Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

عزل البابا ديسقوروس وعلاقته بمجمع خلقيدونية ج3

عزل البابا ديسقوروس وعلاقته بمجمع خلقيدونية ج3

عزل البابا ديسقوروس وعلاقته بمجمع خلقيدونية

الجزء الأول: عزل البابا ديسقوروس وعلاقته بمجمع خلقيدونية ج1

الجزء الثاني: عزل البابا ديسقوروس وعلاقته بمجمع خلقيدونية ج2

(و) اجتماع خاص لعزل البابا ديسقوروس:

ولم يأتِ حكم ممثلي الإمبراطور بالصورة التي تساند موقف روما تجاه بابا الإسكندرية، ولذلك فلم تكن نتائج جلسة يوم 8 أكتوبر في خدمة مصلحة روما بالكامل، كما لم تسفر الجلسة الثانية يوم 10 أكتوبر[1] أيضاً عن نتائج أفضل، فعلى الرغم من مزاعم البابا ليو ومندوبيه بأنه بمجرد أن يُقرأ خطاب لبابا روما (في المجمع) فإن المجمع بأكمله ينبغي أن يقبله بدون نقاش،[2] فقد اعترض البعض في يوم 10 أكتوبر على ثلاث فقرات في الطومس، كما طلب أحد الحاضرين[3] بعض الوقت ليقارنه بالرسالة الثالثة لكيرلس إلى نسطوريوس وبالحروم الإثني عشر، والتي من وجهة نظر روما لا يمكن أن تكون ذات سلطة قانونية أعلى مما لطومس ليو.

وهكذا جاءت الجلسة الثانية يوم 10 أكتوبر على عكس ما أرادت روما، وأصبح على مندوبي الكرسي الغربي ومؤيديهم أن يسعوا لكي يتخلصوا من الخلل الذي ظهر بها، ولذلك انتهزوا فرصة توقف المجمع لمدة خمسة أيام ـ التي أعلنها ممثلو الإمبراطور[4] ـ وحاولوا أن يؤمِّنوا مسألة قبول طومس ليو مع كل الوفود المعترضة بما في ذلك البابا ديسقوروس،[5] ولكن جهودهم لم تأتِ بثمارها المرجوة مع الجميع.[6]

وكانت تلك هي الظروف التي تم فيها عقد الاجتماع الخاص لإقصاء بابا الإسكندرية من الكنيسة بواسطة مندوبي روما. ولم تُحترم فترة توقف الأيام الخمسة، وإنما تم الاجتماع يوم 13 أكتوبر برئاسة باسكاسينوس (Paschasinus). ولم يحضر هذا الاجتماع ممثلو الإمبراطور[7] ولا الأساقفة الستة الذين أُدينوا، كما أن الحاضرين كذلك كانوا قليلي العدد،[8] وقد عُقد ذلك الاجتماع في مزار (مارتيريون) القديسة أوفيمية.[9]

وعلى الرغم من أننا لا نملك دليلاً مسجلاً يخبرنا عن السبب وراء تغيب عدد كبير من الوفود الموجودة في خلقيدونية عن حضور هذا الاجتماع، إلاّ إنه يوجد في محاضر الجلسات ما يمكن أن يعطي تفسيراً مقبولاً لذلك.

ففي نهاية الجلسة الثانية يوم 10 أكتوبر، صاح الفريق الشرقي مع رجال الدين (الإكليروس) المناهضين لأوطيخا في القسطنطينية قائلين: “ليُنفى ديسقوروس؛ لقد تخلى الله عن ديسقوروس”، ولكن الفريق الآخر هتف قائلاً: “لقد أخطأنا جميعاً؛ ونطلب الرحمة لنا جميعاً، ديسقوروس مع المجمع، ديسقوروس مع الكنائس. ولا يكون أي شر حدث هو عليك (وحدك)”.[10]

ويتبين لنا من هذا أنه كان هناك فريقاً من الحاضرين في خلقيدونية غير موافق على خطة مندوبي روما، كما أنهم كانوا معارضين ـ كما فعلوا من قبل ـ لأي تعامل خاص موَّجه ضد البابا ديسقوروس، ولذلك ظلوا بعيداً عن الاجتماع الذي كان ينوي أن يقوم بذلك.

وعندما جلس الحاضرون يوم 13 أكتوبر، أعلن رئيس الشمامسة آتيوس (Aetius)، وكان رئيس موثقي المجمع، أن هناك دعوى مرفوعة من يوسابيوس ضد ديسقوروس وهو يطالب ببحثها. وهنا قال باسكاسينوس باللاتينية ـ وتُرجم إلى اليونانية ـ إنه ينبغي أن تُحترم رسالة بابا روما: ومن اعترض عليها يجب أن يُحضر في الوسط حتى ما يمكن أن نستجوبه؛ ولهذا السبب يتعين قبول دعوى يوسابيوس.[11]

وكانت النقطة الرئيسية التي حددها رئيس الوفد الروماني واضحة تماماً، فالبابا ديسقوروس قد رفض أن يؤيد طومس ليو، وبالتالي أصبح مستحقاً للوم. واحتاج هذا الأمر إلى محاكمة زائفة للرجل، كان يوسابيوس المجرد من المبادئ والضمير مستعداً فيها لأن يقدم مساعدته بلا أي تذمر. وعلى ذلك أعد يوسابيوس دعواه بالاتفاق مع مندوبي روما ضد خصمه، وكانت هذه الدعوى تتضمن على وجه الخصوص الاتهامات التي احتوتها دعواه الأولى.

ولم تكن السلطة الإمبراطورية ترغب في أن تتورط في تآمر من هذا النوع، ولذا بقي ممثلو الإمبراطور بعيدين عن هذا الأمر. والمسألة لم تكن هرطقة، ولا حتى مشادة، ولكن الحقيقة بضمير صافٍ هي أن البابا ديسقوروس لم يستطع أن يتكيف أو يتوافق مع الفكر اللاهوتي الذي تضمَّنه الطومس.

وبوجه عام كانت دعوى يوسابيوس[12] تحتوي على أربعة اتهامات:

أولاً، أن البابا ديسقوروس كان يتمسك بنفس النظرة التي للهرطوقي أوطيخا؛ ثانياً، أن البابا ديسقوروس حاول أن يفرض تعاليم أوطيخا الخاطئة على الكنيسة من خلال مجمع عام 449م وذلك باستخدام مجموعة من الغوغاء المتمردين الذين جلبهم معه إلى المجمع؛ ثالثاً، أنه قام بحرم صاحب الدعوى (يوسابيوس) وفلافيان مدعياً بشكل مسرحي أن هذا هو قرار المجمع من خلال التوقيعات التي جُمعت على أوراق بيضاء خالية من الكتابة قام هو بملئها لاحقاً؛ رابعاً، أن البابا ديسقوروس بكل هذه التصرفات قد تعدى على إيمان وقانون الكنيسة.

ولذلك انتهت الدعوى إلى ضرورة  اعتقال البابا ديسقوروس وحرم تعاليمه. وعند تقديم تلك الدعوى طلب يوسابيوس حضور المتهم لكي يرد على الاتهامات الموجهة إليه بنفسه.

وكانت هناك نقطة وحيدة إضافية في هذه الدعوى الجديدة لم تكن موجودة قبلاً في تلك التي قُدمت يوم 8 أكتوبر، ففي الدعوى الأولى قال يوسابيوس أن البابا ديسقوروس استخدم مجمع عام 449م لكي يفرض هرطقة أوطيخا على الكنيسة من خلال استخدام مجموعة من الغوغاء المتمردين وبواسطة إعطاء المال، ولكن في الدعوى الجديدة ذكر يوسابيوس قصة الأوراق البيضاء الخالية من الكتابة وكأنها قد تم إثباتها على المتهم.[13]

 

(ز) الإجراءات التي اتُخذت ضد البابا ديسقوروس:

واستدعى الاجتماع البابا ديسقوروس ليمثل أمامه ثلاث مرات. المرة الأولى قُدمت إليه بواسطة ثلاثة أساقفة يرافقهم شماس، والأساقفة كانوا كونستانتين (Constantine) أسقف بوسترا (Bostra) في العربية، وأكاكيوس (Acacius) أسقف أرياراثيا في أرمينيا (Ariarathia in Armenia) وأتيكوس (Atticus) أسقف زيلا في هيلينوبونتس (Zela in Helenopontus) أما الشماس فهو هيمريوس (Himerius).

وقام كونستانتين بنقل دعوة الاجتماع إلى البابا ديسقوروس الذي أجابه بأنه موضوع تحت الحجز القضائي، ولذلك فهو لا يستطيع أن يذهب معهم إلى الاجتماع[14] إلاّ إذا أُعطي تصريحاً من السلطات، وأثناء المناقشة ذكر أتيكوس أمام البابا ديسقوروس أن يوسابيوس قدَّم دعوى ضده ومن ثم فإن حضوره ضروري لكي يتعامل مع الأمر.

وهنا أدرك البابا ديسقوروس المسألة، ولذلك عندما رجع إليه المندوبون ومعهم تصريح السلطات بأخذه إلى الاجتماع، أخبرهم بأنه لن يأتي معهم إلاّ إذا كان ممثلو الإمبراطور سيحضرون ذلك الاجتماع.[15]

فعاد المندوبون وأعطوا تقريرهم إلى الاجتماع، فأرسل استدعاءً ثانياً إليه بواسطة لجنة مكونة من برجاميوس (Pergamius) أسقف أنطاكيا في بيسيدية (Antioch in Pisidia) وسِسروبيوس (Cecropius) أسقف سيباستوبوليس في كريميا (Sebastopolis in Crimea) وروفينوس (Rufinus) أسقف ســـــاموساتا في إفراتنسيا (Samosata in Euphratensia) ، وكان مع هؤلاء الأساقفة واحد من الموثقين وهو هيباتيوس (Hypatius).

ورد البابا ديسقوروس عليهم بأنه مريض ولا يستطيع الاستجابة لطلبهم. وعندما ضغطوا عليه سألهم إذا كان الرجال الذين أُدينوا معه سيحضرون أيضاً هذا الاجتماع، فأجابه المندوبون بأن يوسابيوس قد اتهمه هو وحده، ولذلك فليست هناك حاجة لوجود ممثلي الإمبراطور أو أي شخص آخر غير معني بهذا الأمر،[16] فأصر البابا ديسقوروس على أن القضية كانت واحدة وكلهم مشتركون فيها وبالتالي يتعين وجودهم أيضاً هناك.

وعندما عاد المندوبون إلى الاجتماع، كان هناك أربعة رجال من الإسكندرية معهم دعاوى ضد البطريرك.[17] وهؤلاء الأربعة هم القس أثناسيوس والشماس ثيؤدور والشماس إسخيريون وشخص رابع علماني هو صفرونيوس، وكانت شكواهم ضد ديسقوروس هي:

(1) أنه يسيء معاملتهم جميعاً بطرق مختلفة؛ (2) أنه يختلف مع ق. كيرلس في الفكر اللاهوتي وأمور أخرى؛ (3) أنه يعيش حياة فاسقة ومنغمسة في الملذات؛ (4) أنه يتحدى سلطة الإمبراطور؛ (5) أنه حرم ليو بابا روما؛ (6) أن هناك سخطاً واستياء كبيراً ضده في الإسكندرية. وبعد أن استلم المجمع من هؤلاء الرجال تعهداً بأنه في استطاعتهم إثبات ادعاءاتهم، أمر باسكاسينوس أن تُقرأ هذه الدعاوى التي كانت مرسلة إلى “ليو رئيس أساقفة وبابا روما العظيمة، وإلى المجمع المسكوني المقدس”.

ونحن لا يمكننا بأي حال أن نتحقق من مقدار الحقيقة في هذه الادعاءات التي تضمَّنتها تلك الدعاوى، كما أن التعهد الذي أخذه باسكاسينوس من الرجال لا يعني الكثير أيضاً. ولكن بالرغم من هذه التهم المؤذية وحتى بالرغم من عزله في مجمع خلقيدونية، فإننا نعرف أن البابا ديسقوروس كان محبوباً جداً ومبجلاً بشدة من قبل الغالبية العظمى من الشعب في مصر، وقد استمر الشعب في إخلاصه وولائه الثابت له طوال حياته، بل وظل يتذكره بعظيم التقدير حتى بعد نياحته، وقد أُحضرت رفاته إلى الإسكندرية ودُفنت بواسطة سلفه هناك.

فلو كان البابا ديسقوروس هو من ذلك النوع الذي صوره به متهموه، فيكون من الغريب حقاً أن يكون له مثل ذلك الإجلال العظيم في المجتمع المسيحي بمصر حتى بعد عزله وإهانته. وعلاوة على ذلك، فإن التقليد غير الخلقيدوني في الحقيقة يضع البابا ديسقوروس ضمن آباء الكنيسة المعترف بهم، ويعطيه بالأخص نفس التقدير الذي يعطيه التقليد الخلقيدوني لليو بابا روما.

ومن هنا فإذا أخذنا كل هذه الحقائق في الاعتبار، فنستطيع أن نقول أن الدعاوى التي قدمها رجال الإسكندرية ضد البابا ديسقوروس ينبغي أن تُعامل مثل الاتهامات التي وجهها الأريوسيون ضد أثناسيوس بابا الإسكندرية قبل مجمع صور عام 335م.

ومما يلفت الانتباه في تلك الدعاوى، الادعاءان اللذان يقولان بأن البابا ديسقوروس كان مخالفاً للقديس كيرلس في الفكر اللاهوتي، وبأنه قد حرم ليو بابا روما. فبالنسبة للادعاء الأول، لا يمكن أن يثبت بالبرهان أن البابا ديسقوروس كان مخالفاً للقديس كيرلس في الفكر اللاهوتي.

أما بالنسبة للادعاء الثاني، وهو أن البابا ديسقوروس قد حرم بابا روما، فليس من الممكن ـ ولا حتى من الضروري ـ أن نجادل بأن البابا ديسقوروس لم يفعل ذلك، لأن البابا ليو في الحقيقة كما ذكرنا كان قد حرم البابا ديسقوروس قبل ستة أشهر بالضبط من تقديم هذا الاتهام ضد البابا ديسقوروس،[18] فلو كان البابا ديسقوروس بالتالي قد قام بهذا الأمر فسيكون ذلك عملاً تبادلياً من جانبه.

وحتى إذا سلمنا بكل هذا (أي بأحقية البابا ديسقوروس في حرم البابا ليو)، فإنه ينبغي علينا أيضاً أن ننظر من جديد إلى الأدلة بطريقة متأنية لكي ما نرى مدى دقتنا في بحث الادعاء بأن البابا ديسقوروس قد حرم بابا روما. ورغم أن كل المؤرخين الخلقيدونيين تقريباً قد أخذوا هذه المسألة كحقيقة مسلمة،[19] فإن أدلتنا تشمل أربعة إشارات (لهذا الموضوع) في مجمع خلقيدونية وواحدة في خطاب ليو بابا روما بعد المجمع. أول هذه الإشارات جميعاً توجد في عبارة للشماس ثيؤدور في دعواه ضد البابا ديسقوروس (يوم 13 أكتوبر).[20]

وبعده مباشرة وفي نفس اليوم تأتي الإشارة الثانية من مندوبي روما الذين أكدوا حدوث ذلك الأمر في حكمهم ضد البابا ديسقوروس.[21] والإشارة الثالثة نجدها في كلمات أناتوليوس يوم 22 أكتوبر عندما قال أن السبب وراء إدانة البابا ديسقوروس لم يكن أمراً متعلقاً بالإيمان وإنما بسبب “أنه قد حرم السيد رئيس الأساقفة ليو” وأنه لم يذعن لاستدعاءات المجمع الثلاثة له.[22]

أما الإشارة الرابعة فنراها في ذكر هذا الادعاء في خطاب مجمع خلقيدونية إلى ليو بابا روما، حيث قيل فيه أن البابا ديسقوروس قد حرم واحداً يملك فقط في أعماق قلبه وحدة الكنائس.[23] والإشارة الأخيرة تظهر حينما شكا ليو في خطابه إلى ثيؤدوريت أسقف قورش أن ديسقوروس “لم يستثنِ (أحداً) من المضايقة الخاصة، حتى أنه حاول أن ينزل على رأسه (أي ليو) وقاحة غريبة لا تُصدق ولم يُسمع بها”.[24]

وقد جاء ذكر تلك القصة لأول مرة ـ كما ذكرنا ـ بواسطة الشماس ثيؤدور في يوم 13 أكتوبر، ثم صدرت كل الإشارات الأخرى بعد ذلك من تلك الرواية الأولى. ولكي نقيِّم (مدى صحة) الإدعاء الذي قدَّمه الشماس ثيؤدور عن هذا الموضوع، ينبغي علينا أن نتذكر حقيقة أنه في الجلسة الأولى للمجمع يوم 8 أكتوبر، كان هناك بحث طويل وممتد في التهم الموجهة ضد بابا الإسكندرية، ولكن من المدهش أن أحداً لم يذكر في تلك الجلسة مسألة حرم البابا ليو بواسطة البابا ديسقوروس.

وحتى عندما طالب ممثلو الإمبراطور من مندوبي روما أن يحددوا اتهامهم ضد البابا ديسقوروس لكي يبرروا طلبهم بأن يتم استبعاده من المجمع، لم يظهروا أية دراية بتلك الحادثة الهامة. وأليس غريباً كذلك أن أحداً من جيران البابا ديسقوروس الشرقيين ـ بما فيهم الأعداء اللدودين له، وقبل الكل ستيفن أسقف أفسس الذي كان لديه مجلدات من تقارير الاتهام ضد البابا ديسقوروس ـ لم يعبِّر عن معرفته بتلك القصة المزعوم حدوثها في مدينة ستيفن ذاتها، إلاّ بعد أن ذكرها ثيؤدور في دعواه؟.

ونعود إلى الاجتماع، حيث تمت قراءة دعاوى الأربعة رجال كما تم تسجيلها،[25] وهنا قرر الحاضرون أن يرسلوا استدعاءً ثالثاً إلى البابا ديسقوروس[26] ليردوا على النقاط التي أثارها (للمندوبين في الاستدعاء السابق) ويذكرون له حقيقة الدعاوى الجديدة. وكان المندوبون هذه المرة هم فراجيون (Phragkion) أسقف فيليبوبوليس (Philippopolis)،  ولوسيان (Lucian) أسقف بيزا (Byza) ويوحنا (John) أسقف جرمانيكيا (Germanicia in Cilicia[27] وكان يرافقهم الشماس بالاديوس (Palladius).

وقد رد البابا ديسقوروس على هؤلاء الرجال بأنه غير قادر أن يذهب معهم إلى الاجتماع، وعندما ضغطوا عليه على أساس أن الدعاوى المقدمة ضده ستكون سبباً في حدوث فضيحة في الكنيسة وأن من واجبه أن يمنعها، أجابهم البابا ديسقوروس بأن الكنيسة الجامعة كانت بلا أية شائبة، وأضاف أيضاً “لأني أعرف كيف وصل الحال إلى انتقائي والانفراد بي (بدون الباقين)”.[28] فحاولوا ثانية أن يقنعوه ولكنه قال: “ما قد قلته، قد قلته؛ وأنا لا أستطيع أن أفعل أي شيء آخر”.

 

(ح) البابا ديسقوروس يُعزل:

عندما استلم الاجتماع تقرير المندوبين بعد عودتهم، توصل إلى أن البابا ديسقوروس يستحق العزل. وابتداءً من الوفد الروماني، تحدث أغلب الأعضاء معبرين عن آراءهم الشخصية، وقد تضمَّن حديث ممثلي البابا ليو في هذه المناسبة النقاط التالية:[29]

(1) أن ديسقوروس منح الشركة لنصيره أوطيخا بعد عزله قانونياً وقبل تبرئته بواسطة مجمع عام 449م؛ (2) أنه بينما نال الأساقفة الآخرون ـ الذين اشتركوا في مجمع عام 449م ـ العفو من قبل الكرسي المقدس (الروماني) واستمروا في شركته، بقي ديسقوروس على عصيانه؛ (3) أنه لم يسمح بقراءة طومس ليو في مجمع عام 449م، وبالتالي انتشرت الفضيحة في الكنيسة؛ (4)  على الرغم من كل هذا، كان المجمع يريد أن يكون متسامحاً معه، ولكن ديسقوروس تجاوز حدود شره بحرمه لبابا روما؛ (5) أنه لم يطع إستدعاءات المجمع له للحضور.

وأكمل مندوبو روما كلامهم بأنه بناءً على هذه النقاط وكذلك على أساس ’جملة التعديات‘ التي ارتُكبت بواسطة ديسقوروس، فإن “ليو رئيس أساقفة روما الكلي الطوبى، قد جرده ـ بواسطتنا وبواسطة المجمع الحاضر ـ من كل كرامة الأسقفية، وفصله من كل وظيفة كهنوتية. وعلى ذلك يحكم هذا المجمع العظيم والمقدس بشروط القانون ضد المذكور آنفاً ديسقوروس”.[30]

وعقب حديث مندوبي روما، عبَّر أناتوليوس أسقف القسطنطينية[31] ومعه مئة وواحد وتسعين رجلاً عن آرائهم موافقين على عزل البطريرك السكندري.[32] وقد أعطى الاجتماع أيضاً حكمه التالي[33]:

من المجمع المسكوني العظيم والمقدس، الذي بنعمة الله وبأمر من ……. أباطرتنا، والمجتمِع في خلقيدونية ……. في مزار ……. إلى ديسقوروس.

بسبب ازدراء القوانين المقدسة، واحتقارك لهذا المجمع المسكوني المقدس، حتى أنك ـ وبالإضافة للتعديات الأخرى التي أُدنت بسببها ـ رفضت أن تستجيب لثلاثة استدعاءات من هذا المجمع العظيم والمقدس، والتي قُدمت لك وفقاً للقوانين الإلهية حتى ترد على التهم الموجهة إليك:

لتعلم إذن، إنك في اليوم الثالث عشر من الشهر الحالي أكتوبر بواسطة المجمع المسكوني والمقدس قد عُزلت من أسقفيتك، وجُردت من كل رتبة كنسية. وقد تم توصيل هذا الحكم إلى البابا ديسقوروس في  حبسه.

      وعندئذ كتب الاجتماع عدداً من الخطابات، واحداً إلى رجال الدين (الإكليروس) السكندريين في خلقيدونية، وآخراً إلى الإمبراطورين ماركيان وفالنتينيان، وخطاباً ثالثاً إلى الإمبراطورة بولخريا. كما أعطوا كذلك بياناً علنياً يخبر بأن البابا السكندري قد تم عزله. ولم يكن السبب الذي ذُكر في كل هذه المكاتبات ضد البابا ديسقوروس هو الهرطقة، وإنما التعدي على القوانين. واحتاج الحكم على البابا ديسقوروس بهذا الشكل ـ وبالرغم من أنه كان عمل جماعي ـ إلى التصديق عليه في جلسة المجمع الرسمية يوم 17 أكتوبر.

 

(ط) لماذا تم عزل البابا ديسقوروس؟

إن قصة عزل البابا ديسقوروس ليست واضحة تماماً فيما يتعلق بالسبب الذي يكمن وراء التعامل معه بهذا الشكل. والحقيقة أن البابا ديسقوروس كان قد لعب دوراً ثابتاً وغير متساهل في الجدال الخريستولوجي الذي دار في أيامه، ولذا فكل الأدلة المتوفرة عنه تتصل بتلك الخلفية، وبالتالي فإنها تُفسر على نحو ما بواسطة المنتقدين له، وعلى نحو آخر بواسطة المعجبين به.[34]

وهدفنا هنا ليس هو الدخول في هذه المسألة، ولكننا نريد أن نرى ماذا يمكن أن يكون السبب الذي دفع روما لأن تكون بهذه الصورة العدائية العنيفة تجاهه، والذي جعل كذلك السلطة الإمبراطورية في القسطنطينية تترك روما لتهين الجالس على كرسي الإسكندرية بهذا الشكل المخزي.

ومن المتعين أن يكون التقييم الرسمي للبابا ديسقوروس في التقليد المحفوظ عند كلا القوتين (روما والقسطنطينية)، متوافقاً مع حكم المجمع الذي قام بعزله. ويمكننا أن نضيف إلى ذلك أيضاً ـ كمصدر ثانوي ـ العبارات التي قيلت والخطابات التي كُتبت في ذلك الوقت لتبرير قرار العزل.

لقد ذكر الحُكم الذي أصدره الاجتماع خطأين ضد البابا ديسقوروس. الخطأ الأول هو ” ازدراء القوانين المقدسة” و “احتقار المجمع”، ومن الواضح أن الأساس وراء هذه التهم هو رفض البابا ديسقوروس لإطاعة الإستدعاءات الثلاثة التي أُرسلت إليه.

وكان البابا ديسقوروس قد ذكر نقطة هامة ومؤثرة عند قيامه بهذا التصرف، فبما أن يوسابيوس الذي كان قد قدَّم دعوى ضده في جلسة المجمع الأولى (8 أكتوبر) قد قام مرة أخرى بتقديم دعوى ثانية، فإن هذه الأخيرة لابد وأن تحوي نفس النقاط الموجودة في الدعوى الأولى، وقد تم فحص هذه النقاط جميعها ـ بالرغم من عدم مناقشة أساس الموضوع ـ وأعطى ممثلو الإمبراطور حكمهم الذي يقضي بمسئولية ستة رجال من بينهم ديسقوروس عن هذه النقاط، فإذا كانت هناك الآن دعوى جديدة تحتوي على نفس التهم ومقدمة من نفس الشخص، فلابد وأن تكون مقدمة لكي تزيح جانباً القرار الأول، والذي كان هو نفسه محل تساؤل، فلذلك طلب ديسقوروس أثناء فحص دعوى يوسابيوس أن يكون ممثلو الإمبراطور والرجال الخمسة الذين أُدينوا معه حاضرين أيضاً.

وهنا نتساءل: أليس من العسير تبرير هذا الموقف من خلال أي شكل من أشكال العدالة القديمة أو الحديثة؟. كما ينبغي أن نضيف أيضاً من جانبنا، أن الاجتماع الذي أرسل إلى البابا ديسقوروس الإستدعاءات باسم ’المجمع المسكوني المقدس‘، كان فقط أقل من نصف عدد الوفود الموجودة في خلقيدونية.

وهكذا يتضح من كل هذه الحقائق أن الخطأ الأول الذي ذكره الاجتماع في حكمه ضد البابا ديسقوروس ليست له حجة على الإطلاق، والحقيقة أن اللوم هنا لا يقع على البابا ديسقوروس وإنما يقع بالفعل على الاجتماع نفسه. أما الخطأ الثاني الذي جاء في حُكم العزل فكان “التعديات الأخرى الذي أُدنت بسببها” ولكن بدون ذكر لأي من هذه التعديات. والغريب حقاً أن اجتماعاً من الأساقفة لا يذكر بوضوح واحداً على الأقل من هذه التعديات.

ألا يعني هذا ـ وبالرغم من أن الجانب الخلقيدوني حاول بعد انفضاض المجمع أن يؤكد أن هناك تهمةً قد أُثبتت ضد ديسقوروس ـ أن الاجتماع الذي اتخذ القرار لم يكن بالفعل على يقين تام من كلامه؟ وعلى أية حال، فإن الحقيقة التي ينبغي التسليم بها، أن الاجتماع الذي أخذ من التقليد الالتزام القانوني بإرسال ثلاثة إستدعاءات للمتهم، لم يأخذ أيضاً من التقليد الأمر الذي على نفس الأهمية وهو ضرورة إثبات تهمة محددة ضد الرجل الذي يُحكم عليه بالإدانة.

ولم يكن البابا ديسقوروس هو الرجل الأول في التاريخ الذي يُحكم عليه غيابياً (in absentia)، فهناك على الأقل بولس السموساطي ونسطوريوس اللذين تم عزلهما بنفس الطريقة، ولكن في حالة كل منهما أخذ المجمع المختص أدلته من كتابات الرجل وأثبت تهمة محددة ضده، وحتى مجمع عام 449م قام بشرح التهمة ضد كل من الرجال الذين أدانهم.

وهذه هي العدالة التي أنكرها الاجتماع على البابا السكندري بواسطة مندوبي روما، وقد تم هذا في وقت كانت فيه مكانة الكرسي السكندري في الكنيسة لا تقل عن تلك التي لروما نفسها.

والحقيقة بالتالي أن كلا الخطأين اللذين ذكرهما الاجتماع في حكمه ضد البابا ديسقوروس لا يمكن التعويل أو الاستناد عليهما، لأنهما كانا في الواقع مجرد إتهامين مبهمين، أظهرا فقط أن مندوبي روما ـ وهم يتمتعون بالتأييد السياسي ـ قد نجحوا في حشد المعارضين الشرقيين للبطريرك السكندري، وارتكبوا كلهم معاً هذه الجريمة الشنعاء.

ولازلنا حتى الآن لم نجب عن السؤال الخاص بالسبب وراء عزل البابا ديسقوروس، ولذلك سنقوم بالنظر في مصادر المعلومات الأخرى. ومن الملاحظ أن التهم الموجودة ضد البابا يسقوروس في تلك المصادر، تشير إما إلى مجمع عام 449م أو إلى أفعاله الشخصية الخاصة.

والتهم التي تتعلق بمجمع عام 449م هي: العنف وسوء التصرف، عدم الطاعة والهرطقة، عدم السماح بقراءة طومس ليو، وإدانة فلافيان وآخرين وتبرئة أوطيخا.[35]

وإذا تذكرنا حقيقة أن مجمع عام 449م كان قد توصل إلى قراراته في ضوء موقفه اللاهوتي الذي يرى أن قانون إيمان نيقية حسبما فسره وأكده مجمع أفسس عام 431م ـ بما في ذلك التفسير السكندري لصيغة إعادة الوحدة ـ هو المقياس المعياري الصحيح (للأرثوذكسية)، فسندرك أن الأساس الذي بُنيت عليه هذه الادعاءات والتهم هو قراءة من جانب واحد للأحداث، وبالتالي لا يمكن التعويل عليه.

أما التهم الشخصية المحضة ضد البابا ديسقوروس فكانت ثلاثة تهم رئيسية:[36] (1) أنه سمح لأوطيخا بالشركة حتى قبل مجمع عام 449م؛ (2) أنه حرم ليو بابا روما؛ (3) أنه لم يذعن لإستدعاءات المجمع المسكوني الثلاثة. وكانت التهمتان الأخيرتان قد ذُكرتا قبلاً، أما الادعاء بأن البابا ديسقوروس قد سمح لأوطيخا بالشركة قبل تبرئته في مجمع عام 449م، فقد ذُكر فقط في حكم مندوبي روما على البابا ديسقوروس، ونحن لدينا ثلاثة تعليقات على هذا الادعاء:

(1) ماذا يعني مندوبو روما بالتحديد في هذا الادعاء؟ لأن كلمة الشركة مثلاً يمكن أن تعني إما الشركة الإفخارستية، أو الصداقة والمساندة؛ (2) ومن الحقيقي أن البابا ديسقوروس والرجال القادة في مجمع عام 449م قد ساندوا أوطيخا حتى قبل تبرئته رسمياً، أما إذا كان مندوبو روما يقصدون أن يؤكدوا أن البابا ديسقوروس قد منح أوطيخا الشركة بمعنى الاشتراك الإفخارستي،[37] فالسؤال هو عن مصدر معلوماتهم تلك والذي يتعين التحقق منه في ضوء حقيقة أن لا أحد من جيران البابا ديسقوروس الشرقيين ولا حتى الأربعة الرجال الذين من الإسكندرية، قد ذكر هذه الحادثة.

(3) إذا كان البابا ديسقوروس قد سمح بالحقيقة لأوطيخا بالشركة، فإنه يكون بالفعل مذنباً بكسره قانون الكنيسة، ولكن أيضاً ليو بابا روما يقع عليه نفس اللوم بصورة مساوية تماماً للبابا ديسقوروس، لأنه من الثابت والمسجل أن ليو قد أعاد ثيؤدوريت أسقف قورش الذي حرمه مجمع عام 449م إلى رتبة الأسقفية حتى قبل قبوله ثانية في شركة الكنيسة بواسطة مجمع خلقيدونية عام 451م،[38] ولكن يوجد فرق واحد بين البابا ديسقوروس والبابا ليو في هذا الأمر، فبينما تبرئة البابا ليو لثيؤدوريت هي حقيقة ثابتة لا تقبل النقاش، تظل مسألة سماح البابا ديسقوروس لأوطيخا بالشركة مجرد زعم وادعاء ضده.

وهكذا نرى أنه بالنسبة حتى لتلك التهم الشخصية ضد البابا ديسقوروس، فيظل من غير الممكن الاعتماد أو التعويل عليها.

وأمام هذه الحقيقة، يعتبر تقييم البابا ديسقوروس بواسطة أناتوليوس ـ والذي كان قد رشحه البابا ديسقوروس لكرسي القسطنطينية خلفاً لفلافيان ـ جدير بالملاحظة. وكان أناتوليوس قد أشار إلى مسألة إدانة البابا ديسقوروس في ثلاثة مناسبات: أولاً في يوم 13 أكتوبر،فبعد تأييده لمندوبي روما علق بأنه ينبغي معاقبة البابا ديسقوروس لأنه ازدرى بالاجتماع؛[39] ثانياً في يوم 22 أكتوبر حيث أعلن أناتوليوس أن البابا ديسقوروس لم يُحرم بسبب أي معتقد غير صحيح لديه، ولكن بسبب أنه حرم ليو بابا روما ولم يطع استدعاءات المجمع؛[40] ثالثاً ذكر أناتوليوس في خطابه إلى ليو  بابا روما بعد مجمع خلقيدونية، أن البابا ديسقوروس قد أُدين من أجل سلام الكنيسة.

وهذه الجملة الأخيرة لأناتوليوس هي في غاية الأهمية، لأنها تُظهر كيف وافق بطريرك القسطنطينية ـ ومن الممكن أن يكون هناك رجال آخرون مثله ـ على إدانة البابا ديسقوروس، الذي يعتبره لا هرطوقي ولا شخص مدان شرعياً بأية تهمة أخرى. وقد يكونوا قد فعلوا ذلك إزاء سياسة إمبراطورية لتوحيد الكنيسة، والسلام في الكنيسة في ذلك الوقت كان مرتبطاً تماماً بقبول طومس ليو، وقد قبل الشرقيون ـ أصحاب المنهج السكندري في التفكير ـ هذا الطومس، بالرغم من تحفظاتهم الشديدة عليه، وكان هذا بالتأكيد هو ما فعله أناتوليوس نفسه بعد اعتلاء بولخريا وماركيان السلطة مباشرة.

أما البابا ديسقوروس فلم يُعطى على الإطلاق أي فرصة لكي يرى هل يمكنه أن يستوعب هذا الطومس بهذه الطريقة أم لا، وكان هذا سببه شيء واحد وهو أن ليو اعتبره عدواً من البداية، وبدون حتى المحاولة لأن يعرف وجهة نظره. وعلى سبيل المثال، أرسل ليو نسخاً من هذا الطومس إلى أشخاص متنوعين في الشرق، ولكنه لم يهتم على الإطلاق بأن يبعث بواحدة أيضاً إلى البطريرك السكندري.[41]

كما أنه في نفس السياق، قام بحرم البابا ديسقوروس قبل مجمع خلقيدونية بستة أشهر على الأقل، وهذا يبين أن البابا ديسقوروس كان عادلاً مع البابا ليو أكثر مما كان البابا ليو معه، لأنه قد زُعم أن البطريرك السكندري قد حرم بابا روما قبل مجمع خلقيدونية بأقل من شهر فقط. ومن هنا ينبغي علينا أن نضع هذا الموقف ومثله من المواقف الأخرى في الاعتبار، عند التعامل مع مسألة البابا ديسقوروس.

وفي الواقع كان هناك سبباً واحداً لكراهية وعداوة روما للبابا السكندري، وهو بالتحديد أنه رفض أن يوقع على طومس ليو حتى النهاية. وفي الوقت الذي استطاعت فيه روما أن تُملي إرادتها على السلطة الإمبراطورية في القسطنطينية، انتهزت الفرصة لتسحق الشخص المعارض لها من خلال مجمع خلقيدونية.

وبالوصول إلى هذه النهاية يكون البابا ليو وممثلوه في المجمع، قد ارتكبوا بالفعل تقريباً كل الذنوب التي ادعى مجمع خلقيدونية والمؤرخون الخلقيدونيون أن البابا ديسقوروس كان قد اقترفها.

 

[1] يشير كيلي (J.N.D Kelly) إلى جلسة يوم 10 أكتوبر باعتبارها الجلسة “الثالثة للمجمع”. انظر: (Early Christian Creeds, Longman, 1950, p. 296). وهو يعلق بأن مانسي (Mansi) قد اعتبرها الجلسة الثانية ولكن شفارتز قد أعاد الترتيب إلى وضعه. (المرجع السابق صفحة 297 رقم 1). ويصف هونيجمان أيضاً اجتماع يوم 13 أكتوبر بأنه “الجلسة الثانية للمجمع”.

ولكن يبدو أن أي من هؤلاء الرجال لم يسأل نفسه كيف يمكن أن تكون جلسة يوم 13 أكتوبر هي الثانية وجلسة يوم 10 أكتوبر هي الثالثة. وقد فعلوا ذلك بسبب أن شفارتز قد وضع فى طبعته وقائع جلسة يوم 13 أكتوبر قبل وقائع جلسة يوم 10 أكتوبر، وذلك على أساس أن المجمع قد صدق على وقائع جلسة يوم 13 أكتوبر قبل تصديقه على وقائع جلسة يوم 10 أكتوبر.

فإذا كان شفارتز محقاً بالفعل في توضيحه لموضوع تصديق المجمع، فينبغي أن يكون هناك سبب جعل المجمع يفعل هكذا. وقد يكون ذلك بسبب انهم شعروا أنه يجب عليهم أن يحموا روما من الحرج في وجود هزيمتين متتاليتين، الأولى متمثلة في حكم ممثلو الإمبراطور يوم 8 أكتوبر والثانية حينما أرادت وفود إيليريكم وفلسطين فحص مدى صحة طومس ليو من الناحية اللاهوتية يوم 10 أكتوبر.

وعلى أية حال فإن رأي كل من كيلي وهونيجمان بأن جلسة يوم 13 أكتوبر هي الجلسة الثانية للمجمع لا يمكن التسليم به. والواقع أن اجتماع يوم 13 أكتوبر لا يستحق حتى أن نحسبه جلسة من جلسات مجمع خلقيدونية.

[2] حينما رأى ممثلو الإمبراطور أنه لن يكون هناك قبول بالإجماع وبدون فحص لطومس ليو، أمروا يوم 10 أكتوبر أن يتم إرجاء الاجتماعات لمدة خمسة أيام لكي يتمكن الذين لديهم شكوك حول الطومس من مقابلة أناتوليوس أسقف القسطنطينية واستيضاح ما يرتابون فيه، حتى يمكن التوصل إلى الإجماع بحلول موعد الجلسة القادمة. انظر: (ACO, II, i. p. 279: 31)

[3] كان هذا هو أتيكوس أسقف نيكوبوليس وهي مدينة فى إيليريكم.

[4] حينما رأى ممثلو الإمبراطور أنه لن يكون هناك قبول بالإجماع وبدون فحص لطومس ليو، أمروا يوم 10 أكتوبر أن يتم إرجاء الاجتماعات لمدة خمسة أيام لكي يتمكن الذين لديهم شكوك حول الطومس من مقابلة أناتوليوس أسقف القسطنطينية واستيضاح ما يرتابون فيه، حتى يمكن التوصل إلى الإجماع بحلول موعد الجلسة القادمة. انظر: (ACO, II, i. p. 279: 31)

[5] انظر صفحة .

[6] لدينا أدلة على أن البابا ديسقورس، والأساقفة المصريين لم يوقعوا على طومس ليو. فمن الواضح من الكلمة الافتتاحية التى ألقاها باسكاسينوس فى اجتماع يوم 13 أكتوبر، أن السبب فى عداء روما للبابا ديسقورس هو معارضته للطومس، كما يتضح من الكلمات التي قالها البابا ديسقوروس يوم 13 أكتوبر: “لأني أعرف كيف تم انتقائي والإنفراد بي” أنه يعبر عن تلك الحقيقة. (انظر صفحة ). لأنه من وجهة نظر روما، لا يعتبر رفض قبول الطومس هو فقط ابتعاد عن الأرثوذكسية، ولكنه أيضاً رفض للسلطة البابوية (على الكنيسة) والتي كانت لها دلالة خاصة بالنسبة لبطريرك الإسكندرية. (انظر صفحة ).

[7] أعلن ممثلو الإمبراطور فى يوم 17 أكتوبر أنه ليس لديهم علم بموضوع عزل البابا ديسقورس، وأن المندوبين الذين ارتكبوا مثل هذا الفعل، هم وحدهم المسئولون عنه أمام الله. (انظر صفحة ).

[8] تحتوي القائمة المذكورة في (ACO, II, i. pp. 199-204: 1-2) على 204 اسماً شاركوا في ذلك الاجتماع. ويشير سيلرز إلى الاجتماع الذي تم فيه عزل البابا ديسقورس في كتابه (The Council of Chalcedon, op. cit., pp. 111-113)، ولكنه لا يذكر في معالجته لهذا الموضوع حقيقة أن ذلك الاجتماع قد عُقد قبل الموعد الذي أعلنه ممثلو الإمبراطور بيومين وأن عدد الذين حضروه كان قليلاً. ولكن هفلي كان من المؤرخين الأوائل الذين ذكروا هاتين الملاحظتين ولكنه حاول أن يقدم لهما تفسيرات تخيلية تماماً. انظر

(History of the Councils of the Church, Eng. tr ., Edinburgh, 1895 , Vol. III, p. 320)

أما كيد (B. J. Kidd) فقد استبق سيلرز في إهمال الحقائق التي أسقطها سيلرز بعد ذلك. وهناك مقالة للمؤلف توماس (Thomas Owen Martin)، يذكر فيها أن الحاضرين في الجلسة التي تم فيها تمرير ما يُسمى بالقانون الثامن والعشرين (الخاص بالقسطنطينية) يبدو أنهم لم يقدروا حقيقة أنه تم إزالة مكانة الكرسي الثاني في العالم المسيحي (الإسكندرية) بواسطة اجتماع يضم أقل من نصف عدد المندوبين المشاركين في مجمع خلقيدونية. انظر:

(A Histrory of the Church to 461, Oxford, 1922, vol. III, p. 320 Des Konzil von Chalkedon

[9] ACO. II, i. pp. 199: 2.

كانت الجلسات العادية للمجمع قد عُقدت بكنيسة الشهيدة القديسة أوفيمية. انظر:

(Mansi: VI 564, 937; VII 97,117, 18 , 185, 193,  204, 272, 293, 301, 313, 424)

وهناك جلسة واحدة لم يتم تحديد مكان انعقادها في محاضر الجلسات (Mansi VII 357). ويذكر ألفونس شنيدر (Alfons M. Schneider) أن ’المارتيريون‘ هو مصلى صغير ملحق بكنيسة القديسة أوفيمية.

[10] ACO. II, i, pp. 279: 34-35.

كان الفريق المناصر للبابا ديسقوروس قد دافع عنه بنفس الطريقة أيضاً في ختام الجلسة الأولى للمجمع (انظر صفحة ). ويتمسك شفارتز في كتابه (Uber die Bischopslisten) بالرأي القائل بأن الكراهية الشديدة لديسقوروس والتي نشأت بسبب أسلوبه العنيف في مجمع عام 449م، هي التي جعلت الأساقفة فى خلقيدونية يقررون أن يتخذوا موقفاً خاصاً ضده.

والحقيقة أن الوثائق لا تشير إلى ما يؤيد ذلك الرأي على الإطلاق. ولكن على العكس من ذلك لدينا من الأدلة ما يؤكد أنه كان هناك فريق ضد البابا ديسقوروس يقوده مندوبو روما، كما كان هناك أيضاً كيان مساوي من الوفود التي تقدره بشكل كبير.

[11] للاطلاع على ما قاله باسكاسينوس انظر: (ACO, II, i, p. 204: 4)

[12] للاطلاع على دعوى يوسابيوس انظر (المرجع السابق صفحة 204-205: 5). وحيث أن المجمع قد قبل في جلسته يوم 8 أكتوبر قرار ممثلي الإمبراطور وتم إيداع البابا ديسقوروس في الحجز، فلابد أن يكون الغرض من هذا الاجتماع هو إذلاله.

[13] انظر مناقشتنا لتلك النقطة في صفحة .

[14] المرجع السابق صفحة 206-207: 14-19.

[15] المرجع السابق صفحة 207: 20-22.

[16] المرجع السابق صفحة 210: 36. قال سِسروبيوس: “إن كل الأمور قد تمت بطريقة قانونية، فحيث أن الإتهام موجه لك شخصياً، فلا ممثلو الإمبراطور ولا أي شخص علماني آخر ينبغي أن يكون حاضراً غير قداستك وحدك كأمر عائلي”. والحقيقة أن ممثلي الإمبراطور كانوا هم الرؤساء الحكوميون لكل جلسة من جلسات المجمع.

[17] للاطلاع على هذه الدعاوي انظر المرجع السابق صفحة 211: 221.

[18] انظر صفحة .

[19] يؤمن كل من المؤرخين هيفلي وكيد ودوشيسين بصدق هذه الواقعة. وانتشرت هذه الرؤية على يد باحثين معاصرين أمثال شفارتز وهونيجمان وجالاند وسيلرز. ويعرض شفارتز في كتابه (Uber die…) متى وكيف يمكن أن يكون البابا ديسقوروس قد فعل ذلك، ولكن معاجته لا تخرج عن كونها تصور تخيلي مأخوذ من دعوى ثيؤدور التي تحتاج إلى برهان.

[20] قال ثيؤدور في دعواه: “أما فيما يتعلق بمسألة الكلي الورع والقداسة أسقف الكرسي الرسولي لروما العظمى، فقد أتى (البابا ديسقوروس) من مصر في صحبة حوالي عشرة أساقفة (حيث لم يرغب عدد أكثر من هذا أن يأتي معه، لأنه كان قد خطط أن يرتكب هذا الفعل وهو يمر عبر أفسس) قاصداً أن يحتال عليهم للتوقيع على هذا التهديد، إذ لم تكن لديهم الرغبة في أن يفعلوا هذا. ومع ذلك وقَّعوا بلا مبالاة على تلك الورقة غير القانونية بالبكاء والأنين”.

انظر: (ACO, II, i, p. 212: 47). ومن الجدير بالذكر أن عدد الأساقفة المصريين الذين حضروا في خلقيدونية كانوا ثلاثة عشر أسقفاً على الأقل، ولذلك فإن عدد عشرة الذي ذكره ثيؤدور كان خطأ. انظر صفحة .

[21] للرجوع إلى تعليقات موجزة على حكم مندوبي روما، انظر صفحة . وقد قيل حول مسألة حرم البابا ليو بواسطة البابا ديسقوروس: “إنه قد تجرأ على إعلان الحرم ضد الكلي القداسة والورع رئيس اساقفة روما العظمى”.

[22] ACO. II, i, p. 320: 14.

قال أناتوليوس: “ولم يكن عزل البابا ديسقورس بسبب أي أمر يتصل بالإيمان، لكن لأنه حرم السيد رئيس الأساقفة ليو، ولأنه لم يستجب لاستدعاءات المجمع الثلاثة. ولهذا السبب تم عزله”.

[23] للاطلاع على هذا الخطاب انظر المرجع السابق صفحة 476. وقد جاء فيه: “وإلى جانب كل هذه الأمور، فقد امتد جنونه (المقصود هنا البابا ديسقوروس) إلى أن طال حتى ذاك الذي عُهد  إليه برعاية كرمة المخلص، ونعني بالطبع قداستكم، وخطط لحرم من انشغل فؤاده بتوحيد الكنيسة”.

[24] للاطلاع على الترجمة الإنجليزية للخطاب انظر: (N&PNF, sec. ser. vol. XII p. 72). وقد أشرنا إلى هذا في صفحة 70 المرجع رقم 111.

[25] كان كيد (Kidd) مع الرأي القائل بأن الاجتماع لم يسجل ملاحظة بهذه الدعاوي انظر:

(History of the Church, op. cit., vol. III, p. 320)

ولكن الحقيقة هي أن هذه الدعاوي قد قُرأت كلها وسُجلت، وأنه طُلب من المتهم في الاستدعاء الثالث أن يرد على التهم الواردة فيها. انظر (ACO. II, i, p. 221: 70). والأكثر من هذا أن قصة حرم البابا ليو بواسطة البابا ديسقوروس قد خرجت من دعوى ثيؤدور.

[26] للاطلاع على هذه الاستدعاءات انظر (ACO. II, i, pp. 221-223).

[27] كان يوحنا أسقف جرمانيكيا مناصراً لنسطوريوس، وقد طالبه مجمع خلقيدونية فى مناسبة لاحقة بإدانة نسطوريوس بالتحديد حتى لا يتم عزله. وقد لعب يوحنا بالفعل دوراً هاماً في ذلك المجمع.

[28] انظر صفحة 129 المرجع رقم 64. وتشير هذه الكلمات إلى أن البابا ديسقوروس لم يكن يكترث بأي قرار كان الاجتماع مزمع أن يتخذه ضده.   

[29] للاطلاع على حديث مندوبي روما انظر (ACO. II, i, pp. 224-25: 94). والحقيقة أن كل نقطة من النقاط التي ذُكرت تعتمد على قراءة مغلوطة للحقائق. وكان يوسابيوس أسقف دوريليم قد أكد في دعواه الثانية أن البابا ديسقورس كان ’مناصراً‘ لأوطيخا، وهذا هو ما كرره مندوبو روما في حديثهم هنا بدون أي برهان على صدق ما يدَّعوه.

ونقطة أخرى نذكرها هنا، فمن الثابت أن ليو كان قد طالب بحذف على الأقل كل من جوفينال أسقف أورشليم وإفستاثيوس أسقف بريتوس مع البابا ديسقوروس من الذبتيخا يوم 13 أبريل عام 451م، ولذلك فهما لم يكونا في معية روما حتى وقت انعقاد مجمع خلقيدونية.

[30] كانت كلمات مندوبي روما واضحة جداً، فالبابا ديسقوروس قد عُزل ليس بواسطة مجمع الأساقفة، ولكن بواسطة بابا روما، والمجمع قام فقط بالتصديق على القرار الذي قد أُعطي له من قبل رئيس الكنيسة الجامعة. ولم يعلق أحد داخل المجمع على هذه الادعاءات بعيدة الأثر.

[31] للاطلاع على عبارة أناتوليوس انظر (ACO. II, i, p. 225: 95). وقد اتفق مع رأي مندوبي روما حيث قال، إنه أيضاً صدق على تمرير الحكم. وقد حدد التهمة بأن البابا ديسقوروس لم يلبِ دعوة المجمع.

[32] للاطلاع على آراء الوفود الأخرى، انظر: المرجع السابق صفحة 225-230: 96.

[33] للاطلاع على حكم المجمع انظر: المرجع السابق صفحة 237-238: 99.

[34] لم تُؤخذ هذه الحقيقة بالجدية الكافية من قبل الباحثين المؤيدين لخلقيدونية.

[35] كتب فرند أن البابا “ديسقوروس كان واحداً من الأشرار العظام في التاريخ الكنسي، ولكن هذا لم يكن هو ما ظهر به أمام معاصريه في وقت رسامته، أو حتى أمام المؤرخين اللاحقين”. (Frend, op. cit., p. 28). وقد يكون الجزء الأول من العبارة صحيح بالنسبة للتقليد المؤيد لخلقيدونية وهو ما تم التشكيك فيه من قبل التقليد غير الخلقيدوني. وأضاف فرند أن “طبيعة ديسقوروس الانتقامية وطموحه المستبد وعدم تردده قد ورَّطه في خطأ خطير”.

(المرجع السابق صفحة 28). ويعد هذا الرأي أيضاً هو نتيجة لقراءة أحادية الجانب للحقائق. أما زكريا الخطيب (من القرن السادس) فيصف البابا ديسقوروس بأنه “رجل مسالم ومتحمس، ولكن كان يعوزه استعداد كيرلس وثقته بنفسه”. (CSCO. vol. 83, Louvain, 1953 – Syriac – p. 147)

[36] كان خطاب مجمع خلقيدونية إلى ليو بابا روما قد ذكر عدة أمور ضد البابا ديسقوروس تتعلق بمجمع عام 449م: (1) أنه عزل فلافيان ويوسابيوس وغيرهم من الأساقفة الأرثوذكس؛ (2) أنه أعلن تبرئة أوطيخا من خلال الأصوات التي إغتصبها بالإرهاب؛ (3) أنه تمادى فى جنونه وحرم ليو بابا روما؛ (4) أنه رفض قبول طومس ليو، وبذلك يكون مقاوماً ’لكل عقائد الحق‘؛ (5) أنه ظل غير نادم (على أفعاله) حتى النهاية.

للإطلاع على الخطاب انظر: (ACO. II, i, pp. 475-477: 21) وللإطلاع على الترجمة الإنجليزية للخطاب انظر: (N&PNF, sec. ser. vol. XII))

وكان ليو قد أشار في عدد من خطاباته إلى تهم البابا ديسقوروس وهي: (1) أنه قد هيمن على مجمع 449م، وفرض عليه قراراته العشوائية حيث أدان فلافيان ويوسابيوس وثيؤدوريت وآخرين، . وأعاد إعتبار أوطيخا رأس الهراطقة؛ (2) أنه بسيطرته على المجمع بأسلوب طاغٍ ومستبد، لم يسمح بقرءاة  الطومس الذى يحتوي على الإيمان الرسولى فى نقاوته الأصلية، وبالتالي أدخل في الكنيسة كثيراً من الارتباك؛ (3) أنه في شره لم يستثنِ حتى البابا نفسه، بل تجرأ على حرم “رأسه” الخاص.

وعلى مستوى الفكر اللاهوتي كان يتمسك بنفس موقف أوطيخا. (انظر خطابات ليو إلى الإمبراطور ثيؤدوسيوس الثاني، وثيؤدوريت أسقف قورش، وإلى الإمبراطورة إفدوكسيا، وإلى رهبان فلسطين:  (N&PNF, sec. ser. vol. XII)). وهذه التهم هي في الواقع تحريفات للحقائق اليقينية لا يمكن تصورها.

[37] كان أغلب مؤرخي المجمع الذين تبنوا الموقف المؤيد لخلقيدونية قد أخذوا كلمة ’شركة‘ هنا بمعنى الشركة الإفخارستية، ولكن لم يظهر أي منهم وعيه بالمشكلة التي تثرها.

[38] فى التقليد الراسخ للكنيسة أنذاك، هناك أساس وحيد يمكن لبابا روما أن يبني عليه إدعائه بتفوق مركزه في تلك الأمور على بطريرك الإسكندرية، وهذا الأساس يوجد في قوانين سرديكا. ولكنهم في الحقيقة كانوا قد فوضوا أسقف روما لكي يجري فقط تحقيقاً في حالة الأسقف الذي لديه تظلم ضد قرار مجمع. انظر القوانين في:

 (J. Stevenson , Creeds , Councils and Controversies , S.P.C.K ., 1966 , pp. 18-22)

والحقيقة أنه لا يمكن تبرير تصرف البابا ليو في مسألة ثيؤدوريت إلا فقط في ضوء المزاعم الباباوية التى تعني أن البابا قد انتهز فرصة الجدال الخريسولوجى لكى يؤكد مزاعم (سلطة) كرسيه على الكنيسة.

[39] انظر صفحة .

[40] انظر صفحة وصفحة .

[41] لقد أشار البعض مثل جريلماير إلى حقيقة وجود قصور في التواصل بين روما والإسكندرية. وكان يتمسك ومعه شارلز موللر بأن روما علمت بأمر حروم ق. كيرلس في عام 519م. انظر:

(essay on ‘Le Chalcedonisme et le neochalcedonisme en orient de 451 a la fin du VI siecle’ in Das Konziel von Chalkedon, op, cit., vol. I , p. 645)

وهذا في الحقيقة ما يدعو إلى الارتباك، فالقول بأن روما قد أخذت المبادرة لسحق البطريرك السكندري دون أن تكون مدركة للموقف اللاهوتي للتقليد السكندري، هو أمر لا يمكن تصديقه.

والواقع أن بابا روما قد زعم أنه شاهد على فكر المسيح الذي ورثه بطرس الرسول، ولكننا لم نجد مجرد لمحة بسيطة من هذا الفكر تنعكس في ردود أفعال ليو في هذا النزاع. وبالتأكيد أضاع ليو فرصة عظيمة لكى يثبت نوعاً فائقاً من الحساسية تجاه هذه الأمور ـ يعلو على كيرلس أو ديسقورس ـ ويتوافق مع مزاعمه.

عزل البابا ديسقوروس وعلاقته بمجمع خلقيدونية ج3

Exit mobile version