الملائكة، والبعض أيضًا للاويين أي للملائكة الأقل رتبة. ولقد كان من المنطق أذًا أن نميز بين الملائكة، نفس الرتب الموجودة عند الإسرائيليين حسب المبدأ بأن الإسرائيليين كما يقال هم “ظل” السماء الحقيقية وصورتها.
توزيع الحصاد الروحي
إذًا نستطيع أن نقول إنه عندما يجمع كل الحصاد، على السطوح. فالبعض سيكون من نصيب الكاهن الأعظم، الكاهن الأعظم الحقيقي، المسيح. وآخرون، سيكون لهم نصيب اللاويين، كما قلنا، ويخصصون للملائكة أو للسلاطين السماوية الأخرى. وسيكونون أيضًا من ضمنهم، وأعتقد أنهم سيكونون نصيب الأشخاص الذين كانوا في هذه الحياة من الحكماء، وعملوا على نشر كلام الله.
وهذا على ما اعتقد ما قد عناه السيد الرب عندما قال للذي قد وكل له الوزنة وربح عشرة ” ليكن لك سلطان على عشر مدن” (لو19: 17)، وللذي قد وكل له وزنة أخرى ربح خمسة ” ليكن لك سلطان على خمس مدن” (لو19:19). ماذا يجب أن نفهم من السلطان على المدن. أليس هو قيادة الأرواح؟ كذلك لم يكن بلا معنى كما يبدو لي بأن من ضمن الملائكة أنفسهم البعض لهم سلطان وسيادة على الآخرين، والآخرون يكونون مرؤوسين وخاضعين لسلطانهم.
كذلك الذي قد أخذ سلطان على “عشر مدن” أو على “خمس مدن” لم يحصل على هذا إلا باستحقاق ما قد ربحه بتضاعف الفضة التي وكلت لعنايته، لأن عند الله كل شئ يعمل لسبب وبحساب وليس اعتباطًا، لكن بحسب الاستحقاق أن الواحد يملك على شعوب عديدة والآخر يكون خاضعًا لسلطة.
ربما نلاحظ أننا استطردنا في حديث طويل، لكن لشرح الأبكار كان يجب الدخول في هذه التفاصيل لأن هذه الكلمة لها مجد في الكتاب المقدس هذا مقداره. إن المسيح نفسه قد دعى “باكورة” “وباكورة للذين رقدوا”. ومثلما هو “ملك الملوك ورب الأرباب” “راعي الرعاة” “رئيس رؤساء الكهنة”، نستطيع إذًا أن نسميه باكورة الأبكار باكورة لم تقدم للكاهن الأعظم ولكن لله، حيث أنه “أسلم نفسه لأجلنا قربانًا وذبيحة لله” (أف5: 2). وبعد قيامته من الأموات ” جلس عن يمين الله“.
لكن قد سُمِىَ ” باكورة وبكر لكل الخليقة“، هل يجب أن نعطي لهذه التسمية أي “بالنسبة لكل الخليقة” نفس المعنى الذي نعطيه بالنسبة للإنسان في التسمية “باكورة الراقدين”. ألا يجب أن نرى فيها معنى أكثر علوًا إلهيًا؟ ليس هذا هو مقام بحث هذا الموضوع.
5 ـ فلنرجع إذًا للباكورة: فإنها تقدم كما قلنا بواسطة الملائكة وأنها تحصد من حقل هذا العالم. أما حقل الملائكة فهو قلوبنا. كل واحد منهم إذًا يقدم لله باكورة الحقل الذي يزرعه. إذا كنت استحق أن أعبر عن فكرة كبيرة لائقة بالكاهن الأعظم.
إذا لوحظ في كلامنا وتعاليمنا فكرة لائقة ترضى الله، فسوف يختار الملاك الموكل على الكنيسة واحدة من كلماتنا ويقدمها للسيد الرب بصفة الباكورة لحقل قلبي، لكني أعرف أنني لا أستحق ذلك، وأنا متيقن أن الملاك في أعماله حولنا سوف لا يجد فيَّ فكرة مستحقة لتقدم للسيد الرب كباكورة الثمار.
أتمنى أن يكون كلامنا وتعاليمنا غير مستحقة أن يحكم عليها. هذه النعمة ستكفينا. إذًا الملائكة تقدم الباكورة المحصودة من حقلنا، كل ملاك يزرع الذين بغيرته وبأعماله يبعدهم عن أخطاء الوثنيين ويهديهم إلى الله. كل إنسان ينتسب لملاك يكون موكلاً لعنايته.
وفي بدء هذا الجيل “حين فرق الله بني آدم نصب تخومًا لشعوب حسب عدد ملائكة الله وكل أمة قد خضعت لملاكها. الأمة الإسرائيلية فقط قد اختيرت وأصبحت نصيب السيد الرب” (تث32: 9)، “وقسمة لوارثيه” واعتقد أيضًا أنه في نهاية هذا العالم وفي بداية الجيل الجديد، سيعمل العلى على تقسيم جديد بأبناء آدم.
والذين لا يستطيعون أن يكون لهم “قلب نقي” “لكي يروا الله” ويكونوا من نصيبه، سيرون على الأقل الملائكة القديسين وسيوزعون “بحسب عدد ملائكة الله”. لكن طوبى لمن يكون مستحقًا في الحياة المقبلة أن يكون “نصيب السيد الرب”، أن يكون “يعقوب” شعبه “وإسرائيل” قسمة لورثته.
فلنترجَ إذًا كما قلنا إن كل واحد ينمي ما لديه من وزنات لكي يكون مختارًا من ضمن الأبكار أو من ضمن الباكورة، أي أن يُقَّدم لله وأن يكون نصيب السيد الرب، وإلا فليستحق على الأقل أن يكون من نصيب الملائكة القديسين. لكن لا يكون في عداد الذين كتب عنهم ” فيدخلون في أسافل الأرض يدفعون إلى يدي السيف يكونون نصيبًا للثعالب” (مز63: 1ـ11).
أنك ترى أن في وقت القيامة عندما العلي “سيفرق الأمم ويقسم لبني آدم” (تث32: 8)، بحسب استحقاقاتهم، سيوجد منهم الذين يدخلون في أسافل الأرض، والذي سيصبح نصيبًا للثعالب أي للشياطين، حيث إن الثعالب هي التي تفسد الكروم. وهيرودس هو أيضًا منهم عندما قال عنه المسيح ” اذهبوا وقولوا لهذا الثعلب“.
فلنطرح إذًا تصرفاتنا الأرضية وأفكارنا الجسدية خوفًا من أن نُثّقل بأفكار الأرض. وندخل في أسافل الأرض ونكون نصيبًا للثعالب حيث إن الذين يدخلون في أسافل الأرض هم الذين يعطون لناموس الله ووعوده معنى أرضيًا بدلاً من أن يحثوا نفوس السامعين على انتظار الخيرات السمائية وعلى التأمل في الحقائق التي من فوق.
يقول الرسول حقًا ” فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله اهتموا بما فوق لا بما على الأرض” (كو3: 1ـ2). أنه قال هذا للذين هم مربوطين بنواميس أرضية ويقولون ” لا تأخذ لا تمس ولا تذق ولا تجس” (كو2: 21، 22). وقد أضاف الرسول “ التي هي جميعها للفناء في الاستعمال حسب وصايا وتعاليم الناس“.
حراسة الباكورة
6 ـ الكتاب المقدس يكمل “وكلم الرب هارون قائلاً وهأنذا قد أعطيتك حراسة رفائعي” (بعض نسخ اللاتينية كتب “ليتمموها”)، لكن “لحراستها” هي أكثر دقة. يجب أن نبحث ماذا يعني حراسة الباكورة في الناموس حيث إن الكهنة لا يحصلون عليها لكي يحفظوها لكن لكي يستهلكوها. يقول الكتاب المقدس إذًا “اعطيتك حراسة الباكورة” أنه بكل تأكيد يقصد أن هذا التعليم لا يمكن أن يكون مخصصًا للناموس الحرفي لكن للناموس الروحي حيث إن الباكورة الروحية التي سبق أن تكلمنا عنها يمكن أن تكون محروسة، وليست الأخرى.
وإذا كان المسيح كما يقول الرسول هو “باكورة” إذًا هذه الباكورة قد أعطيت لنا لكي نحرسها، أي مسرة حقًا تضاهي مسرة النفس التي أخذت المسيح وتحتفظ به دائمًا وتمتلكه دائمًا ساكنًا فيها؟ مثل هذه النفس قد حصلت حقيقة على الباكورة “لتحرسها” حيث إن الباكورة والتي كانت تقدم في الناموس كانت تستهلك كطعام، وبعد أن “يمضي إلى الجوف” مثل ما جاء في الإنجيل “يندفع إلى المخرج” (مت 15: 17).
ماذا أقول؟ بل يزداد دائمًا أنه إذًا كما يقول الرسول “طعامًا روحيًا” كلما نأخذ منه كلما يزداد، فكلما نأخذ من كلمة الله أي كلمة نأكل أكثر من هذا الطعام كلما نجده بوفرة. هذا بالنسبة لما كُتِبَ أعطيتك الباكورة لحراستها.
القداسة الضرورية لتقديم الباكورة
هذه هي التكملة ” مع جميع أقداس بني إسرائيل” (عد18: 9)، هذه الكلمات تحوي سرًا. الله لا يريد أن يأخذ الباكورة إلا من أقداس بني إسرائيل. يمكن أن يحدث أن نجد عند الوثنيين أعمالاً تليق بالله، فالبعض منهم قد زرعوا فضائل الروح والفلسفة قد أعطت نتائج عند البعض منهم، لكن الله لا يريد أن تقدم هذه الباكورة. الله لا يريد أن يأخذ تقدمات إلا من الذين يرونه بالروح، والذين تقدسوا لله بالإيمان. حتى وإن كان يبدو أن الوثني لديه بعض الشئ من الشرف وحسن العادات ولكنه لا ينسب فضائله لله لكن ينسبها لكبريائه، فإن هذا لم يتقدس ولم يؤخذ مع الباكورة.
ومن وجهة نظر الحرف يظهر أن الناموس أيضًا يبعد الدخلاء من هذا النوع من التقدمات فالناموس يريد فقط المقدسين من بين بني إسرائيل أن يقدموا الباكورة. اعتقد أننا نستطيع أن نتعرف على إسرائيلي من أنه سمح له أن يدخل في جماعة (كنيسة) الله حيث قد كتب ” لا تكره أدوميًا لأنه أخوك لا تكر مصريًا لأنك كنت نزيلاً في أرضه الأولاد. الذين يولدون لهم في الجيل الثالث يدخلون منهم في جماعة الرب” (تث23: 7ـ 8).
مادام المصري أو الأدومي لا يحمل ثمارًا ولم يولد منه جيل واحد، وجيليين وثلاثة أجيال من الأبناء، فإنه لا يستطيع أن يدخل في جماعة الرب، لكن ولادة أولاده تجعله يدخل إلى هذه الجماعة. على قارئ الكتب المقدسة أن يكرس كل انتباهه وأن لا يفهم كلمات الكتب المقدسة بحسب مزاجه فعليه أن يفحص كل كلمة، فإنه يقال “إنه إذا ولد من أبناء أو بنات” “لكن إذا ولد له من أبناء في الجيل الثالث سيدخلون إلى جماعة الرب”.
وأسأل نفسك إن استطعت لأي سبب بالمعنى الرمزي الأبناء فقط وليس البنات سيدخلهم الآباء في جماعة الرب، ستجد أن القديسين الذين يعطي الله عنهم الشهادة بوضوح نادرًا ما ينجبون بنات لكن بالأحرى أبناء فإبراهيم لم يكن له بنات. كذلك إسحق أيضًا، يعقوب فقط قد أنجب أبنه واحدة لكن كانت عبءً لأخوتها وأسرتها، ودنست بواسطة شكيم ابن حمور وسببت العار لأسرتها وجلبت لأخوتها غضب الانتقام وفي موضع آخر “جميع الذكـور” يجب ” أن يتقدموا للرب ثلاثة مرات في السنة” (خر23: 17)، لكن المرأة لم تدع لتتقدم أمام الرب.
وأي شخص يدرس الكتب المقدسة بانتباه سيكتشف أنها ليس بدون سبب تضيف البنات للأبناء. ولم يذكر هناك في النص الذي ندرسه، فالباكورة يجب أن تقدم بواسطة “أبناء بني إسرائيل المقدسين” وليست في نفس الوقت بواسطة البنات. يجب أن يطبق ذلك بالمعنى الروحي وليس للتمييز بين الجنسين، لكن للتمييز بين النفوس.
الباكورة الأبدية
حيث قد أعطيتك هنا لك ولأبنائك امتيازًا شرعيًا أبديًا “لك” لمن؟ ستجيب لهرون أليس كذلك؟ لكن الكلمات التالية لها تدعوك أن تفهم بالحرى “للكاهن الأعظم الحقيقي المسيح وأبنائه الرسل معلمي الكنيسة”، حيث يحملون “شرعية أبدية”. كيف يمكن أن تكون الأشياء المرئية أبدية؟ ألم يقل الرسول ” الأشياء التي ترى وقتية وأما الأشياء التي لا ترى فأبدية“. إذا كانت الباكورة التي قدمت لهرون مرئية، وهي فعلاً مرئية، فلا يمكن أن تأخذ صفة أبدية.
بنفس الطريقة، الختان المرئي، الفطير المرئي، الفصح المرئي، كلها لا يمكن أن تكون أبدية لكن وقتية “حيث الأشياء التي ترى وقتية“. وبالعكس كل “ الأشياء التي لا ترى فأبدية“. الختان غير المرئي وفي الخفاء (رو2: 29)، هو أبدي. ” فطير الإخلاص والحق” هو أيضًا كذلك. مادمت قد تحدثت عن الأشياء التي لا ترى فهي أبدية بنفس الطريقة فهذه الحسنات موضوعنا هذا، هي حق وأبدية، ليس لليهودي بحسب الظاهر لكن لليهودي حسب الحقيقة الخفية. والتي تتم “ بالروح وليس بالحرف. بحسب الإنسان الباطن” (رو7: 22).
قداسة مكتسبة وقداسة طبيعية :
8 ـ ” هذا يكون من كل شئ ما هو قدس مقدس” (عد18: 9). بالنسبة للتقدمات، أني تساءلت أحيانًا عندما مررت على هذا النص عن معنى “قدس ومقدس؟” إنه يبدو لي أن الكتاب المقدس هنا يميز ما هو قدس مقدس على ما هو قدس بدون أن يكون مقدسًا. اعتقد حقًا أن الروح القدس هو قدوس بدون أن يكون قد تقدس. فالروح القدس لا تتأتى له القداسة من الخارج من آخر.
ليتقدس شئ ما معناه أن القداسة لم تكن موجودة فيه من قبل، والروح القدس كان دائمًا قدوسًا وقداسته ليس لها بداية، ويجب أيضًا أن نفكر بنفس الطريقة عن الآب والابن حيث إن جوهر الثالوث هو الوحيد الذي لم يتقدس بأخذ القداسة من الخارج، بل قدوس بطبيعته ذاتها. وبالعكس كل الخليقة ستكون “قدس مقدس” بنعمة الروح القدس أو بسبب استحقاقاتها. كذلك نقرأ “ تكونون لي قديسين لأني قدوس أنا الرب” (لا 20: 26). هذا لا يعني أن قداسة الله يمكن مقارنتها بقداسة الإنسان.
إنه يقال عن الله أنه قدوس أما الإنسان الذي لم يكن دائمًا قديسًا يجب أن يصبح قديسًا، حيث إن باليونانية بدل “كونوا قديسين” نقرأ الكلمة التي تعني بالأحرى “صيروا قديسين”، لكن مترجمينا استعملوا بدون تمييز “كونوا” لـ “صيروا” في اليوم الذي فيه خضع كل واحد منا لمخافة الله وحصل فيه على التعاليم الإلهية، في اليوم الذي فيه سلم إرادته بين يدي الله أي سلمها فعلاً له بكل إخلاص، في هذا اليوم يصبح قديسًا، لكن نستطيع أن نقول عنه فقط أنه “قدس مقدس”. الله فقط هو حقيقة دائمًا قدوس بالحقيقة.
أتريد أن أبيّن بواسطة الكتب المقدسة تاريخيًا هذا الاختلاف الصغير، أنصت لبولس الذي يكتب للعبرانيين: ” لأن المقدس والمقدسين جميعهم من واحد” (عب2: 11)، من هو الذي يقدس؟ المسيح بدون أي شك. ومن هم الذين يتقدسون؟ هم الذين يؤمنون بالمسيح.
بكل تأكيد قداسة الذي يقدس لابد بأن تكون دائمًا قدوسة لكن الذين تقدسوا لا يجب أن نسميهم “قدس” باختصار، لكن “قدس مقدس” على أنه لا يجب أن نعتقد أن هذا البحث يكون مناقضًا لما نقرأه عن المسيح ” فالذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم” (يو10: 36)، في هذا النص الأخير الذي قد قدسه الآب هو المسيح بحسب الجسد، ليس المسيح بحسب الروح. أنه في نفس الوقت قدوس بحسب الجسد وبحسب الروح ثم أن المسيح قد قال “ لأجلهم أنا أقدس ذاتي” (يو17: 19). عندما يعطي (القداسة) يكون المسيح بحسب الروح وعندما يتقدس المسيح لأجل تلاميذه يكون المسيح بحسب الجسد مع أنه لا يوجد إلا مسيح واحد، الذي تارة يعطي التقديس بالروح وتارة يتقدس بحسب الجسد.
ثمار الروح وباكوراتهم
من كل الثمار يجب إذًا تقديم باكورة طاهرة ومقدسة، لكن يجب أن تقدم هذه الثمار للكاهن الأعظم الروحي. من أي ثمار ستقدم إذا الباكورة الروحية؟ من كل الثمار التي ذكرها بولس الرسول ” وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول أناة…الخ” (غل5: 22) أي باكورة المحبة التي هي أول ثمار الروح يجب تقديمها للكاهن الأعظم.
باكورة المحبة هي كما اعتقد أن ” أحب الرب إلهي من كل قلبي ومن كل نفسي ومن كل أفكاري“، هذه هي الباكورة وأي جزاء آخر من هذه الثمار كمحبة القريب يجب أن تتراجع إلى المكان الثاني أن “أحب قريبي كنفسي”. باكورة المحبة تقدم لله بواسطة الكاهن الأعظم الأعمال الثانية متروكة لي لاستعمالي الخاص.
من هذه الثمار يوجد أيضًا عمل يبدو لي أنه يجب أن يوضع في الصف الثالث “أحب أعدائي”. حاول أن تجد بنفس الطريقة باكورة من الثمر الروحي الآخر. من ثمار الروح الثانية التي ذكرت في الكتاب المقدس، الفرح فإذًا “في الرب تبتهج نفسي”، إذا ابتهجت نفسي بالرجاء، إذا ابتهجت نفسي باحتمال الظلم لأجل اسم الرب، في كل المناسبات من هذا النوع، أكون قد قدمت للرب باكورة الفرح بواسطة الكاهن الأعظم الحقيقي إذا احتملت ” سلب أموالي بفرح” (عب10: 34).
إذا ابتهجت نفسي بأن تعاني الضيقات، الفقر، وكل أنواع الإهانات، هذه هي الدرجة الثانية من ثمار الروح. فهذا فرح للروح وإذا استخلصت فرحًا من حسنات هذا العالم شرف أو غنى، هذا ثمر مزيف والذي ليس أصله إلا “باطل الأباطيل”، إذا ابتهجت نفسي بالشر وإذا سررت ببؤس الآخرين هذا ليس فقط فرح باطل، لكن فرح شيطاني ماذا أقول؟ أنه لا يجب أيضًا أن نتحدث هنا عن الفرح “ ليس سلام قال إلهي للأشرار” (إش57: 21)، لكن أريد أيضًا أن أبحث عن ثمر آخر من الفرح. أو بالأحرى يكون باكورات أخرى عن الفرح إذا وجدت فرحي في كلام الرب، إذا ابتهجت بمعرفة أسرار الله، إذا ابتهجت بأن أكون محسوبًا ومستحقًا بأن أعرف أسرار حكمة الله.
إذا ابتهجت بأني بعد أن أترك كل حسنات العالم، النافعة منها والغير نافعة، الضرورية والباطلة. أن أكون قد جعلت نفسي فقط خادمًا لكلمة الله وحكمته، هذه هي باكورة الفرح التي اعتقد أنها ستعطي فرحًا وسرورًا لله له عندما تقدم له لكن فلنترك كل واحد يكتشف بتأني ما نجده بالنسبة للثمار الأخرى من الروح، حتى لا نطيل بإفراط في هذه العظة.
باكورة التقدمات المقدمة لله
9ـ “مع كل تقدماتهم” يقول الكتاب المقدس فمن قدم تقدمه لله، يجب أنه من هذه التقدمة يقدم مرة أخرى، للكاهن الأعظم. في رأيي يمكن شرح هذا رمزيًا بالكيفية الآتية: إذا أعطيت للمعوزين إذا تممت بعض الأعمال الحسنة تكون قد قدمت لله تقدمة بحسب الوصية، لكن تقدم الباكورة من هذه التقدمة مثلاً، علاوة على الطعام أو النقود التي تعطي وتختبر في هذا شعور الرحمة والحنان. هذا ما ينتظره الله من الإنسان حقًا أن الله هو بنفسه يدرك من امتلئوا إحساسًا بشعور الرحمة والحنان.
باكورة الذبائح
”… وكل الذبائح”
الذبائح الروحية وهي الذبائح التي نقرأ عنها “ أذبح لله حمدًا وأوفي العلي نذورك” (مز50: 14)، إذًا من يقدم الذبائح يجب أن يحمد الله ويقدم له نذور الصلاة، لكن باكورة هذه الذبائح ستقدم بواسطة الكاهن الأعظم.
إذًا نحن لا نصلي فقط بالكلام لكن أيضًا بالذهن والقلب بحسب نصيحة الرسول ” أرتل بالروح وأرتل بالذهن أيضًا” (1كو14: 15)، حيث إن ملائكة الله زراع وحراث قلوبنا، حاضرون بيننا ويبحثون بيننا عن من له ذهن منشغل ومنتبه بحيث أنه يحصل على كلام الله باشتياق مثل حصاد إلهي، هؤلاء الملائكة يبحثون إذا كان كلام الله قد نتجت عنه ثمار بمجرد أن قمنا للصلاة بمعنى إذا كنا نصلي لله بتجميع وتركيز أفكارنا.
إن لم يشرد ذهننا وإن لم تتشتت تأملاتنا، فبينما يكون جسدنا منحنيًا للصلاة لا تتشتت أفكارنا في اتجاهات مضادة، بمعنى أن الواحد يشعر بأن تضرعاته هي تحت أنظار الله وفي حضرة الله وفي حضرة نوره الذي لا يطمس، وإذا أكثر من “ صلاته وتضرعاته وطلباته وتشكراته” (1تي2: 1)، بدون أن يكون قلقًا بأي تخيلات خارجية فليعلم أنه بواسطة الملاك الموجود في الهيكل، يكون قد قدم باكورات ذبائحه للكاهن الأعظم الحقيقي المسيح يسوع سيدنا الرب الذي له المجد إلى أبد الآبدين آمين.
[2] هارناك المؤرخ يلاحظ أهمية هذا النص لدراسة تاريخ رتبة الأسقفية فأسقف الكنيسة هو مؤسسها وهذا كان الحال مع غريغوريوس الصانع العجائب تلميذ أوريجينوس.