أبحاث

الباكورة – العظة الحادية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج1

الباكورة - العظة الحادية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج1

الباكورة – العظة الحادية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج1

الباكورة - العظة الحادية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج1
الباكورة – العظة الحادية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج1

الجزء الثاني: الباكورة – العظة الحادية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج2

الباكورة

1 ـ تأمر الشريعة بأن يقدم للكهنة باكورة كل الثمار وكل الحيوانات: كل من يملك حقلاً أو كرمًا أو بستان زيتون، أو حديقة وكل من يشتغل في الأرض، كل من يربي أي ماشية، يقدم لله كل الإنتاج الأول (الباكورة) بأكمله إلى الكهنة.

حيث يقول الكتاب المقدس إن ما قد أعطى للكهنة قد قدم لله. وبذلك نتعلم من الشريعة أنه لا يكون هناك انتفاع شرعي من ثمار الأرض، أو “من الحيوانات” الأليفة الصغيرة إن لم تقدم باكورة الكل لله أي للكهنة، وفي رأيي يجب أن نتمم هذا الناموس مثل كثير من النواميس الأخرى حتى بالمعنى الحرفي[1].

 

التفاسير الثلاثة للكتاب المقدس

 يوجد حقًا وصايا من الناموس تلزم تلاميذ العهد الجديد أيضًا بإتمامها. وإذا أردتم فلنتكلم أولاً عن وصايا الناموس التي ألزمتنا بها الأناجيل، وبعد توضيح هذه النقطة نبحث عن ما هي المعاني الروحية التي يجب أن نراها فيها. البعض يقول: إذا وجد أي شئ لإتمامه حسب الحرف فلماذا لا نحفظ الكل؟ وبالعكس فالبعض الآخر يقول يجب أن نُخْضِع محتوى الناموس للمعنى الروحي، وأنه لا يجب أن نفسر شيئًا حسب الحرف لكن الكل حسب الروح.

لكن نحن بعد تخفيف المبالغة لهذين الوضعين المتباعدين سنحاول أن نعرف بعض القواعد التي يجب أن نتبعها بالنسبة لنصوص الشريعة هذه معتمدين على نصوص الكتاب المقدس في المزمور 19، قد كتب:

وناموس الرب  بلا عيب يرد النفوس، شهادة أمينة تعطي الحكمة للصغار، “وصايا الرب مستقيمة تفرح القلب، أمر الرب طاهر ينير العينيين، خوف الرب نقي ثابت إلى الأبد، أحكام الرب حق عادلة كلها فيما بينها أشهى من الذهب والإبريز الكثير وأحلى من العسل وقطر الشهادة” (مز19: 8ـ 10)

فلو لم تكن هذه الأشياء متمايزة لما أعطى الكتاب المقدس لكل واحدة فضائل خاصة، ولا نسب خصائص مختلفة لناموس الرب، لتعاليمه، لعدله لأحكامه، إنها إذًا أشياء مختلفة مثلما أظهرناها وهي الشريعة، التعاليم، الشهادة، البر والدينونة، يظهر الفرق بين التعبيرات كما نرى بدقة في النص الآتي “الشهادات، الفرائض والأحكام”

(تث4: 44، 45) التي كلم بها الرب موسى. والناموس نفسه أعطى الحكم للشريعة نفسها أنها هكذا تكون، أن تميز بذلك الواحدة عن الأخرى. نحن يجب أن نعطي انتباهًا أكثر لقراءات الشريعة، لأنه حيث يقرأ مثلاً “هذه هي الوصايا”.

كلمة “الوصية” لا يجب أن تفهم بمعنى كلمة “الشريعة”. عندما نقرأ “هذه الشهادات” فلا يجب أن نعتبر الشهادات مثل “الشريعة”، أو “الوصية”، كذلك عندما نقرأ “الشهادة” أو “الحكم” لا يجب أن نخلط هذه العبارة مع الأخرى لكن يجب أن نميز كل واحدة منها.

 

الناموس ظل الخيرات العتيدة

فإذا قرأنا أن ” الناموس إذ له الخيرات العتيدة” (عب10: 1)، فلا يجب أن نعتقد بذلك أن “الوصية” أو “الشهادات” تكون ظل الخيرات العتيدة، أخيرًا لكي نأخذ مثالاً من ضمن أمثلة كثيرة فإنه لم يكتب “هذه هي وصية الفصح”. ولكن “هذا ناموس الفصح”. وكما أن الناموس هو ظل الخيرات العتيدة، أي أن ناموس الفصح له أيضًا هذا الظل بدون أي شك. عندما أصل للنص الذي يتناول موضوع الفصح يجب عليَّ إذًا أن انظر في الحمل الجسدي، ظل الخيرات الآتية وأفهم بأن “ فصحنا المسيح قد ذُبح لأجلنا” (1كو5: 7).

ستجد نفس التعبير في الفطير وحفظ القوانين الأخرى لأيام العيد، بما أن كل هذه قد رتبت تحت عنوان “الناموس” في فروض “الناموس” وبما أن الناموس يشير إلى الخيرات الآتية خلال ظل الحاضر، يجب أن أبحث عن ما هو فطير الخيرات الآتية. وأجد أن الرسول يقول لنا ” إن نعيد ليس بخميرة عتيقة ولا بخميرة الشر والخبث بل بفطير الإخلاص والحق” (1كو5: 8).

وعن الختان أيضًا يقول “هو ناموس الختان” حيث إن الختان قد رتب تحت طقس الناموس، وإن “الناموس هو ظل”، أبحث إذًا أي ظل للخيرات الآتية يستطيع أن يحتويه الختان حتى أن بولس الرسول يقول لنا إننا إذا مكثنا في ظل الختان:

إنه إن أختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئًا” (غل5: 2)، وأيضًا ” الختان الذي في الظاهر في اللحم لا يعتبر ختانًا” (رو2: 28ـ 29)، اليهودي ليس الذي ختانه في الظاهر في اللحم لكن ” اليهودي هو الذي في الخفاء“، الختان هو ختان القلب حسب الروح وليس بحسب الحرف، “ومدحه لا يأتي من الإنسان لكن من الله“. تقريبًا كل ما أعلنه الرسول لا يصلح أن تتممه بحسب الحرف ولكن سنجده قد رتب عند موسى تحت عنوان “الناموس”.

 

وصايا تفهم حرفيًا

لكن عندما يقول موسى ” لا تقتل، لا تزن، لا تسرق… الخ” سنجد بأنه لم يعطها عنوان “الناموس”. لكن بالأحرى “الوصايا”. إذًا هذا الجزء من الكتاب المقدس لم “ينقض” لكن بالأحرى قد تمم بواسطة تلاميذ الإنجيل، ولأني قلت أنه ليس “الوصية” لكن “الناموس” هو الذي ليس إلا “ظل الخيرات الآتية”، بالتالي يجب علينا أن نتمم هذه التعاليم حسب الحرف، وفي موضع آخر يقول: ” لأن هذا صالح ومقبول أمام الله” (1تي5: 4) أي يوجد احتياج هنا أن أبحث عن رمز في الرسالة التي هي مجرد قدوة.

إذًا نحن قد بينا أنه توجد تعاليم للناموس لا يجب أن تتمم بحسب الحرف، كما أن الرمز لا يجب أن يحول كلية، لكن يجب أن يتمم مثلما كتب في الكتب المقدسة. أبحث الآن هل يوجد شخص يستطيع أن يتمم الناموس بالمعنى الحرفي وفي نفس الوقت يجب أن نبحث فيه عن الرمز، فلننظر إذًا إن كنا نستطيع أن ندعم أقوالنا بكتابات الرسول أو الإنجيل.

 

وصايا تفهم حرفيًا ورمزيًا

كتب في الشريعة ” لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدًا واحدًا” (تك2: 24)، توجد هنا أسرار رمزية. بولس الرسول يعلنها عندما يقول في رسالته بعدما ذكر هذا النص ” هذا السر عظيم ولكنني أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة” (1تي5: 32).

يجب أن يتمم هذا التعليم أيضًا بالمعنى الحرفي. فالسيد الرب والمخلص علمه بنفسه ” وقال كتب من أجل هذا أن يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان الاثنان جسدًا واحدًا إذًا ليس بعد اثنين بل جسد واحد فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان” (مت19: 5ـ 6). هذا يبين جيدًا أنه تعليم يجب أن يتمم بالمعنى الحرفي. لذلك يضيف ” ما جمعه الله لا يفرقه إنسان“، لكن في نص آخر عندما يقول الرسول    

كان لإبراهيم ابنان واحد من الجارية والآخر من الحرة” (غل4: 22)، من يجعلنا نشك أن ذلك يجب أن يفهم حرفيًا، فبكل تأكيد إبراهيم كان له أسحق من سارة وإسماعيل من هاجر، ولكن الرسول يضيف “وكل ذلك رمز” وأنه يربطهما بالعهدين داعيًا نسل سارة الزوجة التي وضعت لأجل الحرية، أولاد العهد الجديد، ونسل هاجر الجارية التي وضعت لأجل العبودية أولاد أورشليم الأرضية.

اعتقد أننا بينا بواسطة الكتاب المقدس أن من ضمن تعاليم الشريعة ما لا يجب على تلاميذ الإنجيل أن يعملوها حسب الحرف، وأن يستبعدوها وألا يهتموا بذلك بالمرة، وتعاليم أخرى يجب أن تنفذ بتدقيق كما كتبت. وأخرى لها حقائق بحسب الحرف لكن من المفيد والضروري بأن ينسب لها أيضًا المعنى الرمزي.

سيكون إذًا كاتب متعلم في ملكوت السموات ذلك الذي يخرج من كنزه جددًا وعتقاء، إذا عرف في نص الكتاب المقدس، كيف تارة يطرح كلية “الحرف الذي يقتل” باحثًا في كل الكتاب عن “الروح الذي يحيي”، وتارة بتأييد معرفة الحرف وتأكيد معناها النافع والإجباري، وتارة بالاحتفاظ بالمعنى التاريخي وإضافة المعنى السري إليه في حينه.

 

الباكورة يجب أن يقدمها المسيحيون لكهنتهم

          هذا ما يجب أن يعمل يبدو لي في النص الذي بين أيدينا أنه عادل ونافع أن تقدم الباكورة لكهنة الإنجيل حيث إن الرب أمر ” أن الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون، والذين يلازمون المذبح يشاركون المذبح” (1كو9: 13ـ 14) بقدر ما يكون هذا مستحقًا ومناسبًا. وبالعكس فإني أحكم أنه مخالف وغير مستحق وخاطئ ذلك الرجل الذي يعبد الله وينضم إلى الكنيسة والذي يعلم أن الكهنة والشمامسة يقفون في الهيكل ويكملون واجباتهم في خدمة كلام الله وفي خدمة الكنيسة، ولا يقدم للكهنة باكورة ثمار الأرض الذي أعطاه إياها الله “فإنه يشرق شمسه ويمطر أمطاره” (مت5: 45).

إنه يبدو لي بأن روح هذا الرجل في نسيان لله، وهو لا يفكر ولا يعتقد أن الله هو الذي أعطاه الثمار التي حصدها وأنه يعمل كما لو أن الله ليس له شئ في هذا المحصول، فلو كان يعتقد أن الله هو الذي أعطاه هذا المحصول لعلم إنه عندما يقدم للكهنة أنه يكرم الله من عطاياه وتقدماته.

          ولكي نتبين أيضًا جيدًا من كلام الله أنه يجب أن نتمم تعاليمه بحسب الحرف أيضًا، سنعطي لذلك أدلة أخرى فيقول السيد الرب في الأناجيل ” ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تعشرون النعنع (بمعنى الذي يعطي عشور النعناع)، والشبت والكمون وتركتم أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان. يا مراؤون كان ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك” (مت23:23). تأمل جيدًا كلام الرب الذي يريد بأن نكمل النقط الأكثر أهمية في الناموس بدون أن نترك ما أوصى به بالحرف.

          لعلك تقول أن هذا موجه للفريسيين وليس للتلاميذ؟ أنصت له وهو يخاطب تلاميذه ” إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات” (مت5: 2). فإنه يريد أن ما يعمله الفريسيون يتممه التلاميذ أيضًا وبأكثر سعة، فما لا يريد لتلاميذه أن يعملوه لا يفرضه أيضًا على الفريسيين. لكن كيف يريد أن تلاميذه يعملون أكثر من عمل الفريسيين؟ أنه يبين ذلك عندما يقول “ قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل” (مت5: 21)، والفريسيون يتممون هذا التعليم لكنه يقول للتلاميذ

وأما أنا فأقول لكم إن كل من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم” (مت5: 22)، أيضًا قد سمعتم إنه قيل لا تزن ولكنه يريد أن بر تلاميذه يتعدى بر الفريسيين لدرجة ” أنهم لا ينظرون إلى امرأة ليشتهوها” (مت5: 28). من هذه الأفكار التي سبق أن ذكرناها نجد الأشخاص ذوو الغيرة في دراسة الكتاب المقدس يستطيعون بسهولة أن يجدوا أمثلة أخرى لهذه الميزات، حيث يسمعها الحكيم فيزداد علمًا غير مكتف بأن يمجدها.

ماذا سيزداد؟ إنه سيميز في كل إصحاح من الناموس متى يجب أن يبتعد عن الحرف ومتى يجب أن يتعلق به ومتى سيكون النص القصصي مطابقًا للشرح السري حيث   “ المسيح افتدانا من لعنة الناموس” (غل3: 13)، أنه لم يفتدينا من لعنة الوصية ولا من لعنة الشهادة ولا من لعنة الأحكام لكن فقط من لعنة الناموس. نحن لم نخضع للختان الذي في اللحم وحفظ السبت ولا للفروض الأخرى من هذا النوع حيث يجب أن نقول أنها تتعلق بالناموس وليس بالوصايا.

إذًا كيف يزيد برنا على  الكتبة والفريسيين. فبينما هم لا يجرؤون أن يذوقوا ثمار أرضهم قبل أن يقدموا البكور للكهنة ويعطوا ما يخص العشور للاويين، أما بدون أن أعمل ذلك فإني أتمتع بثمار الأرض بينما الكاهن لا يراها ويجهلها اللاوى، ومذبح الله لا علم له بها!

 

معنيان لكلمة ”الناموس”:

          مع أنه يجب أن نحدد أن كلمة الناموس قابلة لمعنى مزدوج. فما يدعي “الناموس” هو كل هذه “التعاليم” كل هذه “الوصايا” “أفعال البر” “الشهادات” “الأحكام”. لكن يوجد جزء من تعاليم “الناموس” التي تدعى بالأخص “النواميس” وهي التي سبق أن درسناها أما الناموس بوجه عام فهو ما قال عنه المخلص “ أنه لم يأتي لينقض الناموس بل ليكمله” (مت5: 17)، وأيضًا في موضع آخر “فالمحبة هي تكميل الناموس” (رو13: 10). الكاتب يسمى الناموس مجموعة الكتابات المكتوبة في الناموس، قد قلنا ذلك لنشرح أن الوصية بتقديم الباكورة من المحاصيل ومن القطيع يجب أن تطبق أيضًا بحسب الحرف.

 

المعنى الرمزي ماذا تبين البكورية

          3 ـ فلننظر الآن كيف يحمل أيضًا معنى رمزي بمعنى آخر روحي. فلنبحث إذًا النصوص من الكتاب المقدس بخلاف ما سبق أن تحدثنا عنه حيث نتحدث عن الباكورة “ كل دسم الزيت وكل دسم المسطار والحنطة أبكارهن التي يعطونها للرب لك أعطيتها” (عد18: 12). أتبحث الآن أين تتحدث النصوص عن الأبكار خارج هذا النص لأنه إذا كانت الأبكار تخص الكاهن الأعظم فيجب علينا أن نبحث عن كاهن أعظم تخصه الأبكار الواردة في النصوص الأخرى من الكتاب المقدس.

 

يسوع وشخصيات أخرى

          قبل كل شئ نقرأ عن الرب يسوع المسيح نفسه الذي هو بكر من الأموات. إذًا هو بكر من نوع معين، نجد أيضًا أن الرسول عند ذكره بعض الأشخاص يسميهم “باكورة آسيا” وآخرين “أبكار أخائية” حيث يظهر أن في كل كنيسة يوجد بعض المؤمنين الذي اختبرتهم روح الرسول، يدعون أبكارًا.

أضع بينهم كرنيليوس الذي نستطيع أن نسميه بكر كنيسة قيصرية مع الذين استحقوا معه نوال الروح القدس، ولا يجب أن ندعو كرنيليوس بكر لهذه الكنيسة فقط، بل أيضًا لكل الأمم، لأنه هو الأول الذي آمن من الأمم والأول الذي امتلأ من الروح القدس من الأمم إذًا نستطيع أن نسميه بكر الأمم.

 

من الذي يقدم الأبكار

أ ـ الملائكة

          ربما نتساءل من الذي يقدم هذه الأبكار لله؟ ومن هو الكاهن الأعظم الذي نعود إليه. على حسب كلام الرب يبدو أن هذا العالم هو “حقل”. هذا الحقل لا يحوي الأرض فقط، لكن أيضًا قلب كل إنسان يزرعه ملائكة الله. إنهم يحفظون ثمار عملهم بمعنى الذين يخضعون “لأوصياء ووكلاء”

ولم يصلوا بعد إلى الكمال لكن كل الذين كانت قلوبهم موضع عنايتهم الحريصة، واقتادوهم إلى الكمال، هذه النخبة وهذا الاختيار من ضمن الآخرين هم الأبكار الذين يقدمون للكاهن الأعظم حيث نقرأ بأن كرنيليوس قبل أن يأخذ من بطرس تعاليم كلام الله ونعمة المعمودية، علم من ملاك أن “صلواته وصدقاته صعدت تذكارًا أمام الله” (أع10: 4)، إذًا الملاك قد قدم كرنيليوس لله كبكر. 

 

ب ـ الرسل

          نستطيع أن نقول أيضًا إن بطرس وبولس والرسل الآخرين يقدمون الأبكار من بين الذين يقبلون الإيمان بواسطتهم مثلما يوضحه الرسول عندما يقول “من أورشليم وما حولها إلى الليريكون قد أكملت التبشير بإنجيل المسيح ولكن كنت محترصًا أن أبشر هكذا، ليس حيث سمى المسيح لئلا أبني على أساس لآخر” (رو15: 19ـ20).

لاحظ إذًا أن بولس يقدم ثمارًا من كل الذين تعلموا منه، الذين بشرهم، الذين بدأوا معه في النمو في الإيمان، وكان يبحث كل الأيام عن حقول جديدة ليحرثها، أرض بور جديدة ليزرعها. ولهذا السبب قال للبعض ” قصدت أن آتي إليكم ليكون لي ثمر فيكم أيضًا كما في سائر الأمم” (رو1: 13)، أقول ملاحظًا ومميزًا نخبة من ضمن هذه الثمار ومعلنًا كما قلت إن البعض “هم باكورة آسيا” وآخرين “هم باكورة أخائية” (رو16: 5)، ملاحظًا وهو يختار أبكارًا لكل كنيسة ويقدم لله هذه الباكورة.

وله ربما أيضًا باكورات، لكن اعتقد أيضًا أنه يوجد معهم من هم أقل منهم الذين لا يستطيع أن يقدمهم كأبكار ولا كباكورة لكن كعشور فقط.

 

ج ـ كل حكيم

          أقول أيضًا بأن كل حكيم عند تعليمه، عند تبشيره سامعيه، يشبه حارثًا في الكنيسة التي يعلم فيها بمعنى حارث قلوب المؤمنين، وهذا أيضًا له ثماره، وفي مجموع ثماره يجد بكل تأكيد رجلاً مختارًا ليقدمه كبكر.

يوجد إذًا منهم من يقدم كباكورات وآخرون كالعشور، وإن لم يكن من التهور التقدم في مثل هذا الموضوع، لكننا نستطيع بلا شك أن ندعو الباكورات أنهم الذين كتب عنهم “ الذين لم يتنجسوا مع النساء لأنهم أبكار وظلوا بتولين” (رؤ14: 4). ونستطيع أيضًا أن ندعو كذلك الشهداء أبكارًا. وتحت اسم الباكورة أيضًا نستطيع أن ندخل عذارى الكنيسة. أما بالنسبة للعشور فهم الذين بعد الزواج عاشوا في الزهد والطهارة.

 

عودة للملائكة: دينونة الملائكة

          لقد سبق أن بدأنا بالتحدث عن الباكورة التي قدمت بواسطة الملائكة خدام الجنس البشري، ثم تحولنا للتلاميذ وللحكماء عمومًا، فلنرجع لنقطة البداية.

كل ملاك عند نهاية الأزمنة سيقدم للدينونة آخذًا معه الذين قد وجههم وساعدهم وعلمهم بسبب أنهم “ كل حين ينظرون وجه أبي الذي في السموات” (مت18: 10). هنا أظن أنه سيطالب عما إذا كان الملاك اهتم بتعليم الإنسان أو إذا كان الكسل البشري لم يستجب لعمل الملاك، كما أنه سوف توجد أيضًا دينونة لأرواح ” الذين قد أرسلوا للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص” (عب 1: 14).

          وإذا كان بسبب جبن في حياتهم تحصل سقطات عديدة في الحياة البشرية. إذا كان الأمر كذلك فأنه سوف توجد أيضًا دينونة من الله بين الملائكة والإنسان. ربما بعض الملائكة سيدانون مع حراثهم. بولس يقارن حراثهم مع حراثه، ويقارن حصادهم مع حصاده الذي حصده من جماعة المؤمنين، لهذا سمح له أن يقول “ ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة” (1كو6: 3).

ليس بولس نفسه هو الذي يدين الملائكة، لكن الأعمال التي تممها بولس في البشارة بالإنجيل، وبخصوص نفوس المؤمنين. هنا سيدين الملائكة ليس كلهم لكن البعض منهم. وربما أيضًا لأجل ذلك قال بطرس “ التي تشتهي الملائكة أن تطلع عليها” (1بط1: 12). ولكن الرسل أيضًا يأخذون المساعدة من الملائكة لأداء رسالتهم في التبشير والقيام بأعمال الإنجيل بنجاح.

بهذا المعنى قيل في أعمال الرسل إنه “كان ملاك بطرس يقرع على الباب”. بنفس الطريقة فبما أنه يوجد ملاك لبطرس، فيلزم أن يكون ملاك لبولس أيضًا، وللآخرين بقدر عدد الرسل، وهكذا كل واحد على حسب رتبته أو بحسب استحقاقاته.

هؤلاء الملائكة عليهم أن يلعبوا دورًا في أعمال الرسل وتعليمهم أو تعاليم الحكماء الآخرين الذين يأتون بعدهم مع معاونيهم الذين يحضرون أمام الرب حصاد النفوس التي عمل هؤلاء الآخرين على نموها، عندما يجمع الحصاد، أي عندما يتم الاختيار بين المؤمنين المؤمن الأفضل من أي كنيسة سيقدم بواسطة الملاك كعشور والذي يكون أفضل منه سيقدم كبكر.

 

ملائكة الأمم

أيضًا كل ما قد رسم في الناموس كظل، مادام ” الناموس له ظل الخيرات العتيدة” (عب10: 1)، يتمم بطريقة ما في حقيقة ” الخيرات العتيدة” بواسطة خدمة الملائكة. هذا ما قد كان من قبل في إسرائيل. المدعو إسرائيلي بحسب الجسد، سيتمم بالنسبة للإسرائيليين الحقيقيين السماويين حيث إن اسم إسرائيل قد رفع إلى رتبة الملائكة، أو بالأحرى إنهم هم الذين لهم أكثر صفة لحمل اسم إسرائيل لأنهم حقيقة أكثر أرواح تعاين الله. هذه هي ترجمة لكلمة إسرائيل.

أيضًا في رأيي بعض أسماء الشعوب أو الملوك التي نقرأها في الكتب المقدسة تنتمي بدون أي شك لملائكة أشرار أو للسلاطين المضادة مثل فرعون ملك مصر ونبوخذنصر ملك بابل وآشور. كذلك يجب أن ننسب للملائكة القديسين وللسلاطين الصالحين ما كتب عن القديسين وعن الشعب المقدس. ولكي أقنعك بأن الكتاب المقدس يجعل علاقة بين ملك لآمة منافقة وبين سلطان شرير.

اسمع ما يقوله إشعياء عن نبوخذنصر ” إني أعاقب ثمر عظمة قلب ملك أشور وفخر رفعة عينيه لأنه قال بقدرة يدي صنعت وبحكمتي لأني فهيم ونقلت تخوم شعب ونهبت ذخائرهم وحطمت الملوك كبطل” (إش10: 12ـ13). أيضًا في موضع آخر بخصوص ملك لأمة ما قال إشعياء النبي ” كيف سقطت من السماء يا زهرة الصبح كيف قطعت إلى الأرض يا قاهر الأمم” (إش14: 12).

فإذا كانت الحقيقة تلزم بأن ينسب كل هذا للملائكة ذوي السلطان الماكر، أفلا يجب لنفس السبب أن ننسب للملائكة وللخدام المزينين بسلطة حسنة كما قلت ما كتب عن الملوك أو الشعوب المناضلة؟ وأظن أن سفر التكوين يتحدث عن الملائكة عندما يقول “هلم ننزل ونبلبل ألسنتهم” (تك11: 7).

ألاَّ يجب أن نفكر بأنهم ملائكة مختلفون هم الذين أنشأوا عند الناس ألسنة ولهجات مختلفة؟ فمثلاً إن ملاكًا هو الذي علم الإنسان اللغة البابلية، وملاكًا آخر هو الذي علم اللغة المصرية، وملاكًا آخر هو الذي علم الإنسان اللغة اليونانية (بلا شك أن كاشفي اللغات واللهجات اصبحوا ملوكًا لشعوب مختلفة). أما اللغة التي أعطيت في الأصل بواسطة آدم وهي العبرية حسب ما نعرف، قد ظلت في هذا الجزء من البشرية ولم تكن نصيبًا لأي ملاك ولا لأي ملك ولكن ظلت “نصيب الله”.

 

 

[1] يبدأ هنا أوريجينوس في عرض منهجه التفسيري ونلاحظ أن التفسيرين الرمزي والتاريخي أي الحرفي يتداخلان ويتكاملان.

 

الباكورة – العظة الحادية عشر من عظات أوريجانوس على سفر العدد ج1