العرس الجديد وثمر النفس
[ لقد كان مجيء مخلصنا إلى العالم بمثابة عيد عظيم، اتحد فيه روحياً بطبيعة الإنسان كمثل عروس له حتى إن هذه الطبيعة التي بقيت عاقراً زماناً طويلاً تصير مُثمره ويزداد ثمرها جداً ](القديس كيرلس الكبير – تفسير لوقا 5: 34 ب.ج 72: 573)
لقد ظهر الله في ملء الزمان متحداً بجسم بشريتنا الضعيف لهدف أن يتحد بنا كلمة الله فيدخل فينا كزرع إلهي لكي نُثمر به، وقد عّبَّر عن مجيئه إلينا في الجسد قائلاً: [ جئت لألقي ناراً على الأرض ] (لوقا 12: 49). فقد جاء حقاً ليدخل هو نفسه كنار إلهية [ إلهنا نار آكله ] (عبرانيين) داخل قلبنا العاقر حتى يشتعل به فنثمر له ثمر الروح…
الطبيعة البشرية قد ماتت فعلياً على مستوى الخبرة إذ جُرحت بداء عديم الشفاء، فظهر موتها على مر الأجيال كلها منذ سقوط آدم، بل زاد فسادها جداً وفاحت رائحتها التي صعدت إلى العُلى بصراخ اليائس من الشفاء قائلاً: [ من ينقذني من جسد هذا الموت ]، بل ومن كثرة الصراخ، تحول لأنين صامت ولم يبقى مقدره على النطق لأن الفساد قد سرى والعفونة صارت في قبور الشهوة تعمل بالموت، والكل واقع تحت سلطان الخطية ولا يقدر أن يفلت من حكم الموت، وأُغلق على الجميع في العصيان، واقتنع كل إنسان أنه ميت لا محالة !!!
وبميلاد المخلص العظيم [ اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم ]، تم الزرع السماوي في داخل طبيعة الإنسان، فالزرع الإلهي هو الكلمة الذي حلَّ في بطن العذراء والدة الإله القديسة مريم العذراء كل حين، وهو يحل في كل النفوس المؤمنة فتولد منه ميلاداً روحياً جديداً اسمه ميلاد الخلاص الأبدي: [ مولودين ثانية لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد ] (1بطرس 1: 23)
[ إن العريس السماوي، أي المسيح، يتحد بعروسه، أي النفس، فيملأها بالتعزية ويُنقيها من الآلام (أوجاع القلب). وكما أن حواء إن لم تتحد بآدم لبقت عاقراً وغير مثمرة، هكذا أيضاً النفس إن لم تتحد بالعريس السماوي أي المسيح، بواسطة الروح، فأنها تبقى كأرملة عاقر وغير مثمرة لملكوت السماوات ] (القديس مقاريوس الكبير – مقتطفات من عظة الميلاد عن مجموعة 7 عظات للقديس مقاريوس نشرها العالم Marriot باليونانية سنة 1918)
فلنُعيد – كل يوم – بعيد خلاصنا بالزرع الجديد ونقدم توبة بإيمان حي بالعريس السماوي الذي أقام لنا عُرساً مقدساً ودعانا إليه ليكون لنا شركة مع الله الحي، لأن الرب يسوع صار لنا سرّ الصلح الأبدي، والخطية لن تقوى علينا بل لنا النصرة بقيامة يسوع لأن الموت أُبتُلع لحياه، فلنا أن نصغي للدعوة بآذان قلوبنا ونتحرك إليه لا بأرجلنا إنما باشتياقات قلوبنا وعطشها إليه، وإيماننا الحي بشخصه الكريم، لكي تنمو فينا بذرة الحياة المزروعة في داخلنا بالمعمودية وسرّ المسحة المقدسة على مستوى الخبرة اليومية لنحيا مثمرين له…
لننتبه يا أحبائي لعُرسنا الجديد وندخل فيه مسرعين، لأن اتحاد اللاهوت بالناسوت في شخص المسيح الكلمة المتجسد قد بدأ سراً العُرس الإلهي الذي فيه نتحد جميعاً مع الله: [ ففي هذا الناسوت قد اتحدت الكنيسة بالكلمة] (القديس أغسطينوس – تفسير مزمور 4)