الحياة الجديدة في الإيمان – توجيه وإرشاد للمبتدئين
- فالمشكلة الحقيقية التي تعطل حياتنا وتعوِّق خدمتنا لله الحي، هي جرثومة الخطية التي تسكن داخلنا دون أن ندري، لأنها سرطان النفس المدمر، الذي هو الكبرياء وعدم المحبة، لأن الله يقاوم المستكبرين بفكر قلبهم [ يقاوم الله المستكبرين وأما المتواضعون فيُعطيهم نعمة ] (يعقوب 4: 6)، و [ الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه ] (1يوحنا 4: 16)، فالله لا يسكن مع الغير محبين لأي آخر مهما من كان شكله او نوعه أو فكره أو دينه.. الخ، [ ومن لا يُحب لم يعرف الله لأن الله محبة ] (1يوحنا 4: 8).
وعادة عدم المحبة يأتي من كبرياء القلب الخفي، وأصل الكبرياء هو محبة الذات وتقدمها على كل شيء، وهي تظهر في: تفضيل الذات ورغباتها على كل شيء آخر، حتى أقرب الأصدقاء، وجعل مطالبنا الشخصية في الحياة فوق كل مَطَالب أُخرى حتى ولو كانت ستأثر على اقرب المقربين إلينا…
- فمحبة الذات الزائفة هي الأساس الذي يلد الكبرياء في النفس، لأن محبة الذات هي التي تدفعنا لنحتفظ بالأمور التافهة التي بلا قيمة، بل تُسقط النفس من العلو المجيد الذي للقديسين، و تجعل الله مقاوماً للنفس وضداً لها، ومن مثل هذه الأمور التافهة: النقد اللاذع المصحوب بالإهانة والسخرية، الشتيمة، جرح الآخرين وغرس شعور النقص فيهم، الاعتداد بالنفس وعدم قبول اي نقد موجه بناء، اعتبار الآخرين قليلي الفهم وحمقى لا يدركون ولا يفهمون، اعتبار أني انا وحدي من أفهم والآخرين لن يتعلموا شيئاً قط، عدم قبول التعليم والتوجيه، تعليم الآخرين وعدم السعي للتعلم ابداً، البحث عن الأفكار الجديدة والألفاظ الثقيلة لإظهار العلم والفكر للتسلط على الآخرين، ويوجد بالطبع أشياء أخرى كثيرة تدل على كبرياء القلب، وعلينا أن نفحص أنفسنا جيداً امام المواقف لكي نعرف أنفسنا وما يسكن قلبنا، لكي نُسرع لنُقدم توبة…
لذلك يا إخوتي لا تصدقوا أي إنسان يقول أنه يخدم الله ويُهين شخص آخر ويحتد عليه جداً مقاوماً إياه بكل أنواع التنكيل والشتائم وعدم الاحترام والتقدير، على الأقل المفروض أن يحترمه لأجل صورة الله التي في داخله، هذا أن كان حقاً يؤمن بما جاء في سفر التكوين أن الإنسان خُلق على صورة الله ومثاله، فكل من لا تظهر محبته للآخرين ويقول أنه يخدم الله بكل غيره حسنه فهو كاذب، لأن أولى الوصايا هي المحبة: [ فأجاب (يسوع) وقال: تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك وقريبك مثل نفسك ] (لوقا 10: 27)، والرسول يقول: [ أن قال أحد: إني أُحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب، لأن من لا يحب أخاه الذي أبصره، كيف يقدر أن يُحب الله الذي لم يبصره!!! ] (1يوحنا 4: 20)
لذلك فأن: [ بهذا أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس: كل من لا يفعل البرّ فليس من الله وكذا من لا يحب أخاه ] (1يوحنا 3: 10)، فـنحن نعلم إن علامة انتقلنا من الموت إلى الحياة هو أننا نحب إخوتنا في الجسد الواحد بل وكل إنسان على وجه الأرض مهما من يكن، ونعلم أيضاً أن كل [ من لا يحب أخاه يبقى في الموت ] (1يوحنا 3: 14).
- فأولاد الله الحقيقيين المولودين منه [ وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه. الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله ] (يوحنا 1: 12 – 13): فهؤلاء الذين سبق فعرفهم وسبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكراً بين إخوة كثيرين، عينهم ودعاهم وبررهم ومجدهم أيضاً ] (أنظر رومية 8: 29و 30)، يحبون أنفسهم في المسيح القيامة والحياة، لأنهم يتحركون نحو تفضيل حياتهم في المسيح يسوع على كل الأمور الأرضية [ لكن ما كان لي ربحاً فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة، بل إني أحسب كل شيء أيضاً خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح ] (فيلبي 3: 7)، ، وهم يركضون للملكوت السماوي بكل طاقتهم، وباشتياق عظيم يزداد يوماً بعد يوم، يسعون بكل جهد بأن يكون المسيح الرب هو الملك الذي يملك عليهم.
ويقول الأب صفرونيوس: [ لا تبدأ محبة الذات الحقيقية بالتفريط في الحياة، أو بالاستهانة بعطية الوجود، ولا بتحقير الذات، وإنما تبدأ محبة الذات الحقيقية بإدراك عِظَم نعمة الله، وجمال الشركة في لاهوته، والحِظوة والمكانة التي أخذناها في المسيح يسوع، هذه تُحرك فينا كل الأشواق الطبيعية، وتلك التي يُحركها الروح القدس لكي تطرح عنا كل الأمور الزائلة الوقتية، التي تُحرمنا من الانطلاق في الصلاة. وعلى قدر تحررنا من المحبة الكاذبة تكون نقاوة صلواتنا، وثباتنا في الطلبة ] (من رسائل الأب صفرونيوس: حياة الصلاة الأرثوذكسية للمبتدئين – 8: 5)