آبائيات

التأله غاية التجسد – د. أنطون جرجس

التأله غاية التجسد - د. أنطون جرجس

التأله غاية التجسد – د. أنطون جرجس

التأله غاية التجسد - د. أنطون جرجس
التأله غاية التجسد – د. أنطون جرجس

 سوف أناقش معكم أحبائي في هذا المقال موضوع مهم جدًا وهو التأله غاية التجسد الإلهي، حيث ينكر البعض أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان، كما يرفضون أيضًا في خضم ذلك، موضوع آخر قد تمت إثارته من قبل، وهو التجسد غير المشروط وعلاقته بالتأله وخلود الإنسان.

أود أولاً توضيح الحجج والبراهين التي يُبنى عليها موضوع التجسد غير المشروط، وهم ثلاث حجج رئيسية:

الحجة الأولى:

(الحجة الكتابية) تدبير التجسد هو تدبير أزلي حتمي بشهادة آيات الكتاب المقدس، مثل:

أ. حديث بولس الرسول عن تدبير ملء الأزمنة في المسيح:

10 لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، فِي ذَاكَ (الرسالة إلى أفسس10:1)

ب. حديث بولس الرسول عن السر المكتوم منذ الدهور:

9 وَأُنِيرَ الْجَمِيعَ فِي مَا هُوَ شَرِكَةُ السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ فِي اللهِ خَالِقِ الْجَمِيعِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ. (الرسالة إلى أفسس9:3)

ج. حديث بولس الرسول عن سر حكمة الله المكتومة:

7 بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ اللهِ فِي سِرّ: الْحِكْمَةِ الْمَكْتُومَةِ، الَّتِي سَبَقَ اللهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ الدُّهُورِ لِمَجْدِنَا، (الرسالة الأولى إلى كورنثوس7:2)

د. حديث بولس الرسول عن السر المكتوم منذ الدهور:

 السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ وَمُنْذُ الأَجْيَالِ، لكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ لِقِدِّيسِيهِ، (الرسالة إلى كولوسى ١: ٢٦)

 جميع هذه كانت إشارات كتابية واضحة إلى أزلية وحتمية سر التجسد، ولكن يدّعي البعض أن هذا التدبير الإلهي كان من أجل علاج نتائج سقوط الإنسان أي مشروط بسقوط الإنسان، بمعنى لو لم يسقط الإنسان في التعدي، كان لن يحدث سر التجسد. وهنا نتساءل كيف يكون تدبير أزلي حتمي، ويكون مشروطًا في نفس الوقت بالسقوط؟

الحجة الثانية: (حجة التأله) ما دام التأله هو غاية التجسد سواء قبل السقوط أو بعد السقوط كما علّم آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا، وكما سنرى في هذا المقال، فما المشكلة في حدوث التجسد غير المشروط قبل السقوط، طالما التأله هو الهدف المشترك سواء قبل أو بعد السقوط.

الحجة الثالثة: (حجة الخلود) ما دام الإنسان مخلوق من أجل الخلود والحياة الأبدية قبل السقوط، كيف كان يمكن أن يصير خالدًا بدون اتحاد الإلهي بالإنساني في التجسد؟ هل هناك وسيلة أخرى للخلود في ضوء الإعلان الإلهي غير التجسد؟ وإن كان يوجد آتوني بها. وحيث أننا أوضحنا في مقال سابق بعنوان “ماهية الخلود في تعليم آباء الكنيسة”، أرجو الرجوع إليه، وربطه بالموضوع ككل، لتتضح الصورة، بأنه لا يمكن الخلود بدون التجسد والتأله؟ ولا توجد وسيلة أخرى غير التجسد غير المشروط.

ماهية الخلود في تعليم آباء الكنيسة

 

نستعرض الآن معًا أحبائي موضوع المقال، وهو الحجة الثانية من الحجج الثلاثة التي وضعناها للتجسد غير المشروط، وهي (التأله غاية التجسد) كالتالي:

نبدأ أولاً بتأكيد العلامة ترتليان على أن غاية خلق الإنسان هي التأله، حيث يقول:

“أنظروا آدم سيصبح واحدًا منا (تك٣: ٢٢)، أي أن ذلك سيكون بعد آخذ الإنسانية إلى قلب الألوهية* في المستقبل”. (ضد ماركيون ٣: ٢٤)

(Tertullian, Ad. Marc. 3. 24, CSEL _ 47.420.10-13; trans. Holmes, ANF)

 

 وهذا هو ما يؤكده أيضًا ق. غريغوريوس اللاهوتي عن انتقال الإنسان الأول قبل السقوط إلى عالم آخر في نهاية المطاف، ليصير إلهًا بشوقه لله، حيث يقول التالي:

“كائن حي يقيم في الأرض، ولكنه ينتقل إلى عالم آخر، وفي نهاية المطاف، يصير إلهًا بشوقه إلى الله”.

(العظة الفصحية الثانية، عظة ٤٥: ٧)

 وهكذا وضعنا القاعدة الأساسية بأن غاية الإنسان كانت قبل السقوط هي التأله، نبحث الآن الوسيلة التي أعلنها الله في الكتاب المقدس والتقليد لتحقيق هذا التأله وهي التجسد، لأن التأله هو غاية التجسد.

 نبدأ من عند ق. أثناسيوس حيث يؤكد على أن غاية التأنس والتجسد هي التأله في عبارته الشهيرة التي تقف حجرة عثرة أمام كثيرين، مستخدمًا الصيغة التبادلية كالتالي:

“لقد صار إنسانًا لكي يؤلهنا*”.

(تجسد الكلمة ٥٤: ٣).

كما يؤكد في موضع آخر ويربط بين التأله والخلاص كغايتين للتجسد، فالخلاص هو التأله والتأله هو الخلاص عند ق. أثناسيوس المعروف بأنه “لاهوتي التأليه” كالتالي:

“لقد صار مثل هذا الاتحاد، لكي يصير ما هو بشري بحسب الطبيعة متحدًا بالذي له طبيعة اللاهوت، فيصير خلاصه وتألهه* مضمونًا”

(ضد الآريوسيين ٢: ٧٠)

 كما يردد ق. كيرلس السكندري نفس كلمات ق. أثناسيوس قائلاً بأن غاية التجسد هي التأله كالتالي:

“لذا فقد صار مثلنا أي إنسانًا، لكي نصير مثله أعني آلهة* وأبناء”.

(in Joh. 21: 1. 1088bc)

ويردد ق. أوغسطينوس معهما نفس الكلام قائلاً:

“لأن هذا الاتخاذ (أي التجسد) قد جعل الله إنسانًا، والإنسان إلهًا*”.

(الثالوث ١: ١٣: ٢٨)

كما يؤكد ق. غريغوريوس اللاهوتي على نفس كلام الآباء السابقين أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان قائلاً:

“والإنسان الأرضي الذي اتحد بالجسد بوساطة روح، صار إلهًا عند ما امتزج بالله، وصار واحدًا يغلب فيه الأفضل والأرفع، وبذلك أصبح أنا إلهًا* بقدر ما أصبح هو إنسانًا”.

(الخطبة اللاهوتية الثالثة، عن الابن، خطبة ٢٩: ١٩)

ويقول أيضًا في موضع آخر في نفس السياق:

“هلم لنصير مثل المسيح، حيث أن المسيح صار مثلنا؛ هلم نصير آلهةً* من أجله، لأنه صار إنسانًا لأجلنا”

(العظة الفصحية الأولى ٣٥: ١)

كذلك يؤكد ق. غريغوريوس النيسي على أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان كالتالي:

“وبما أن هذا الجسد الذي صار وعاء للألوهة، قد نال ذلك أيضًا لكي يستمر في الحفاظ على وجوده*، كما أن الله الذي أظهر ذاته، قد مزج نفسه بطبيعتنا المائتة حتى بهذه الشركة مع اللاهوت*، يتيسر للبشرية أن تصير مؤلهة* في نفس الوقت”.

(Or. Cat: 37, PG 45.97b)

 كما يسير ق. هيلاري أسقف بواتييه الملقب بأثناسيوس الغرب على نفس النهج في أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان كالتالي:

“لأن الله قد جاء في الإنسان، ليصبح الإنسان بدوره إلهًا*”.

(تفسير إنجيل متى على آية (مت٥: ١٥)، PL9. 950CD).

كما يؤكد في نفس السياق على الحقيقة السابقة قائلاً في موضع آخر:

“فإنه حينما وُلد الله ليكون إنسانًا، لم يكن الغرض هو فقدان الألوهية، بل ببقاء الألوهية، يجب على الإنسان أن يُولد ليصير إلهًا*”.

(عن الثالوث ١٠: ٧).

 ومن هنا يتضح أحبائي من خلال أقوال معلمي البيعة المقدسة شرقًا وغربًا أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان سواء قبل السقوط أو بعده، وبالتالي، كان التجسد سيحدث حتى لو لم يخطئ آدم، لكي يؤله الله الإنسان باتحاده به في التجسد ليهبه الخلود والحياة الأبدية أي حياة الله، لأنه يجعلني اشترك فيها معه باتحادي به في المسيح الكلمة المتجسد، ولا يوجد وسيلة أخرى أعلنها الله من أجل تحقيق ذلك سوى التجسد الإلهي.

التأله غاية التجسد – د. أنطون جرجس