شرح نص [جعل يسوع.. رباً ومسيحاً] أعمال 2: 36 – أثناسيوس الرسولي
شرح نص [جعل يسوع.. رباً ومسيحاً] أعمال 2: 36 - أثناسيوس الرسولي
شرح نص [جعل يسوع.. رباً ومسيحاً] أعمال 36:2 – أثناسيوس الرسولي
شرح نص [جعل يسوع.. رباً ومسيحاً] أعمال 36:2 – أثناسيوس الرسولي
وهذا المعنى نفسه نجده أيضاً في سفر الأعمال حيث يقول بطرس الرسول “أنه جعل يسوع هذا الذي صلبتمون أنتم رباً ومسيحأً(1). لأنه لم يكتب هنا: “جعل إبناً لذاته” أو “جعل كلمة لنفسه” حتى يتخيلوا عندئذ مثل هذه الأفكار. فإن كان لم يغب عن بالهم أنهم يتحدثون عن ابن الله، فليبحثوا إن كان قد كتب في موضع آخر أن “الله جعل لذاته ابناً” أو “خلق لنفسه كلمة” أو إن كان قد كتب صراحة في أى موضع أن “الكلمة مصنوع أو مخلوق”، عندئذ فلينظر هؤلاء الجهلاء إن كان يمكن أن يجدوا شيئاً من هذا النوع.
أما إذا لم يعثروا على شئ مثل هذا، بل هم فقط يتصيدون بعض التعبيرات المتفرقة مثل “صنع” و “قد صُنِعَ”، فإنى أخشى أنهم بعد قليل، عندما يسمعون كلمات مثل “فى البدء خلق الله السماء والأرض” و “صنع الشمس والقمر” و”صنع البحر”(2)، فإنهم يقولون أنه هو السماء أو أنه هو النور الذي صار في اليوم الأول، وأنه أيضاً هو الأرض، وكل مخلوق من مخلوقاته. وبذلك فإنهم يتشبهون بالذين يسمون بالرواقيين. والرواقيون يعتبرون الله نفسه أنه منتشر في كل المخلوقات. أما هم فإنهم يضعون كلمة الله في مرتبة واحدة مع كل مخلوق من المخلوقات، خاصة إنهم قد وصلوا فعلاً إلى هذه الدرجة، وذلك عندما قالوا أنه من هو من بين المخلوقات.
12- وهنا يلزمهم أن يسمعوا نفس الكلام مرة أخرى. وليتعلموا أولاً أن اللوغوس هو ابن الله، كما قيل أيضاً فيما سبق، وأنه غير مخلوق، ولا ينبغى أن ينسبوا مثل هذه الألفاظ إلى ألوهيته، بل عليهم أن يفتشوا لماذا، وكيف كتبت هذه الأقوال. ومما لا شك فيه أن تدبير التجسد الذي صنعه لأجلنا سيجيب على الذين يتساءلون لأن بطرس عندما قال “جعله رباً ومسيحاً” أضاف في الحال “هذا الذي صلبتمون أنتم”(3) مما جعل الأمر واضحاً للجميع. ولعله يصير أيضاً واضحاً لهؤلاء، إن كانوا يتابعون معنى النص، إن كلمة “جعل” ليست عن جوهر الكلمة – بل عن ناسوته.
لأن ما هو الذي صلب سوى الجسد؟ فكيف يمكن أن يتحدث عن ما هو جسدى في الكلمة سوى بقوله “جعل (صنع)”؟. وإلى جانب ذلك، فإن قوله هنا “جعل”، له معنى أرثوذكسى، لأنه لم يقل كما سبق وأوضحنا “جعله كلمة”، بل “جعله رباً”، وليس هذا فحسب بل جعله “رباً لكم”. و”فيما بينكم”. وهذا هو ما يعنيه بقوله “تبرهن”. فبطرس نفسه كان يشير إلى هذا عينه بإهتمام، عندما بدأ هذه العظة الأولى بقوله: “أيها الرجال الاسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال. يسوع الناصرى رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله به في وسطكم كما أنتم أيضاً تعلمون”(4).
وهذه الكلمة “صنع” التي استخدمها في نهاية حديثه شرحها في بداية حديثه بكلمة “تبرهن”، لأنه من الآيات والعجائب التي كان الرب يصنعها، أثبت أنه ليس إنساناً عادياً، بل هو الله في الجسد، وأنه هو الرب وهو المسيح. وهذا ما قاله يوحنا في انجيله “من أجل هذا كان اليهود يطاردونه، لأنه لم ينقض السبت فقط، بل أيضاً لأنه كان يقول أن الله هو أبوه معادلاً نفسه بالله”(5). فإن الرب لم يصنع نفسه عندئذ إلهاً، ولا يمكن أن يعقل أن يكون هناك إله مصنوع، ولكنه تبرهن أنه إله من خلال أعماله عندما قال “فإن لم تؤمنوا بى فآمنوا بأعمالى، لكى تعرفوا أنى في الآب والآب فىّ”(6). إذن فقد جعله الآب رباً وملكاً في وسطنا، ولنا، نحن الذين كنا قبلاً عصاة. فمن الواضح أن هذا الذي يظهر الآن أنه رب وملك، لم يبتدئ أن يصير عندئذ ملكاً ورباً، بل أبتدأ يظهر ربوبيته، وأن تمتد ربوبيته حتى على الذين يعصونه.
13- وإن كانوا يعتقدون أن المخلص لم يكن رباً وملكاً، حتى قبل أن يصير إنساناً وقبل أن يحتمل موت الصليب، وأنه عندئذ بدأ أن يكون رباً، فليتهم يعرفون أنهم يرجعون من جديد إلى أقوال الساموساطى(7) بصراحة. ولكن، إن كان كما سبق أن أقتبسناه وذكرناه أن الرب ملك أزلى، وإن أبراهيم كان يعبده كرب. وموسى قال “فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً من عند الرب من السماء”(8). وداود يقول في المزامير “قال الرب لربى اجلس عن يمينى”(9)، و”عرشك يا الله إلى دهر الدهور، صولجان إستقامة هو صولجان ملكك”(10)، و”ملكك ملك كل الدهور”(11).
فواضح أنه كان ملكاً ورباً سرمدياً قبل أن يصير إنساناً لكونه صورة الأب وكلمته. وحيث أن الكلمة هو رب وملك أزلى فيتضح أيضاُ أن بطرس لم يقل أن جوهر الابن قد صُنِع، بل أن ربوبيته علينا هي التي حدثت حينما صار إنساناً، وأنه بإفتدائه الكل بالصليب، قد صار رب الجميع وملكاً عليهم. وإن كانوا يجادلون بسبب أنه مكتوب “جعل” ولا يريدون أن يقروا بأن “جعل” تعنى “أظهر”، أو بسبب عدم فهمهم، أو بسبب ميلهم لمعاداة المسيح، فليسمعوا مرة أخرى أن أقوال بطرس لها معنى أرثوذكسى. لأن الذي يصير رباً لآخرين، فإنه يملك على الذين هم بالفعل تحت سلطانه الآن.
أما إن كان الرب خالق الكل، وملك أبدى، فعندما صار إنساناً اقتنانا نحن أيضاً. وبهذا يصير واضحاً أن ما قاله بطرس لا يعنى أن جوهر الكلمة مصنوع، بل يعنى أن خضوع الكل له فيما بعد وربوبية المخلص هي التي صارت، على الكل وهذا يوافق ما سبق أن قلناه. لأنه مثلما استشهدنا هناك بالأقوال التي تقول “كن لى إلها معيناً”(12) و “صار الرب أيضاً ملجأ للمسكين”(13)، وإتضح أن هذه الأقوال لا تعنى أن الله مخلوق، بل تشير إلى إحسانه المقدم منه لكل واحد منا، وهكذا فإن قول بطرس له نفس المعنى.
14- ولما كان ابن الله نفسه هو “الكلمة” فهو رب الكل. إلا أننا خضعنا منذ البدء “لعبودية الفساد” و “لعنة الناموس”، ورويداً رويداً، صنعنا لأنفسنا موجودات (معبودات) خدمناها، كما قال الرسول المغبوط(14) “واستعبدنا للذين ليسوا بالطبيعة آلهة”(15) فأنكرنا الإله الحقيقى وفضلنا الأشياء غير الموجودة على الحق. إلا أنه فيما بعد – ملما تأوه الشعب القديم متضجراً في مصر، بعد أن ثقل كاهله. هكذا نحن أيضاً الذين لدين الناموس المغروس في الضمير، وبحسب أنات الروح التي لا ينطق بها”(16) بدأنا نصرخ قائلين “أيها الرب إلهنا إمتلكنا”(17).
وقد “صار لنا بيت ملجأ”، و”إله معين”. هكذا أيضاً قد صار الرب بالنسبة لنا، ولم يكن هذا هو بدء وجوده، بل نحن الذين بدأنا نأخذه رباً لنا. ومن ثم لأن الله صالح وهو أبو الرب، وإذ تحنن وأراد أن يصير معروفاً من الجميع، فقد جعل ابنه الذاتى أن يلبس جسداً بشرياً ويصير إنساناً ويدعى يسوع، لكى يبذل نفسه في هذا الجسد لأجل الجميع، ويخلص الجميع من الضلال عن الله، ومن الهلاك، ويصير هو نفسه رباً وملكاً للكل. لذلك فإن صيرورته رباَ وملكاً، هو نفس ما قصده بطرس بقوله “جعله رباً، وأرسله مسيحاً”(18).
وهذا مشابه للقول أن الآب إذ قد جعل منه إنساناً – لأنه أمر يخص الإنسان أن يكون مصنوعاً – فهو لم يجعله إنساناً فقط بل جعله هكذا لأنه يكون رباً على الجميع ويقدس الكل بواسطة المسحة. لأنه وإن كان الكلمة وهو الكائن في صورة الله، إتخذ صورة عبد، إلا أن إتخاذه للجسد لم يجعل الكلمة وهو رب بالطبيعة أن يكون عبداً، بل بالأحرى فإن الكلمة بهذا الحدث (إتخاذ الجسد) قد حرر كل البشرية. إن الكلمة نفسه وهو بالطبيعة الرب قد جُعل إنساناً، ومن خلال صورة العبد صار رب الجميع ومسيحاً، أى لكى يقدس الجميع بالروح.
وكما أن الله عندما صار إلهاً معيناً قائلاً: “سأكون لهم إلهاً”(19)، فإنه لم يصر في ذلك الوقت إلهاً أكثر من ذى قبل، ولم يبتدئ عندئذ أن يصير إلهاً، بل إن هذا هو الأمر الواقع دائماً، ولكنه صار هكذا للمحتاجين إليه حينما سُرَّ بذلك. وهكذا أيضاً المسيح إذ هو بالطبيعة رب وملك أزلى، لم يصر رباً عندما أُرسِلَ، ولم يبتدئ عندئذ أن يكون رباً وملكاً، بل إن هذا هو الأمر الواقع دائماً، إنما قد جُعِلَ هكذا بحسب الجسد. ولأنه صار فادياً للجميع، فقد صار رب الأحياء والأموات. ولذلك فإن كل الأشياء تخضع له، وهذا أيضاً هو ما يعنيه داود حينما يترنم “قال الرب لربى أجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك”(20). لأنه لا يجب أن يكون الفداء عن أى طريق آخر سوى عن طريق ذاك الذي هو الرب بالطبيعة، لئلا بعد أن خلقنا الابن فإننا ندعو لنا رباً آخر، أو نسقط في الحماقة الأريوسية واليونانية (الوثنية) بأن نعبد المخلوق من دون الله خالق جميع الأشياء(21).
15- هذا هو المعنى المقصود من هذا القول – وذلك على قدر حقارتى – لأن أقوال بطرس هذه الموجهة إلى اليهود، لها سبب حقيقى وصحيح لأن اليهود إذ ضلوا عن الحق وزاغوا، ما زالوا ينتظرون مجئ المسيح ظانين أنه لن يقاسى ألماً عندما يأتى، ويقولون ما لا يفهمون: “نحن نعرف أنه عندما يأتى المسيح سيبقى إلى الأبد. فكيف تقول أنت أنه ينبغى أن يرفع”(22) وهم أيضاً لا يرون أنه الله الذي جاء في الجسد، بل إنه مجرد إنسان سامى مثل كل الملوك. ولذا وبخ الرب كليوباس والذى معه معلماً إياهما “أن المسيح” ينبغى أن يتألم أولاً”(23). وهكذا فعل أيضاً مع اليهود الآخرين معلماً إياهم أن الله أقام في وسطهم عندما قال: “إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله ولا يمكن أن ينقض المكتوب، فالذى قدسه الآب وأرسله إلى العالم، أتقولون أنتم أنك تجدف لأنى قلت أنى ابن الله”(24).
16- ولأن بطرس قد عرف هذه الأمور من المخلص، فقد قّوم أفكار اليهود في كلتا الحالتين وكأنه يقول: (أيها اليهود ان الكتب المقدسة تعلن أن المسيح قادم، وأنتم تظنونه إنساناً بسيطاً كواحد من نسل داود، أما ما كُتب عنه فيبين أنه ليس مثلما تقولونه أنتم، بل بالحرى يعلن أنه رب وإله، وغير مائت، وهو واهب الحياة. لأن موسى يقول “سترون حياتكم معلقة قدام عيونكم”(25)، وداود يقول في المزمور المئة والتاسع “قال الرب لربى أجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك”(26) وفى المزمور الخامس عشر “لن تترك نفسى في الهاوية، ولن تدع قدوسك يرى فساداً”(27). لأن مثل هذه الأقوال، في الواقع لا تعود على داود، فهو نفسه يشهد قائلاً بأن الآتى هو ربه، وأنتم أنفسكم تشهدون أن داود قد مات ورفاته موجودة لديكم.
فإن كان المسيح يجب أن يكون هكذا كما تتحدث عنه الكتب، فأنتم أنفسكم يجب أن تعترفوا به لأن هذه الكلمات قد قالها الله، ولا يمكن أن يعتريها أى كذب. فإن استطعتم أن تثبتوا أن هناك شخصاً مثل هذا قد جاء قبل ذلك، وتستطيعون أن تبرهنوا أنه هو الله. من الآيات والمعجزات التي يكون قد صنعها، فيحق لكم أن تجادلوا. أما إن لم تتمكنوا من إثبات أنه قد أتى مثل هذا الشخص، بل لا تزالون تنتظرونه، إذن فأعرفوا وقت مجيئه من نبوات دانيال. لأنه ما قاله إنما يشير إلى الوقت الحاضر.
فإن كان هذا الوقت الحاضر هو الوقت الذي سبق الإعلان عنه، وشاهدتم الأحداث التي وقعت بيننا الآن، فإن (يسوع) هذا الذي صلبتموه أنتم، هو المسيح نفسه، وأنه هو المسيح المنتظر. لأن داود وكل الأنبياء ماتوا وقبورهم عندكم. أما القيامة التي حدثت الآن فإنها توضح أن هذه الكتابات إنما تخبر عنه.
لأن الصلب هو المقصود بالقول “سترون حياتكم معلقة”(28) وجرحه بالحربة في جنبه هو تكميل للقول “كشاه سيقت إلى الذبح”(29). وقيامته- ليس هو وحده – بل قيامة الموتى القدامى من قبورهم (لأن غالبيتكم قد شاهدوهم)، هي ما يعنيه القول “ل، تترك نفس في الهاوية”(30). و”ابتلع الموت بقوته” وأيضاً “الرب مسح”(31). لأن هذه العلامات التي حدثت فعلاً تثبت أن هذا الذي في الجسد هو الله، وأنه هو الحياة – وهو رب الموت. فالمسيح الذي هو واهب الحياة للآخرين لا ينبغى أن يسود عليه الموت.
وهذا ما كان ممكناً أن يحدث لو كان المسيح إنساناً عادياً كما تعتقدون أنتم، بل هو بالحقيقة، ابن الله لأن جميع الناس خاضعون للموت. من أجل هذا لا ينبغى لأحد أن يشك فيما بعد، بل ليعلم كل بيت أسرائيل تماماً، أن يسوع هذا، الذي رأيتموه إنساناً في مظهره الخارجى، وهو يصنع آياتٍ وأعمالاً مثل هذه – التي لم يصنع مثلها أحد قط – هو نفسه المسيح ورب الجميع. لأنه رغم أنه صار انساناً ودعى باسم “يسوع” كما سبق أن قلنا، إلا أن قدره لم ينقص بالآلام البشرية. بل بالأحرى، فإنه بصيرورته انساناً قد برهن أنه رب الأحياء والأموات. لأنه كما يقول الرسول “لأنه إذ كان العالم في حكمة الله، لم يعرف الله بالحكمة، استحسن الله أن يخلص المؤمنين بواسطة جهالة الكرازة”(32).
وهكذا نحن البشر أيضاً، عندما رفضنا أن نعرف الله من خلال كلمته، ورفضنا أن نخدم سيدنا الطبيعى: كلمة الله، استحسن الله أن يظهر ربوبيته الذاتية في الإنسان، وأن يجتذب الجميع نحو نفسه. ولم يكن من اللائق أن يصنع هذا بواسطة اسنان عادى حتى لا نصير عابدى بشر بإتخاذنا الإنسان رباً، ولأجل ذلك فقد صار الكلمة نفسه جسداً، ودعاه الآب يسوع، وهكذا جعله رباً ومسيحاً. بمعنى أنك تقول: “جعله لكى يسود ويملك” ولأنه باسم يسوع – الذي صلبتموه – أنتم – تنحنى كل ركبة، فإننا نعترف أن الابن نفسه هو الرب والملك، وأن الآب هو هكذا أيضاً من خلاله.
17- وعندما سمع غالبية اليهود هذه الأقوال رجعوا إلى أنفسهم، ثم اعترفوا بالمسيح كما هو مكتوب في سفر الأعمال. ولأن مجانين الآريوسية قد اختاروا أن يظلوا يهوداً، وأن يناضلوا ضد بطرس، لذلك هيا بنا نقتبس لهم عبارات مماثلة، فربما يتحولون بهذه الطريقة عندما يتعلمن أسلوب الكتب المقدسة. فقد اتضح مما سبق أن المسيح رب أزلى وملك، ولا يشك أحد في هذا القول. فلأنه هو ابن الله، فإنه يلزم أن يكون مماثلاً له، ولكونه مماثلاً فهو قطعاً رب وملك معاً.
فقد قال هو عن نفسه ” من رآنى فقد رأى الآب”(33). أما وأن عبارة بطرس هذه: “جعله رباً ومسيحاً”، لا تعنى أن الابن مصنوع، فهذا ممكن أن نراه من بركة اسحق – رغم أن هذه الصورة باهتة نوعاً ما من جهة هذا الموضوع المطروح للبحث – وذلك عندما قال ليعقوب “كن سيدأً لأخيك”(34)، وقال لعيسو “هأنذا قد جعلته سيداً لك”(35). إذن حتى لو كان لفظ “جعل” يشير إلى جوهر يعقوب وبدء وجوده فما كان ينبغى لهؤلاء أن يفكروا بمثل هذه الأفكار عن “كلمة الله” لأن ابن الله ليس مخلوقاً مثل يعقوب.
ومع ذلك فقد كان في وسعهم أن يستوضحوا الأمر ويعرفوه حتى لا يتمادوا أكثر في جنونهم. فإن فهموا هذه الأمور على إنها لا تخص الجوهر ولا بداية الوجود، على الرغم من أن يعقوب مخلوق ومصنوع بحسب الطبيعة، فكيف لا يكونون أكثر جنوناً من الشيطان، عندما يتجاسرون أن ينسبوا لأبن الله تلك الأوصاف التي لا يتجاسرون أن يلصقوها بالكائنات المخلوقة بالطبيعة، ويقولون عنه أنه مخلوق؟ فإن قول اسحق “كن” و “جعلته” لا يعنى بداية خلقه يعقوب ولا جوهره، لأنه قال هذه بعد ثلاثين سنة أو أكثر من ميلاد يعقوب، ولكن سيادته على أخيه هي التي حدثت بعد ذلك.
18- إذن فبطرس بالأحرى – ما كان يقصد بهذه الكلمات أن جوهر الكلمة مخلوق – لأنه يعرف أنه ابن الله، إذ قد اعترف قائلاً “أنت هو المسيح ابن الله الحى”(36)، ولكنه يقصد بها ملكوته وسيادته التي تحققت وصارت فينا بحسب النعمة. وهو حينما قال هذا لم يصمت عن ألوهية ابن الله الأزلية التي هي أيضاً للآب. لأنه قد سبق وقال أنه قد سكب الروح علينا(37) إذ ليس من طبيعة الخليقة ولا الأشياء المصنوعة أن تعطى الروح بسلطان، بل هو عطية الله.
فالمخلوقات تتقدس بواسطة الروح، أما الابن فحيث أنه لا يتقدس بواسطة الروح بل بالأحرى هو الذي يعطى الروح للجميع، لذلك فهو ليس مخلوقاً، بل هو ابن الآب الحقيقى. ورغم أنه هو واهب الروح، إلا أنه يقال عنه أيضاً أنه قد صُنِعَ، وهذا يعنى أنه قد صُنِعَ رباً فيما بيننا من خلال بشريته، في حين أنه واهب الروح لأنه كلمة الله. لأنه كما كان ابناً على الدوام ولا يزال دائماً، فهو أيضاً رب وسلطان على الجميع. لكونه مثل الآب في كل شئ وله كل ما للآب كما قال هو نفسه(38).
(1) أع 36:2.
(2) تك 11:1-16.
(3) أع 36:2.
(4) أع 22:2.
(5) يو 18:5.
(6) يو 38:10.
(7) راجع الكتاب الأول هامش 65 في صفحة 54.
(8) تك 24:19.
(9) مز 1:110.
(10) مز 6:45.
(11) مز 13:145.
(12) مز 3:31.
(13) مز 9:9.
(14) رو 25:1.
(15) غل 8:4.
(16) رو 26:8.
(17) اش 13:26 سبعينية.
(18) أع 36:2.
(19) خر 27:37.
(20) مز 1:110.
(21) رو 25:1.
(22) يو 34:12.
(23) لو 26:24.
(24) يو 35:10-36.
(25) تث 66:28 هكذا فهم الآباء هذا النص – راجع تجسد الكلمة 35.
(26) مز 1:110.
(27) مز 10:16.
(28) تث 66:28.
(29) أش 7:53.
(30) مز 10:16.
(31) اش 8:25.
(32) 1كو 21:1.
(33) يو 9:14.
(34) تك 29:27.
(35) تك 37:27.
(36) مت 16:16.
(37) أع 17:2.
(38) يو 15:16.