الدور الكهنوتي وامتداده في المسيح – مينا كرم جابالله
❶ كهنوت آدم (اول بشر)
يُعتبر آدم هو أول كاهن في البشرية هو تلقى الوصية (تك 2: 16- 17) وكان دوره أن يصون الوصية ويوصلها بكمال لحواء وهو ما فشل فيه (تك 3: 3) ، عندما اخطأت حواء وأكلت من الشجرة المحرمة لم تنتهي القصة، الشر الذي دخل لحواء قد غلب برّ آدم الكاهن اذ شاركها في الخطية [1]. يبدو الأمر وكأن آدم قد حمل من خطية حواء عليه فشاركها فيها وفي نتيجتها. وانتهت قصة سقوط آدم الكاهن بالتوبيخ الالهي (تك 3: 8-19).
❷ كهنوت هارون (الفرد المُختار من الأمة)
أول من رُسِم كاهناً من اسرائيل هو هارون وكان هذا باختيار إلهي (خر 28: 1) وكان دوره هو ان يكون في وضع طهارة بشكل دائم وان يُقدم عن نفسه وعن كل الأمة تقدمات وذبائح للكفارة ولمغفرة الخطايا. هذا الكاهن العظيم لم تخلو حياته من المصاعب ولعل اشهر ما تعرض له هو ضغط اليهود عليه لكي يبني لهم العجل الذهبي (خر 32: 1)، سقط هارون تحت ضغط شعبه وشاركهم الخطية بدل من ان يقوّمهم ويذكرهم بالشريعة حيث يتحتم عليه بسبب دوره الكهنوتي.
وتكررت السقطة عند ماء مريبة (عد 20)، من هاتان القصتان نرى بوضوح ان شر اسرائيل قد غلب برّ هارون الكاهن، وكأن هارون قد حمل شر شعبه عليه فصار متشبهاً بهم وحاملاً للخطية ومعرضاً لنتيجتها ، تعرض هارون الكاهن البار للتوبيخ الالهي الشديد وبالحرمان من دخول الارض الموعود بها مثله مثل باقي الشعب المتمرد (عد 20: 12).
❸ كهنوت اسرائيل (الأمة المُختارة من بين الأمم)
على مستوى أعلى نرى أنه من بين كل امم العالم اختار الرب اسرائيل ليكهنوا له (تث 7: 7)، فهم الربوات أن دور اسرائيل بين امم العالم هو دور كهنوتي بمعنى ان يكونوا نوراً ومرشاداً لكل الأمم المحيطة وهو ما حدث في نطاق ضيق [2] كما أن اسرائيل قد قدمت عن الأمم ذبائح كفارية [3].
وبالرغم من ان دور اسرائيل الكهنوتي كان يجب ان يكون موضع امتنان وشكر من امم العالم ، حدث عكس هذا وصاروا موضع بُغضة منهم، وتفننت الامم المحيطة في الضغط على اسرائيل لتوقيعهم في الخطية (مثلاً عد 25: 1- 3)
وبالفعل انحرفوا وخرجوا من السياج التوراتي الذي وضعه لهم الرب وسقطوا تحت ضغط الامم المجاورة فتشبهوا بهم وانزلقوا معهم في الخطية بدل من ان يقوِّموهم ويعرّفوهم بالشريعة، وهذا كان موضع غضب من الرب والذي بسببه تعرضت اسرائيل لمآسي تاريخية كثيرة وبالسبي لفترات متعاقبة وطويلة (حز 11: 9).
❹ كهنوت المسيح (الكاهن المثالي والمُختار من قبل تأسيس العالم)
هذا الدور الكهنوتي نرى امتداده في المسيح، هذا الذي تنبأ الانبياء عنه قائلين انه سيأتي كنور وكمرشد للجميع (اش 42: 1-6 ، 49: 6)، وبالفعل اتى المسيح في المجئ الاول في ثوبه الكهنوتي يُعلم بما اتى في الشريعة وقد فاق عما اتى فيها، وفيما اخفق السابقين قد انتصر المسيح اذ انه لم يرتكب خطية قط (يو 8: 45) ولم يسقط أبداً تحت أي ضغط (مت 21: 12-13) ولم يتخلى في اي لحظة عن دوره الكهنوتي المنوط به (مت 26: 42).
لم يتلقى المسيح الامتنان والعرفان ممن حوله وانما ابغضه العالم، رُفِض من الكل فاليهود طالبوا بصلبه افتراءاً (مت 26: 59) والامم نفذوا الحكم عليه ظلماً (مت 27: 24) أما هو فقام بعمله الكهنوتي في اتم وجه حتى النهاية (في 2: 8)، اذ حمل الخطية على نفسه فذاق الآلام التي استحققناها نحن بعصياننا وقدم نفسه ذبيحة حية مقبولة طواعيةً، كفارةً عن الجميع لمغفرة الخطايا ولزوال الاثم.
وبعدما انهى عمله الكهنوتي قام من بين الأموات علامة انتصاره وبعدما صعد نال المجد الإلهي (1بط 1: 11، عب 2: 9).
❺ كهنوت الكنيسة
بعد عمل المسيح الكفاري صارت الكنيسة أمة كهنة (رؤ 1: 6) فكل فرد فيها هو بمثابة كاهن وعليه ان يقوم بدوره الكهنوتي امتداداً للمسيح رئيس كهنتنا (عب 2: 17)، ودورنا ككهنة هو ان نحفظ الوصية ونلتزم بها فنصير كاملين (مت 5: 48) ونعلم بها الآخرين (مت 28: 19)، ان نظل ثابتين متمسكين بالتعليم الصحيح (2تس 2: 15) في ظل عالم شرير يضغط علينا بالخطية من كل اتجاه، ان نصلي لأجل الآخرين ونطلب لهم الغفران والهداية (مت 5: 44)
وان نتحمل ببشاشة الآلام والضيقات التي لابد وأن تأتي ان التزمنا بدورنا (يو 16: 33) لكي نتمجد فنكون مثالاً للمسيح والذي بعد أن نتألم نال المجد (رو 8: 17) “.. ان كنا نتألم معه لكي نتمجد ايضا معه”.
✥ ملخص:
جلب آدم الكاهن على نفسه مصير رعيته اي حواء فمات ، جلب هارون الكاهن على نفسه مصير شعبه المتمرد فحرم من دخول الأرض، جلبت اسرائيل على نفسها مصير الشعوب الوثنية الأممية المحيطة فتعرضت للخراب والنهب والسبي ، في كل هؤلاء نرى كيف أن الكاهن قد شارك رعيته في مصيرها، بعد هذة السلسلة الطويلة من الفشل لا نجد انتصارنا إلا في المسيح ، انتصر المسيح في كهنوته وقدم نفسه لنا مثالا ليُحتذي ووعدنا بان من يسير منا في طريقه سيشاركه في المجد الذي ناله.
☜ (اش 53: 4-6)
[.. احزاننا حملها واوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله ومذلولا،وهو مجروح لاجل معاصينا مسحوق لاجل آثامنا تاديب سلامنا عليه وبحبره شفينا، كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا.]
[.. חלינו הוא נשא ומכאבינו סבלם ואנחנו חשבנהו נגוע מכה אלהים ומענה והוא מחלל מפשענו מדכא מעונתינו מוסר שלומנו עליו ובחברתו נרפא לנו כלנו כצאן תעינו איש לדרכו פנינו ויהוה הפגיע בו את עון כלנו]
__________________________________________
[1] بحسب بولس الرسول آدم لم يتعرض للإغواء (1تي 2: 14) وهذا امتداداً لما ورد في التقليد اليهودي القديم والذي فيه قيل ان آدم شارك حواء الخطية (الاكل من الشجرة المحرمة) لا عن غواية او عن شك في الوصية ولكن بسبب ضغط حواء عليه، اكل آدم الثمرة حتى يشارك حواء مصيرها بسبب حبه لها وتعاطفه معها (مدراش رباه للتكوين 19: 5، 20: 8، بركي اليعزر 13)
[2] انضم كثير من المصريين لاسرائيل عند خروجهم من مصر وصاروا جزءاً من الأمة (خر 12: 38) وكذلك الجبعونيين الذين احتالوا لكي ينضموا لهم وبعدها حملوا جزءاً هاماً من مهام خدمة الهيكل (1أخ 9: 2)، ايضاً انضمام بعض العائلات لهم مثل عائلة راحاب (يش 6: 25) وغيرها.
[3] مثل تقدمة السبعين ثور والتي كانت تُقدم في خلال اسبوع عيد المظال [[للمزيد راجع موضوع (دور اسرائيل الكهنوتي بين الأمم)]]