من سيدين المصريين؟ _ يوحنا أسقف أشمون
من سيدين المصريين؟
بقلم الأنبا يوحنا أسقف أشمون (قرن 6)
كان أنطونيوس مصرياً في جنسه. فأين ستشرق الشمس سوى من المشرق؟ وأين تريد أن يضيء أنطونيوس سوى في مصر، المكان الذي كثرت فيه الخطية وازدادت فيه النعمة جداً، مكان إزهار المواطنين وموضع اجتماع الأجانب؟ لأن معظم القديسين الذين عاشوا هُم من مصر، أو قد جذبتهم مصر إليها من أماكن أخرى، مثل وادٍ يجذب إليه المياه التي تتدفق على جانبيه، أو مثل البحر الذي عنده مياهه الخاصة به وعنده هذه الأنهار التي تصبُّ فيه دائماً من كل صوبٍ.
ألم ينزل إبراهيم إلى مصر للنجاة من المجاعة التي حدثت له؟
أليست مصر هي التي صارت مكان إعالة يعقوب في شيخوخته؟
ألم يُبَع يوسف لمصر، واختُبرَت فضيلته هنا، وصار ملكاً هنا أيضاً؟
وفي مصر أيضاً ولد موسى، وفيها تربَّى، وكان له فيها مُلك مضمون، إلاَّ إنه احتقره من أجل المُلك الذي لا يفنى. ومصر هي التي صارت له سبباً لتلك القوات والآيات.
ومصر التي صارت لإرميا مكان إقامةٍ وهو حيٌّ وبعد أن مات.
ولكي لا أذكر اسم كل واحد من الأنبياء، مَن هو أعظم مواليد النساء؟ تقول: “يوحنا المعمدان”. ومصر هي التي صارت له موضع النياح.
(تم إرسال رفات أليشع النبي ويوحنا المعمدان من أورشليم إلى الإسكندرية في حبرية البابا أثناسيوس الرسولي ثم نقل الرفات بعد ذلك إلى دير القديس انبا مقار بوادي النطرون)
وإن كان جنون هيرودس لم يدعه يأتي إلينا حياً، فإنَّ جنون يوليانوس استودعنا إياه ميتاً. وأثناسيوس قد استقبله.
ومن هو أصغر من يوحنا حسب عُمر الجسد وأعظم منه في ملكوت السموات سوى المسيح يسوع؟ على الرغم من أنها جرأة أن يقارن الله بإنسان. وهذا الشخص بهذا المقدار، مصر هي التي صارت له ملجأُ عندما كان هيرودس أيضاً يطلب نفس الصبي ليهلكها.
وأيضاً كل قادة الرهبان قد مارسوا النسك في مصر. لأنهم مثل مسافرين حكماء يختارون لأنفسهم لأن يسيروا على الطريق التي مُشي عليها من قبل وعُبِّدت. هكذا أيضاً الذين يريدون السير على هذا الطريق المؤدي إلى السماء يحلون تلك المواضع التي سبق أسلافهم فاشتهروا فيها.
وأرض مصر دسمة، ليس فقط فيما يخصُّ إنبات الثمار التي تذبل، بل أيضاً فيما يخصُّ الناس الذين يثمرون حسب الله. ومع ذلك، فالبلاد الأخرى تقدِّم لنا أيضاً ثماراً، ونحن نجد فيها تعزيةً. لكنَّ افتخارنا هو بما عندنا نحن، ولا سيما ما يخصنا وما ضار هنا ولم يكن له مثيلٌ في مكانٍ آخر. لأنه يُقال عن البردي أو الورق أنَّه يُصنَع في مصر وحدها، وأنَّه لا ينبت في بلادٍ أخرى.
وأنطونيوس عاش في هذا البلد، ولم يعش أنطونيوس آخر بهذا المقدار، لا في بلادٍ أخرى ولا في بلده هو شخصياً. لأنَّ شجرة أنطونيوس قد أزهرت لنا أنطونيوس واحداً، كما تزهر النخلة التي تُسمى نكينون عرجوناً واحداً في كل موسم …
الرسل سوق يجلسون على الاثني عشر كرسياً ويدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر (مت 19: 28). فإن كان أولئك سيدينون العبرانيين، لأنهم هم أيضاً عبرانيون، فربما أنطونيوس هو أيضاً وكل القديسين الآخرين الذين عاشوا في مصر هم الذين سيدينون المصريين. لأن الفلاح سيبحث عن الحصاد في الموضع الذي زرع فيه بذاره، وكل القديسين، فرداً فردأً، سيبحثون عن ثمار أتعابهم في المكان الذي غرسوا فيه كلمة تعليمهم.
“أم لستم تعلمون، أن القديسين هم الذين سيدينون العالم؟” (1 كو 6:2)، كما قال الرسول.
المرجع: إطلالات على تراث الأدب القبطي، ترجمة دكتور صموئيل القس قزمان معوض، مديح للقديس أنطونيوس بقلم يوحنا أسقف أشمون