جمال الحظيرة _ الأنبا شنودة رئيس المتوحدين
ماذا سيستفيد الراعي إذا كانت الحظائر سليمة، لكن الخراف فيها هالكة؟
لا شيء البتة. لأن الهلاك والحسرة اللذين قد أصابا الخراف التي ماتت وهي في كنف الحظيرة هما نفس اللذان أصابا الخراف التي ماتت لأنها كانت خارج الحظيرة.
مساكن الله المقدسة والصالحة ترغب أيضاً في أن يسكن فيها أُناس مقدسون وصالحون. لأن ليس معبد الآلهة الخشبية والحجرية وغيرها هو بيت الله.
مساكن المسيح على الأرض كائنة على مثال تلك التي في السموات. فإذا لم نكن قد صرنا قديسين في هذه التي على الأرض، فكيف سنُقبَل في تلك التي في السموات؟
هل تريد أن تعرف ما هي فيض محبة الإنسان نحو الله؟ انتبه، وسوف يظهر لنا الأمر بدون خلاف أو جدال.
لم يقل ربنا: يا سمعان بن يونا، أتحبني؟ إذاً أغرس لي بساتين، وفَلِّح أراض، وابن بيوتاً أو اصنع أعمالاً أخرى من هذا القبيل … لكنه قال له عندما قام من الأموات: “يا سمعان بن يونا، أتحبني؟ إذاً أرعَ خرافي ونعاجي”.
ما هي البطولة العجيبة في أننا نملك ما يغتني فيه كُلّ أبناء هذا الدهر؟
لأن الرب يسوع لما تأنس، على الرغم من أنه هو الله وابن الله، لم يبنِ، ولم يملك بيتاً أو ثوراً أو حماراً أو غنماً أو حقلاً أو بستاناً أو سفينة أو أيَّ قنيةٍ، مع أنَّ له السموات والأرض وكل ما فيها، ولم يأمر أيضاً إلاَّ يقتنيها الإنسان، ولم يحتقرها … بل قد أظهر لنا الأمر، أنَّ الإنسان هو الأفضل، وليس من الجيد أن يُهمَل ما للروح بسبب ما للجسد أو ما للدهر الآتي بسبب ما للدهر الذي سيفنى.
إذا قلنا فقط بالكلام أننا غرباء ونزلاء على الأرض، في حين إننا نتوسع في المباني وبقية الأمور الجسدية، أفلا نخدع أنفسنا وحدنا؟
لأنَّ أديرة مقايسها جميلة وكذلك نمطها وكل رونقها، يليق أن يسكنها أيضاً أناس جميلة موازين قلوبهم ونمط نفوسهم واستقامتهم. وكما أن تزيين الخارج حسنٌ، فالأحسن تزيين الداخل أيضاً. أنا أتحدث عن الكنيسة التي من طوب وحجارة وخشب وبقية المواد التي تُصنع منها، أي ما يخص الخارج، وعن الشعب الذي سيدخلها أو الذي سيسكن فيها، أي ما يخص الداخل. هكذا قيل: “ابنوا أنفسكم كحجر حيّ، بيتاً روحياً لخدمة مقدسة” (1 بط 2: 5)، وأيضاً: “أما الكنيسة التي في جميع اليهودية والجليل والسامرة فكانت في سلام، وكانت تُبنى في خوف الرب وتعزية الروح القدس” (أع 9: 31).
لا يظن أحد أنه سيدخل إلى تلك المكتوبة في السموات وهو لم يُطَهِّر نفسه في تلك (المساكن) التي على الأرض لأنها مبنية حسناً، في حين هو مُحَطَّم فيها، ويحطم بيوتاً أخرى جديدة.
كان هيكل أورشليم جميلاً .. لكن الله أدانهم بسبب أعمالهم التي صنعوها فيه. لأن المسيح لم يبكِ على تلك المدينة لأن البيت الذي فيها كان مزيناً، لكنه بكى على جهالة الساكنين فيها، وعلى الداخلين إليه، ولا سيما على الرؤساء فيه …
ألن يقال هكذا في السماء أيضاً أنَّ البيوت جميلة، وعجيب عند البشر النظر إليها، ولكن فاعلي الموبقات في داخلها أو الداخلين إلى هناك هم غير مستحقين، ومؤلمة رؤيتهم فيها؟ …
قد صاروا غرباء عن هذه التي بُنيَت على الأرض بأيدي العُمال، وصاروا أيضاً غرباء عن تلك (المساكن) التي في السموات غير المصنوعة بيدٍ بشرية.
إذا كان البعض بذل دمه من أجل مساكن المسيح، وآخرون يُصلون لكي يحفظها من الشيطان في المدن والقرى والأقاليم والصحاري والجزر وسواحل الأرض وكل المسكونة، فإذا ملأناها نحن بالنجاسة وكل شر، فالويل لنا …
ليست زينة البيت ولا النقوش المكتوبة على أبنيته وأخشابه هي التي ستصالحنا مع يسوع، في حين أننا نُفسد أعضاءه. لكن النفوس المُزينة بالطهارة والمنقوش عليها هذا السلوك نفسه الذي للملائكة، هي التي ستتكلم في البيت بدالةٍ عن نفسها.
البشر ينظرون إلى الزينة الخارجية للبيوت، أمَّ يسوع فينظر إلى الزنية المُشيدة في البيوت من داخلها …
لأنه ما هو المكان الذي لا يملأه الله في السموات وفي المسكونة، ولا سيما بيته؟
الخارج هو ما يخص البشر لكي يسكنوا فيه، أمَّا الذين بداخله فيهمون المسيح ليسكن فيهم هو وأبوه، حسب كلام الحق الذي للكتاب المقدس …
ليس من أجل نفسه يسكن الله في البيت، وهو لا يحتاج إلى مسكن. سماء السماء وسموات السموات تكفي. حتى لو أراد مسكناً لخَلَقه. أم أنكم لا تفهمون: “العلي لا يسكن في صُنع الأيدي” (أع 7: 48)، وأيضاً: “أي بيت ستبنون لي؟ أليست يدي صنعت هذه كلها؟” (إش 66). لكنه يسكن فيه من أجلنا نحن، إذا صرنا أطهاراً.
فإذا كان الله لم يتراءف على الذين نجَّسوا ما يُقدَّم فيه عجول وخراف وطيور كذبيحة، فهل سيتراءف على الذين ينجِّسون ما يُرفع فيه جسد ابنه ودمه؟ لأنه الآن طويل الأناة علينا. هل كان ذلك الشعب مفتقراً إلى التأديب حتى ننجو نحن؟ أم أننا نحتاج أن يؤدبنا مراتٍ كثيرة؟ أم أننا إذا استطعنا أن ننجو هنا سوف نستطيع أيضاً أن نهرب في يوم عقابه؟ … دمنا على رؤوسنا.
أيُّ إنسان قطُّ قد صار باراً بسبب جمال البيت والمبنى كله، فنصير نحن أيضاً أبراراً؟! لكننا سنخلص إذا حفظنا الفرائض ووصايا الرب الإله التي فيها، التي نسمعها ونقرأها.
المرجع: إطلالات على تراث الأدب القبطي، ترجمة دكتور صموئيل القس قزمان معوض، عظة “قدوس الله” للقديس شنودة رئيس المتوحدين
تذكار نياحة القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين (7 أبيب – 14 يوليو)