اللاويون – العظة الثالثة من عظات أوريجانوس على سفر العدد
اللاويون
كيفية الاستفادة من كلمة الله
1ـ لقد كتب في موضوع المن في ذلك الزمن أنه إذا التقطوه حسب الشروط التي أمرهم بها الله، كان صالحًا للأكل: لكن إذا أرادوا أن يلتقطوه بطريقة مخالفة للأوامر الإلهية وبخلاف الطريقة التي عينها الله، في هذه الحالة كان لا يصلح أبدًا لحفظ الحياة وكانت تكثر فيه الديدان. إذًا نفس النوع من المن لا يعطى للبعض إلا الديدان والعفن.
بينما كان يقدم للآخرين طعامًا لحفظ الحياة. والكلمة الإلهية هي مَن بالنسبة لنا؟ والكلام الإلهي، عندما يأتي إلينا، فأنه يجلب للبعض السلام، ولكن لآخرين اللعنة، لذلك فأنه يبدو لي أن الرب والمخلص الذي هو ” كلمة الله الحي” (1بط1: 23)، كان يقول مصداقًا لذلك ” لدينونة أتيت أنا إلى هذا العالم حتى يبصر الذين لا يبصرون ويعمي الذين يبصرون” (يو9: 39).
فمن الأفضل للبعض ألا يسمع أبدًا كلمة الله، بدلاً من سماعها بنية سيئة أو سماعها بنفاق، نقول كان من الأفضل من وجهة النظر الأقل سوءًا. لكن الأفضل والأصح من وجهة الصواب والكمال، هو أن المستمع لكلمة الله يسمعها بقلب نقي بسيط، يسمعها بقلب مستقيم ومتهيئ جيدًا، لكي تثمر وتنمو كما في الأرض الجيدة.
قلنا هذا بطريقة تمهيدية لبعض السامعين الذين يأتون بأذهان تفتقر للبساطة والإيمان. أريد أن أتكلم عن بعض طالبي العماد (الموعوظين) الذين يجب أن يضاف إليهم بعض المُعَّمدين ” لأن ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون” (رو9: 6)، وكل الذين قد عمدوا في الماء لم يعمدوا في نفس الوقت بالروح القدس.
وبالعكس في عداد طالبي العماد، ليس الجميع غرباء عن الروح القدس. أجد حقًا في الكتب الإلهية أن من طالبي العماد من استحقوا الروح القدس وآخرين بعدما عمدوا كانوا غير مستحقين لعطايا الروح القدس. كرنيليوس كان من طالبي العماد، وقبل أن ينزل في الماء استحق أن يحصل على الروح القدس، وسيمون اعتمد، لكن لأنه اقترب للبر بمكر، فقد حرم من موهبة الروح القدس، فلا نشك في هذه الأمور.
يوجد الآن في الشعب طالبو عماد، مثل كرنيليوس الذين هم مستحقون أن نقول عنهم ” صلواتك وصدقاتك صعدت تذكار أمام الله” (أع10: 4)، وبالعكس يوجد ضمن شعب المؤمنين أناس مثل سيمون يجب أن يُقال عنهم بجرأة “ رجل ممتلئ كل غش وكل خبث ابن إبليس وعدو كل بر“[1] (أع13: 10)، إنني أقول هذا لإصلاح نفسي كما لإصلاح الحاضرين، حيث أني أنا أيضًا واحد من الذين يسمعون كلام الله.
النص
2ـ لكن فلنسمع الآن بماذا كلم الله موسى: “ وكلم الرب موسى قائلاً وها إني قد أخذت اللاويين من بين بني إسرائيل، بدل كل بكر فاتح رحم من بني إسرائيل فيكون اللاويون لي لأن لي كل لي بكر يوم ضربت كل بكر في أرض مصر قدست لي كل بكر في إسرائيل من الناس والبهائم لي يكونون أنا الرب” (عد3: 11ـ 13)، اللاويون تم اتخاذهم بدلاً من الأبكار، مع إنهم ليسوا أبكارًا قط.
لاوى كان الابن الثالث من ليئة، رأوبين كان الابن الأول، شمعون كان الثاني، لاوى كان الثالث رجال ليسوا أبكارًا بحق الولادة قد تم تبنيهم كأبكار.
من هم الأبكار
هل ينبغي أن نعتقد بأن هذه التفاصيل المذكورة في ناموس الله ليس لها فائدة؟ ألا يعلمنا هذا بأن الذين اعتبروا أبكار أمام الله ليسوا هم أبكارًا بالميلاد الجسدي، بل الذين اختارهم الله أبكارًا نظرًا لحسن استعدادهم، هذا مثلما صار يعقوب بكرًا حسب أمر الله وقد حصل على بركات البكورية بسبب عمى والده بترتيب الله حيث إنه بسبب حسن استعداد قلبه الذي رآه الله فيه
“قبل أن يولد في هذا العالم أيضًا وقبل أن يعمل أعمالاً سيئة أو حسنة يقول الرب عنه ” أحببت يعقوب وأبغضت عيسو” (ملاخي1: 2، 3)، إذن فأبناء اللاويين ليسوا إذن هم الأبكار بحسب الجسد، لكنهم تم تبنيهم كأبكار، وذلك امتياز كبير أن نكون مُتبنين كأبكار دون أن نولد أبكارًا.
استقامة اللاويين
“ ها إني قد أخذت اللاويين من وسط بني إسرائيل“. نستطيع أن نقول بأكثر بساطة ” إني قد أخذت اللاويين من بين بني إسرائيل” لماذا نضيف من وسط بني إسرائيل؟ من أي وسط؟ لاوى كان الثالث من أبناء إسرائيل، كما ذكرنا أعلاه. من أي وسط أخذ اللاويون؟ أريد أن أعرف. ذلك أجده في الكتابات المقدسة، أن الشونمية الطوباوية التي أطعمت ذات يوم نبيًا أجابت بيقين نبي إسرائيل، النبي أليشع الذي أراد أن يمنحها مكافأة، “ أنا ساكنة وسط شعبي“.
لكني أرى نصًا أمجد وأكثر جمالاً في إنجيل ربنا يسوع المخلص عندما قال يوحنا “ في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه” (يو1: 26)، نستطيع أن نقول عنه بأنه ” لم يمل أبدًا يمينًا ولا يسارًا، وأنه قائم في الوسط” (عد20: 17)، ” الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر” (1بط2: 12). لهذا السبب قيل عنه بأنه قائم دائمًا، بأنه في الوسط.
لكن لم يذكر عن كل الذين يقتدون به أى عن القديسين، والمرأة الطوباوية التي ذكرناها أعلاه، بأنهم قائمون في الوسط. لأنه من المستحيل أنهم لا يميلون أحيانًا سواء يمينًا أو يسارًا. ليس أحد طاهرًا من كل النجاسة حتى ولو كانت حياته يومًا واحدًا، ولكن قيل أنها ساكنة في وسط شعبها “واللاويون إذًا قد أخذوا من وسط أبناء إسرائيل”.
حقًا اللاويون هم الذين لم يعرفوا يمينهم ولا يسارهم، لكن باتباع موسى أي ناموس الله لم يحابوا أبًا ولا أمًا. أما وأنت عندما تأتي التجربة، عندما تأتي النصرة على الخطية إذًا ” لم تمل يمينًا ولا يسارًا” (عد20: 17).
إذا لم تنحرف عن ناموس الله، إذا أقمت في الوسط راسخًا وغير متزعزع. إذا لم تحن الركب أمام الخطية، إذا لم تصبح تابعًا لرأس حاشية، صورة للغباوة[2] والحماقة ستكون ” مأخوذًا من وسط أبناء إسرائيل وستكون محسوبًا مع أعداد الأبكار هذا حسب النص “وسآخذ اللاويين من وسط أبناء الإسرائيليين” (عد3: 12).
ترتيب اللاويين في المحلة:
لكن إذا أردتم فلنرجع مرة أخرى في الشرح عن القصة المذكورة في التعداد، ولنفحص في سر الأبكار أين وكيف يجب أن نرتب أبحاثنا. فلنتذكر بأكثر تدقيق عن الطريقة التي فيها كان الاثنى عشر سبطًا موزعين ثلثة بثلاثة في أربع مجموعات واستقروا في الأربع جهات الرئيسية.
فنجد يهوذا ثبت في الشرق مع يساكر وزبولون، رأوبين في اليمين (الجنوب) مع شمعون وجاد، في الغرب أفرايم مع بنيامين ومنسى، في الشمال دان مع نفتالي وأشير، بينما كانوا متوزعين في محيط دائرة لأربع جهات، فاستقر اللاويون في وسطهم، حول خيمة الاجتماع لأنهم هم الأكثر قربًا من الله. في محلة يهوذا موسى وهارون يأخذان مكانًا.
في محلة رأوبين، جرشون في محلة بنيامين قهات، هناك حيث استقر دان، أبناء مراري أيضًا اللاويون يبدو أنهم استقروا في الدائرة من جميع نواحيها، في وسط أبناء إسرائيل، مختلطين مع الآخرين ومتداخلين معهم.
هذا ما تعرضه لنا الشريعة، حتى أننا نحصد محصول الأسرار وحتى نستخدمها كدرجات لنصعد من الأشياء السفلى إلى الأشياء العليا، ومن حقائق الأرض إلى حقائق السماء.
والآن أيها السامع، أصعد إذا استطعت، أصعد فوق الأفكار الأرضية هذا بفضل التأمل العقلي وبفضل القلب البصير إنسَ الأرض لبعض الوقت، أصعد إلى سحب السماء بمجهود ذكائك أبحث عن خيمة الله[3]، حيث يسوع قد دخل ” لكي يعد لنا الطريق” (عب6: 20)، وحيث “يظهر أمام وجه الله” ليشفع فينا.
أبحث هناك عن هذه الرايات الأربع، وعن هذه المواضع التي للمحلة. أنظر إلى الجيش الإسرائيلي والحرس المكون من القديسين، وأبحث عن أسرار الأبكار موضوع بحثنا الآن.
الرتب الأربع في السموات
لكن لا أجرؤ على الصعود فيها وحيدًا، ولا أجرؤ أن ألقي بنفسي في هاوية أسرار عميقة جدًا بدون أن أكون مسنودًا بسلطة عالم عظيم.. لا أستطيع أن أصعد إلى السماء إن لم يسبقني بولس، وإن لم يدلني بولس على الطريق لهذه الرحلة المجهولة الصعبة.
إذًا بولس هو الرسول العظيم، هو الذي يعرف بأنه يوجد على الأرض، كذلك في السموات، عدد كبير من الكنائس والتي لم يذكر منها يوحنا الرائي سوى سبعة. بولس الرسول هو الذي يشير بأنه يوجد على وجه الخصوص ” كنيسة للأبكار” (عب12: 18ـ 23)، قال في رسالته للعبرانيين “ لم تأتوا إلى جبل ملموس مضطرم بالنار، لكن قد أتيتم إلى جبل صهيون، إلى أورشليم السمائية إلى كنيسة أبكار، إلى مدينة الله الحي، وإلى ربوات هم محفل ملائكة وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات“.
موسى يقسم شعب الله ويوزعه إلى أربع جهات على الأرض. والرسول يميز أربع رتب من القديسين في السموات من الواحد أو الآخر الذين يقول عنا بأننا ندنو منهم. حيث أن كل العالم لا يأتي إلى كل الرتب. الواحد يأتي إلى “جبل صهيون” والذين يكونون أفضل بعض الشئ يأتون إلى أورشليم السمائية، مدينة الله الحي والذين يكونون أكثر علوًا يدخلون إلى “ربوات هم محفل ملائكة” والذين يكونون فوق كل هذا يدخلون إلى ” كنيسة أبكار مكتوبين في السموات“.
إذن إن فهمت من هذا النص ما هي رتب الأبكار وما هو السر المختبئ في هذا العنوان. استعد واجتهد بكل قوتك أن تنمو وتتقدم في أعمالك في حياتك في عاداتك، في إيمانك في طريقة تصرفاتك لكي تستطيع أن تأتي إلى ” كنيسة الأبكار التي هي مكتوبة في السماوات“. إن لم تستطيع، إن كنت أقل من هذه الدرجة اقترب من ربوات الذين هم محفل ملائكة، أن لم تستطيع أن تصعد إلى هذه الدرجة، اجتهد على الأقل أن تصل إلى مدينة الله الحي أورشليم السمائية.
لكن إذا كنت أيضًا غير قادر على ذلك حاول على الأقل أن تتوجه نحو جبل صهيون (تك19: 17). لكي تخلص على الجبل يكفي أنك لا تبقي على الأرض أنك لا تسكن في الوديان، بأنك لا تبطئ في الأراضي المغمورة.
بذلك يبدو لي بأنه يجب أن نفهم الاختيار لرتبة الأبكار أبناء اللاويين، خدام الله الذين يؤدون الخدمة الهيكلية في الخيمة ويتممون الخدمة الإلهية بيقظة لا تنقطع.
فاتح الرحم :
أما من جهة ما قد قيل ” عن كل بكر الذي يفتح الرحم“، هذا لا يبدو سهلاً في فحصه وفي شرحه. حيث أن كل طفل فاتح رحم لا يجب على الفور أن يكون مستحقًا للرتبة المقدسة كرتبة البكر إذ أننا نقرأ في جزء آخر في المزامير بأنه ” زاغ الأشرار من الرحم ضلوا من البطن متكلمين كذبًا” (مز58: 3). ويجب أن لا ندرك هذا بالمعنى الحرفي.
كيف نستطيع فعلاً أن نضل عن طريق الله بمجرد الخروج من أحشاء الأم؟ أو كيف يستطيع أن يكذب، الطفل الذي ولد لساعته، كيف يستطيع أيضًا أن ينطق بأية كلمة؟ بما أنه من المستحيل أن يضل منذ الخروج من أحشاء الأم، أو أن يكذب، يجب إذًا أن نبحث عن أحشاء أو رحم يمكن أن ينطبق عليها هذا الكلام. زاغ الأشرار من الرحم ضلوا من البطن متكلمين كذبًا، هذا الرحم سيكون المفتوح بواسطة كل بكر مكرس لله.
فتح الله يومًا رحم ليئة الذي كان مغلقًا وولدت للعالم آباء، كذلك فتح رحم راحيل لكي ترزق أيضًا بأطفال، راحيل التي “كانت حسنة الصورة وحسنة المنظر” سنجد نصوص كثيرة أخرى في الكتاب المقدس عن فتح الرحم.
إذا درست هذه النصوص مع مقارنتها ببعضها ستكتشف أي معنى ينطبق على النص ” زاغ الأشرار من الرحم” بينما كان الآخرون بافتتاح الرحم، مكرسين لرتبة الأبكار.
أبكار الله وأبكار السوء
قال الكتاب المقدس ” واللاويون سيكونون للرب لأن لي كل بكر يوم ضربت كل بكر في أرض مصر، قدست لي كل بكر“. نعلم المعنى التاريخي لهذا النص، نعرف كيف ضرب كل بكر في أرض مصر، عندما خرج الشعب الإسرائيلي من مصر، هذا هو معنى النص، أبكار إسرائيل لا يتكرسون سوى مرة واحدة عندما ضرب أبكار المصريين، سبب تقديسهم هو موت وإبادة المصريين، ونستنتج من ذلك بأنه يوجد أيضًا أبكار في مصر[4]، بمعنى عند الرياسات المضادة نوع من المختارين للخبث، أوائل من الأبالسة.
فإن لم يبددوا أبكار المصريين لكان من غير المستطاع إطلاقًا أن يتقدس أبكار الإسرائيليين، إذًا من هو الذي ضرب “ رياسة وسلاطين الأبالسة” (كو2: 15)، ألم يكن ربنا يسوع المسيح بكر كل خليقة الذي تسلط على الرياسات والسلاطين المضادين، بعدما ظفر عليهم على الصليب. لكن لكي يعطينا بركات الأبكار فقد صار أولاً بكرًا من الأموات لكي يكون الأول في كل شئ وأيضًا حتى يعتبرنا نحن الذين نؤمن بقيامته، كأبكار ويضعنا في رتبة الأبكار، إذًا يجب أن ننظر إلى البركات راسخين حتى النهاية، مؤيدين برحمة ربنا يسوع المسيح نفسه الذي له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين.
[1] أوريجينوس يميز نوعين من المعمودية، معمودية الماء ومعمودية الروح القدس. أنه يعتقد بأن الأولى غير مؤثره ولكن أوريجانوس يعتبرها كعلامة لنظام مرئي ويحمل حقيقة المعمودية بالروح. المكر يقوم أساسًا على الحصول على العلامة بدون الواقع الذي تشير إليه العلامة.
[2] التلميح هنا إلى العجل الذهبي.
[3] خيمة الأزلية، تعني السماء بحصر المعنى والخيمة هي رمزها، أوريجينوس يدعو السامعين إلى الدخول إلى السماء التي هي جزء هام من فكره الأسخاتولوجي وهي موضوع العلم عنده.
[4] مصر عند أوريجانوس هي بلاد الأبالسة.