إحصاء اللاويين وواجباتهم – العظة الرابعة من عظات أوريجانوس على سفر العدد
المعنى اللفظي
1ـ سفر العدد الذي يقرأ لنا، يحتوى على أعداد كثيرة[1] مختلفة منسوبة إلى أبناء الإسرائيليين. بعد إحصاء أبناء الإسرائيليين، يأتي إحصاء اللاويين، وهم بدورهم قد أحصوا أيضًا. أنهم لم يحصوا مع أبناء الإسرائيليين. وعددهم لحد ما معزول، إنه عدد ممتاز، أنهم كما يقال لنا، 22 ألفًا لا أكثر ولا أقل.
بنفس الشروط التي للاويين، أي من سن شهر واحد فما فوق، ونحصل لأبكار أبناء الإسرائيليين على العدد 22272.
من هذه التفاصيل هل تعتقد بأن موسى أراد أن يعلمنا القصة فقط، وأنه لم يخبئ بحسب عادته سرًا في هذه الأعداد المختلفة؟ هل سنعتقد بأنه قال بدون أي سبب إن عدد الأبكار الإسرائيليين يعطي فائضًا بعدد 273، وأن عدد اللاويين ليس له فائض ولا نقص بالنسبة لعدد 22 ألفًا.
الأعداد
بدراسة الكتب الإلهية، سنجد فيها غالبًا العدد 22 الذي يشير لمكنون مهم. الحروف العبرانية عدد 22 حرفًا ثم نذكر 22 أبًا منذ آدم حتى يعقوب التي تشير إلى أصل الأسباط الاثنى عشر. ويقال أيضًا أن كل أنواع خليقة الله عددهم 22 وبالبحث بأكثر تدقيق، سنجد في اللاويين أي خدام الله، والأبكار أبناء الإسرائيليين الفخر بهذا العدد العجيب والمقدس. العدد 273 أضيف لأبناء إسرائيل، وهذا لا يبدو لي بدون قصد، بل لا أرى من السهل حل السؤال إذا لم يتنازل السيد الرب ويظهر لنا أسرار قلبه، وأن نرفع البرقع المطروح بواسطة موسى على ما كتب في هذا الجزء.
فالجنين في الجنس البشري، حسب العارفين يحفظ في الرحم تسعة أشهر، لكن لا يبدأ أن يظهر بالولادة قبل أن يمضي ثلاثة أيام من الشهر العاشر وبذلك يظهر أن العدد 273 هو مجموع الأيام كلها أي مجموعة التسعة أشهر مع ثلاثة أيام من الشهر العاشر وهي الأيام الممسوح بها للجنس البشري حتى يدخل في هذا العالم.
وبالتالي العدد يبين مجازيًا مجموع جميع الخليقة مجتمعة والمزيد الذي نجده للأبكار في إسرائيل يوضح سر توالد البشرية.
رتب اللاويين ووظائفهم
وبعد ذلك قسموا أبناء لاوى إلى 3 رتب وكل رتبة أحصيت تحت أسم العشيرة. هنا أيضًا يلاحظ اختلافات تخبئ أسرارًا. فرتبة أبناء قهات هي التي أحصيت أولاً، السبب هو لأنه من هنا قد خرج موسى وهارون الذي تسلم الكهنوت الأعظم. لأنه من قهات قد ولد عمرام، ومن عمرام ولد موسى وهارون.
جرشون يأتي ثانيًا مع أنه الأول بالميلاد إلا أنه وضع بالصف الثاني، وينص الكتاب المقدس فعلاً هكذا “أبناء لاوى، جرشون وقهات ومراري” أبناء قهات قسموا إلى رتبتين: أولاد هارون يتولون الكهنوت والآخرون لخدمة الكهنة. ولهذا السبب قسمت واجبات اللاويين إلى 4 أجزاء هارون وأولاده يقومون بالكهنوت. أعضاء عشيرة قهات الآخرين يحملون الأقداس على أكتافهم.
أولاد جرشون ينشغلون بما يختص بخيمة الاجتماع أو ملحقاتها، وبالجلود، البساط، وبكل ما هو أقل صلابة وأكثر خفة للحمل. أولاد مراري يحملون “أعمدة الخيمة” قاعدتها، قضبانها، التي تساعد على قفل الخيمة. لهذا السبب نبه الكتاب المقدس في تعدادهم على أن تحصى قوة مراري حيث إنه يجب توافر القوة لحمل مثل هذه الأحمال.
الأربع رتب في السماء
2ـ ولكن فلنرجع لبولس الرسول الذي إذ كان ينظر كل هذا بأعين بصيرة مستقلة من الآن فصاعدًا وغير مرتبك بأي تعصب، خالعًا ضباب العهد القديم وهو يقول إن في هذه المساكن كان شعب الله السابق لا يخدم سوى صورة وظل الحقائق السمائية. وبقوله هذا تكون الأربع رتب في المحلة ليست إلا صورة وظل للأربع رتب التي قصدها بولس في رسالته إلى العبرانيين. وتضاف إلى أربع رتب المحلة الإسرائيلية، أربع رتب اللاويين. فإنه ليس من الضروري أن نبسط وأن نوضح هذا، يكفي أننا أدركنا هدفه، مع افتراضنا بأن البعض يأتون هنا بأفكار نقية، خالية من هموم العالم.
أبناء قهات
قال الكتاب المقدس “خذ عدد بني قهات من بين بني لاوى” (عد4: 2)، إذن يأتي أبناء لاوي، برتبة من الأعداد الأخرى وهم قد أحصوا “من ابن شهر فصاعدًا“.
نحسب الآن أبناء لاوى “من سن 25 سنة” وليس كالآخرين من سنة 25 سنة فصاعدًا، ولكن حتى سن الخمسين. وهذا العدد عدد ممتاز، عدد مختار، حيث إن الكتاب المقدس يضيف “كل رجل في الجند ليعمل عملاً في خيمة الاجتماع” مثل الذين يكونون عددًا عظيمًا وممتازًا. هكذا بالنسبة لأبناء إسرائيل قد قيل ” كل خارج للحرب يحصى مع أبناء إسرائيل” وأيضًا قد قيل هنا كل واحد خارج ليخدم في أعمال خيمة الاجتماع (عد1: 45؛ 4: 3).
أعمال الخيمة
ثم توصف ما هي أعمال ” أبناء قهات من بين بني لاوي، حسب عشائرهم يعملون” في خيمة الاجتماع. ” يأتي هارون وبنوه عند ارتحال المحلة وينزلون حجاب السجف ويغطون به تابوت الشهادة” (عد4: 5)، ثم دونت سبعة من الأشياء التي يجب أن تكون مغطاة:
أولاً: الأثمن من الكل “تابوت الشهادة” سيغطي “بالحجاب” الذي سيخفي من الأمام ويجعلون عليه غطاء ” من الجلد باللون الاسمانجوني“.
ثانيًا: “المائدة” التي ستغطي.
ثالثًا: “منارة الضوء”.
رابعًا: “مذبح الذهب”.
خامسًا: جميع أمتعة الخدمة التي يخدمون بها في “القدس”.
سادسًا: “أمتعة المذبح” التي توضع مع أغطية أخرى.
سابعًا: “المناضح”. ولا يترك شئ من كل ذلك مكشوفًا وبدون حجاب.
أخيرًا: قد أضاف التعليم “لا تحذف من سبط عشيرة قهات” حتى يعلموا أنهم يجب أن يخدموا. إذًا لمسوا هذه الأشياء لنقلها إن لم تغط أولاً من الكهنة فأنهم يموتون.
تخصيص للكنيسة لحفظ الأسرار : (تطبيق على الكنيسة)
نعود الآن لهذه الخيمة التي هي “كنيسة الله الحي” وننظر كيف يجب أن نتمم كل هذه التعاليم بواسطة كهنة المسيح. إذا كان أحد منكم كاهنًا بالحقيقة التي عهدت إليه بالإناء المقدس، وهذا يعني أسرار الحكمة السرية، فليتعلم من هذا النص وليلاحظ الطريقة التي يجب أن يحفظ بها هذا الإناء المقدس تحت حجاب الضمير وأن لا يعرضها بسهولة للشعب.
فأن كان ملزمًا أن يعرضها وأن يسلمها للمرؤوسين أي للجهلاء فعليه أن لا يعرضها بدون غطاء وأن لا يظهرها كذلك بدون غطاء وأن لا يعرضها بسعة، وإلا أرتكب جريمة القتل ويحذف شعبه من الجماعة. لأنه حقًا يحذف كل إنسان يلمس الأسرار بدون أن يكون قد حمل رتبة كهنوتية باستحقاقاته وبعلمه.
حيث أنه لا يسمح بهذا إلا لأولاد هارون، هذا يعني أن الكهنة يرون علنًا وبطريقة مكشوفة تابوت الشهادة ثم المائدة ثم منارة الضوء وكل الأشياء التي قد سبق أن دونت. أما الآخرون فإنهم يرونها مغطاة أو بالأحرى يحملون هذه الأشياء “محجوبة على أكتافهم” (عد7: 9).
درجات كهنوتية
أولاد قهات رغم أنهم لم يكونوا كهنة، ولكنهم مناسبون جدًا، ويستطيعون أن يحملوا هذه الأشياء على أكتافهم، والآخرون يضعون أثقالهم وأشياء كهنتهم ليس على أكتافهم. بل على عجلات. ولكن نستطيع مطالعة هذا النص، والتكلم عما ذكر فيه عن العجلات نقول أنه قد أعطى لكل سبط عجلات، فأخذ أولاد مراري أربع عجلات وأخذ جرشون أثنين. لكن الذين هم في درجات أعلى لا يأخذون عجلات.
تأمل إذن الطريقة التي وزعت بها وظائف كهنة الله، الأشياء المقدسة لا تعطي للحيوانات ليحملوها، فإنه يجب أن الإنسان العاقل هو الذي يحمل على أكتافه الأواني التي تستخدم في قدس الأقداس. الأشياء الأكثر ثقلاً وأكثر صلابة تعطي لحملها لا لكائنات عاقلة بل للحيوانات. في هذه الحالة الثانية، يوجد أيضًا تمييز يجب وضعه في الاعتبار.
فالذين في الخدمة المختصين بالأشياء الأكثر ثقلاً وأكثر صلابة لديهم حيوانات أكثر عددًا. فلقد أعطيت أربع عجلات لبني مراري لكن عجلتان تكفيان لبني جرشون. الذين يشبهون بني قهات، ويتبيّن من ذلك أن الأعمال الأكثر صلابة ونوعًا ما أكثر خشونة لها عدد أكثر من الحيوانات لكن من ضمن الذين يكونون مثقفين وعالمين بهذه الأمور، عدد بسيط منهم فقط يقوم بالنشاط الخاص بالكائن الحي حيث لا يحق “للإنسان الطبيعي” (1كو2: 14)، أن يقترب من الأشياء السرية، والتي لا تكون منظورة إلا للكهنة
لكن حتى هؤلاء لا يقتربون منها كلهم، إلا الذين لهم بعض الدراية ولكن لم يصلوا بعد باستحقاقاتهم وسلوكهم إلى كمال نعمة الكهنوت. وعلاوة على ذلك فإنهم لا يرونها إلا ” فى مرآة وفي لغز“، فهم يتسلمونها مغطاة ومحجوبة وسيحملونها على أكتافهم، حتى لا يعرفوها أكثر في فعل الأعمال أكثر من اكتشافها بالعلم.
إذًا بما أن هذه هي الطريقة التي بها يوزع الله أسراره وينظم عمل كهنوته للأشياء المقدسة، يجب علينا نحن أن نكون أهلاً لرتبة الكهنوت، حتى لا يفرض علينا أثقال ثقيلة مثل الكائنات غير العاقلة بل كأناس عاقلين ومقدسين، نكلف بوظائف كهنوتية لأننا ” أمة مقدسة كهنوت ملوكي وشعب اقتناء” (1بط2: 9)، بشرط أن نتلاقى باستحقاقات حياتنا مع النعمة المعطاة لنا وأن نكون أهلاً للكهنوت المقدس، حتى نكون بعد خروجنا من هذه الحياة، مستحقين أن نؤخذ، كما قلت أعلاه من ضمن كهنة الله، وأن نكون ضمن خدمة تابوت العهد، بمعنى الأسرار الغير معلنة، ونتأمل مجد الله بوجه مكشوف وندخل في الأرض المقدسة التي سيعطينا إياها ربنا يسوع المسيح كميراث لنا والذي له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين.
[1] هذه العظة حافلة بالخواطر العددية. وبهذا المعنى فهي تعتبر وثيقة هامة فيما يخص تاريخ التعامل مع الأعداد. نحن نعرف أن مبادئ هذه الطريقة تعود إلى فيثاغورس ولكن أفلاطون وأرسطو ساهموا فيها أيضًا ومن خلال الإنتاج المسمى (الأعداد اللاهوتية)، يلتقى الرواقيون مع الفيثاغورثيين.. يبدو أن الأعداد كانت شيئًا مشتركًا بين كل الطوائف فقد استعملها فيلون قبل أكليمندس وأوريجينوس في شرح الكتاب المقدس. والقديس أوغسطينوس نقل إلى العصور الوسطى عادة البحث عن المعنى في أعداد الكتب المقدسة ويمكن استعمال الأعداد في كل اتجاه. وهنا في هذه العظة يستخدم أوريجينوس الأعداد لكي يؤكد نظرته إلى الدرجات الروحية.