Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

التأله غاية خلق الإنسان – د. أنطون جرجس

التأله غاية خلق الإنسان – د. أنطون جرجس

التأله غاية خلق الإنسان – د. أنطون جرجس

يعترض البعض في وقتنا الحاضر على لفظة تأله أو تأليه الإنسان، معتقدين خطاءً أن التأله معناه مساواة المخلوق (أي الإنسان) بغير المخلوق (أي الله)، ويهاجمون المصطلح لمجرد أنه لا يليق نسبه إلى المخلوق.

لذا أحبائي أردت في هذا المقالة توضيح حقيقة هامة لهؤلاء الذين يهاجمون المصطلح، وهي أن التأله بالنعمة له معاني كثيرة، منها:

١.التبني لله الآب بالمسيح في الروح القدس.

٢.شركة الطبيعة الإلهية في القداسة والبر والحكمة والحياة الأبدية أي حياة عدم الفساد، وحياة عدم الموت (الخلود)، واللاهوى، أي عدم سيطرة الأهواء البشرية على ذهن الإنسان.

٣.سكنى الروح القدس بأقنومه داخلنا ليعطينا مواهبه وعطاياه وأعماله وطاقاته الإلهية غير المخلوقة، التي هي أعمال وعطايا وبركات الثالوث القدوس.

٤.غرس الصورة الإلهية في الإنسان، صورة البهاء والمجد والعظمة والسلطان في المسيح، صورة الله غير المنظور.

معاني ومفاهيم التأله كثيرة جدًا، ولكنني أكتفي بهذه النقاط.

 

سنبدأ بالحديث عن موضوع هذه المقالة، وهو تتبع غاية خلق الإنسان عند آباء الكنيسة، حيث وجدنا أن الآباء يجملون غاية خلق الإنسان من العدم في تعبير “التأله”.

فنرى ق. إيرينيؤس يتحدث عن أن الإنسان كان مخلوقًا ليصير إلهًا بالنعمة، ولكنه لم يصل إلى هذه المرتبة السامية والكاملة من بداية خلقته، بل كان عليه أن يتدرج في الفضيلة ومسيرة التأله حتى يصل إلى هذه الدرجة الرفيعة أي التأله بالنعمة، وهذا يدحض تعليم أن الإنسان كان خالدًا بطبيعته أو منذ خلقته، وأنه كان متألهًا منذ خلقته. حيث يقول التالي:

“كيف يمكن أن يكون إلهًا*، وهو لم يصر إنسانًا (بالكمال) بعد؟ أو كيف يمكن أن يكون كاملاً، وهو مازال في بداية خلقته*… لأنه يجب في البداية أن تتمسك برتبة إنسان، ثم تشترك بعد ذلك في مجد الله” (ضد الهرطقات ٤: ٣٨: ١).

نرى أيضًا العلامة ترتليان يتحدث في نفس السياق أن غاية خلق الإنسان هي أن يصير إلهًا بالنعمة، بعد آخذ الإنسانية إلى قلب الألوهية في المستقبل، حيث يقول التالي:

” أنظروا آدم سيصبح واحدًا منا (تك٣: ٢٢)، أي أن ذلك سيكون بعد آخذ الإنسانية إلى قلب الألوهية في المستقبل”.

(Tertullian, Ad. Marcion, 3. 24, CSEL- 47.420. 10-13, Trans. By Holmes, ANF).

كما يرى ق. ثيؤفيلوس الأنطاكي أن الإنسان خُلق في مرحلة متوسطة بين الخلود والموت، فلو اتجه نحو الخلود بحفظ وصية الله، كان سينال الخلود كمكافأة له، ويصير إلهًا بالنعمة، ولكن إن اتجه نحو الموت، وعصا وصية الله، كان هو نفسه علة موته، لأن الله خلقه حرًا مريدًا. حيث يقول التالي:

“لقد خلق الله الإنسان ليس خالدًا ولا مائتًا، ولكن خلقه قادرًا أن يتجه إلى أيّ من الجهتين (أي الخلود أو الموت)، وهكذا إذا اتجه إلى ما هو خالد وحفظ وصية الله، فإنه كان سينال مجازاة الخلود من الله، ويصبح إلهًا بالنعمة*. أما إذا اتجه إلى الأشياء التي تقود إلى الموت وعصى الله، فإن الإنسان سيصبح هو نفسه سبب موته، لأن الله خلق الإنسان حرًا وسيدًا على إرادته” (الرسالة إلى أوتوليكوس ١: ٢٧).

ويؤكد ق. أثناسيوس على أن وعد الخلود (عدم الموت) في السماء؛ كان ينتظر البشر لو حافظوا على النعمة في الفردوس واستمروا صالحين، حيث يقول التالي:

“إذا حفظوا (أي البشر) النعمة واستمروا صالحين، عاشوا في الفردوس بغير حزن ولا ألم ولا هم، بالإضافة إلى الوعد بالخلود في السماء”

(تجسد الكلمة ٣: ٤).

يشير ق. باسيليوس الكبير إلى نفس الغاية من خلق الإنسان، ولكن باستخدام صورة الملابس النورانية التي يكتسي بها الملائكة في مجد وبهاء عظيمين، حيث يرى أن هذه هي مكافأة الإنسان لو مارس الفضيلة، حيث يقول التالي:

” إذًا، لم يكن ينبغي للإنسان أن تكون له أغطية طبيعية، ولا حتى صناعية؛ إذ كان معدًا له نوع آخر من الأغطية إذا مارس الفضيلة. هذه الأغطية التي كانت لا بد أن تغطي الإنسان بنعمة الله هي تلك التي يرتديها الملائكة*، تلك الملابس النورانية التي تفوق جمال الزهور، ولمعان وبهاء النجوم. لذا لم تُعطى له الملابس مباشرةً بعد خلقته*، إذ كانت معدة له كمكافأة له إذا مارس الفضيلة، والحقيقة كان في يده أن يأخذها، لكن للأسف بسبب تأثير الشيطان، لم يستطع أن ينالها”

(عظة الله ليس مسببًا للشر).

ويدحض هنا ق. باسيليوس أيضًا التعليم بأن الإنسان كان خالدًا منذ خلقته، ويؤكد على أنه كان في مسيرة نحو اقتناء المجد الملائكي إذا استمر في ممارسة الفضيلة.

يؤكد ق. غريغوريوس النيسي أخو ق. باسيليوس على أن الإنسان كان مدعوًا للحياة ليكون شريكًا في الطبيعة الإلهية أي التأله بالنعمة، وهذه كانت غاية خلقته، وهذا هو السبب من وراء خلقته بحسب صورة الله، حيث يقول التالي:

“إذا كان الإنسان قد دُعي للحياة ليكون شريكًا في الطبيعة الإلهية، فلا بد أن يكون تكوينه الأساسي يؤهله لهذه المشاركة، وكان من الضروري أن يُمزج شيئًا من المماثلة الإلهية بالطبيعة البشرية، حتى تجعله – هذه المماثلة- يميل إلى ما ينتمي إليه…. هذا كله يُشار إليه في عبارة (خلق الإنسان على صورة الله)”

(العظة التعليمية الكبرى ٥: ٥- ٧).

كما نرى ق. غريغوريوس اللاهوتي يتفق مع رفيقيه القديسين باسيليوس وغريغوريوس النيسي في أن غاية خلق الإنسان هي التأله بشوق الإنسان نحو الله، حيث يقول التالي:

“كائن حي يقيم في الأرض، ولكنه ينتقل إلى عالم آخر، وفي نهاية المطاف، يصير إلهًا بشوقه إلى الله*”

(العظة الفصحية الثانية ٣٦: ٧).

أختم بمعلم الأرثوذكسية العظيم ساويروس الأنطاكي الذي يتحدث عن غاية خلق الإنسان في نفس السياق الآبائي الأرثوذكسي الموصول في الكنيسة عبر العصور والأجيال، حيث يتحدث عن أن الإنسان فانٍ بطبيعته وقابل للفساد بطبيعته منذ خلقته، داحضًا مزاعم أن الإنسان خالد بالطبيعة، وأنه كان متألهًا منذ خلقته، كما يؤكد على أن غاية خلق الإنسان هي حياة عدم الفساد أي التأله بالنعمة، لو كان استمر موجهًا نظره نحو الله. حيث يقول التالي:

“إن الإنسان فانٍ بالطبيعة، لأنه أتى إلى الوجود من العدم… ولكنه مع ذلك، لو كان قد استمر موجهًا نظره نحو الله، لكان قد تجاوز قابليته الطبيعية للفساد، وبقى غير فاسد”.

(La polémique, I, p. 30)

التأله غاية خلق الإنسان – د. أنطون جرجس

Exit mobile version