التأله غاية خلق الإنسان عند ق. كيرلس السكندري – د. أنطون جرجس
التأله غاية خلق الإنسان عند ق. كيرلس السكندري - د. أنطون جرجس
التأله غاية خلق الإنسان عند ق. كيرلس السكندري – د. أنطون جرجس
يفرق ق. كيرلس السكندري بين صورة الله ومثاله في الإنسان، حيث يرى أن لصورة الله معاني كثيرة، بينما المثال هو حياة عدم الفساد وعدم الاضمحلال، كما يؤكد على أن الإنسان لم يكن خالدًا بالطبيعة منذ خلقته، بل كان سينال الخلود بعد ذلك كعطية من الله على طاعته للوصية وثباته في الله. حيث يقول التالي:
“ورغم أن حديثي أقل من المستوى اللازم، إلا أنني يجب أن أواصل موضحًا الحالة الأولى لطبيعتنا. فإني أعرف أننا إذ نقصد بإخلاص أن ندرك معنى الكلمات التي أمامنا، فإننا سنتجنب الأخطار الناتجة عن الكسل. إذًا، فهذا المخلوق العاقل أي الإنسان، قد خُلق من البداية على صورة ذاك الذي خلقه حسب المكتوب (أنظر كو٣: ١٠). وصورة لها معاني متعددة.
فيمكن أن تكون الصورة ليس حسب معنى واحد، بل حسب معاني كثيرة، أما عنصر مماثلة الله الذي خلقه، الذي يعلو الكل، فهو عدم الفساد وعدم الاضمحلال.
فنحن نعرف أن المخلوق لا يمكن أن يكون كفوًا في ذاته أن يكون هكذا كالله بمجرد قانون طبيعته الخاصة*، لأنه كيف يمكن لذاك الذي هو من الأرض بحسب طبيعته الخاصة، أن يملك مجد عدم الفساد*، إن لم يحصل على ذلك من الله* الذي هو بالطبيعة عديم الفساد، وعديم الفناء، وهو دائم هكذا كما هو إلى الأبد، والله هو الذي يغني الإنسان بهذه الهبة كما يهبه كل العطايا الأخرى*؟”.
كيرلس السكندري (قديس)، شرح إنجيل يوحنا مج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي الدراسات الآبائية، ٢٠١٥)، ص ٢١٤.
ثم يؤكد ق. كيرلس السكندري على أن التأله هو غاية خلق الإنسان لو لم يسقط في التعدي والعصيان، فالله كان سيجعله شريكًا للطبيعة الإلهية، كما يؤكد أيضًا على أن النفخة التي نفخ الله في الإنسان هي الروح القدس، روح الابن، وليس كما ينكر النساطرة الجدد بأن النفخة في بداية الخلق هي نفخة الروح القدس. حيث يقول التالي:
“فكما يقول بولس الملهم بكل عقل وحكمة: وأي شيء لك لم تأخذه (١كو٤: ٧). لذلك، فلكي لا يتلاشى ذلك الذي خُلق من العدم، ويعود إلى العدم مرةً أخرى، بل بالحري يُحفظ على الدوام – كما كان قصد الذي خلقه*- لذلك فإن الله يجعله شريكًا للطبيعة الإلهية، لأنه ‘نفخ في أنفه نسمة حياة’ (تك٢: ٧)، أي روح الابن*، لأن الابن نفسه مع الآب هو الحياة، وهو يضبط كل الأشياء معًا في الوجود. لأن كل الكائنات التي تنال الحياة ‘به تحيا وتتحرك’ حسب كلمات بولس الرسول (أنظر أع١٧: ٢٨)”.
المرجع السابق.
ويؤكد ق. كيرلس السكندري على أن النفخة في بداية الخلق هي نفخة الروح القدس، ويقول إنه مَن يفترض أن نفخة الله في بداية الخلق صارت نفسًا مخلوقة هو إنسان لا يملك تفكيرًا سليمًا، ويشرح ذلك كالتالي:
“فإننا يجب أن نكرر مرةً أخرى ونقول – لا يوجد أي إنسان ذو تفكير سليم، يمكن أن يفترض أن النسمة التي صدرت من الجوهر الإلهي صارت نفسًا مخلوقة، بل إنه بعد أن صار للمخلوق نفسًا، أو بالحري بعد أن بلغ إلى كمال طبيعته بوجود النفس والجسد معًا، فإن الخالق طبع عليه ختم الروح القدس أي ختم طبيعته الخاصة أي نسمة الحياة*، والتي بواسطتها صار المخلوق مشكلاً بحسب الجمال الأصلي، واكتمل على صورة ذاك الذي خلقه. وهكذا وُهبت له الإمكانية لكل شكل من أشكال السمو بفضل الروح* الذي أُعطي له ليسكن فيه”.
المرجع السابق، ص ٢١٥.
يتضح من هنا تأكيد ق. كيرلس السكندري على أن التأله هو غاية خلق الإنسان كما قصد الله، أي أن يصير شريكًا للطبيعة الإلهية، ويؤكد ق. كيرلس السكندري على أن نفخة الله في بداية الخلق لم تكن نسمة الحياة المخلوقة في الإنسان، بل ختم الروح القدس أي ختم طبيعته الخاصة في الإنسان، وليس كما ينكر النساطرة الجدد ويدّعون أن نسمة الله في بداية الخلق هي مجرد نسمة الحياة أو النفس المخلوقة في الإنسان.