جوهر الحياة المسيحية 4 العودة للنفس ومعرفة الله
جوهر الحياة المسيحية 4 العودة للنفس ومعرفة الله
جوهر الحياة المسيحية 4 العودة للنفس ومعرفة الله
للرجوع للجزء الثالث أضغط هنـــــا.
فالنفس تدخل في هذه الحالة إلى قبر الشهوة وتفقد كل شعور بالحياة ولا تدرك قيمتها ووضعها السليم والصحيح، لأن الشيطان ضحك عليها وأفقدها توازنها وجعلها تحت سلطانه التي يجعلها تخاف على الخروج منه لأنها تعيش في وهم اسمه الخطية والموت ورفض الله: [ فدعي اسم ذلك الموضع قبروت هتأوة (أي قبور الشهوة) لأنهم هناك دفنوا القوم الذين اشتهوا ] (عدد 11: 34)
وحينما يشعر الإنسان بأنين تحت ثقل سُلطان الخطية المُدمر للنفس، يحاول أن يخرج منها ويتحرر من سطوتها، فيُصيغ لنفسه معرفة خاصة ليتخلص من ثقل الخطية التي يحملها، فينشأ لنفسه منهج تدريبي شخصي ليتخلص من ثقل الضمير وتعب الخطية المتسلط على نفسه ويظن أن هذه هي طريق الخلاص، وتنشأ عنده توبة مريضة تدخله يا إما في الكبرياء لو كانت إرادته قوية وانتصر على ذاته وكف عن فعل الشر، يا إما تدخله في حزن ضميره الإنساني الذي يصل به إلى الفشل واليأس من رحمة الله وحنانه الفائق !!!
- والسؤال الذي سيُطرح ما هو المطلوب من الإنسان لكي يدخل في سر معرفة الله الحقيقية ويتخلص من الموت الذي ساد عليه بالخطية ؟!!!
في الحقيقة أن الإنسان لا يستطيع ان يتعرف على وجهه ومدى اتساخه إلا في النور واقفاً أمام المرآة، لأن الأعمى والسالك في الظلمة لا يستطيع أحد منهم أن يعرف مدى اتساخه بل حتى أنه لا يعرف شكل وجهه، وبالمثل فأننا لن نعرف الله ولن نتحرر من الخطية إلا إذا التقينا معه شخصياً فيفتح أعيننا ونراه حاضراً معنا، وأن أردنا أن نرى الله حقاً، فلابدَّ من أن نراه حيث يكون سكناه ولا نبحث عنه بعيداً !!!؛ وأين يا تُرى مكان سكنى الله !!!
وكيف يُمكننا أن نرى الله إن لم يُزال عن أعيُننا الغشاوة أو البرقع الحاجز للنور !!! وكيف يُمكننا أن نلتقي مع الله إذا لم نفتح قلبنا لاستقباله !!! لأن القلب هو مكان اللقاء الحقيقي، وقد دلنا الرب يسوع بفمه الطاهر على الطريق لمعاينته ورؤيته الحقيقية حين قال: [ طوبى لأنقياء القلب فأنهم يُعاينون الله ] (متى 5: 8)
- ومن منا لم يحاول وسعى بكل قوته أن يُنقي قلبه بكل طريقة يراها ممكنه ولم يفشل !!!
لقد حاول الإنسان عَبر التاريخ الإنساني كله، أن يعود إلى نفسه ويُنقي قلبه، لكي تعود له الصورة الأولى من البراءة والحُرية الحقيقية، ولكنه ضلَّ وصار من تيه لتيه، ومن ضعف لموت، إذ أنه حينما عاد إلى نفسه، عادبمعزل عن الله، وحاول أن يصلح نفسه بنفسه بكثير من الأعمال الحسنة لكي يُرضي الله الذي وضع معرفته في قلبه حسب ما توصل إليه من معلومات وأفكار، فسار إلى ضلالٍ أشد، لأن ما يجمعه الإنسان عن الله ويضع له صورة في عقله لكي يصل إليها ويحياها
لأن النفس الميتة لا تستطيع أن تقوم من تلقاء ذاتها بعمل الأحياء، فهل رأينا ميت يموت ويفسد ثم يقوم من تلقاء ذاته ويعمل الأعمال التي تليف بالأحياء!!! هذا بالطبع مستحيل مهما ما صنعنا له، بل ومهما ما وضعنا عليه أغلى العطور وأثمنها، بل وحتى لو تم تحنيطه في ناووس من الذهب والفضة والحجارة الكريمة، وهكذا هي أعمالنا، لأنها هي التابوت الخارجي الجميل الذي يحوي ممات نفوسنا الشقية في داخله، كقبور مُبيَّضة من الخارج ومن الداخل مملوءة عفونة وعظام نخرة يأكلها السوس !!!
ولكن الحل الحقيقي أتانا من فوق مُتجسداً [ والكلمة صار جسداً وحل فينا (حسب النص اليوناني) ] (يوحنا 1: 14)، لقد عَبَرَ المسيح كلمة الله المتجسد الفرقة والعُزلة التي بين الإنسان ونفسه، وبين الإنسان والله، فقد وَحَدَّ الكل في نفسه مع الله، ويقول القديس أثناسيوس الرسولي: [ أنهُ منذ التجسد الإلهي لم يعُد الإنسان يُعرف بمعزل عن الله، ولا الله بمعزل عن الإنسان، لأن الكلمة صار جسداً ]
وهذه الحقيقة التي يقولها القديس أثناسيوس الرسولي ليست فكرة نفرح بها ولكنها تحتاج لأن تتحقق فينا ونتذوقها على المستوى العملي بقبولنا لسرّ التجسد الإلهي على مستوى الخبرة !!!
- وقبول تجسد الرب ليس هو فقط مجرد الإقرار به، بل هو:
* قبول تحولنا إلى صورة الابن بالروح القدس الذي يعمل في داخلنا سراً حتى به نعمل كل شيء صالح إذ يغرس فينا كلمته فتثمر فينا حسب قصده.
* وأيضاً هو قبولنا لمعمودية الرب وتحقيقها فينا بمعموديتنا التي تتجدد فينا بالتوبة، ومعموديتنا هي قبولنا مسحة يسوع لكي نصير مسيحيين ولكي يقودنا الروح القدس إلى البرية، وإلى الجلجثة، بل وإلى القبر لنموت مع المسيح الرب عن إنسانيتنا القديمة، وندخل في سرّ القيامة معه، وهي قيامة النفس التي هي القيامة الأولى، التي تجعلنا ننتظر – طبيعياً – بسهر دائم على حياتنا خاضعين للنعمة مستعدين للقيامة الثانية والأخيرة، قيامة الجسد وتمجيده.
ومن صميم هذه العلاقة الجديدة في المسيح الرب نتذوق حضور الله في القلب، ومن هُنا نُدرك سرّ كرامتنا في المسيح، ويقول القديس مقاريوس الكبير: [ أعرف أيها الإنسان سموك وكرامتك وشرفك عند الله، لكونك أخاً للمسيح (من جهة أنه اتخذ بشريتنا)، وصديقاً للملك، وعروساً للعريس السماوي، لأن كل من استطاع أن يعرف كرامة نفسه، فأنه يستطيع أن يعرف قوة وأسرار اللاهوت، وبذلك ينسحق ويتضع أكثر.. ] (عظة 27: 1)
وسوف نتحدث في الجزء القادم والأخير عن [ ماذا نفعل على وجه التحديد ]