Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

شرح أمثال 8: 22 “الرب قناني أول طريقه” ج3 – أثناسيوس الرسولي

شرح أمثال 8: 22 “الرب قناني أول طريقه” ج3 – أثناسيوس الرسولي

شرح أمثال 8: 22 “الرب قناني أول طريقه” ج3 – أثناسيوس الرسولي

شرح أمثال 8: 22 “الرب قناني أول طريقه” ج3 – أثناسيوس الرسولي

 

31- لا يجب الصمت عن مبدأ الحق بل في الواقع ينبغى النطق به بصوتٍ عالٍ، لأن كلمة الله لم يصر من أجلنا بل بالحرى نحن قد صرنا من أجله، وبه خلقت كل الأشياء(1). وليس بسبب ضعفنا نحن كان هو قوياً وصائراً من الآب وحده، لكى يخلقنا بواسطته كأداة! حاشا! فالأمر ليس كذلك. لأنه حتى لو لم يستحسن الله أن يخلق المخلوقات، فالكلمة مع ذلك كان عند الله وكان الآب فيه. وفى نفس الوقت كان من المستحيل أن تكون المخلوقات بغير الكلمة لأنها قد صارت به – وهذا هو الصواب.

وحيث أن الإبن هو الكلمة ذاته حسب الطبيعة الخاصة بجوهر الله، وهو منه وهو فيه كما يقول هو نفسه، لذلك لم يكن ممكناً أن تصير المخلوقات إلا به. لأنه مثلما يضئ النور كل شئ بأشعته وبدون إشعاعه ما كان شئ قد أضاء – هكذا أيضاً فإن الآب خلق كل الأشياء بالكلمة كما بواسطة يد، وبدونه لم يخلق شيئاً.

فعلى سبيل المثال كما ذكر موسى “قال الله ليكن نور”(2)، و “لتتجمع المياه”(3) و “لتنبت الأرض”(4) و “لنصنع الإنسان”(5). وترنم أيضاً داود القديس “هو فال فصارت هو أمر فخلقت”(6). أما أنه “قال” فليس كما يحدث في حالة البشر أن يستمع خادم ما وبمجرد علمه بمشئته المتكلم يسارع إلى التنفيذ والعمل، لأن هذا يختص بالمخلوقات. أما بالنسبة للكلمة فإنه لا يليق أن يفكر أحد هكذا عنه. لأن كلمة الله خالق وصانع وهو نفسه مشيئة الآب. من أجل هذا لم يقل الكتاب الإلهى بأن المستمع سمع وأجاب فيما يخص الكيفية التي يريد أن تكون عليها المخلوقات، بل قال الله “ليكن” ثم أضاف “وكان هكذا”(7).

لأن ما رآه الله حسناً وأراده، فعله الكلمة وأتمه في الحال. أما عندما أمر الله آخرين سواء ملائكة أو عندما كلم موسى، أو عندما أمر ابراهيم، عندئذ فإن الذي إستمع اجاب. فقال الواحد “كيف سأعرف”(8). وقال الآخر: “أقم آخر”(9) وأيضاً “عندما يسألوننى ما إسمه فماذا سأقول لهم”(10). وقال الملاك لزكريا “هكذا يقول الرب”(11). وسأل الملاك الرب “يا رب يا ضابط الكل الى متى لا ترحم أورشليم”(12)، وكان ينتظر أن يسمع “كلمات طيبة ومعزية”(13) لأن كل واحد من هؤلاء يوجد عنده الكلمة الوسيط وحكمة الله العارف بمشيئة الآب.

ولكن عندما الآب يعمل والإبن يخلق فلن يكون هناك سؤال وجواب – لأن الآب موجود في الكلمة والكلمة في الآب – بل تكفى المشيئة فيصير العمل. ولفظة “قال” هذه من أجلنا لكى نعرف مشيئته. ومن ناحية أخرى فعبارة “كان هكذا” تشير إلى العمل الذي تم بواسطة الكلمة والحكمة، وهو الحكمة الذي فيه أيضاً توجد مشيئة الآب. ونفس التعبير “قال الله” يشير إلى الكلمة لأنه يقول “صنعت كل الأشياء بالحكمة”(14) و “بكلمة الرب ثبتت السموات”(15). و”رب واحد يسوع المسيح الذي صارت به جميع الأشياء ونحن به”(16).

32- من هذا إذن ندرك أن الآريوسيين لا يجاوننا من أجل هرطقتهم، بل يستعرضون أنفسهم أمامنا وهم يحاربون الألوهية ذاتها. لأنه إن كان الصوت القائل “هذا هو إبنى”(17) هو صوتنا لكان اللوم الذي يستحقونه منا قليل. ولكن إن كان الصوت هو صوت الآب والتلاميذ سمعوه، والإبن نفسه أيضاً يقول عن ذاته “قبل كل الجبال ولدنى”(18)، ألا يكونون بهذا يحاربون الله مثل العمالقة الأسطوريين ولسانهم نحو عدم التقوى “سيف ماضٍ” كما يقول المرنم. لأنهم لم يخافوا صوت الآب، ولم يحترموا كلمات المخلص، ولم يطيعوا القديسين، حيث كتب أحدهم “الذى هو بهاء مجده ورسم جوهره”(19).

و”المسيح قوة الله وحكمة الله”(20) وترنم آخر “لأن عندك ينبوع الحياة، وبنوك نرى نوراً”(21) و “كلها بحكمة صنعت”(22). ويقول الأنبياء “كلمة الرب صارت إلىّ”(23). ويقول يوحنا “فى البدء كان الكلمة”(24) ويقول لوقا “مثلما سلمه إلينا الذين صاروا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة”(25). كما يقول داود أيضاً “أرسل كلمته فشفاهم”(26). وكل هذه الأقوال تفضح الهرطقة الآريوسية في كل مكان، بل توضح أزلية الكلمة، وأنه من جوهر الآب وليس غريباً عنه. لأنه متى رأى أحد نوراً بغير إشعاع؟ أو من يجرؤ أن يقول أن “رسم الجوهر شئ آخر غير الجوهر”؟ وألا يكون قد أصيب بالجنون بدرجة كبيرة ذلك الذي يفكر أيضاً بأن الله كان في وقت ما بلا كلمة وبلا حكمة؟.

لأن الكتاب وضع مثل هذه الأمثلة، ومثل هذه الصور –  نظراً لعجز الطبيعة البشرية عن إدراك الله، وذلك لكى يمكننا أن نكّون فكرة ولو طفيفة وباهتة بقدر المستطاع. كما أن الخليقة فيها أمثلة كافية لمعرفة وجود الله وعنايته، “لأنه بقدر عظمة وجمال المخلوقات، هكذا يُرى خالقها بطريقة المقايسة”(27). ونحن نتعلم من المخلوقات بدون أن نطلب منها أصواتاً، بل إذ نسمع الكتب المقدسة فإننا نؤمن، وبرؤيتنا لنظام جميع الأشياء وإنسجامها فإننا نعرف أن هذا خالق جميع الكائنات وربها وإلهها. ندرك عنايته المذهلة وسيادته على الكل.

وهكذا نفس الحال بالنسبة لألوهية الأبن، فإن ما سبق ذكره من أقوال يكفى كشاهد على ألوهيته. فيكون من نافلة القول أو بالأحرى من الجنون أن يشك أحد، ويسأل بطريقة هرطوقية: كيف يمكن أن يكون الابن أزلياً؟ أو كيف يمكن أن يكون من جوهر الآب وليس جزءاً منه؟ لأن ما ينتج من شئ يعتبر جزءاً منه، وما يمكن تقسيمه لا يكون كاملاً.

33- هذه هي أفكار الهراطقة الشريرة ومغالطاتهم بالرغم من أننا سبق أن توصلنا إلى دحض ما في تعاليمهم من هراء. فإن دقة هذه الأقوال والأمثال تدحض مجمل عقيدتهم النكراء. لأننا نرى أن الكلمة موجود دائماً، ووجوده هو من الآب ومن جوهره وليس عنده سابق ولاحق. ونرى أيضاً أن الإشعاع هو من الشمس وهو جوهره وليس عنده سابق ولاحق. ونرى أيضاً أن الإشعاع هو من الشمس وهو خاص بها، وأن جوهرها لا ينقسم ولا يُتنقص، بل هو كامل. والإشعاع بالغ حد الكمال والتمام بغير أن يُنتقص جوهر النور، بل أنه مولود حقيقى منه. وبالمثل فإنن نرى أن الابن ليس من خارج الآب، بل هو مولود منه وأن الآب يبقى كاملاً و”رسم جوهره”(28) كائن دائماً ومحتفظاً بمشابهة الآب ومطابقة صورته حتى أن من يراه يرى فيهالجوهر الذي هو رسم له. ومن عمل الرسم ندرك ألوهية الجوهر الحقيقة. لأن هذا هو ما علَّم به المخلص نفسه عندما قال “الآب الحال في هو يعمل الأعمال التي أنا أعملها”(29)، و”أنا والآب واحد”(30)، و “أنا في الآب والآب فىّ”(31).

لذلك فلندع الهرطقة المحاربة للمسيح تحاول أولاً أن تفصل الأمثلة الموجودة في المخلوقات، وتقول أن الشمس كانت يوماً بدون إشعاع، أو أن هذا الإشعاع ليس من ذات جوهر النور، أو أنه من ذاته ولكنه – بمنطق التجزئة – يعتبر جزءاً من النور. ودع الهرطقة أيضاً تفصل الكلم وتقول أنه غريب عن العقل، أو أنه كان هناك وقت ما لم يكن فيه موجوداً، أو أنه ليس من جوهره الذاتى، أو أنه جزء من العقل قابل للتجزئة. أما بالنسبة إلى “الرسم” و”النور” و “القوة” فدع الهرطقة هكذا تفصلها كما فعلت بالنسبة “للكلمة” و”الإشعاع”، وعندئذ فلتتخيل بخصوصها كما تشاء. فإن كان مثل هذا التهور مستحيلاً عليهم فكيف لا يكون من الجنون المطبق أن يقحموا أنفسهم عبثاً فيما هو أسمى من الأشياء المخلوقة وأعلى من طبيعتها، وهم بذلك يحاولون المستحيلات؟.

34- لأنه إن كانت الأشياء المخلوقة والجسدية لها مواليد دون أن تكون أجزاء من الجواهر التي تولدت منها، وهي لا توجد عن طريق الألم ولا تنتقص من جواهر والديها، فكيف لا يكونون قد أصيبوا بالجنون وهم يتصورون وجود التجزئة والآلام في إله حقيقى غير جسدى ناسبين الانقسام إلى إله غير متألم وغير متغير لكى يبلبلوا مسامع البسطاء ويضلوهم عن الحق؟.

لأن من ذا الذي يسمع كلمة ابن ولا يتبادر إلى ذهنه أنه من ذات جوهر الآب؟ ومن – عندما سمع أثناء تعلمه أصول الإيمان في المرحلة الأولى أن الله له ابن وأنه قد صنع كل الأشياء بواسطة كلمته الذاتى – لم يدرك هذا الأمر بنفس الطريقة التي نفهم بها نحن الآن. ومن – عند ظهور هرطقة الأريوسيين الشائنة – لم يندهش حالما سمع ذلك الكلام الذي يقولونه، حيث أنهم يرددون كلاماً مخالفاً للحق وينفثون تعاليماً مغايرة لتلك التعاليم التي سبق بذرها منذ البداية؟ لأن ما بُذر منذ البداية في كل نفس هو أن الله له ابن وهو الكلمة، والحكمة، والقوة، وهو صورته وبهاؤه، وتبعاً لهذا فهو مودود دائماً، وأنه هو من الآب وأنه المماثل، وأنه له أزلية الولادة من الجوهر، ولا توجد هنا أية فكرة عن كونه مخلوقاً أو مصنوعاً.

ولكن “الانسان العدو بينما الناس نيام”(32)، زرع أنه “مخلوق”، وأنه “كان هناك وقت عندما لم يكن موجوداً”، وأنه “كيف يمكن أن يكون”؟ وعندئذ انتشرت هرطقة أعداء المسيح الأثيمة حالاً كالزوان وهي خالية من كل فكر قويم، وصاروا يطوفون مثل لصوص ويتجاسرون أن يقولوا “كيف يمكن أن يكون الابن موجوداً مع الآب على الدوام؟” لأن الناس يصبحون أبناء من الناس بعد مضى فترة من الزمن. وإذ يبلغ الآب ثلاثين عاماً يبدأ الابن عندئذ ميلاده. وعلى العموم كل إبن انسان لم يكن له وجود قبل أن يولد. ومرة يهمسون: “كيف يمكن أن يكون الابن كلمة، أو أن يكون الكلمة صورة الله؟ لأن كلمة الناس تتركب من مقاطع وتدل فقط على مشيئة المتكلم، ثم تتوقف وتتلاشى في الحال؟.

35- إن أولئك إذن – كما لو كانوا قد نسوا البراهين التي سبق أن قيلت ضدهم – يورطون أنفسهم أيضاً في قيود الكفر وعدم الإيمان شاغلين عقولهم بمثل هذه الأفكار. ولكن كلمة الحق تدحضهم هكذا:

إن كانوا يجادلون بخصوص انسان ما، فدعهم يفكرون بطريقة بشرية بخصوص كلمة هذا الانسان وبخصوص ابنه. أما إن كانوا يفكرون بخصوص الله خالق البشر فدعهم لا يتفكرون بعد في هذا الأمر بطريقة بشرية، بل بطريقة أخرى أعلا من طبيعة البشر. لأنه مثلما يكون الذي يلد، هكذا يكون بالضرورة المولود منه أيضاً. ومثلما يكون “أب الكلمة” هكذا يكون أيضاً كلمته. وعلى هذا فيما أن الانسان يولد في وقت ما، فهو نفسه يلد ابنه أيضاً في وقت ما. وحيث أن الانسان قد وُجد من العدم، لذلك فإن كلمته تتوقف ولا تبقى. أما الله فهو ليس كالانسان لأن هذا ما قاله الكتاب(33). لكنه “هو الكائن”(34). وهو الموجود دائماً، ولهذا فإن كلمته أيضاً كائن وأزلى مع الآب مثل إشعاع النور.

وكلمة البشر تتركب من مقاطع وهي لا تحيا ولا تعمل شيئاً، بل تعبر فقط عن قصد المتكلم. وبمجرد أن تخرج من الفم تضيع ولا تظهر بعد حيث أنها لم تكن موجودة إطلاقاً قبل أن يُنطَق بها، ولهذا فهى لا تحيا ولا تعمل شيئاً. وهي ليست انساناً إطلاقاً. بل يحدث لها هذا – كما سبق أن قلت – لأن الانسان الذي ولدها طبيعته نفسها هي من العدم. أما كلمة الله فهو ليس مجرد كلمة منطوقة مثلاً قد يقول أحد، ولا هو همس كلمات. وليس “الابن” هو أمر صادر من الله، بل هو كإشعاع النور مولود كامل من كامل. ولهذا فهو الله كما أنه صورة الله.

لأنه مكتوب “وكان الكلمة الله”(35). في حين أن كلام البشر لا يستطيع أن يعمل شيئاً، ولهذا فإن الانسان لا يعمل بواسطة الكلمات، بل بيديه. لأن يديه لهما وجود أما كلمته فليس لها وجود فعال. لكن كلمة الله يقول الرسول: “كلمة الله حىّ وفعال. وأمضى من كل سيف ذى حدين – وخارق إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميز لأفكار القلب ونياته. ولا توجد خليقة غير ظاهرة أمامه، بل كل شئ مكشوف وعريان لعينى ذاك الذي نقدم له الحساب”(36). فهو إذن خالق “وبغيره لم يكن شئ واحد”(37)، ولا يمكن أن شيئاً يكون بدونه.

36- فلا ينبغى إذن أن يتساءل أحد: لماذا لا يكون كلمة الله مثل كلمتنا نحن؟… لأن الله ليس مثلنا كما سبق القول. بل لا يجب التساؤل: كيف يكون الكلمة من الله؟ أو كيف يكون هو إشعاع الله؟، أو كيف الله يلد، وما هي طريقة ولادته؟ فإن من يجرؤ على مثل هذه الأقوال يكون مجنوناً. لأن هذا الأمر لا ينطق به، وهو خاص بطبيعة الله، ومعروف له ولابنه فقط لأن من يسأل هكذا إنما يطلب تفسيراً بالكلام. لأنه يشبه من يسأل “أين الله”؟ وكيف يكون الله؟، وما هو نوع طبيعة الآب؟ وكما أن مثل هذه الأسئلة تدل على عدم تقوى، وعلى جهل بالله، هكذا فإنه ليس من اللائق التجاسر بمثل هذه الأقوال عن ميلاد ابن الله، ولا أن يقاس الله وحمته بطبيعتنا وعجزنا.

ولا يحق لأحد أن ينحرف بفكره بعيداً عن الحق. وإن كان أحد يرتبك وهو يفتش ويبحث في هذه الأمور، فلا يجب أن ينكر المكتوب. لأنه من الأفضل في حالة الارتباك أن نصمت وتؤمن، بدلاً من ألا نؤمن بسبب هذه الحيرة. ذلك لأن الذي يتحير يستطيع بطريقة ما أن يجد غفراناً طالما أنه قد هدأ كلية بعد أن تساءل. أما ذلك الذي – بسبب حيرته – يفكر في نفسه تلك الأفكار غير الملائمة، ويتكلم عن الله بأمور لا تليق به، فإن إدانته تكون بغير مغفرة بسبب تطاوله.

لأنه في مثل هذه الارتباكات يمكن للشخص أن يجد بعض الراحة من الكتب الإلهية إلى أن يستوعب تلك الأقوال المكتوبة استيعاباً صحيحاً وأن يتفهم الكلام الذي قلناه كمثال. لأنه كما أن مثل هذا القول هو قولنا ونابع منا وليس عملاً ناتجاً من خارجنا، هكذا بالمثل أيضاً كلمة الله هو من ذات الله ونابع منه، وليس مصنوعاً، ومع ذلك فهو ليس مثل كلمة البشر، حيث أنه في هذه الحالة سنضطر أن نفهم الله كإنسان.

لاحظ إذن أن كلام الناس كثير ومختلف ويزول كل يوم بسبب أن الكلام السابق لغيره لا يبقى بل يتلاشى. وهذا يحدث لأن الناطقين بهذا الكلام هم بشر وأعمالهم زائلة، وأفكارهم تتلاحق وتتتابع. وهم ينطقون الكلام وفقاً للأفكار التي يفكرون بها ويتدارسونها أولاً بأول إلى أن يكون لديهم كلمات كثيرة، ولكن بعد هذه الكلمات الكثيرة لا يتبقى منه شئ إطلاقاً، لأنه بمجرد أن يكف المتكلم عن الكلام فسرعان ما يتلاشى. أما كلمة الله فهو واحد، وهو هو نفسه، كما هو مكتوب “كلمة الله تثبت إلى الأبد”(38). دون أن يتغير، وليس هو سابقاً أو لاحقاً لغيره، بل يبقى كما هو على الدوام. لأنه من المناسب، بما أن واحد فإن صورته أيضاً تكون واحدة، وكلمته أيضاً واحد، وكذلك أيضاً حكمته واحدة.

37- ولهذا فإنى أتعجب أنه طالما أن الله واحد، فكيف يدخل هؤلاء صوراً، وحكمات، وكلمات متعددة بحسب بدعهم واختراعاتهم، ويصرون على أن كلمة الآب الذاتى بالطبيعة هو غير الابن، وأنه بالكلمة قد صنع الابن أيضاً، أما من هو ابن بالحقيقة فيقولون عنه أنه كلمة بالاسم فقط، مثلما قيل أنه كرمة، وطريق، وباب وشجرة حياة. ويتشدقون أيضاً أنه يلقب بالحكمة بالاسم فقط، وأن حكمة الآب هو حقيقة ذاتية أخرى مصاحبة له في الوجود بغي ولادة. والذى عن طريقه صنع الابن ودعاه حكمة أيضاً بحسب مشاركته في الحكمة.

وهم لا يقتصرون في هذا على كلمات فقط، بل نجد أن أريوس صنّف شعراً في كتابه “ثاليا”، وأستيريوس السفسطائى كتب ما سبق أن ذكرناه هكذا: (لم يقل بولس المبارك أنه كرز بالمسيح قوة الله وحكمة الله، بل “قوة لله وحكمة لله”، بدون أداة تعريف، وكرز أن قوة الله الذاتية شئ آخر، وهي قوته الطبيعية الموجوده معه بغير ولاده، وأنها هي التي ولدت المسيح وخلقت العالم كله. وبخصوصها يعّلم في رسالته إلى أهل رومية ويقول “لأن أموره غير المنظورة تُرى بوضوح منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية وألوهيته”.. وكما أنه لا يستطيع أحد أن يقول أن الألوهية المشار إليها هنا هي المسيح، بل هي ذات الآب، كذلك أظن أن قوته السرمدية وألوهيته ليست هي الابن الوحيد الجنس، بل الآب الذي ولده). ويعلم أنه توجد قوة أخرى وحكمة أخرى لله، وأنها هي التي تتضح من خلال المسيح. وبعد قليل يقول استيريوس نفسه: (إن قوته السرمدية وحكمته التي تعبَّر عنها التأملات الحقيقة أنها بلا بداية، وأنها غير مولودة هي حتماً واحدة بذاتها.

لأنه توجد قوات كثيرة قد خُلقت واحدة فواحدة بواسطة الله، والتى من بينها المسيح هو البكر والوحيد الجنس، وجميعها – بطريقة مماثلة – تعتمد على من يمتلكها. فجميعها تدعى بحق قواته المخلوقة التي يستخدمها، كما يقول النبى أن الجراد الذي أرسل من الله بسبب الخطايا البشرية قد سماه الله ليس قوة، بل “قوة عظيمة”(39). والمطَّوب داود في كثير من مزاميره يحث ليس الملائكة فقط، بل القوات لتسبح الله)(40).

38- والآن ألا يكونون مستحقين لكل مقت لمجرد قولهم هذا؟

لأنه إن كان هو – بحسب ما يعتقدون – ليس ابناً بسبب ولادته من الآب ومن ذات جوهره، بل يسمى كلمة بسبب الأشياء المدركة، ويسمى حكمة بسبب الأشياء التي نالت حكمة، ويسمى قوة بسبب الأشياء التي اكتسبت قوة، فإنه بالتالى ينبغى أن يسمى ابناً بسبب أولئك الذين نالوا البنوة. وربما حتى وجوده يكون بسبب الأشياء التي لها وجود، وذلك بحسب بدتهم.

إذن، فمن يكون هو هذا؟ لأنه لن يكون هو واحداً من هذه الأشياء، حتى لو كانت هذه الأشياء هي أسماء له فقط، وكان له وجود خيالى فحسب، وكانت هذه الأسماء قد أضيفت عليه بواسطتنا. بل بالحرى فإن هذا يعتبر حماقة شيطانية قصوى، وربما أكثر من ذلك، لأنهم يريدون أن يكونون هم أنفسهم موجودين حتماً بينما يظنون أن كلمة الله هو موجود بالاسم فقط. فكيف لا تكون أقوالهم هذه عبارات متناقضة إذ يقولون أن الحكمة هي المسيح؟ ويقولون إنه توجد قوات خالقة وحكمات كثيرة، وأن الرب هو واحد من بين هذه، وهم يقارنونه “بالدودة”، و”الجرادة”؟ وأيضاً أليسوا خبثاء إذ أنهم حينما يسمعون منا أن الكلمة موجود مع الآب، فإنهم يتذمرون محتجين ويقولون “ألستم بذلك تتحدثون عن اثنين غير مخلوقين؟ وهم أنفسهم عندما يتحدثون عن “حكمته غير المخلوقة” لا يرون أن الاتهام الباطل الذي يوجهونه ضدنا إنما يتجه ضدهم؟.

فكيف إذن، لا تكون بدعتهم هذه حماقة بالغة أيضاً، وهي التي بمقتضاها يقولون أن “الحكمة غير المخلوقة” الموجودة مع الله هي الله نفسه؟ فإن الذي يشترك في الوجود، لا يشترك في الوجود مع نفسه، بل مع شخص ما، مثلما يقول البشيرون عن الرب أنه كان موجوداً مع التلاميذ، لأنه لم يكن موجوداً مع نفسه، بل مع التلاميذ، إلا إذا كانوا يقولون أن الله مركب، أى أن لديه حكمة مختلطة به، أو متممة لجوهره، وهي أيضاً غير مخلوقة مثله ويقدمونها بدلاً من خالق الكون، وذلك لكى يُسقطِوا عن الابن خاصة الخلق. لأنهم يتلاعبون بكل الأمور لكى لا يفكروا عن الرب بإستقامة.

39- فأين وجدوا في الكتاب الإلهى إطلاقاً، أو ممن سمعوا أنه يوجد كلمة آخر وحكمة أخرى غير الابن نفسه، لكى يشكلوا مثل هذه الأقوال في مخيلتهم؟ لأنه مكتوب “أليس كلمتى كنار، وكمطرقة تحطم الصخر”(41). وجاء في سفر الأمثال “سأعلمكم كلماتى”(42). فإن هذه وصايا وأوامر قد تكلم بها الله للقديين عن طريق كلمته الذاتى، الوحيد، الحق، والتى بخصوصها يقول المرنم “منعت قدمى عن كل طريق شر لكى أحفظ كلامك”(43). وقد أوضح المخلص أن هذه “الكلمات” هي شئ آخر غيره هو ذاته، وذلك حينما يقول بنفسه “الكلام الذي أنا كلمتكم به”(44). فليست إذن مثل هذه “الكلمات” مواليد أو أبناء، ولا توجد كلمات خالقة بمثل هذا العدد، ولا صور للإله الواحد بمثل هذا العدد. وليس كثيرون صاروا بشراً من أجلنا، وليس من بين العدد الكثير واحد صار جسداً بحسب يوحنا، بل إن يوحنا بشر به ككلمة الله الوحيد قائلاً: “الكلمة صار جسداً” و “كل شئ به كان”(45).

لهذا فإن شهادة الآب التي تؤكد أن الابن واحد، وشهادة القديسين الذين فهموا هذا ويقولون أن الكلمة واحد ووحيد الجنس، هذه الشهادات تشير إلى ربنا يسوع المسيح بمفرده وإلى وحدته مع الآب، وأن الأعما التي قد صارت به إنما تشهد بنفس الأمور لأن “كل الأشياء” المنظورة وغير المنظورة “به كانت وبغيره لم يكن شئ مما كان”(46).

إنهم لا يفكرون عن شخص آخر أو شخص مغاير، بل هم يصورون لأنفسهم كلمات وحكمات لم يشر الكتاب لا إلى إسمها ولا إلى عملها، بل هم وحدهم الذين يطلقون عليهم هذه الأسماء. ويخترعون أفكاراً وظنوناً معادية للمسيح ويسيئون استخدام اسم “الكلمة” و “الحكمة”. وإذ يصورون لأنفسهم أفكاراً أخرى ينكرون كلمة الله الحقيقى وحكمة الآب الحقيقية الفريدة. وهكذا فإن هؤلاء التعساء يسيرون في إثر خطوات المانويين، ذلك لأنهم وإن كانوا يرون أعمال الله فإنهم ينكرون الإله الكائن الوحيد والحقيقى، ويصورون لأنفسهم إلهاً آخر لا يستطيعون إثباته بأى عمل ولا بأية شهادة من الأقوال الإلهية.

40- فإن لم يكن هناك في الأقوال الإلهية حكمة أخرى غير هذا الابن، وإن كنا لم نسمع من الآباء شيئاً مثل هذا، بل هم قد اعترفوا وكتبوا أن الحكمة موجودة أزلياً مع الآب حيث أنها هي وجوده الذاتى وخالقة العالم هذه – حسبما يقول الآباء – يلزم أن تكون هي الابن نفسه، وهو الموجود مع الآب أزلياً. فهى أيضاً خالقة كما هو مكتوب “صنعت كل الأشياء بالحكمة”(47). ولأن استيرويوس نفسه – كما لو كان قد نسى ما سبق أن كتبه – فإنه فيما بعد – ودون أن يقصد مثلما فعل قيافا أيضاً – وقف ضد اليونانيين، ولم يتكلم عن حكمات كثيرة ولم يسمها دودة، ولكنه إعترف بحكمة واحدة فقط عندما كتب ما يلى: “واحد هو الكلمة الإلهى، أما الكائنات العاقلة فهى كثيرة. وواحد هو جوه الحكمة وطبيعتها، أما الأشياء الحكيمة والحسنة فهى كثيرة” وبعد قليل يقول أيضاً: “من هم أولئك الذين يستحقون أن يلقبهم هؤلاء بلقب أبناء الله؟ فهم طبعاً لا يقولون عنهم أنهم كلمات ولا أنه توجد حكمات أكثر، فإن هذا غير ممكن إذ أن الكلمة واحد. وقد ثبت أن الحكمة واحدة، ولا يكن أن يوزع “جوهر الكلمة” على عدد كثير من الأبناء ولا أن يعطى لهم لقب “الحكمة”.

إذن فليس من المستغرب أبداً أن يحارب الآريوسيون ضد الحق. فإنهم يصطدمون ببعضهم بعضاً، إذ تتعارض أفكارهم فيما بينها. فأحياناً يقولون أن الحكمات كثيرة، وأحياناً أخرى يقولون أن الحكمة واحدة. وأحياناً يوحدون بين الحكمة والدودة، وأحياناً أخرى أنها موجودة مع الآب وأنها من ذاته. وأحيانا أخرى أن الآب واحد غير مخلوق. ومرة أخرى يقولون أن حكمته وقوته أيضاً غير مخلوقتين. وهم يحاربوننا لأننا نقول أن كلمة الله موجود دائماً، بينما هم أنفسهم يقولون أن الحكمة موجودة مع الله أزلياً، ويتناسون أقوالهم نفسها. وهكذا يعانون من الدوار في كل الأمور ذلك لأنهم إخترعوا ما لا وجود له وأنكروا الحكمة الحقيقية، مثلما فعل المانويون الذين إبتدعوا لأنفسهم إلهاً آخر وأنكروا الله الكائن حقيقة.

41- لكن فلتسمع الهرطقات الأخرى وليسمع المانويون أن أب المسيح هو واحد، وهو رب الخليقة وصانعها بكلمته الذاتى. وعلى وجه الخصوص فليسمع أصحاب الجنون الأريوسى أن كلمة الله هو واحد، وهو الابن الوحيد والذاتى الحقيقى الذي هو من جوهره، وله وحدة الألوهية مع أبيه بلا انفصال كما قلنا مراراً وتكراراً. لأننا تعلمنا هذا من المخلص نفسه. ولو لم يكن الأمر كذلك فلماذا يخلق الآب بواسطته ويعلن نفسه بواسطته للذين يريدهم والذين ينير عليهم؟ أو لماذا يسمى باسم الابن مع الآب عند إتمام المعمودية؟ فإن قالوا أن الآب غير كافٍ بذاته فيكون هذا التعبير كفراً، أما إن كان كافياً بذاته (لأنه من الصواب قول هذا) فما هو الاحتياج للابن لخلق العالم أو لإتمام المعمودية المقدسة؟ لأنه أية مشاركة هناك بين المخلوق والخالق؟

ولماذا يحسب المخلوق مع الخالق عند إنجاز كل الأشياء؟ أو لماذا تقولون أن الإيمان بخالق واحد وبمخلوق واحد هو إيمان مسلم لنا؟ لأنه إن كان الأمر هكذا لكى نتحد نحن بالألوهية فما الحاجة إلى المخلوق؟ أما إن كان هذا بغرض أن نتحد مع الابن – وهو مخلوق حسب قولكم، يكون من غير اللازم – وفقاً لمعتقداتكم – ذكر اسم الابن عند اتمام المعمودية، لأن الله الذي تبناه وجعله ابناً قادر أن يتبنانا ويجعلنا أبناء. ومن جهة أخرى فإن كان الابن مخلوقاً – ولأن طبيعة المخلوقات العاقلة هي واحدة – فليس باستطاعة مخلوق أن يقدم أية معونة لمخلوق آخر، حيث أن الجميع محتاجون لنعمة الله.

لقد تكلمنا فيما سبق عن الآية: “كل شئ به كان”. وحيث أن سياق الحديث قد جعلنا نتحدث عن المعمودية المقدسة، فمن الضرورى أن نقول – كما اعتقد واؤمن – أن اسم الابن يسمى مع الآب ليس ببساطة ولا مصادفة. وذلك ليس لأن الآب غير كافٍ بذاته، بل حيث أن الابن هو كلمة الآب وحكمته فإنه موجود دائماً مع الآب، لأنه هو بهاؤه. لهذا فمن المستحيل عندما يعطى الآب نعمة ألا يعطيها بالابن، لأن الابن موجود في الآب مثلما يوجد الشعاع في الضوء. وذلك ليس لأن الله معوز أو ضعيف، بل كأب “قد أسس الأرض بحكمته”(48)، وصنع كل الأشياء بالكلمة المولود منه، ويختم على المعمودية المقدسة بالابن. وحيث يكون الآب هناك يكون الابن أيضاً، كما أنه حيث يكون النور هناك أيضاً يكون الشعاع. وأى عمل يعمله الآب فإنه يعمله بالابن، ويقول الرب نفسه “ما أرى الآب يصنعه أصنعه أنا أيضاً”(49). وهكذا أيضاً عندما تُعطى المعمودية فإن من يعمده الآب يعمده الابن أيضاً، ومن يعمده الابن فهذا يتم بالروح القدس.

وأيضاً عندما تنير الشمس قد يقول شخص أن الشعاع ينير، وذلك لأن النور واحد ولا يمكن أن يتجزأ ولا أن ينفصل الشعاع عنه. وهكذا أيضاً حيث يكون الآب أو يسمَّى، هناك قطعاً يكون الابن، وحيث أن الآب يسمَّى في المعمودية، فبالضرورة أن يسمَّى الابن أيضاً معه.

42- ولذلك أيضاً عندما وعد القديسين تكلم هكذا: “إليه نأتى – أنا والآب – وعنده نصنع منزلاً”(50). وأيضاً “لكى يكونوا هم أيضاً واحداً فينا.. كما أننى أنا وأنت واحد”(51). والنعمة المعطاة هي واحدة، وهي معطاة من الآب بالابن كما يكتب بولس في كل رسالة “نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح”(52). لأنه يلزم أن يكون النور مع الفجر وأن يشاهَد الشعاع في نفس الوقت مع نوره الخاص به. واليهود كذلك إذ أنكروا الابن فليس لهم الآب أيضاً، لأنهم تركوا “ينبوع الحكمة” كما قال باروخ(53) موبخاً إياهم، وأبعدوا عن أنفسهم الحكمة النابعة من هذا الينبوع أى ربنا يسوع المسيح.

لأن الرسول يقول “المسيح قوة الله وحكمة الله”(54). أما هم فكانوا يقولون “ليس لنا ملك إلا قيصر”(55). وقد لقى اليهود ما يستحقونه من عقاب بسبب إنكارهم، فقد تلاشت مدينتهم وأفكارهم معها. أما هؤلاء الأريوسيون فإنهم يخاطرون بفقدان إتمام السر وأعنى به المعمودية.

لانه إن كان إتمام الس يعطى باسم الآب والابن وهم لا يقرون بأب حقيقى بسبب إنكارهم للذى هو منه، الذي هو مثله في الجوهر، منكرين الابن الحقيقى ويسمون لأنفسهم ابناً آخر، إذ أنهم يصيغونه في مخيلتهم على أنه مخلوق من العدم، ألا يكون طقس المعمودية الذي يتممونه فارغاً تماماً وعديم الجدوى، إذ أن له مظهر خارجى، أما في الحقيقة فإنه ليس له شئ يعين على التقوى؟ لأن الأريوسيين لا يعمدون باسم الآب والابن، بل باسم خالق ومخلوق، وباسم صانع ومصنوع.

ومثلما يختلف المخلوق عن الابن، هكذا فإن تلك المعمودية التي يظنون أنهم يعطونها تختلف عن الحقيقة رغم أنهم يتظاهرون بأنهم يسمون اسم الآب والابن بسبب كلمات الكتاب. فليس من يقول ببساطة “يا رب” هو الذي يعطى المعمودية، بل هو ذلك الذي مع الاسم الذي يدعوه، عنده أيضاً إيمان مستقيم. لهذا السبب فإن المخلص لم يأمر فقط بالعماد، بل قال أولا “تلمذوا” ثم بعد ذلك قال “عمدوا باسم الآب والابن والروح القدس”(56) لكى يأتى الإيمان المستقيم من التعليم، ومع الإيمان يأتى إتمام المعمودية.

43- وهناك هرطقات أخرى كثيرة تذكر الأسماء فقط، ولكن بدون إعتقاد مستقيم – كما سبق أن قيل – وبدون إيمان سليم. ولذلك فالمعمودية التي يعطونها عديمة الجدوى وتعوزها التقوى، حتى أن من يعمدونه يتلوث بإلحادهم بدلاً من أن يُفتدى. وهكذا الوثنيون أيضاً فرغم أنهم ينطقون بأسم الله بشفاهم، إلا أنهم يرزحون تحت وزر الإلحاد لأنهم لا يعرفون الكائن بالفعل الله الحق أبا ربنا يسوع المسيح. والمانويون أيضاً والفريجيون واتباع الساموساطى، رغم أنهم يستخدمون الأسماء فهم ليسوا أقل هرطقة. وهكذا أيضاً كل الذين يعتقدون بتعاليم آريوس بدورهم، فإنهم وإن قرأوا الكتب، أو ذكروا الأسماء إلا أنهم هم أنفسهم يسخرون من الذين ينالون المعمودية بواسطتهم. وهم أكثر كفراً وإلحاداً من الهرطقات الأخرى ويفوقونها قليلاً قليلاً، ويعطونها تبريراً بهذرهم وثرثرتهم.

لأن هذه الهرطقات تكذب على الحق، وذلك إما أنها تخطئ بخصوص جسد الرب زاعمة أن الرب لم يتخذ جسده من مريم، أو أنه لم يحدث له موت إطلاقاً، ولم يصر إنساناً قط، بل إنه ظهر كإنسان ولكنه لم يكن إنسانا حقيقة، وظهر كأن له جسداً بدون أن يكون له جسد. وأنه ظهر كإنسان كما يبدو في حلم. أما الأريوسيون فهم يكفرون بالآب ذاته لأنهم يجدفون على ألوهيته، رغم أنهم يسمعون الكتب تشهد لألوهيته في الابن كما في صورة، يقولون أن هذه الألوهية مخلوقة.

وهذا القول “أنه لم يكن كائناً”، ينقلونه معهم في كل مكان مثل وحل في حقيبة، وينفثون هذا القول مثلما تنفث الحية سمها. ومَنْ ثَم إذاً بما أن التعليم النابع منهم يثيرالأشمئزاز والمقت، فإنهم في الحال يصنعون حماية بشرية كدعامة لجيفة هرطقتهم، حتى أن الساذج عندما يراها أو يقبلها وهو خائف مرتعد فإنه لا يدرك الهلاك المميت لأقوالهم الفاحشة وضلالهم. فكيف لا يكون الذين ضلوا بواسطتهم مستحقين للشفقة والرثاء؟ وكيف لا يكون من الصواب ذرف الدمع السخين على هؤلاء، لأنهم يخونون منفعتهم الذاتية في سبيل خيال سريع للاستمتاع بملذات يفقدون بها رجاءهم الآتى؟ لأنهم لن يحصلوا على شئ ما دام إيمانهم في معموديتهم على اسم غير الكائن. وإذ يربطون أنفسهم بالمخلوق فلن ينالون من المخلوق أية معونة.

وإذ يؤمنون بمن هو مختلف عن الآب وغريب عن جوهره، فإنهم لن يتحدوا مع الآب طالما ليس لهم الابن الذاتى النابع منه بالطبيعة، الذي هو في الآب، والآب موجود فيه كما قال هو نفسه(57). ولكن حيث أن التعساء يُخدعوا من هؤلاء فقط ظلوا هكذا مقفرين وعراة من اللاهوت. لأن خيال الأشياء الأرضية لن يتبعهم عندما يموتون. لأنهم عندما يرون الرب الذي أنكروه، وهو جالس على عرش أبيه، ويدين الأحياء والأموات، فلن يتمكن أحد منهم أن يلتمس مساعدة أى واحد من أولئك الذين خدعوهم. لأنهم سيبصرون هؤلاء أنفسهم أيضاً وهم يدانون، فيندمون على ما أرتكبوه من إثم وتجديف!.

(1) كو 16:1.

(2) تك 3:1.

(3) تك 9:1.

(4) تك 11:1.

(5) تك 26:1.

(6) مز 9:33.

(7) تك 3:1،6،11،15.

(8) تك 8:15.

(9) خر 13:4.

(10) خر 13:3.

(11) زك 17:1.

(12) زك 12:1.

(13) زك 13:1.

(14) مز 24:104.

(15) مز 6:33.

(16) 1 كو 6:8.

(17) مت 5:17.

(18) أم 25:8.

(19) عب 3:1.

(20) 1كو 24:1.

(21) مز 9:36.

(22) مز 24:104.

(23) أر 4:1.

(24) يو 1:1.

(25) لو2:1.

(26) مز 20:107.

(27) حكمة 5:13.

(28) أى الابن انظر عب 3:1.

(29) يو 10:14،12.

(30) يو 30:10.

(31) يو 10:14.

(32) مت 25:13.

(33) أنظر يهوديت 16:8.

(34) انظر خر 14:3.

(35) يو 1:1.

(36) عب 12:4،13.

(37) يو 3:1.

(38) مز 89:119.

(39) أنظر يوئيل 25:2.

(40) أنظر مز 21:103.

(41) أر 29:23.

(42) أم 23:1.

(43) مز 101:119.

(44) يو 63:6.

(45) يو 14:1، يو 3:1.

(46) يو 3:1.

(47) مز 24:104.

(48) أم 19:3.

(49) أنظر يو 19:5.

(50) انظر يو 23:14.

(51) أنظر يو21:17 ، 22.

(52) رو 7:1، 1كو3:1، أف 2:1.

(53) أنظر باروخ 12:3.

(54) 1 كو 24:1.

(55) يو 15:19.

(56) مت 19:28.

(57) أنظر يو 10:14.

شرح أمثال 8: 22 “الرب قناني أول طريقه” ج3 – أثناسيوس الرسولي

Exit mobile version